ضمانات استقلالية القضاء في الدستور السعودي
إن استقلال القضاء يعتبر ضرورة عدلية لا غنى عنها لحماية حقوق الإنسان في ظل ضعف القيم والمبادئ الدينية التي أحدثت طغيانا ماديا واستهلاكيا نتج عنه المساس بحقوق الآخرين، ولن تضبط مصالح الأفراد المتداخلة والمتشابكة مع بعضها البعض والمؤسسات الحكومية والأهلية بالمجتمع إلا بقضاء مستقل لا يخضع لمؤثرات خارجية.
ومبدأ استقلالية القضاء نشأ منذ نشوء السلطة في دولة الإسلام فكان القضاة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عليهم سلطان، ويتضح ذلك من أنه عليه الصلاة والسلام لم يقيد القضاة حينما يرسلهم إلى الأمصار بتوجيهات معينة، إنما كان يأمرهم بأن يحكموا بكتاب الله وسنة نبيه، وحينما اتسعت رقعة دولة الإسلام في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأمر بفصل أعمال القضاة عن أعمال الولاة، وهذا تأكيد على أن القضاء سلطة وليس وظيفة.
فإذا نظرنا للنظام السعودي وجدنا أن مبدأ ضمان استقلالية القضاء مستقر كقاعدة عليا في النظام الأساسي للحكم، باعتبار أن النص القانوني السعودي يستمد روحه من الشريعة الإسلامية، فالمادة الـ46 نصت على أن «القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية»، واستقلالية القضاء تتحقق بفصل السلطات في الدولة بحيث لا تتدخل سلطة بمهام السلطة الأخرى، ولهذا عبر المنظم السعودي باستقلالية السلطات وإنما بينهما تعاون في أداء المهام بقصد ترسيخ دولة الشريعة والقانون.
وتتجلى استقلالية القضاء بشكل واضح ليس في فصل السلطات فحسب، بل من الناحية الإجرائية، كذلك نجد أن أمراء المناطق لا يتدخلون في شؤون المحاكم التي تقع ضمن ولايتهم الإدارية إطلاقا، كما أن للقضاة حصانة من النقل أو العزل إلا وفق ما نصت عليه الأنظمة القضائية – وأيضا – الأحكام القضائية التي يصدر فيها حكم قصاص لاستيفاء حق أولياء الدم ليس لأحد سلطان على منع تنفيذ الحكم القضائي حتى إن الملك – أيده الله- يشفع بقبول العفو عند أولياء الدم إما قبلوا أو طلبوا تنفيذ الحكم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على رسوخ ضمانات استقلالية القضاء في المملكة العربية السعودية.
وهذه الاستقلالية أعطت القضاء دورا مهما في حماية حقوق الإنسان من خلال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية التي تكفل لكافة المواطنين والمقيمين على إقليم المملكة حفظ حقوقهم، وذلك من خلال حق التقاضي للجميع دون تمييز شخص عن آخر، مع ضمان حق الدفاع للمتهم، وأن الأحكام لا تكتسب القطعية حتى استنفاد مراحل التقاضي.
عبدالله قاسم العنزي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً