أحكام الهبة والرجوع فيها طبقاً للقانون المدني الكويتي
لقد نظم القانون المدني الكويتي أحكام الهبة في المواد من (524 إلى 542).
والهبة، كما عرفها القانون المدني الكويتي، هي: “عقد على تمليك مال – في الحال – بغير عوض” (المادة 524 مدني كويتي).
والهبة تختلف عن الوصية في أنها عقد على تمليك مال، في الحال وليس مضافاً إلى ما بعد الموت. إلا أنه تسري على الهبة في مرض الموت أحكام الوصية (المادة 529).
ولا تنعقد الهبة على مال مستقبل (المادة 526)، ولا هبة مال الغير (المادة 527). ولا تنعقد الهبة إلا إذا اقترنت بقبض الموهوب أو وثـِّقت في محرر رسمي (المادة 525).
ويعتبر القبض قد تم، ولو بقي الشيء في يد الواهب، إذا كان ولياً أو وصياً أو قيماً أو قائماً على تربية الموهوب له. (المادة 525).
ومن المقرر في قضاء محكمة التمييز أن: “المادة (525) من القانون المدني إذ نصت على أن “1- لا تنعقد الهبة إلا إذا اقترنت بقبض الموهوب، أو وثقت في محرر رسمي. 2- ويعتبر القبض قد تم ولو بقي الشيء في يد الواهب إذا كان ولياً أو وصياً أو قيماً أو قائماً على تربية الموهوب له”، فقد دلت على أن الرسمية في الهبة – في غير حالة اقتران الهبة بقبض الموهوب – هي ركن في العقد لا يتم إلا بتوافرها بحيث إذا تخلف هذا الركن كانت الهبة باطلة بطلاناً مُطلقاً، ولا تنتج أثراً سواء بالنسبة لطرفيها أو الغير، ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها عملاً بالمادة (184) من القانون المدني”.
(الطعن بالتمييز رقم 2 لسنة 1993 – جلسة 15/11/1993م – مكتب فني سنة 21 – صـ 373)
والأصل العام أنه: إذا انعقد عقد الهبة صحيحاً، فلا يجوز للواهب الرجوع في هبته، ويستثنى من هذا الأصل العام حالتان:
الأولى: حالة رجوع الأبوين فيما وهباه لولدهما.
الثانية: حالة ترخيص القضاء للواهب بالرجوع في هبته، إذا استند الواهب في ذلك إلى عذر مقبول (المادة 537).
وفي خصوص تطبيق الحالة الثانية، يعتبر – على وجه الخصوص (على سبيل المثال لا الحصر) – عُذراً مقبولاً للرجوع في الهبة، ما يلي:
1) أن يخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، إخلالاً يعتبر جحوداً كبيراً من جانبه.
2) أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية، أو أن يصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من النفقة على الغير.
3) أن يرزق الواهب – بعد الهبة – ولداً يظل حياً إلى وقت الرجوع (المادة 538).
إلا أنه يمتنع على الواهب الرجوع في هبته مطلقاً، في الحالات التالية:
1) إذا كانت الهبة من الأم، وكان ولدها يتيماً وقت الرجوع.
2) إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر، ما دامت الزوجية قائمة.
3) إذا مات الواهب، أو الموهوب له.
4) إذا تصرف الموهوب له في الموهوب، تصرفاً يخرجه عن ملكه، فإذا اقتصر التصرف على بعض الموهوب، جاز للواهب أن يرجع في الباقي.
5) إذا حصل تغير في ذات الموهوب، أو حصلت فيه زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته.
6) إذا تعامل الغير مع الموهوب له مع اعتبار قيام الهبة.
7) إذا مرض الواهب أو الموهوب له مرضاً، يخشى معه الموت، فإذا زال المرض عاد حق الرجوع.
8) إذا اقترنت الهبة بتكليف.
9) إذا كانت الهبة لغرض خيري (المادة 539)
ويترتب على الرجوع في الهبة، إعادة الموهوب إلى ملك الواهب من حين تمامه، وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل. (المادة 541).
ونفقات الهبة تكون على الموهوب له، ونفقات الرجوع في الهبة تكون على الواهب، ما لم يتفق على غير ذلك (المادة 542).
الرجوع في الهبة، حالاته، وموانعه:
جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني – تعليقاً على نصوص المواد (537 و538 و539) – ما نصه:
“جواز الرجوع في الهبة مُختلف عليه في الفقه الإسلامي: فالمذهب “الحنفي” يُجيز الرجوع إلا لمانع.
أما “المالكية” و “الشافعية” و “الحنابلة” فلا يجيزون الرجوع إلا في حالة واحدة، هي حالة هبة الوالد لولده وهو ما يُسمى عند المالكية باعتصار الهبة أو استرجاعها، فيعتصر الأب – أي يسترجع قهراً – ما وهبه لولده. وتستند هذه المذاهب الثلاثة إلى ما روي عن النبي – صل الله عليه وسلم: “لا يرجع الواهب في هبته، إلا الوالد فيما يعطي لولده”.
وهناك رأي آخر يحكى عن أهل الظاهر رواية عن أحمد بن حنبل، لا يُجيز الرجوع في الهبة أصلاً ولو من الوالد، ويستدل على ذلك بالحديث: “العائد في هبته كالعائد في قيئه”. وبأن الهبة عقد تمليك منجز كالبيع، فلا يجوز الرجوع فيها.
وقد رأى المشروع أن يجعل الأصل هو عدم جواز الرجوع في الهبة، إلا للأبوين فيما وهباه لولدهما – كما هو مقرر في مذهب “مالك” – المادة 537/1 – ولكنه آثر لاعتبارات عديدة أن يجيز الرجوع في الهبة، استثناءً من هذا الأصل بقيدين أوردهما بالمادة 537/2 والمادة 538 منه:
القيد الأول: أن يستند الواهب في الرجوع إلى عذر مقبول، ويعتبر على وجه الخصوص عذراً مقبولاً:
1- أن يخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، إخلالاً يُعتبر جحوداً كبيراً من جانبه.
2- أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية، أو أن يصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من النفقة على الغير.
3- أن يرزق الواهب، بعد الهبة، ولداً يظل حياً إلى وقت الرجوع. وغني عن البيان أنه يكون للواهب أن يطلب إبطال الهبة “للغلط” إذا كان له ولد يظنه ميتاً وقت الهبة ثم تبين أنه على قيد الحياة.
وهذه الأعذار ليست مذكورة على سبيل الحصر، وإنما خُصت بالذكر لأنها هي الأعذار الغالبة التي تبرر الرجوع في الهبة. وذلك لا يمنع من أن تقوم أعذار أخرى تجعل الرجوع مُبرراً.
القيد الثاني: أن يصدر إذن من القضاء بالرجوع، حتى يكون القضاء رقيباً على الواهب في ذلك، يجيبه إلى طلب الرجوع إذا رأى أن العذر في الرجوع عذر مقبول، ويرفض طلبه إذا لم ير قبول العذر، أو إذا تبين وجود مانع من موانع الرجوع.
وطبقاً للمادة (539) من المشروع يمتنع الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية:
1- إذا كانت الهبة من الأم وكان ولدها يتيماً، سواء حصل اليتم قبل الهبة أم حصل بعدها، لأن الهبة لليتيم في معنى الصدقة، والصدقة لا يجوز الرجوع فيها. وهذا هو القول المعتمد في مذهب “مالك”، وينبني على اعتبار حال الولد وقت الرجوع، أي على اعتبار حالة كونه يتيماً أو غير يتيم، وقطع النظر عن حاله وقت الهبة. واليتيم هو الصغير الذي ليس له أب تجب نفقته عليه. فيُشترط لرجوع الأم في هبتها أن يكون ولدها كبيراً، أو صغيراً له أب مسئول عن نفقته.
2- إذا كانت الهبة من أحد الزوجين لـلآخر، ما دامت الزوجية قائمة.
3- إذا مات الواهب أو الموهوب له. لأنه إذا مات الواهب فإن حق الرجوع
لا ينتقل إلى ورثته، وإذا مات الموهوب له تعلق حق ورثته بالمال الذي
وهب له.
4- إذا تصرف الموهوب له في الموهوب تصرفاً يخرجه عن ملكه، كما إذا باعه أو وهبه لغيره، فإذا اقتصر التصرف على بعض الموهوب جاز للواهب أن يرجع في الباقي.
(مع ملاحظة أن سوء النية في التعاقد لا يرتب بطلانه، ولا يحول دون قيام آثاره القانونية). “طالما لم تثبت صوريته”.
(الطعن بالتمييز رقم 536 لسنة 2009 مدني/2 – جلسة 7/2/2010م)
5- إذا حصل تغير في ذات الموهوب، أو حصلت زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته، أما تغير قيمة الموهوب مع بقاء الذات على حالها فلا يمنع من الرجوع، لأن زيادة القيمة بالغلاء أو نقصها بالرخص أمر عارض لا يعتد به، ومن باب أولى فإن هلاك الموهوب في يد الموهوب له، يمنع من الرجوع لفواته.
6- إذا تعامل الغير مع الموهوب له مع اعتبار قيام الهبة. كالبيع له بثمن مؤجل أو إقراضه أو تزويجه نظراً لما حصل له من الميسرة بما وُهِبَ له. لأنه يترتب على الرجوع في الهبة ضياع حقوق الغير أو توريط الموهوب له. أما حصول التعامل مع الموهوب له الذي لا يكون مع اعتبار قيام الهبة، فلا يمنع من الرجوع، لأنه لا دخل للهبة في حصوله، فلا يترتب على الرجوع ضياع حق الغير ولا توريط الموهوب له.
7- إذا مرض الواهب أو الموهوب له مرضاً مخوفاً – أي مرض يخشى معه الموت – أما المرض العادي فلا يعتد به، ويمتنع الرجوع في هذه الحالة لأنه إذا مرض الواهب مرضاً مخوفاً وكان استرجاعه الموهوب لمصلحة غيره لرجحان موته من مرضه، ومصلحة ذلك الغير ليست بأولى من مصلحة الموهوب له، وإذا مرض الموهوب له مرضاً مخوفاً، تعلق حق ورثته بالمال الذي وُهِبَ له فيمتنع الرجوع لتعلق حق الغير به، فإذا زال المرض عاد حق الرجوع لزوال المانع.
8- إذا اقترنت الهبة بتكليف.
9- إذا كانت الهبة لغرض خيري، كإنشاء مسجد.
وغني عن البيان أن هذه الموانع تسري على رجوع الأبوين الذي لا يرد عليه قيد، كما تسري على الرجوع المقيد بالعذر وباستئذان القضاء”.
استقلال القضاء بتقدير العذر المقبول (المبرر للتصريح بالرجوع في الهبة):
من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن: “مفاد نص المادتين (537 و538) من القانون المدني أن المشرع وإن جعل الأصل هو عدم جواز الرجوع في الهبة – في غير هبة الوالدين لولدهما – إلا أنه آثر أن يُجيز الرجوع فيها استثناءً من هذا الأصل بترخيص من القضاء إذا استند الواهب في ذلك إلى عذر مقبول، وقد أورد في المادة (538) – على سبيل المثال لا الحصر – ما يعتبر على وجه الخصوص عُذراً مقبولاً للرجوع في الهبة، ومنها حالة ما إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب إخلالاً يُعتبر جحوداً كبيراً من جانبه، وكان المشرع لم ينص على صور ذلك الإخلال أو يضع معياراً محدداً له، فإن تقدير ما يُعد من أعمال الموهوب له وتصرفاته إخلالاً بما يجب عليه نحو الواهب من الاعتراف بالجميل وينطوي على جحود كبير من جانبه، هو من الأمور الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع حسبما تستبين من ظروف الدعوى وملابساتها بلا معقب متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله”.
(الطعن بالتمييز رقم 698 لسنة 2004 تجاري/2 – جلسة 2/3/2005م)
شروط رجوع الأبوان فيما وهباه لولدهما:
هدياً بما تقدم، فإنه يجوز للأبوين الرجوع فيما وهباه لولدهما، بدون حاجة إلى اللجوء للقضاء للترخيص لهما في ذلك، وبدون اشتراط وجود عُذر مقبول يبرر لهما الرجوع، وكل ما يُشترط في هذه الحالة هو فقط: عدم وجود مانع من موانع الرجوع في الهبة المنصوص عليها في المادة 539 على سبيل الحصر.
حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أن: “النص في المادة 537/1 من القانون المدني على أنه “لا يجوز للواهب الرجوع في هبته، إلا الأبوين فيما وهباه لولدهما”، وفي المادة 539 من ذات القانون على أنه “يمتنع الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية: أ) … و) إذا تعامل الغير مع الموهوب له مع اعتبار قيام الهبة …”، يدل على أن المشرع أجاز للوالدين الرجوع فيما وهباه لولدهما دون قيد – استثناءً من الأصل الذي قرره وهو عدم جواز الرجوع في الهبة – ما لم يتوافر مانع من موانع الرجوع والتي أوردتها المادة 539 سالفة البيان على سبيل الحصر، ومنها إذا تعامل الغير مع الموهوب له مع اعتبار قيام الهبة، كأن يبيع له بثمن مؤجل أو يقرضه أو يزوجه نظراً لما حصل له الميسرة بما وُهِبً له. وعلة ذلك – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية – أنه يترتب على الرجوع في الهبة في هذه الحالة ضياع حقوق الغير وتوريط الموهوب له”.
(الطعن بالتمييز رقم 1172 لسنة 2006 تجاري/4 – جلسة 17/4/2008م)
كما قضت محكمة التمييز بأن: “النص في الفقرة “د” من المادة (539) من القانون المدني على أنه يمتنع الرجوع في الهبة “إذا تصرف الموهوب له في الموهوب تصرفاً يخرجه عن ملكه …”، مفاده أنه يُشترط لقيام المانع من الرجوع في الهبة أن يتصرف الموهوب له في المال الموهوب تصرفاً يخرجه نهائياً عن ملكه، وأن هذا المانع – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية – يسري على رجوع الأبوين الذي لا يرد عليه قيد، كما يسري على الرجوع المقيد بالعُذر وباستئذان القضاء”.
(الطعن بالتمييز رقم 178 لسنة 2001 مدني – جلسة 13/5/2002م)
الخـلاصــة:
– أنه إذا وجد أي مانع من موانع الرجوع في الهبة (وهي التسع موانع) المنصوص عليها حصراً في المادة (539) من القانون المدني، فإنه يحظر على الأبوين الرجوع فيما وهباه لولدهما،
– أما إذا لم يوجد أي مانع من تلك الموانع فإنه يجوز للأبوين الرجوع فيما وهباه لولدهما بلا قيد (وبدون اشتراط اللجوء للقضاء للتصريح لهما بذلك، وبدون اشتراط وجود عذر مقبول يبرر الرجوع).
الرجوع في الهبة فيما بين الزوجين:
الهبة فيما بين الزوجين، وطلب الرجوع فيها، بها فرضان:
الأول: حال قيام الزوجية:
فطبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة (539) من القانون المدني، يمتنع الرجوع في الهبة، إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر، ما دامت الزوجية قائمة، ففي هذه الحالة يمتنع الرجوع في الهبة مُطلقاً.
