الطعن المدني بدوائر المحكمة المجتمعة رقم 183 / 44 ق بشأن عدم أحقية الورثة في المطالبة بالضرر الموروث
المحكمـــــة العليا
الدوائـــــــر المجتمعــــة
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
(( دوائر المحكمة مجتمعة ))
بجلستها المنعقدة علناً صباح يوم الثلاثاء 17 صفر الموافق 30/4/1370 و.ر – 2002ف بمقر المحكمة العليا بمدينة طرابلس .
برئاســـة المستشــــــار الأستاذ : أحمد الطاهـــــر الــــزاوي
وعضوية المستشارين الأساتذة :
محمود أحمد مرسي – علي سالم العلوص – سالم خليفة النعاجي – يوسف مولود الحنيش د. خليفة سعيد القــــاضي – أبو القـــــاسم علي الشـــــارف – فتحي عريبي دهـــــــــــــان ــ عبد الحفيظ عبد الــــدائم الشريف – محمد إبراهيم الورفلي – عبد العظيم محمود سعــــود ــ المقطوف بلعيد اشكــال – جمعة صـــــالح الفيتوري – د. صـــــالـــح مصطفــى البرغثي ـــ ســــالم حسن اسمــــاعيل – الطـــــــــاهر خليفة الواعــــــــر – علي مختـــــــار الصقــر ـــ حســن محمد حميـــــــــدة – صـــالح عبد القادر أبو زيد – عبد القـــادر جمعة رضــوان
وبحضور المحامي العام
بنيابة النقض الأستاذ : أحمد الطاهر النعاس
ومدير إدارة التسجيل الأخ : جمعة محمد الأشهـــــر
أصدرت الحكم الآتي
في الطلب المحال من الدائرة المدنية الأولى على الدوائر المجتمعة والمتعلق بقضية الطعن المدني رقم 183/44 ق بخصوص العدول عن المبادئ التي تقرر تعويض الورثة عن الضرر المادي الذي لحق المضرور بسبب موته والالتزام بالمبادئ التي قررت عدم جواز ذلك .
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص وسماع رأي نيابة النقض وبعد المداولة قانوناً .
الوقائـــــع
أقام الطاعنون الدعوى رقم 862/95 ضد الممثل القانوني لشركة ليبيا للتأمين بصفته أمام محكمة بنغازي الابتدائية ، قالوا شرحاً لدعواهم أن مورثتهم أصيبت في حادث سير عجل بوفاتها ، وقد دين سائق السيارة جنائياً وأصبح الحكم في حقه نهائياً . وانتهوا إلى المطالبة بتعويض قدره مائة وخمسة وثلاثون ألف دينار . وبتاريخ 14/2/1996 ف قضت المحكمة بإلزام الشركة المدعي عليها :
أولاً : بأن تدفع للمدعين مبلغاً وقدره عشرون ألف دينار كتعويض عن الضرر المادي الذي أصاب مورثتهم يقسم بينهم وفقاً لاستحقاق كل منهم حسب الفريضة الشرعية .
ثانياً : بإلزام المدعي عليها بأن تدفع للمدعين مبلغاً وقدره عشرة آلاف دينار تعويضاً عن الضرر الأدبي يقسم بينهم بالتساوي .
ثالثاً : بإلزامها بأن تدفع للمدعين مبلغ عشرين ديناراً أتعاباً للمحاماة والمصاريف ورفض الدعوى فيما عدا ذلك .
استأنفت الشركة المحكوم عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 178/96 كما أستأنفه المحكوم لهم بالاستئناف رقم 110/96 والمحكمة قضت بعد ضم الاستئنافين بقبول الاستئناف رقم 110/96 شكلاً ورفضه موضوعاً وبقبول الاستئناف رقم 178/96 شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويض عما أصاب مورثهم من ضرر مادي ويرفض الدعوى في هذا الشق وبرفض وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك .
قرر محامي الطاعنين الطعن على هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه تحت رقم 183/44ق ناعياً عليه بمخالفة القانون لإلغائه التعويض عن الضرر المادي الذي لحق مورثتهم قبل وفاتها .
تحدد لنظر الطعن جلسة 3/12/2001 ف وحجز للحكم لجلسة 24/12/2001 ف ، وتبين أثناء المداولة أنه صدرت عن هذه المحكمة في هذا الصدد أحكام متعددة استقر بعضها على عدم جواز تعويض الورثة عن الضرر المادي الذي لحق المورث بسبب وفاته مثل الحكمين الصادرين في الطعنين الجنائيين رقمي 2/2 ق و 157/3 ق في حين قرر الحكمان الصادر أن عن الدائرة المدنية الثانية رقما 150 و 206/42 ق جواز تعويض الورثة عن هذا الضرر ، مما ترتب عليه وجود تعارض بين هذين الاتجاهين ، فقررت الدائرة المدنية الأولى إحالة الدعوى إلى الدوائر المجتمعة للنظر في هذا التعارض وطلبت العدول عن المبادئ التي قررت جواز تعويض الورثة عما لحق مورثهم من ضرر بسبب الموت والالتزام بالمبادئ التي قررت عدم جواز ذلك :
قدمت نيابة النقض مذكرة برأيها انتهت فيها إلى عدم جواز التعويض عن ضرر الموت وفقاً لما ورد بالمبدأين الواردين في الطعنين الجنائيين المشار إليهما ، وبالجلسة المحددة لنظر الطلب أصرت على رأيها .
الأسبــــــــــــاب
نصت المادة 166 من القانون المدني على أن ( كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ) ومفاد ذلك أنه لقيام المسئولية الموجبة للتعويض ثلاثة أركان : ركن الخطأ وهو الاخلال بالتزام قانوني أو انحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي . وركن الضرر وهو أما مادي يصيب المضرور في جسمه وماله أو أدبي يصيبه في شعوره وعاطفته . وركن السببية وهو وجود علاقة مباشرة بين الخطأ الذي ارتكبه المسئول والضرر الذي أصاب المجني عليه .
والضرر نوعان أما أن يكون مادياً وهو ما يسبب للشخص خسارة مالية وأما أن يكون أدبياً وهو ما ليس كذلك ، وكلاهما صالح للمطالبة بالتعويض عنه ، إذا ما تحققت شروطه ، ولكن انتقال الحق في كل منهما إلى الورثة هو يحتاج إلى بيان حسماً للجدل الذي ثار بشأنه، وقد حسم المشرع في القانون المدني هذا الجدل بالنسبة للتعويض عن الضرر الأدبي فنص في الفقرة الأولى من المادة 225 على أنه :
( لا يجوز أن ينتقل التعويض عن الضرر الأدبي إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق أو طالب به الدائن أمام القضـــاء ) ومفاد ذلك أن المشرع أعتبـر هذا الحق حقاً من نوع خاص لا تثبت به صفته المالية إلا فلا يكون له كيان مالي و لا يوجد في تركة صاحبه عند وفاته ، وبالتالي يمكن القول بأنه إذا طالب المضرور بالتعويض أمام القضاء قبل وفاته أو اتفق بشأنه مع محدث الضرر قبل أن يموت فإن هذا التعويض يكون مندمجاً ضمن عناصر تركته ويؤول بهذه الصفة إلى ورثته سواء أكان التعويض عن ضرر مادي أو عن ضرر أدبي ، أما لو مات المضرور قبل أن يحصل على التعويض أو قبل أن يطالب به أصلاً فإن انتقال حقه في التعويض إلى ورثته من بعده يكون غير جائز إذا كان عن ضرر أدبي ، أما إذا كان الأمر متعلقاً بضرر مادي فإن الوضع يختلف بحسب طبيعة الضرر الذي يصيبه من الجريمة ، فبالنسبة للجرائم التي لا تسبب الوفاة فإن الضرر منها يلحق المجني عليه شخصياً ويستحــق عنه التعويض وهو مـــا زال على قيد الحيــاة فإذا توفي بعد ذلك لأمر ما ، فإن حقه في التعويض يعتبر جزءاً من ماله عند وفاته ، ويؤول من بعد بعده ضمن تركته إلى ورثته ، ويكون لهم الحق في المطالبة به بعد وفاته عن طريق رفع الدعوى المدنية التي كانت لمورثهم أو الحلول محله فيها .
أما إذا كان التعويض عن جرائم القتل بسائر أنواعه من عمد وخطأ وضرب أفضى إلى الموت فإن ورثة المجني عليه لا يجدون في تركته حقاً في التعويض عن موته ، فدعوى التعويض ضد المتسبب في الحادث في هذه الحالة لا تعتبر من ثروة المجني عليه ، وإنما يجب أن يثبت للمضرور الذي يموت متأثراً بإصابته حق شخصي في التعويض عن موته متميزاً عما قد يثبت لورثته من حق آخر في التعويض عما أصابهم من ضرر بسبب موت مورثهم ، ولما كـــان هذا الحــق لم يثبت للمضرور قبل موتـــه لأن ضرر الموت لم يقع بعد ، ولا يمكن أن يثبت له بعد موته بعد موته لفناء شخصيته ، وزوال صلاحيته لاكتساب الحقوق ونشوئها في ذمته ، فإنه لا يكون لورثته أي حق في المطالبة بالتعويض عن موته أو عن آلام يدعون أنه تجرعها بسبب الموت استناداً لكونهم ورثة ، لأن صفة الوارثة ليست كافية بمفردها للحكم بالتعويض ، ولكون هذا التعويض لم ينشأ إلا نتيجة لموت المورث ، وبالتالي لم يدخل قط في ذمته المالية .
ومن جهة أخرى فإنه من الأهمية بمكان في هذا السياق ووفقاً لنصوص القانون المدني ذات العلاقة تكييف ضرر الموت من حيث اعتباره ضرراً أدبياً بحتاً أو ضرراً مادياً .
إنه لا مــراء في أن الموت يمس الحق في الحيــاة ، وأن هــذا الحق ليس حقاً مالياً وإنما هو ضرر أدبي محض وبالتالي فإن الحق في التعويض عنه لا ينتقل إلى ورثة المضرور إلا إذا كان قد طالب به أو اتفق بشـأنه قبل وفــــــاته وفقاً لنص المادة 225 من القانون المدني ، ولما كانت الحوادث الناجمة عن جرائم القتل تؤدي إلى أن يلق الشخص منيته فور الحادث أو بعده ببرهة فصيرة لا تمكنه من المطالبة قضائياً بهذا الحق أو الحصول على اتفاق بشأنه حال حياته ، وهو أمر يندر وقوعه في كلا الحالتين ومن ثم فإن اعتبار الضرر الناجم عن الموت ضرراً أدبياً بحتا يترتب عليه أيضاً انقضاء الحق في التعويض عنه بموت المجني عليه ولا يكون للورثة أي حق في المطالبة به .
فلهــــــذه الأسبـــــــاب
قـــررت المحكمة بدوائرها المجتمعة العــــدول عن المبادئ التي قررت جواز تعويض الورثـــــة عن الضرر المادي الذي لحق المورث بسبب وفاته على نحو ما ورد في الطعنين المدنيين رقمي 150 و 206 لسنة 42 ق و الأخذ بالمبادئ التي قررت عدم جواز تعويض الورثة عن الضرر المادي الذي لحق المورث بسبب موته كما جاء في الطعنين رقمي 2 لسنة 2 ق و 157 لسنة 3 ق .
رئيس الجلسة / المستشار
أحمد الطاهر الزاوي
المستشارون / الأعضاء :
محمود أحمد مرسي – علي سالم العلوص – سالم خليفة النعاجي – يوسف مولود الحنيش د. خليفة سعيد القــــاضي – أبو القـــــاسم علي الشـــــارف – فتحي عريبي دهـــــــــــــان ـ عبد الحفيظ عبد الــــدائم الشريف – محمد إبراهيم الورفلي – عبد العظيم محمود سعــــود ــ المقطوف بلعيد اشكــال – جمعة صـــــالح الفيتوري – د. صـــــالـــح مصطفــى البرغثي ــ ســــالم حسن اسمــــاعيل – الطـــــــــاهر خليفة الواعــــــــر – علي مختـــــــار الصقــر ـــ حســن محمد حميـــــــــدة – صـــالح عبد القادر أبو زيد – عبد القـــادر جمعة رضـــوان
مدير إدارة التسجيل
جمعة محمد الأشهر
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً