_ يلجأ المفسر عند غموض النص لعدة وسائل خارجية يستلهم منها المعنى الحقيقي له ، وتتمثل تلك الوسائل في :
_ أولاً : تقريب النصوص بعضها من بعض :
يستطيع المفسر استجلاء مضمون النص المعيب عن طريق المقارنة والتقريب بين اللفظ الغامض وباقي ألفاظ النص ، أو تقريب النص الغامض من النصوص الآخرى ، خصوصاً اذا كانت تتعلق بتشريع واحد . ويمكن اجلاء غموض تشريع بتقريبه من نصوص تشريع آخر متى كانا من نفس الموضوع . فالقاعدة القانونية لا تبدو مستقلة أو منفصلة عن غيرها من القواعد ، فألفاظ النص والنصوص المختلفة في النظام القانوني الواحد ترتبط ببعضها وتتكامل فيما بينها ، ويمكن الاستدلال على وجهة النص الغامض من وجهة نص آخر ، أو بالمقارنة بينهما ، ويتضح مراد الشارع من خلال الجمع بين نصين أو عدة نصوص سواء في قانون واحد أو في عدة قوانين .
_ ثانياً : المصادر التاريخية :
يمكن الرجوع الى الأصل التاريخي للنص الغامض المراد تفسيره لتبين حقيقة قصد المشرع منه . والمقصود بالمصدر التاريخي القانون الذي استقى منه المشرع أحكام النص الغامض . فيتم الرجوع الى القانون الفرنسي اذا كان النص مأخوذاً عنه ، والرجوع الى فقهاء الشريعة الاسلامية بالنسبة للنصوص المشتقة منها . ومن التطبيقات القضائية ما قضت به الدوائر المجتمعة لمحكمة الاستئناف المختلطة من أن حق الشفعة لا يورث ، فاذا مات الشفيع قبيل الأخذ بالشفعة فلا يجوز لوارثه أن يطالب بها . وقد أخذت المحكمة ذلك الحكم من الشريعة الاسلامية وبخاصة الفقه الحنفي الذي استقى منه المشرع أحكام الشفعة .
_ ثالثاً : حكمة التشريع :
يجب أن يستعين المفسر في فهم المقصود بالنص بالغاية التي قصد المشرع تحقيقها من النص . هذه الغاية قد تكون مصلحة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية . مثال ذلك اعتبار الليل ظرفاً مشدداً للعقوبة في جريمة السرقة . فالحكمة من ذلك أن الظلام يشجع ويسهل ارتكاب الجرائم . هذه الحكمة لا تتوافر في وقت الغسق ” الفترة التي تلي الغروب مباشرةً ” . أو في وقت الفجر ” ما قبل الشروق مباشرةً ” ، مع أن هاتين الفترتين تدخلان من الناحية الفلكية تحت لفظ الليل ، لذلك لا تشدد عقوبة من يرتكب السرقة خلالهما . وينبغي ملاحظة أنه لا يجوز الاستعانة بحكمة التشريع الا في حالة النص المعيب ، حيث يستقر قضاء النقض على أنه متى كان النص واضحاً وقاطع الدلالة على المراد منه ، فلا مجال للبحث عن حكمة التشريع ودواعيه ، ذلك أن استخلاص قصد الشارع لا يكون له محل الا عند غموض النص أو وجود لبس فيه .
_ رابعاً : الأعمال التحضيرية :
وتعتبر الأعمال التحضيرية للنص من أهم طرق التفسير الخارجية التي يستعين بها المفسر للتعرف على قصد الشارع من النص المعيب . ويقصد بها مجموعة الأعمال التي سبقت أو عاصرت صدور التشريع ، وتضم المذكرات التفسيرية والتقارير المعدة ومناقشات الهيئة التي قامت بتحضيره و أعمال اللجان التي أعدته . ويساعد الرجوع الى الأعمال التحضيرية في التعرف على نية المشرع وتفسير الألفاظ الغامضة ورفع التناقض بالنص وتكملة الناقص منه ، الا أنه ينبغي ملاحظة أن الرجوع الى الأعمال التحضيرية لا يكون الا على سبيل الاستئناس ، فهي غير ملزمة للقاضي ، وهي كثيراً ما تعبر عن الآراء الشخصية لواضع المذكرة الايضاحية . ولا يجوز اللجوء اليها الا في حالة غموض النص ، أما اذا كان النص واضحاً وجب الالتزام بارادة المشرع المعلنة من خلال عبارة التشريع .
اترك تعليقاً