ومن المقرر في قضاء محكمة التمييز أن: “المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه لما كان النص في المادة (537) من القانون المدني على أنه “1) لا يجوز للواهب الرجوع في هبته إلا الأبوين فيما وهباه لولدهما، 2) ومع ذلك يجوز في غير هذه الحالة الرجوع في الهبة بترخيص من القضاء إذا استند الواهب في ذلك إلى عذر مقبول”، كما بينت المادة (538) من ذات القانون الحالات التي تعتبر على وجه الخصوص أعذاراً مقبولة للرجوع في الهبة باعتبارها الأعذار الغالبة ومنها حالة ما إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب إخلالاً يعتبر جحوداً كبيراً من جانبه – بما مفاده أن المشرع وإن جعل الأصل عدم جواز الرجوع في الهبة في غير هبة الوالدين لولدهما إلا أنه آثر أن يجيز الرجوع فيها استثناءً من هذا الأصل بقيدين هما أن يستند الواهب في الرجوع إلى عذر مقبول وأن يصدر إذن من الفضاء بالرجوع وذلك بشرط عدم توافر مانع من موانع الرجوع التي أوردتها المادة (539) من القانون المدني على سبيل الحصر ومنها ما ورد بالفقرة (ب) التي تنص على أن يمتنع الرجوع إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر ما دامت الزوجية قائمة – كما أن من المقرر أن محكمة الموضوع تلتزم بمواجهة كل دفاع يتمسك به الخصم متى كان هذا الدفاع جوهرياً. لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن الطاعنة تمسكت أمام محكمة الموضوع بأنها زوجة للمطعون ضده الأول – وأن الزوجية لا زالت قائمة وهي مانع من موانع الرجوع في الهبة – إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع رغم جوهريته إذ يترتب عليه تغيير وجه الرأي في الدعوى مما يعيبه ويوجب تمييزه”.
(الطعن بالتمييز رقم 829 لسنة 2007 تجاري/2 – جلسة 12/4/2009م)
الثاني: حال انفصام عرى الزوجية:
في هذه الحالة يُشترط للرجوع في الهبة توافر ثلاثة شروط، هي:
1) الحصول على تصريح من القضاء بالرجوع في الهبة.
2) وهذا التصريح القضائي، مشروط بدوره بتوافر عذر مقبول يبرر الرجوع في الهبة (ولمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير قيام هذا العذر من عدمه).
3) كما أن هذا التصريح القضائي، مشروط كذلك بعدم قيام أي مانع من موانع الرجوع في الهبة (المنصوص عليها حصراً في المادة (539) من القانون المدني سالفة الذكر).
فإذا توافرت هذه الشروط الثلاثة، فمن المرجح أن تصرح المحكمة للواهب بالرجوع فيما وهبه للزوج الآخر، أما إذا لم تقدر المحكمة جدية العذر المبرر لطلب الرجوع في الهبة، أو كان هناك مانع من موانع الرجوع في الهبة، فمن المرجح أن ترفض المحكمة التصريح للواهب بالرجوع فيما وهبه للزوج الآخر.
فمن المقرر في قضاء محكمة التمييز أنه: “لما كان من المقرر أنه لا يجوز للواهب الرجوع في هبته إلا الأبوين فيما وهباه لولدهما، ومع ذلك يجوز في غير هذه الحالة الرجوع في الهبة بترخيص من القضاء إذا استند الواهب في ذلك إلى عذر مقبول، ومنها حالة إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب إخلالاً يُعتبر جحوداً كبيراً من جانبه، وحالة ما إذا أصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية، أو أن يُصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من نفقة على الغير، وأن تقدير ذلك كله هو من الأمور الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع حسبما تستبينه من ظروف الدعوى وملابساتها دون معقب عليها في تقديرها متى أقامت قضاءها على أسباب لها معينها الصحيح في الأوراق، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن بالرجوع في الهبة الصادرة منه للمطعون ضدها، على ما استخلصه من سائر أوراقها ومستنداتها وأدلتها، من أنها تحصلت على حكم نهائي بتطليقها منه بعد أن ثبت لدى محكمة الأحوال الشخصية مُصدرة حكم التطليق أنه دائم الاعتداء عليها بالضرب والسب والإهانة، وهو ما ينفي عنها الجحود ونكران الجميل الذي يبرر للطاعن الرجوع في هبته لها نصف عقار التداعي، كما خلت الأوراق من دليل ينهض على أن الطاعن وهو الواهب قد غدا عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية، أو أنه أصبح غير قادر على الوفاء بالتزاماته، ورتب الحكم على ذلك عدم توافر أي من الحالات التي تجيز للطاعن الرجوع في الهبة، وكان ما استخلصه الحكم وانتهى إليه سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق وكافياً لحمل قضائه وفيه الرد على ما يثيره الطاعن على خلافه، وما ينعاه عليه بما ورد بسببي النعي تعييباً على هذا الاستخلاص وتوافر إخلال المطعون ضدها بما يجب عليها نحوه ونكران الجميل وأنه أصبح غير قادر على أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية وأنه أصبح غير قادر على الوفاء بالتزاماته، لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع سلطة فهمه وتقديره مما لا يجوز المجادلة فيه أمام محكمة التمييز، ومن ثم فإن الطعن برمته يكون مقاماً على غير الأسباب المبينة بالمادة (152) من قانون المرافعات ويتعين عدم قبوله عملاً بالمادة (154) من ذات القانون. لذلك: قررت المحكمة – في غرفة المشورة – عدم قبول الطعن وألزمت الطاعن المصروفات مع مصادرة الكفالة”.
(الطعن بالتمييز رقم 308 لسنة 2012 مدني/3 – جلسة 2/4/2013م)
(والطعن بالتمييز رقم 811 لسنة 2011 مدني/1 – جلسة 11/3/2012م)
(والطعن بالتمييز رقم 669 لسنة 2010 مدني/3 – جلسة 6/12/2011م)
تقادم حق الرجوع في الهبة:
لم يرد نص خاص بالتقادم في النصوص المنظمة لقواعد وأحكام الرجوع في الهبة، لذا فإن هذه المسألة تخضع للقواعد العامة التي تقضي بتقادم الحقوق بخمس عشرة سنة.
وإذا كان من المقرر قانوناً أنه لا يجوز التمسك ببطلان العقد (في العقد القابل للإبطال) بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ انعقاده (المادة 186/2 من القانون المدني)، فإنه من باب أولى لا يجوز الرجوع في العقد الصحيح بعد مضي خمس عشرة سنة من تاريخ انعقاده. وذلك لذات العلة وهي لضمان استقرار المعاملات في المجتمع وعدم اضطراب المراكز القانونية.
وبصرف النظر عن “الحق الموضوعي”، فإن “الحق في الدعوى” بدوره يسقط بمضي خمس عشرة سنة. فمن المقرر في قضاء محكمة التمييز أن: “المقرر بنص المادة 186 من القانون المدني أن “العقد الباطل لا يتصحح بمرور الزمان”، إلا أن دعوى البطلان تسقط بمرور خمسة عشر سنة من تاريخ العقد”.
(الطعن بالتمييز رقم 30 لسنة 1992 – جلسة 15/2/1992 – المكتب الفني سنة 21 – صـ 172)
هذا، ومن المقرر قانوناً أن الدفع بالتقادم ليس من النظام العام (الطعن بالتمييز رقم 161 لسنة 1990 – جلسة 19/1/1992م)؛ فلا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، وإنما يلزم لذلك تمسك صاحب المصلحة فيه بهذا الدفع صراحةً على نحو جازم يقرع به سمع محكمة الموضوع.
كما أنه من المقرر قانوناً أن هذا الدفع – الدفع بالتقادم – ليس دفعاً شكلياً، وبالتالي فهو لا يسقط بالكلام في الموضوع، وإنما يجوز إبداؤه في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، بل ويجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. ولكن لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة التمييز – ما لم تكن وقائعه معروضة على محكمة الاستئناف – لأنه دفع يخالطه واقع؛ فضلاً عن أنه لا يجوز إبداء سبب جديد غير متعلق بالنظام العام لأول مرة أمام محكمة التمييز.
(الطعن بالتمييز رقم 112 لسنة 1981 – جلسة 31/3/1982م)
فإذا لم يتمسك صاحب المصلحة بالدفع بالتقادم، فإن محكمة الموضوع ستسمر في نظر الدعوى والفصل فيها بُناءً على تقديرها لجدية الأعذار المبداه للرجوع في الهبة، طالما لم يتوافر أي مانع من موانع الرجوع فيها، ولمحكمة الموضوع في ذلك الشأن سلطة تقديرية واسعة حسبما تستبين من وقائع الدعوى وملابساتها بغير معقب عليها من محكمة التمييز متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها وكافية لحمل قضائها.
هذا، والله أعلى وأعلم،،،
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً