بحث ودراسة عن ظهور وتطور مجلس المنافسة في القانون الجزائري:
إن الدولة الجزائرية طرأ عليها جملة من التحولات المؤسساتية خلال العشرية الأخيرة، أين إنسحبت بصفة تدريجية من الحقل الإقتصادي متوجهة إلى نظام ليبرالي، و هذا يعبر عن الإنتقال من صفة الدولة المتدخلة إلى الدولة الضابطة، نظرا لأن الإدارة الكلاسيكية لم تعد قادرة اليوم لمواجهة الأوضاع فيما يخص ضبط النشاطات الإقتصادية و المالية ، فإبتداءا من دستور 1989 شهدت الجزائر تحرير الإقتصاد و كان أول دعامة له قانون تحرير الأسعار الذي تبعه دستور 1996 في مادته37 التي تنص على” أن حرية الصناعة و التجارة مضمونة تمارس في إطار القانون”.
و حفاظا على المنافسة الحرة و ترقيتها في إطار إقتصاد السوق إستحدث لأول مرة مجلس المنافسة سنة 1995 ، و تواصلت الإصلاحات بفتح المنافسة تدريجيا للخدمات مثل المواصلات السلكية و اللاسلكية و النقل …إلخ، و تم وضع هيئات و سلطات ضبط تتمثل مهمتها في السهر الحسن للمنافسة في الأسواق و مسايرة لهذا الوضع أصدر المشرع الأمر 03/03 من أجل تعزير صلاحيات مجلس المنافسة .
الفرع الأول : مجلس المنافسة في إطار الأمر رقم 95/06 :
إن صدور الأمر 95/06 المؤرخ في 25 جانفي 1995 جاء لوضع الأسس و القواعد المنظمة لتصرفات الأعوان الإقتصادين في محيط يسوده التنافس بعدما تم تحرير التجارة الخارجية .
و إن وضع هذه المنظومة التشريعية أصبح أمرا لا بد منه، خاصة نحن الآن أمام مرحلة تتميز بإنقضاء و زوال إحتكار الدولة على معظم النشاطات الإقتصادية مما يستدعي الأخذ بنظام إقتصادي جديد تكون فيه حريات التعاقد و التنافس بمثابة أسس له ، و إن ممارسة هذه الحريات بصفة عامة تجد إطارها التنظيمي المرجعي في الأمر 95/06 المتعلق بالمنافسة و الذي يهدف إلى حماية و تطوير المنافسة عن طريق إنشاء مجلس المنافسة .
و إن تخصيص هذا الجهاز بضبط المنافسة أملته عدة أسباب و عوامل منها عدم ملائمة المحاكم الجزائرية لمتابعة الممارسات المقيدة للمنافسة لأن القاضي لا يملك كل المعطيات و الإعلام و التكوين الضروري، و لا سيما عندما يتعلق الأمر بظاهرة إقتصادية، إلى جانب عامل إزالة التنظيم في الإقتصاد و إزالة الوصف الجزائي عن هذه النشاطات الإقتصادية التي تتسم بالحركية و التعقيد (1).
إذن فإن الفضل الرئيسي في إنشاء مجلس المنافسة يعود للإطار التشريعي95/06 ، إلا أن المشرع لم يقم بتعريف هذا الجهاز، بحيث سار مسار المشرع الفرنسي الذي ترك مسألة تكيفه للفقه، ومن جهة أخرى فإن هذا القانون يعاني من عدة نقائص مما دفع بالمشرع إلى إدخال تعديلات الهدف منها هو تعزير صلاحيات مجلس المنافسة .
الفرع الثاني : مجلس المنافسة في إطار الأمر رقم 03/03 :
إن هذا الأمر جاء بقواعد لتزيد من الفعالية الإقتصادية وتحسين ظروف معيشة الفرد و ترفع من القدرة الإنتاجية للمؤسسات وتحمي المستهلك من تواطؤ الأعوان الإقتصادين .
و كان الهدف من وضع هذا النص الجديد هو توسيع الطابع التنافسي للأسواق و الأنشطة الإقتصادية عن طريق تدعيم القواعد الهادفة إلى تصحيح الممارسات التي من شأنها عرقلة المنافسة .
و خلافا للأمر السابق رقم 95/06 فإن الأمر03/03 المتعلق بالمنافسة (2)جعل المشرع مجلس المنافسة سلطة إدارية تنشأ لدى رئيس الحكومة تتمتع بالشخصية القانونية و الإستغلال المالي مع الإعتراف له بممارسة السلطة القمعية لضبط ميدان المنافسة .
*الـمـبـحـث الثــانــي*
تشكيــل و تسيـير مجـلس المنافســـة :
بالرغم من تعريف مجلس المنافسة في الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة على أنه “سلطة إدارية تنشأ لدى رئيس الحكومة و تتمتع بالشخصية القانونية و الإستقلال المالي ” (1)
فإن الطبيعة القانونية للمجلس تبقى رهينة البحث في تشكيلة المجلس و النظام القانوني الذي يسير عليه، و عليه سوف نتناول تشكيلة مجلس المنافسة في (المطلب الأول) و بعد ذلك نتناول التسيير الإداري للمجلس في (المطلب الثاني ).
*الـمطـلـــــب الأول*
تشكيــلة مجلس المنافســــة
جاءت تشكيلة مجلس المنافسة موضحة في الباب الثالث من الأمر رقم 03/03 إبتداءا من المادة 24 منه، حيث يتشكل من مجموعة الأعضاء يمكن تقسيمها إلى فئتين ، تشمل الفئة الأولى مجموعة الأعضاء و تشمل الفئة الثانية كل من المقررين و ممثل الوزير المكلف بالتجارة .
الفرع الأول : فئة الأعضاء:
إستنادا إلى المادة 24 من الأمر 03/03 فإن مجلس المنافسة يتكون من 09 أعضاء يعينون لمدة 05 سنوات قابلة للتجديد بموجب مرسوم رئاسي، حيث أن مهامهم تنهي بنفس الطريقة و هذا ما تؤكده المادة25 من نفس الأمر.
و تجدر الإشارة هنا إلى الشيء الجديد الإيجابي الذي جاءت به هذه المادة وهو أنها بينت الطريقة التي يتم إنهاء مهام الأعضاء ،حيث تنص الفقرة الثانية منها أنه””…..و تنتهي مهامهم بالأشكال نفسها”، عكس الأمر 95/06 ،الذي لم يتطرق لإنهاء مهامهم ، غير أنه تطرق لحالة إستقالة الأعضاء في المادة 45 من الأمر 95/06 و يتم إختيار هؤولاء التسعة من الأصناف التالية :
1-عضوان (2) يعملان أو عملا في مجلس الدولة أو في المحكمة العليا أو في مجلس المحاسبة بصفة قاض أو مستشار
2-سبعة (7) أعضاء يختارون من ضمن الشخصيات المعروفة بكفاءتها القانونية أو الإقتصادية أو في مجال المنافسة و التوزيع و الإستهلاك، ومن ضمنهم عضو يختار بناء على إقتراح وزير الداخلية .(2)
و هو الوضع الذي نجده في القانون الفرنسي بحيث يتشكل المجلس من 17 عضوا منهم ثمانية قضاة من النظام الإداري و القضائي و تسعة شخصيات يتم إختيار أربعة منهم معروفين بكفاءتهم في الميدان الإقتصادي أو في ميدان المنافسة و الإستهلاك، و الخمسة الآخرين يكونوا معروفين في ميدان الأعمال، و منه يتبين التوازن الذي يضمن إستقلالية المجلس (3).
ومن ثمة فإن إختيار هذا العدد من الأعضاء من بين الشخصيات المعروفة بكفاءتها في الميدان الإقتصادي أو ميدان المنافسة أو ميدان التوزيع و الإستهلاك يدل على الرغبة في جعل مجلس المنافسة خبير إقتصادي في مجال المنافسة .
وتجدر لنا الملاحظة إلى أن الأمر رقم 03/03 حذف ثلاثة أعضاء من عدد الأعضاء الذين وجدوا بموجب الأمر السابق، و قد حذف أيضا الفئة التي تختار من مجموعة الأشخاص المهنيين و الذين يشتغلون في قطاع الإنتاج، و بهذا فقد زاد المشرع من عدد الأعضاء الذين يتم إختيارهم على أساس كفائتهم في المجال الإقتصادي و الملاحظة الثانية هي أن الأمر رقم 03/03 حدد المدة التي يمارس فيها الأعضاء مهامهم و هي 05 سنوات بينما الأمر السابق في المادة 32 منه تضفي صفة الإستمرارية لأعضاء مجلس المنافسة و بالتالي نجد أن إستقلالية أعضاء مجلس المنافسة مكرسة بتقنية العهدة المحددة بخمسة سنوات (1)، حيث أن رئيس الجمهورية المختص بتعيينهم لا يحق له إقالتهم و لا تبديلهم خلال هذه المدة .
فأعضاء مجلس المنافسة ملزمون بأداء واجبهم المهني، وإذا ما أخلوا به نتج عنه تطبيق إجراءات تأديبية ذلك إن إطلع رئيس مجلس المنافسة على خطأ جسيم إرتكبه أحد الأعضاء يترتب عنه إيقافه (2).
كما أن أعضاء مجلس المنافسة يتمتعون بالحماية من كل أنواع الضغوطات التي من شأنها الإضرار بأداء مهامهم و الوظيفة التي يؤدونها وظيفة عليا في الدولة (3)
كما تظهر أيضا إستقلاليته من خلال أعماله و قراراته، بحيث لا توجد سلطة تعلوه وهذا ما يتطابق وتعريف الإستقلال الوظيفي لمجلس المنافسة وهو عدم الخضوع لا لرقابة سليمة و لا رقابة وصائية (4)، وهذا ما تؤكده المادة 34/1 من الأمر 03/03 التي تنص “يتمتع مجلس المنافسة بسلطة إتخاذ القرار و الإقتراح و إبداء الرأي بمبادرة منه أو كلما طلب منه ذلك ..”.
زيادة على ذلك فقد تتعدى أعمال مجلس المنافسة حدود الإقليم الجزائري حيث يتعامل مع السلطات الأجنبية وذلك في حدود إختصاصه (5).
كما يمكن له بناءا على طلب السلطات الأجنبية المكلفة بالمنافسة أن يقوم بنفسه أو بتكليف منه بالتحقيقات في الممارسات المقيدة للمنافسة (6)
و نشير في الأخير إلى أن كل هذه المؤشرات تبين لنا إستقلالية مجلس المنافسة .
الفرع الثاني : فئة المقررين
تنص المادة 26 من الأمر 03/03 المتعلق بالمنافسة على أنه ” يعين لدى مجلس المنافسة….و مقررون” ،وذلك لأنه من أجل التحقيق من الملفات المطروحة أمام المجلس يعين الرئيس مقررا يكلفه بالتحقيق .
و تجدر هنا الإشارة إلى أنه حتى في المرسوم الرئاسي 96/44 المحدد للنظام الداخلي لمجلس المنافسة لم يحدد عدد المقررين الواجب تعينهم وهذا ما يجعل الأعباء تتراكم على عدد مقررين المجلس الفعليين الذين يبلغ حاليا عددهم مقررة واحدة فقط.
يكلف المقرر بالتحقيق في العرائض التي يسندها له رئيس مجلس المنافسة ، و يمكن لهذا الأخير أن يكلفه بأي ملف أو تحقيق له علاقة بمهام مجلس المنافسة، بحيث يعتبر مساعد مباشر لرئيس المجلس، و لا يتلقى الأوامر إلا من رئيس المجلس وحده ، و أثناء القيام بمهامه يمارس المقرر السلطات المخولة له في إطار الأمر المتضمن قانون المنافسة ،كما أنه زيادة على ذلك يمكن للمقرر أن يستمع إلى أي شخص من شأنه أن يفيده بمعلومات حول الملف الذي يحقق فيه .
و تضيف المادة 21 من المرسوم الرئاسي رقم 96/44 المتضمن للنظام الداخلي لمجلس المنافسة بأنه يحرر المقرر بمجرد إنتهاء التحقيق تقريرا أو يعد محضرا حسب الحالة يوقعه و يرسله إلى رئيس المجلس، ثم يبلغ التقرير أو المحضر إلى الأطراف المعنية ، ونجد أيضا أن رئيس مجلس المنافسة يعين المقرر المكلف بالتحقيق و يمكنه أن يستعين بمقررين آخرين .(1)
يفهم من خلال قراءة المادة 19 من المرسوم الرئاسي 96/44 بأنه إلى جانب المقررون الدائمون داخل المجلس توجد فئة أخرى من المقررين خارجيين عن المجلس ، غير أن حقيقة الأمر أنه لم نشهد بعد أمام مجلسنا للمنافسة تعيين مقررين خارجيين، وهذا عكس القانون الفرنسي المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة نجد أنه يشتمل على فئتين من المقررين تتمثل الفئة الأولى من المقررين الدائمين بينما تتمثل الفئة الثانية من المقررين الخارجيين(2).
و أخيرا نشير إلى أن هذه الفئة تشارك في أشغال المجلس لكن دون الحق في التصويت ، بحيث يتدخل المقرر أثناء الجلسات و ذلك لتقديم ملاحظاته شفويا ،كما أنه إلى جانب المقررون يشارك ممثل الوزير المكلف بالتجارة أشغال المجلس
-ممثل الوزير المكلف بالتجارة
تنص المادة 26 من الأمر 03/03 على أنه “… يعين الوزير المكلف بالتجارة ممثلا له و ممثلا إضافيا لدى مجلس المنافسة بموجب قرار و يشارك هؤولاء في أشغال المجلس دون أن يكون لهم الحق في التصويت ”
من خلال هذه المادة يتبين لنا أن المشرع لم يحدد صلاحيات ممثل الوزير المكلف بالتجارة و الممثل الإضافي داخل المجلس و إنما إكتفى بالنص على مشاركتهم في أشغال المجلس وذلك دون أن يكون لهم الحق في التصويت
(1) محمد الشريف كتو الممارسات المنافية للمنافسةفي القانون الجزائري . المرجع السايق. ص 263 .
(2) الأمر رقم 03/03 المؤرخ في 19 جويلية 2003 المتعلق بالمنافسة . ج ر. عدد 43 لسنة 2003 .
(1) أنظر المادة 23 من الأمر 03 / 03 المؤرخ في 20 جويلية 2003 و المتعلق بالمنافسة . ج ر .عدد 43 من سنة 2003
(2) راجع المادة 24 من نفس الأمر
(3) MICHEL Pedamon , Droit Commercial – Dalloz . 2eme édition Paris .2000 Page 398 .
(1) أنظر المادة 25 من الأمر رقم 03/03 المتعلق بالمنافسة .
(2) أنظر المادة 40 من المرسوم الرئاسي رقم 96 /44 المؤرخ في 17 جانفي 1996 المحدد للنظام الداخلي في المجلس المنافسة . ج ر عدد 5 لسنة 1996 .
(3) أنظر المادة 34 من نفس المرسوم الرئاسي .
(4) Rachid Zouimia , les autorités administratives indépendantes et la régulation économiques , Non publie , université de Tizi Ouzou ; P 07
(5) أنظرالمادة 40 من الأمر 03/03 . المتعلق بالمنافسة
(6) أنظر المادة 41 من الأمر 03/03/ المتعلق بالمنافسة.
(1) أنظر المادة 19 من المرسوم الرئاسي رقم 96/44 المحدد للنظام الداخلي في المجلس المنافسة.
(2) VERONIQUE Silinsky – le conseil de la concurrence. OP . cit p 07.
اترك تعليقاً