بحث قانوني قيم حول ضوابط و أساليب الرقابة القضائية على دستورية القوانين في أمريكا
المقدمة
إن السبب الرئيسي لظهور الرقابة علي دستورية القوانين هو مبدأ ( سمو الدستور ) عن غيره من التشريعات العادية * فيجب أن تتوافق كافة القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية مع الدستور ( الجامد ) شكلا ومضموناً .
حيث أن مسألة دستورية القوانين لا تثار إلا في ضل الدساتير الجامدة * أما في الدساتير المرنة فإنه نادراً ما تثار هذه المسألة لأنه لا يوجد تدرج في قوة التشريعات* عكس الدستور الجامد فإنه يقوم علي التدرج التشريعي * تدرج من حيث القوي * أي خضوع القاعدة الأدنى في الهرم التشريعي إلى القاعدة الأعلى * فالدستور هو الأعلى في الهرم التشريعي حيث أنه من عمل السلطة التأسيسية ( الشعب ) أو من يمثله * ثم يأتي من بعده القانون العادي وهو من صنع السلطة التشريعية .
إذا ما صدر قانون عادي مخالف للدستور فإن ذلك يثير إشكالا من حيث مراقبة مدي اختلاف القانون العادي عن الدستور و أيهما الذي يطبق * ومن هنا ظهرت فكرة دستورية القوانين والتي اتفقت عليها كافة الدساتير الحديثة إلا أنها اختلفت من حيث تنظيم هذه الرقابة .
ويمكن تصنيف أساليب الرقابة الدستورية في أسلوبين :-
1- الرقابة السياسية لدستورية القوانين .
2- الرقابة القضائية لدستورية القوانين .
فالرقابة السياسية لدستورية القوانين
تعني أن يوكل إلي هيئة سياسية مهمة تولي الرقابة علي دستورية القوانين ويرجع ظهور هذا الأسلوب الرقابي إلي فرنسا.
ولكن أغلب الدساتير المعاصرة تميل إلي الرقابة القضائية علي دستورية القوانين نظرا لفقدان الثقة في المجالس المنتخبة * وزيادة الثقة في الجهاز القضائي وذلك لاستقلاله ونزاهته.
والرقابة القضائية علي دستورية القوانين
ترمز إلي صفة الهيئة التي تباشر ها * فهذه الرقابة تمارس من قبل هيئات قضائية * ويرجع سبب ظهور هذا الأسلوب الرقابي إلي الظروف التي مرت بها الولايات المتحدة أثناء فترة الاستعمار وأيضا أثناء استقلالها حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي ابتكرت أسلوب الرقابة القضائية علي دستورية القوانين .
حيث أن محور هذا البحث سيكون حول الرقابة القضائية علي دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك حسب الخطة التالية :
المبحث الأول:- مفهوم الرقابة القضائية علي دستوريه القوانين و نشأتها
المطلب الأول:- مفهوم الرقابة القضائية علي دستوريه القوانين
المطلب الثاني:- نشأت الرقابة القضائية علي دستورية القوانين في أمريكا
المبحث الثاني:- ضوابط وأساليب الرقابة القضائية على دستورية القوانين في أمريكا
المطلب الأول:- ضوابط الرقابة القضائية على دستورية القوانين
المطلب الثاني:- أساليب الرقابة القضائية على دستورية القوانين
المبحث الأول:- مفهوم الرقابة القضائية علي دستوريه القوانين و نشأتها
سنتكلم في هذا المبحث عن مفهوم الرقابة القضائية علي دستورية القوانين بصفة عامة وسبب تسميتها بهذا الاسم * تم نتطرق وبشيء من التفصيل إلي نشأتها في الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الوطن الأم للرقابة القضائية علي دستورية القوانين .
المطلب الأول:- مفهوم الرقابة القضائية علي دستورية القوانين
لقد سميت بالرقابة القضائية علي دستورية القوانين نظرا لصفة الهيئة التي تباشر ها * فهده الرقابة تمارس من قبل السلطات القضائية علي أساس تدخل الجهاز القضائي لإصدار حكم بمدي توافق أو عدم توافق تشريع معين مع الدستور* سواء أكانت من اختصاص الجهاز القضائي العادي أو جهازا خاصا تنحصر مهمته في الرقابة علي دستورية القوانين * وتعتبر الرقابة القضائية علي دستورية القوانين من صميم اختصاص الهيئة القضائية فالنزاع هنا طرفاه قانونين * احدهما دستوري والأخر عادي *حيث يقدم الدستوري لأنه الأعلى ويستبعد الثاني لأنه الأدنى.
والرقابة القضائية علي دستورية القوانين تمتاز ببعض المميزات نذكر منها :-
أ- الاستقلال و الحياد والموضوعية المستمدة من استقلال القضاء وموضوعيته.
ب- وجود قضاة مؤهلين بحكم تكوينهم للاضطلاع بمهمة فحص القوانين والفصل في مدي موافقتها أو مخالفتها لأحكام الدستور.
ج- توفر ضمانات للمتقاضين هدفها الوصول إلي الحقيقة المجردة ومن هده الضمانات حرية التقاضي * حق الترافع * علانية الجلسات و حق الطعن.
ورغم النجاح النسبي الذي تحقق عن طريق الرقابة القضائية علي دستورية القوانين إلا أنها لم تسلم من النقد * فالجدل الفقهي حولها لم يتوقف فقد أعترض جانب من الفقه علي هذه الرقابة وأعتبرها غير ديمقراطية* لأن القضاء يمارس رقابته على السلطة التشريعية ومن المعروف أن القضاء جهة غير منتخبة بينما السلطة التشريعية جهة مكلفة من قبل الشعب ومعبرة عن إرادته.
وهناك جانب أخر من الفقه يري أن المسألة لأتشكل أي تجاوز لقواعد الديمقراطية* فالسلطة القضائية عند هدا الجانب ليست سوي سلطة مكلفة من الشعب بمقتضي أحكام الدستور بالفصل في المنازعات وفق قوانين الدولة فهي حين تراقب مدي دستورية القوانين إنما تفعل ذلك تقديسا واحتراما للدستور وتطبيقا لإحكامه* فالقضاء في هده الحالة لا يباشر أي اعتداء علي السلطة التشريعية*ومن هنا نلاحظ أن هذا الدور القضائي لا يتعارض مع قواعد الديموقراطية كما قد يوحي به ظاهر الحال.
وبغض النظر عن هذا الجدل الفقهي فمازال أسلوب الرقابة القضائية هو الأسلوب المقبول عالميا * حيث أن هناك اتجاه دولي متزايد للأخذ بالرقابة القضائية علي دستورية القوانين.
المطلب الثاني:- نشأت الرقابة القضائية علي دستورية القوانين في أمريكا
تعتبر الولايات المتحدة الوطن ألام للرقابة القضائية علي دستورية القوانين بالرغم من أن الدستور الأمريكي لم ينص صراحة علي منح هذه الصلاحية للمحاكم فقد تقرر هذا الحق بواسطة القضاء من جانب وتأيد الفقه من جانب أخر.
ويعتبر مبدأ الرقابة القضائية علي دستورية القــــوانين أخـــــطر ابتكـار ابتكرته الولايات المتحدة في عالم القانون الدستوري وذلك في الصلاحية التي تختص بها المحاكم عامة والمحكمة العليا خاصة.
والرقابة القضائية علي النمط الأمريكي نشأت وتطورت نتيجة عدة عوامل أهمها:-
أولا:- العامل التاريخي ( الجمود )
عاشت الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تنال استقلالها كمستعمرات لبريطانيا ولم تكن تتمتع بأي سلطة إلا السلطات التي تقررها الدولة المستعمرة بموجب الأوامر الملكية الصادرة من التاج البريطاني أو القوانين التي يسنها البرلمان الإمبراطوري فكان هناك فارق بين القوانين التي تسنها برلمانات الولايات والقوانين التي يسنها البرلمان الإنجليزي وكانت تلك الأوامر الملكية والقوانين الإمبراطورية تعلو علي جميع ما تسنه برلمانات الولايات.
إذ أن محاكم الولايات كانت تمتنع عن تطبيق القوانين التي تسنها برلماناتها إذا ما جاوزت الحدود المرسومة لاختصاصاتها في الأوامر الملكية و القوانين الإمبراطورية وتبعا لذلك عندما حققت الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا سنة 1776 حرصت كل ولاية علي أن يكون لها دستورها الخاص وأن تكون دساتيرها جامدة وأخذت بمبدأ التمييز بين النصوص الدستورية والقوانين العادية متأثرة بذلك بسابق تجربتها في عهد الاستعمار فكان وجه التأثير أن كفلت لدساتيرها من مرتبة ما كان للأوامر الملكية والقوانين الأساسية القديمة* فجعلتها جامدة لتكون بمنأى عن سلطة الهيئات التشريعية العادية ولتحمل المحاكم علي الامتناع عن تطبيق أي قانون متعارض معها.
وهدا ما يفسر كيف أنه وجــدت سوابق لرقابة دســـتورية القوانــين في الولايات الأمريكية قــــبل قــيام الاتحاد الأمــريكي سنة 1789* إذ تشـــهد بذلك الأحكــام الصــادرة بعدم دستورية بعـــض القوانيــن من محاكـــم ( نيوجرسي سنة 1780* ورود أيسلندا سنة 1786* و فرجينيا سنة 1788.)
فقد حدث وأن رفضت محكمة ( رود أيسلندا) في قضية( ترفيت ضد ويدن) تطبيق قانون يقضي بجعل النقود الو رقيه عملة إلزامية لمخالفته دستور الولايات المتحدة.
فهده الأحكام وما شابهها أثارت استياء أهالي الولاية و اتخذت سببا لاتهام القضاء وحال صدور هده الأحكام دون إعادة انتخاب الحكام مرة أخري2.
و ضل القضاء الأمريكي مترددا في موقفه من الرقابة القضائية علي دستورية القوانين حتى قام الاتحاد الأمريكي سنة 1789* وجاء دستوره جامدا يتطلب تعديله إجراءات أشد من الإجراءات التي يتطلبها تعديل القوانين العادية فاعتبرت الدستور قانونا أسمى في الدولة تتقيد به المحاكم في كل ولاية بصرف النظر عن أي حكم مخالف في دستور الولايات أو قوانينها* إذ لم ينص هذا الدستور علي تنظيم حالة تعارض القوانين العادية مع نصوص الدستور الاتحادي.
ومن هنا ثار الخلاف حول جواز أن تمارس المحاكم الاتحادية رقابة دستورية تلك القوانين والامتناع عن تطبيقها إذ كانت غير دستورية.
يرى جزء من الفقه أن ذلك مخالف لقواعد الديمقراطية بينما دهب رأي أخر إلي أن رقابة دستورية القوانين وبالأخص رقابة الامتناع لا تخل بمبدأ الفصل بين السلطات* حيث يمتنع القاضي عن تطبيق القانون في الواقعة المعروضة عليه دون أن يلغيه فهو بذلك لا يشكل أي تعدي علي السلطة التشريعية.
ومن هنا برز جانب من الفقه يري أن نظام السوابق القضائية في الولايات المتحدة يؤدي إلي إلغاء القانون من الناحية الفعلية عند صدور قرار من المحكمة الاتحادية العليا بالامتناع عن تطبيقه مما يؤدي إلي امتناع المحاكم الأقل درجة عن تطبيقه.
أما الرأي الأخير فهو الذي عبر عنه القاضي الاتحادي ( جون مارشال) المتمثل في أن حق الرقابة القضائية ناشئ عن اتحاد فكرتين هما سلطان القضاء* ومبدأ سيادة الدستور.
فإذا عرضت قضية أمام أي محكمة في الولايات المتحدة يثير فيها أحد الخصمين نص قانوني ويثير الأخر نصا دستوريا مخالفا للنص القانوني فعلي المحكمة أتباع الأتي :-
أ- أن تتحقق من وجود تناقض حقيقي بين القانون الدستوري والقانون العادي.
ب- أن تقوم بعملية اختيار* وطالما أن النص الدستوري هو الأعلى فيجب عليها أن تطبقه.
وقد انتصرت هذه الفكرة علي غيرها وصارت الرقابة القضائية مقبولة قانونيا وسياسيا واندفعت المحكمة العليا في إرساء القواعد والأصول والأحكام.
فأصبحت الرقابة الدستورية جارية في الولايات المتحدة علي ثلاث أوجه:-
أ- الرقابة التي تجريها المحاكم المحلية في كل ولاية علي القوانين الصادرة عن سلطاتها التشريعية الخاصة بالنسبة لدستور هده الولاية.
ب- الرقابة التي تجريها المحكمة العليا علي القوانين المحلية الصادرة عن السلطة التشريعية الخاصة بالولايات بالنسبة إلي الدستور الاتحادي.
ج- الرقابة التي تجريها المحكمة العليا علي القوانين الفدرالية الصادرة عن الكونغرس الاتحادي بالنسبة للدستور الاتحادي.
من خلال استعراض الآراء السابقة يتضح أنه لا يوجد أي اعتداء علي أي سلطة جراء تطبيق الرقابة القضائية لان السلطة القضائية في هده الحالة لا تتعدى ممارسة وضيفتها التي هي تطبيق القانون.
ثانيا:- طبيعة الاتحاد
أن الدول التي تدخل اتحادا تحتاج إلي ما يضمن و بصورة فعالة كيفية توزيع السلطات بين الولايات ودولة الاتحاد* لهدا تحرص هذه الدول علي أن يمتلك الدستور الضمانات الكفيلة بتحقيق التنظيم المنشود.
ومن أهم هذه الضمانات جمود الدستور* إيجاد قضاء مختص في الفصل فيما يمكن إن يثور من منازعات بين الولايات الأعضاء في الاتحاد ودولة الاتحاد حول نصوص الدستور و تفسيرها* ونظرا لان الولايات المتحدة تصنف علي أنها دولة إتحاديه اتحادا مركزيا* فإن الولايات الداخلة في الاتحاد تتمتع ببعض مضاهر السيادة الداخلية* كما أن دولة الاتحاد تتمتع بسلطات إتحاديه في مجالات التشريع والتنفيذ والقضاء لذا فإن مهمة الدستور تقوم علي حفظ التوازن ما بين سلطات الولاية وصلاحيات الاتحاد من ناحية وبين السلطات النوعية ( التشريعية- التنفيذية- القضائية ) من ناحية أخري.
وكانت هناك مشاكل تدور حول محور علاقات الدول الاتحادية بالدولة المتحدة* فالمشكلة لم تكن في كيفية تنظيم علاقات الدول الخاصة بالدولة المتحدة* لان الدستور قد تضمن بيان للقواعد العائدة لهذا التنظيم وإنما تكمن في تطوير هذه القواعد وتحديد مدي انطباقها علي الحالات القائمة في الدستور* وهنا يأتي دور الرقابة القضائية التي تمارسها المحاكم* أن الرقابة الدستورية التي اختصت بها المحكمة العليا الاتحادية كما اختصت بها سائر المحاكم الأمريكية أنما كانت من نتاج الإطار الاتحادي* فلولا النظام الاتحادي لما كانت قد ظهرت إلي الوجود فكرة الرقابة القضائية علي دستورية القوانين التي أصبحت اليوم ضمانة من ضمانات الديمقراطية التي تبنتها دول دستورية لم تكن في تكوينها دول إتحاديه.
ثالثا :- جهود المحكمة الاتحادية العليا .( في إرساء مبدأ الرقابة القضائية )
من أهم ما واجه هذه المحكمة الظروف السياسية التي عاصرت نشأت الاتحاد ألأمريكي والصراع بين الأحزاب فالحزب الديموقراطي يؤمن بضرورة الاتحاد ويعمل علي تعزيز سلطاته* والحزب الجمهوري يؤمن بحقوق الولايات ويدعو إلي تدعيم سلطانها.
فكانت فكرة الرقابة القضائية لدستورية القوانين نتاجا للجهود التي بدلها قضاة المحكمة العليا وعلي الأخص رئيسها ( جون مارشال ) في مطلع القرن التاسع عشر* ونتيجة لفوز الحزب الجمهوري بالانتخابات في نوفمبر سنة( 1800) قام الديمقراطيون قبل تخليهم عن الحكم بتعين عدد كبير من القضاة علي رأسهم ( جون مارشال ) لكي يتمكنوا من إعلاء الصيغة الاتحادية.
وأول فــرصة اســتطاعت الــــمحكمــة العــليا انــتهازها في هدا الصــدد هي قـــضــية ( مار بري ضد ماديسون ) والتي تتلخص وقائعها في أن الديمقراطيين قبل خروجهم من الحكم قد عينوا عددا كبيرا من قضاة الصلح ( 42 قاضيا ) * ولكن إجراءات التعين لم تكتمل لبعضهم وعند تسلم الجمهوريين الحكم أصدر الرئيس ( توماس جيفرسون ) أمرا إلي وزير الداخلية ( ماديسون ) بعدم تسليم أوامر التعين إلي بقية القضاة* وكان من بينهم القاضي ( ماربري ) فرفع دعواه أمام المحكمة الاتحادية العليا مطالبا بتسليمه أمر التعين فأصدرت هده المحكمة حكمها الشهير الذي أرسي مبدآ الرقابة القضائية علي دستورية القوانين* و الذي تضمن….
( حيث يتنازع في قضية ما* القانون والدستور….. يكون من واجب المحكمة أن تقرر أيهما الذي يسري… وطالما أن الدستور أقوي من أي قانون عادي فإنه هو الذي يجب أن يطبق.)
وبذلت المحكمة العليا جهودا بارزة نحو إعلاء الفكرة الاتحادية التي أمنت بها من خلال المبادئ القانونية التي أرستها في القضايا المعروضة عليها* ومن أهم هذه المبادئ تأكيد حقها في تفسير الدستور بل وتوسعت إلي أكثر من ذلك حتى تجاوزت نطاق الدستورية أي إلي حد رقابة السياسة التشريعية من ناحية الحكم علي مدى ملاءمتها أو معقوليتها.
معيار الملاءمة: أي إن بتحقق نوع من التوازن بين ما يفرضه القانون علي الأفراد من واجبات وما يوفره لهم من حقوق* معيار المعقولية: معناه ألا يجاوز القانون فيما يفرضه مـن تــنظيم لحقــوق الأفــراد الـــحــدود المعــقولــة و إلا كــان إجــراء تــعسفــيـا* معيار اليقين: بمعني أن يكون القانون واضحا كل الوضوح فيما يقرره من أحكام بحيث لا يتوارى أي شك حول ما يجيزه أو يحضره.
ومن البديهي أن هده المعايير تخرج كثيرا عن المعنى العام لدستورية القوانين وهو ما جعل البعض يصف حكومة الولايات المتحدة بحكومة القضاء.
المبحث الثاني
ضوابط وأساليب الرقابة القضائية على دستوريةالقوانين في أمريكا
سنتطرق في هذا المبحث إلي الضوابط التي تتحكم في ممارسة الرقابة القضائية علي دستورية القوانين * ثم نبين الأساليب التي تتم بها الرقابة علي دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية .
المطلب الأول:- ضوابط الرقابة القضائية على دستورية القوانين
إن سلطة القضاء الأمريكي في بحت دستورية القوانين تخضع للضوابط التي وضعتها المحكمة العليا سنة 1936 وتتلخص هذه الضوابط فيما يلي.
أولا: لا يجوز للقضاء أن يبحث في دستورية قانون ما إلا عند تطبيق أحكامه على خصومه قضائيا إذ لا يجوز للقاضي ان يبدي رأيه على دستورية القانون على سبيل الاستفتاء فقط.
ثانيا: كما لا يجوز للقضاء أن يتعرض لعيب مخالفة أحكام الدستور إلا إذا اقتضى الفصل في النزاع ذلك. أما إذا أمكن نظر النزاع والفصل فيه على أساس آخر* وجب على القضاء أن يقتصر على هذا الأساس الأخر ولا يتعرض لعدم دستورية القانون.
ثالثا: لا يجوز للقضاء أن يحكم بعدم دستورية قانون ما الا بناء على طعن مقدم من احد أطراف الخصومة و له مصلحة حالة أو محتمله في ذلك.
المطلب الثاني:- أساليب الرقابة القضائية على دستورية القوانين
أولا: الدفع بعدم الدستورية
ويفترض في هذه الحالة وجود دعوى أمام القضاء أيا كان نوعها فيدفع أحد الأطراف بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه علي الواقعة* فعلي القاضي حينها التدقيق في القانون فإذا أتضح له أن القانون مخالف للدستور فأنه يمتنع عن تطبيقه* ويكون اختصاص المحكمة لفحص دستورية القانون حينئذ متفرع عن الدعوى الأصلية المعروضة أمامها* أي ثابتا بطريق عارض.
فقضاء المحاكم الأمريكية في مجال الرقابة الدستورية هو قضاء امتناع ولكن أثر هذا القضاء يزداد قوة بفضل نظام السوابق القضائية الذي يجعل أثر الامتناع عن تطبيق القانون لمخالفته الدستور أشبه بإلغائه وذلك في حالة صدور هذا القرار من المحكمة الاتحادية العليا لإلزامية أحكامها للمحاكم الأدنى درجة.
وهكذا يتضح أن قضاء المحاكم الأمريكية قضاء امتناع عن التطبيق مؤسسا علي نظام السوابق القضائية ويقترب أثره من حيث النتائج العملية من قضاء الإلغاء إلا أنه مازال متميزا عنه و مختلف في أثره من حيث استمرار وجود القانون بالنسبة لقضاء الامتناع وزواله من الوجود بالنسبة لقضاء الإلغاء* و ذلك لأنه من المتصور أن تتطور الضروف علي نحو يحمل المحكمة العليا علي العدول عن قضائها السابق وعندها يستأنف هذا القانون نفاد ومن الملاحظ إن أسلوب الدفع بعدم الدستورية استخدمته المحاكم الأمريكية منذ مباشرتها للرقابة الدستورية حيث أنه فقد الكثير من أهميته بعد أن شاع استعمال الأسلوبين الآخرين ( الأمر القضائي * الحكم التقريري ).
فهناك عيب رئيسي في أسلوب الدفع بعدم الدستورية وهو أنه لا يجدي في توقي الضرر المتوقع من القانون الغير دستوري إلا إذا أقيمت دعوى استنادا إلي ذلك القانون* والي أن تقام هذه الدعوى يطبق هذا القانون أو يهدد الأفراد بتطبيقه .
ثانيا:الأمر القضائي
لقد حرص أن يؤكد واضعو الدستور اختصاص المحكمة العليا بالنظر في جميع الخصومات وفقا لقواعد القانون و العدالة التي تنشأ في نص الدستور* وعلي ذلك استندت المحكمة العليا لتبرير استخدام أسلوب الأمر القضائي باعتباره أحد أساليب العدالة.
ومقتضي أسلوب الأمر القضائي أنه يجوز لأي فرد أن يلجأ إلي المحكمة بطلب وقف تنفيذ أي قانون علي أساس أنه غير دستوري وأنه من شأن تنفيذه أن يلحق به ضررا.
فنظام الأمر القضائي لا يشترط وجود نزاع * حيث يتيح هذا النظام للإفراد فرصة اللجوء إلي محكمة مختصة مشكلة من ثلاث قضاة التي لا تلجأ إلي إصدار أمر المنع إلا بتوافر ثلاثة شروط وهي :-
أ- أن يقدم طلب إصدار أمر المنع من قبل صاحب المصلحة الذي تضار مصلحته من تطبيق القانون.
ب- أن يتعذر دفع الضرر إذا تم تطبيق القانون.
ج- أن يثبت للمحكمة أن القانون المراد تطبيقه مخالفا للدستور.
وبناء علي ذلك إذا وجدت المحكمة القانون غير دستوري بالفعل توجب عليها إصدار أمر قضائي إلي الموظف المختص تأمره فيه بعدم تطبيق هدا القانون* ويكون الموظف ملزما بالأمر الصادر إليه و إلا عُد مرتكبا لجريمة احتقار المحكمة طبقا للقانون الصادر سنة 1910 بخصوص الأمر القضائي
ثالثا: الحكم التقريري
تبنى القضاء الأمريكي سنة( 1918) أسلوب آخر من أساليب الرقابة علي دستورية القوانين وهو أسلوب الحكم التقريري وهو أشبه بالأمر القضائي من حيث عدم وجود نزاع أمام القضاء لكنه يختلف عنه من حيث أنه مفتوح فيجوز لأي فرد اللجوء إلي أي محكمة إتحاديه وليس بالضرورة إلي محكمة معينة وللفرد أن يطلب من هذه المحكمة تقرير دستورية أو عدم دستورية قانون ما متى كان هناك احتمال في تطبيق القانون علي الواقعة التي تهم المتضرر فلا يشترط في قبول الدعوى وجود مصلحة حالة ومباشرة لطالب الحكم التقريري* ويعتبر الفقهاء الأمريكيون أسلوب الحكم التقريري أكثر تماشيا مع الحكمة من تخويل المحاكم اختصاص الرقابة القضائية علي دستورية القوانين* التي تتمثل في تمكين المحاكم من إعلان رأيها فيما إذا كان القانون المعروض أمامها يعتبر قانون دستوري أم لا .
ومن الملاحظ أن المحكمة العليا ترددت في قبول أسلوب الحكم التقريري * فامتنعت في البداية عن تبني هذا الأسلوب الرقابي بحجة عدم وجود دعوى حقيقية تبرر طرح الموضوع أمام المحكمة* إلا أن المحكمة قد قبلت هدا الأسلوب بعد تدخل الكونغرس سنة 1934 بمقتضي قانون أعطى للمحاكم الاتحادية سلطة إصدار الأحكام التقريرية في المسائل المتعلقة بدستورية القوانين. إذا أن القضاء منذ ذلك الوقت صار يفضل هذا الأسلوب ويلجأ إليه .
ومما تقدم نلاحظ أن أسلوب الرقابة القضائية علي دستورية القوانين قد لاقى قبولا عالميا كبيراً والدليل علي ذلك أن كثيرا من الدول أخذت عن الولايات المتحدة نظام الرقابة القضائية علي دستورية القوانين ومن بين هذه الدول :-
1- الدستور السويسري – سنة 1874 2- الدستور النمساوي – سنة 1920
3- الدستور الروماني – سنة 1923 4- الدستور التشيكوسلوفاكي – سنة 1930
5- الدستور الايرلندي – سنة 1937 6- الدستور الإيطالي – سنة 1937
7- الدستور الألماني – سنة 1939 8- الدستور التركي – سنة 1961
9- الدستور اليوغسلافي – سنة 1963
علي الصعيد العربي:-
1- القانون الأساسي العراقي – سنة 1925 2- الدستور السوري – سنة 1950
3- الدستور الكويتي – سنة 1962 4- الدستور الليبي – سنة 1963
5- الدستور المصري – سنة 1971
الخـــــاتمة
أن النجاح الذي حققه هدا الأسلوب في الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر من أهم العوامل التي ساعدت علي انتشار هذا الأسلوب الرقابي في كافة أرجاء العالم والشواهد علي ذلك كثير.
ولكن بالرغم من النجاح الذي حققه هذا الأسلوب إلا أنه لم يسلم من النقد * حيث أنه يوجد بعض المأخذ علي هذا الأسلوب الرقابي المتمثلة في قيام المحاكم بتوسيع اختصاصاتها علي حساب السلطات الأخرى بحجة مراقبتها لدستورية القوانين وقيامها بالتحكم بالسياسة التشريعية للكونغرس مما أدي بالبعض إلى وصف الحكومة الأمريكية بحكومة القضاء .
ويلاحظ علي الرقابة القضائية في الولايات المتحدة غلاء تكلفتها مما يجعلها حكراً علي الأغنياء.
وعلي الرغم من كل ذلك فإن هذا الأسلوب الرقابي تأخذ به أغلب الدساتير المعاصرة وذلك راجع إلي زيادة الثقة في الجهاز القضائي وضعفها في باقي الأجهزة نظراً لحياد القضاء وموضوعيته .
أهم المراجع الواردة في هذا البحث
1- د. إبراهيم أبو خزام – الوسيط في القانون الدستوري – دار الكتاب الجديد المتحدة – الطبعة الأولي – عام 2001 م .
2- د. أدمون رباط – الوسيط في القانون الدستوري العام – دار العلم للملايين – الطبـــعة الثالثة – بغداد – عام 1983م .
3- د. إسماعيل مرزة – القانون الدستوري – دراسة مقارنة للدستور الليبي ودساتير الدول العربية الأخرى – منشورات الجامعة الليبية – عام1969م .
4- د. سعاد الشرقاوي * د. عبد الله ناصف – القانون الدســتــوري والـــنظام السيــاسي المصري – عام 1994م.
5- د. سعد عصفور * و آخرون – القانون الدستوري والنظم السياسية – القاهــرة – دون تاريخ .
6- د. عبد العزيز محمد سلمان – رقابة دستورية القوانين – عام 1995 م .
7- د. علي يوسف الشكري – مبادئ القانون الدستوري والنظــم الـسيــاسيــة – الطبعـــة الأولـــي – عام 2004 م .
اترك تعليقاً