طلب التطليق عند القضاء
شرع الله الزواج لعباده على أساس أنه اقتران دائم بين الزوجين، إلا أن هذا الزواج قد يطرأ عليه ما يوهنه من تنافر الطباع وتباين الأخلاق ، زوال الثقة بين الزوجين فتتعسر الحياة ويتأذى الزوجان أذى محض ولا يجدي نصح ولا صلح ، ولأن الإسلام دين واقعي فقد أقر ببدأ الطلاق مع أنه بغيض إليه وجعله على مرات ، ليفسح مجالاً للتروي ، وعودة الوئام بالطلاق الرجعي أو ينهي الشقاق المستحكم بالطلاق البائن .
الطلاق والإطلاق في اللغة العربية هو رفع القيد حسياً كان أم معنوياً ، وهو في اصطلاح الفقهاء : رفع قيد النكاح في الحال أو المال ، بلفظ مخصوص وهو لفظ (طلق) وما تصرف منه.
كذلك كل ما في معناها ، كالمفارقة ، والتفريق بين الزوجين بحكم القضاء ، والمخالعة .
وجعل الإسلام حق التطليق للرجال ، لأنه أقل ضرراً مما سواه ، وتقليلاً لحوادث الطلاق بقدر الإمكان على اعتبار أن المرأة عاطفية والرجل عقلاني .
إلا أنه هناك نساء أعقل وأحزم من بعض الرجال لكن العبرة للغالب ، والشارع حينما أعطى الرجل هذا الحق رتب عليه تبعات مالية متلاحقة .
مع ذلك فقد أقر المشرع الكويتي المرأة المجال للخلاص من الزواج وطلب المخالعة وأجاز لها أن تلجأ للقضاء بطلب التفريق بينها وبين زوجها .
إما للتفريق للضرر ، التفريق للغيبة أو الحبس كما قرر حق اللجوء للقضاء بطلب فسخ عقد الزواج للعيوب .
وسنورد أنواع الطلاق والفرقة عن طريق القضاء التي أجازتها الشريعة الإسلامية للمرأة وحددها المشرع الكويتي بأن منحها الحق بطلب التفريق بينها وبين زوجها في الأحوال التالية :-
أولاً التطليق لعدم الإنفاق :
نصت المادة 120 من قانون رقم 51 لسنة 1984 على أنه ” أن الزوج الممتنع عن الإنفاق بغير حق إذا كان له مال ظاهر يمكن تنفيذ النفقة فيه لم يجز لزوجته أن تطلب تطليقها عليه ، سواء أكان حاضراً أم غائباً ، لأن حصولها على نفقتها ممكن ، وبالتنفيذ يندفع ما وقع عليها من ظلم .
فإذا كان الزوج حاضراً ، وليس له مال ظاهر ، ولم يثبت إعساره ، طلق عليه القاضي في الحال ، فإن ثبت إعساره ، أو كان غائباً في مكان معلوم ، أمهله القاضي مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر ، ليؤدي نفقتها منذ رفع الدعوى ، فإن لم ينفق ، ولم يحضر هذه المدة في نهايتها طلق عليه القاضي .
وفقه مالك يجري على التلوم والانتظار للمعسر باجتهاد القاضي ، وأن يضرب القاضي الأجل للغائب حسب تقديره.
وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال: « اضربوا له شهر أو شهرين ». والشافعي في أحد قوليه يوجب تأجيل المعسر ثلاثة أيام. ويرى حماد بن أبي سليمان تأجيله سنة. وقد اختير الحد الوسط، وهو المدة المبينة في المادة. وأضيفت مدد المسافات إلى فترة الأجل، وتحقيقاً للمساواة بين الخصوم.
وروعي أن الزوجة من يوم رفع الدعوى تستحق نفقة حاضرة، فلا أقل من أن تتسلم نفقتها منذ هذا اليوم، ولا تضار بطول الإجراءات.
والغائب في مكان مجهول، والمفقود يتعذر إعذارهما، وإمهالهما لا ينتج غير أضرار الزوجة، فيطلق عليهما بلا إمهال.
أما المحبوس فهو معلوماً المحل، الزوج الغائب في مكان معلوم، فلا يطلق عليه إلا بعد الاعذار ، وضرب الأجل.“
الطلاق الذي يوقعه القاضي بعد الإنفاق يقع رجعياً وهو مقيد بما إذا لم يكن هذا هو الطلاق الثالث ، ما إذا كان كذلك أو وقع قبل الدخول يصبح طلاقاً بائناً .
ثانياً : التفريق للضرر :
قرر المشرع حق طلب التفريق للضرر في المادة 126 من رقم 51 لسنة 1984 التي تنص على أنه ” التفريق يجوز أن يطلب قبل الدخول حتى لا يبقى مجال للخلاف حينئذ بين المحاكم ، ولأن المضارة قد تتحقق قبل الدخول في صور عديدة ، ومن المصلحة أن تزول هذه الزوجية التي بدأت معتلة قبل أن يمتد الإضرار إلى غير الزوجين من أهل ، أو أطفال أبرياء “
وقد عرف الشافعية الضرر بأنه ” إلحاق مفسده بالغير ” فقد يتمثل الضرر بإساءة الزوج معاملة الزوجة ، الضرب المبرح أو الشتم المقزع ، أو إكراه على فعل محرم أو نهي عن أداء عبادة وغيره من أضرار .
وكذلك قد يكون الضرر صادر من إساءة الزوجة لعشرة زوجها كامتناعها عن الإستجابة لرغباته وإيذائه بمنكر القول أو الفعل وكل ما لا تستقيم معه الحياة الزوجية ويولد البغضاء والكره .
فنجد أن المشرع أجاز لكلا الزوجين طلب التفريق وذلك حماية للزوج أيضاً من تعسف الزوج حتى لا يتحمل إلتزامات المترتبة على الطلاق العادي .
وأجاز طلب التفريق قبل الدخول أيضاً كما أجازه بعده إذا رأى من الصالح قطع الزوجية التي بدأت معتلة قبل أن يصبح هناك أطفال .
وأجاز إثبات الضرر بالإقرار وبشهادة الشهود يتم أثناء نظر دعوى التفريق للضرر اختيار حكمين من أهل الزوجين أو من ذوي الخبرة والقدرة على التوفيق بين مصالح الأطراف وأن يكونا راشدين مدركين لمهمتهما فيتعرفان على أسباب الخلاف ويبذلان ما بوسعهما لحل الخلاف ، فإن توصلا إلى شيء رفعا الأمر إلى القاضي في تقرير يمثل مجهودهما وما توصلا إليه .
وإن أخفقا وعجزا عن الإصلاح قرر التفريق بعوض أو بدون عوض حسب نوع الضرر والإساءة وثبوتها .
أما إذا اختلف الحكمان ضمت المحكمة إليهما حكماً ثالثاً مرجحاً من غير أهل الزوجين قادر على الإصلاح وترفع تقاريرهم إلى المحكمة ليقضي القاضي بما اتفق عليه الثلاثة أو اتفق عليه أغلبهم .
والتفريق للضرر يقع طلقة بائنة حتى لا ينقض الزوج المضار حكم القضاء بإرجاع الزوجة قبل إنقضاء العدة ، فيعود بذلك إلى الضرار .
ثالثاً : التفريق للغيبة أو الحبس .
إذا غاب الزوج عن زوجته أو سجن مدة طويلة وتضررت بذلك أو خشيت العتنة على نفسها أجيز لها طلب التفريق .
إذا غاب الزوج عن زوجته سنة فأكثر بلا عذر مقبول حتى لو كان لها مال تستطيع الإنفاق منه .
أما إذا كان الزوج الغائب في مكان معلوم يتم إعلانه بطلب الزوجة فإذا لم يحضر للإقامة معها أو ليطلقها وانقضى الاجل دون أن يفعل شيئاً من ذلك ، فرق القاضي بينهما بتطليقة بائنة .
في حالة أن الزوج كان في مكان مجهول فللقاضي أن يفرق بينهما في الحال بلا أعذار ولا تأجيل .
ولكن الغيبة بسبب الأسر أو الإعتقال يعد عذراً مقبولاً ولا يستحق طلب التفريق بخلاف الغيبة بسبب الحبس الحاصل بموجب حكم نهائي لمدة ثلاث سنين فأكثر ويكون قد مضى على حبسه سنة كاملة ولا يشترط إعلان المحبوس بذلك .
رابعاً : طلب الفسخ للعيب :
ويختلف الفسخ عن الطلاق بأن الطلاق يعد إنهاء لعقد الزواج وقطع استمراريته في الحال أو المال .
أما الفسخ فهو رفع عقد النكاح ونقضه من أساسه فهو يزيل الحال حالاً ولا يقع كطلاق في عدته .
والفسخ قبل الدخول أو الخلوة الصحيحة يسقط كل حق للمرأة فلا يجب لها شيء بخلاف الطلاق .
ولكل من الزوجين أن يطلب فسخ الزواج إذا وجد في الآخر عيباً مستحكماً من العيوب المنفرة أو المضرة ولكنه يسقط حق كل منهما في الفسخ إذا علم بالعيب قبل العقد أو رضي به صراحة بعده .
واستثناء من ذلك من حق الزوجة في طلب الفسخ بسبب وجود عيب في الرجل يحول دون الاستمتاع ولو رضيت بها طرحه .
وحتى يتم الحكم بالفسخ يجب أن تكون العيوب المذكورة غير قابلة للزوال .
وكان من العدل اعتبار المشرع الكويتي التفريق للعيب فسخاً وليس طلاق ، ويترتب على ذلك أنه لا يقتضي به عدد الطلقات ولا يترتب عليه من الآثار المالية للطلاق .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
مكتب المحامية موضي الموسى
اترك تعليقاً