لكي يتمكن القاضي من أداء وظيفته بحيدة ونزاهة لابد من أن يحظى باستقرار نفسي اضافة إلى الاستقرار المادي ، فلابد إذن من كفالة هذا الاستقرار من خلال الاحترام الأدبي للقاضي ومنع التأثير فيه من أي جهة . لذلك نجد أن التشريعات المختلفة نصت على عقوبات معينة ضد كل من يحاول المساس بهذا الاستقرار ، ونتناولها في اربعة فروع :
الفرع الأول : منع التطاول على القاضي
منعت التشريعات أي جهة من أن تتطاول على القاضي بالإهانة بأي شكل من الأشكال فقد نص المشرع العراقي على معاقبة كل من أهان بالإشارة أو القول أية محكمة قضائية أو إدارية أو عضو من أعضاء المحكمة في أثناء انعقاد الجلسة بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة أو بهما، كما كفل قانون العقوبات العراقي حماية للقاضي كونه موظفاً عاماً بالنص على ان ( تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او باحدى هاتين العقوبتين اذا وقعت الاهانة او التهديد على حاكم او محكمة ) (1) . كما عاقب المشرع المصري كل من أخل علناً بمقام القاضي أو هيبته أو سـلطته في نظر دعوى معينة بالحبس والغرامة أو بإحداهما (2). كما نص قانون العقوبات السوري على أنه [ إذا وقع التحقير بالكلام أو الحركات أو التهديد على قاضٍ في منصـة القضاء كانت العقوبة الحبس من سـتة أشهر إلى سنتين] (3).
الفرع الثاني : منع التأثير في عمل القاضي
فقد منعت التشريعات من نشر كل ما يؤثر في عمل القاضي وعقيدته ، فقد نص المشرع العراقي على أنه [ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من نشر بإحدى طرق العلانية أموراً من شأنها التأثير في القضاة الذين أنيط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام جهة من جهات القضاء ، أو في الخبراء أو المحكمين أو الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى أو ذلك التحقيق أو أموراً من شأنها منع اشخص من الإفضاء بمعلوماته لذوي الاختصاص] (4). كما عاقب المشرع المصري كل من نشر بإحدى طرق النشر أموراً تؤثر في القضاء أو أعضاء النيابة العامة أو الموظفين والمكلفين بتحقيق ، وذلك بالحبس مدة لا تتجاوز 6 أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين جنيهاً أو بإحدى هاتين العقوبتين(5). ويلاحظ أن القضاء يستطيع من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصم ذي المصلحة أن يصدر أمراً يمنع بموجبه نشر أي مقال أو خبر من الممكن أن يؤثر في الرأي العام ، وأن تأثير الرأي العام في تكوين عقيدة وقرار القاضي ، هو تأثير حقيقي في حرية القاضي في اتخاذ قراره لذلك قال بعضهم [أعرف قضاة حكموا بالظلم ليشتهروا بالعدل] (6).
الفرع الثالث : التدخل في شؤون القضـاء
فقد منع المشرع التوسط لدى القضاء لمصلحة أحد الخصوم أو الإضرار به ، فقد نص المشرع العراقي على أن [ كل مكلف بخدمة عامة توسط لدى حاكم أو محكمة لصالح أحد الخصوم أو إضراراً به سواء كان ذلك بالأمر أو الطلب ، أو التوصية ، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سـتة أشهر أو بدفع غرامة لا تزيد على خمسـين ديناراً] (7) . كما نص على أنه [ إذا ترتب على الأمر الصادر من المكلف بالخدمة العامة وفقاً للمادة السابقة صدور قرار غير عادل يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة أو بالعقوبتين] (8).
الفرع الرابع : منع الإخلال بنظام الجلسة
فقد جوز المشرع للقاضي اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يصدر منه فعل يُعد إخلالاً بنظام الجلسة ، من الخصوم وغيرهم اذ نص المشرع العراقي في قانون المرافعات المدنية على منح القاضي سلطة في إخراج كل من يخل بنظام الجلسة من القاعة ، ويستطيع القاضي حبسه أربعاً وعشرين ساعة أو تغريمه ، كذلك فإن المحكمة تقوم بكتابة محضر عن كل ما يقع في أثناء انعقادها من جرائم ، ومن ثم اتخاذ الإجراءات التحقيقية والقبض على من وقعت الجريمة منه إذا كانت جناية أو جنحة(9). كما نص قانون أصول المحاكمات السوري على أن [ لرئيس المحكمة أن يخرج من الجلسة من يخل بنظامها فإن لم يتمثل وتمادى ، كان للمحكمة أن تحكم على الفور بحبسه أربعاً وعشرين ساعة أو بتغريمه] (10). كما نص على أنه [ إذا بدر أثناء انعقاد المحاكمة في جلسة علنية … علامة استحسان أو استهجان أو حركة ضوضاء بأي صورة كانت أمر رئيس المحكمة أو المحقق بطرده فإن أبى أو عاد بعد طرده أمر القاضي بتوقيفه وإرساله مع الأمر الصادر بهذا الشأن إلى محل التوقيف فيبقى موقوفاً أربعاً وعشرين ساعة على الأكثر] (11). وظاهرٌ أن هذه الضمانات كان المشرع قد قررها لحماية القاضي من الإساءة أو الإهانة ، فهي ضمانات أوجدها المشرع لحماية هيبة وظيفة القضاء ، فهو لم ينظر إلى القاضي بصفته الشخصية بل أنه نظر إليه بصفته الوظيفية فكل مساس بشخص القاضي بالإهانة هو مساس بوظيفته ، ومساس بهيبة المحكمة ، كذلك الإخلال بنظام الجلسة فإنه موجه إلى هيبة المحكمة ووظيفة القضاء ، أما منع التأثير في عمل القاضي أو التدخل في شؤونه فإنه يهدف إلى كفالة الاستقرار والاطمئنان النفسي لدى القاضي لكي يؤدي واجبه باتقان. ونرى أنه كان يجدر بالمشرع أن يترك أمر العقوبة وتقدير استحقاق من يمس هيبة القضاء لتلك العقوبة ، إلى سلطة القاضي التقديرية ذلك أنه يلاحظ من خلال النصوص في هذا الشأن أنها جاءت على سبيل الإلزام وليس الجواز ، في حين أن القاضي هو الأقدر على معالجة الموقف من خلال إحاطته الكاملة بظروفه ، وبذلك تحقق هدفين : الأول ، كفالة الاحترام الأدبي للقضاء . والثاني ، منع الحيف الذي يلحق بالشخص ، من خلال العقوبة ، الذي لا يقصد الإساءة إلى القضاء واحترامه .
______________________
– المادة 229 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
2- المادة 186 من قانون العقوبات المصري .
3- المادة 373 من قانون العقوبات السوري .
4- المادة 235 من قانون العقوبات العراقي .
5- المادة 187 من قانون العقوبات المصري .
6- د. محمد عبد الخالق عمر ، المصدر السابق ، ص28 .
7- المادة 104 من قانون العقوبات العراقي .
8- المادة 105 من نفس القانون .
9- المادة 63/1 من قانون المرافعات العراقي .
0- المادة 139 من قانون أصول المحاكمات السوري .
1- المادة 396 من القانون نفسه .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً