عدم دستورية فرض ضريبة على أجور ومرتبات المصريين العاملين بالخارج
عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات المصريين العاملين بالخارج
قضية رقم 43 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
نص الحكم
——————
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 2 يناير سنة 1999 الموافق 14 رمضان سنة 1419 ه
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور
وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 43 لسنة 17 قضائية “دستورية”
المقامة من
1 – الدكتور / أحمد صالح محمود عبد الرازق
2 – الدكتور / السيد محمد البلاسى
3 – الدكتور / محمد وحيد المنطاوى
4 – السيد / عمر فتحى الكومى
ضد
1 – السيد / رئيس الجمهورية
2 – السيد / رئيس مجلس الوزراء
3 – السيد / وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب
الإجراءات
بتاريخ العشرين من شهر يونيه سنة 1995، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبين الحكم بعدم دستورية المواد من الأولى حتى الخامسة من القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين فى الخارج
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعين من الثانى حتى الأخير، وفى الموضوع برفضها•
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها
وبجلسة 5 سبتمبر 1998 طلب الحاضر عن المدعين أن تتصدى المحكمة -طبقا للمادة 27 من قانونها- لدستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعين- وبوصفهم من العاملين المصريين فى الخارج -كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 2403 لسنة 1995 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد المدعى عليه الثالث، طالبين الحكم بصفة مستعجلة الكف عن مطالبتهم بسداد الضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين فى الخارج، وحتى الفصل فى الدعوى، ورد ماسبق أن دفعه المدعى الأول منها فى الفترة من 19/6/1994 حتى 2/8/1994، وبراءة ذمتهم من أية مبالغ مستحقة عليهم بصفتهم هذه اعتبارا من 19/6/1994 وبتعويض قدره مائة ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية، وأثناء نظر هذه الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين فى الخارج، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، صرحت للمدعين باقامة الدعوى الماثلة، فأقاموها
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعين من الثانى حتى الأخير لانتفاء شرط المصلحة بالنسبة إليهم، قولا منها بأنهم لم يسددوا الضريبة المشار إليها، كما لم توجه إلى أى منهم مطالبة بسدادها، لتكون دعواهم الموضوعية بالكف عن مطالبتهم بتلك الضريبة وبراءة ذمتهم منها خلوا من أية حقوق موضوعية يدعونها وتستقل بمضمونها عن الفصل بشكل مجرد فى دستورية النصوص التشريعية المطعون عليها ولتغدو دعواهم الدستورية مفتقرة إلى شرط المصلحة لانتفاء صلتها بأية طلبات موضوعية يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازما للفصل فيها•
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن شرط المصلحة اللازم قانونا لقبول الدعوى الدستورية يعد متوافرا دوما فى شأن المخاطب بالقانون الضريبى المطعون فيه ولولم تتخذ فى شأنه إجراءات ربط وتحصيل الضريبة طبقا له• متى كان ذلك وكان المدعون المشار إليهم يندرجون فى عداد المصريين العاملين بالخارج الملتزمين قانوناً بالضريبة المطعون فيها فإن القول بانتفاء مصلحتهم فى اقامة الدعوى الماثلة يكون حقيقا بالرفض
وحيث إن القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين فى الخارج قد أورد المواد الخمسة الأولى منه -موضوع الطعن الماثل- على النحو الآتى:
المادة الأولى : تفرض ضريبة على الأجور والمرتبات ومافى حكمها التى يتقاضاها العاملون المصريون فى الخارج ممن يزاولون عملا لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية
ولايخضع لهذه الضريبة المصريون المهاجرون هجرة دائمة الذين تتوافر فيهم الشروط الواردة فى المادة (8) من قانون الهجرة ورعاية المصريين فى الخارج الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1983• المادة الثانية : يكون سعر الضريبة المنصوص عليها فى المادة السابقة
كالآتى:
الشريحة الأولى: حتى ما يعادل 20 ألف جنيه مصرى سنويا (1 %)•
الشريحة الثانية: أكثر مما يعادل 20 ألف جنيه مصرى سنويا وحتى مايعادل 40 ألف جنيه مصرى سنويا (2%)•
الشريحة الثالثة: أكثر مما يعادل 40 ألف جنيه مصرى سنويا (3 %)• وتحدد قيمة التعادل بالجنيه المصرى على أساس سعر الصرف عند بدء كل سنة تعاقد المادة الثالثة: تتحدد الإيرادات الخاضعة للضريبة على أساس مجموع مايحصل عليه الممول من مرتبات وأجور ومكافآت وبدلات، وذلك على الوجه الآتى: 1 – لاتسرى الضريبة على بدلات السفر والانتقال والسكن والملابس والغذاء
2 – لاتسرى الضريبة على بدل طبيعة العمل إلا فيما يجاوز ما يعادل ألف جنيه مصرى سنويا
فإذا كان الثابت من عقد العمل أن الأجر أو المرتب أو المكافأة شاملا للبدلات المشار إليها فى البندين (1) و (2) فيتحدد وعاء الضريبة بعد خصم 15 % من الأجر أو المرتب أو المكافأة الشاملة مقابل هذه البدلات
3 – يخصم من وعاء الضريبة اشتراكات التأمين الاجتماعى وأقساط الادخار التى تستقطع أو تسدد وفقا لأحكام قوانين التأمين الاجتماعى أو كنظم بديلة عنها أو قوانين المعاشات والادخار الحكومية سواء فى جمهورية مصر العربية أو الدولة التى بها جهة العمل
4 – بعد إعمال أحكام البنود (1) و (2) و (3) يخصم من الوعاء 5% للأعزب و10% للمتزوج وللمتزوج ويعول وللعائل لأولاده أو لوالديه أو لأحدهما مقابل الأعباء العائلية
وفى جميع الأحوال تخصم من وعاء الضريبة، الضريبة الأجنبية المسددة عن ذات الإيراد
المادة الرابعة : على كل عامل خاضع لأحكام هذا القانون أن يقدم إلى مصلحة الضرائب سنويا وعند انتهاء الإجازة أو الاعارة صورة معتمدة من عقد العمل المبرم مع جهة عمله فى الخارج أو بيانا معتمدا بمفردات مرتبه أو أجره فى تلك الجهة ويتعين عليه إيضاح التغييرات التى طرأت على مرتبه أو أجره خلال السنة
وتختص مصلحة الضرائب بتحديد قيمة الضريبة المستحقة وفقا لأحكام هذا القانون وإخطار الممول بذلك على النموذج الذى تحدده اللائحة التنفيذية بموجب خطاب موصى عليه بعلم الوصول أو بالتسليم المباشر للعامل نفسه أو من ينيبه مقابل إيصال
وفى حالة تسديد قيمة الضريبة تسلم المصلحة العامل شهادة تفيد ذلك لتقديمها للجهات المختصة للموافقة على تجديد الإجازة أو الإعارة أو منحه إذن العمل
وفى جميع الأحوال يحظر على الجهات المختصة تجديد الإعارة أو الإجازة أو إذن العمل إلا بعد تقديم ما يفيد سداد الضريبة أو إيداع تأمين مناسب وفقا للقواعد التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون إذا قدم الممول اعتراضا أو طعنا وفقا لأحكام قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، ويكون صدور إذن العمل المنصوص عليه بالقانون رقم 173 لسنة 1958 بالنسبة للعاملين الخاضعين لأحكام هذا القانون لمدة عام قابلة للتجديد
المادة الخامسة:
يكون سداد الضريبة سنويا بالجنيه المصرى وبالطريقة وفى المواعيد التى تحددها اللائحة التنفيذية وفى حالة حدوث تغيير فى المرتب أو الأجر الخاضع للضريبة يعدل حساب الضريبة من تاريخ هذا التغيير على أساس الإيراد الجديد
وفى حالة عدم اكتمال السنة تسدد الضريبة بنسبة المدة التى قضاها العامل فى الخارج، ويتوقف سريان الضريبة فى الحالات التى يتوقف فيها صرف مرتب أو أجر العامل لأى سبب من الأسباب، وبالنسبة لمتجمد المرتبات أو الأجور أو مكافأة نهاية الخدمة التى تصرف للعامل دفعة واحدة فى سنة ما، يتم توزيع هذا المتجمد على سنوات الاستحقاق وتحسب الضريبة على أساس ذلك
وقد نشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية بتاريخ 18 يونيه 1994 وعمل به اعتبارا من اليوم التالى لتاريخ نشره
وحيث إن المدعين ينعون على القانون رقم 208 لسنة 1994 الطعين مخالفته للمواد 4 و8 و31 و38 و40 و41 و 52 و61 و119 و120 من الدستور، وذلك من أوجه متعددة أهمها:
أولا : الإخلال بالعدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى، سواء من ناحية قصر الضريبة المطعون عليها على العاملين المصريين فى الخارج ممن يزاولون عملا لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية؛ لتصيب الضريبة الكادحين ويفلت منها القادرون؛ أو من ناحية ضوابطها التى لاتقيم وزنا للمقدرة التكليفية للممول
ثانيا : مناهضة مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون بالتمييز غير المبرر بين أفراد الفئة الخاضعة للضريبة؛ وبين فئات أخرى من العاملين المصريين فى الخارج ممن لم يتحقق فى شأن عملهم عنصر التبعية الذى يشترطه القانون للخضوع للضريبة
ثالثا: إخفاق المشرع فى معالجة الازدواج الضريبى بنصه على أن يخصم من وعاء الضريبة، الضريبة الأجنبية المسددة عن ذات الإيراد، بينما الصحيح أن تخصم الضريبة الأجنبية من الضريبة التى فرضها هذا القانون
رابعا: الخروج على مبدأ إقليمية الضريبة الذى اعتنقته الدولة وأخذت به فى قانون الضريبة الموحدة باعتباره الشريعة العامة للنظام الضريبى بما لاوجه معه للخروج على هذا المبدأ، لما فى ذلك من إخلال بالعدالة فى توزيع الأعباء والتكاليف العامة وبقواعد فرض الضرائب وبأسس جباية الأموال العامة
خامسا : أن تعليق تجديد الإعارة أو الإجازة على تقديم مايفيد سداد الضريبة المشار إليها ينطوى على تقييد لحق العمل وحرية التنقل والهجرة المؤقتة
وحيث إن من المقرر -وعلى ماجري عليه قضاء هذه المحكمة- أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها إسهاماً من جهتهم فى أعبائها وتكاليفها العامة• وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها بُذِلَت من أجلهم، وعاد عليهم مردودها• ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، ولاشأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطاً بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام -وعوضا عن تكلفته- وإن لم يكن بمقدارها
وحيث إن السلطة التشريعية هى التى تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنا تحديد وعائها، وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها، وتوريدها، وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من طعون اعتراضا عليها، ونُظُم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة -عدا الإعفاء منها- إذ يجوز أن يتقرر فى الأحوال التى يبينها القانون• وإلى هذه العناصر جميعها يمتد النظام الضريبى فى جمهورية مصر العربية فى إطار من قواعد القانون العام، متخذاً من العدالة الاجتماعية- وعلى ماتنص عليه المادة 38 من الدستور -مضموناً وإطاراً، وهو مايعنى بالضرورة، أن حق الدولة فى اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء مايتصل بها من آثار عَرَضية، ينبغى أن يقابل بحق الملتزمين أصلا بها والمسئولين عنها، فى تحصيلها وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نافيا لتحيفها، وحيدتها ضماناً لاعتدالها
وحيث إن البين من نص المادة الأولى من القانون المطعون فيه ما يأتى:
أولا: إن فقرتها الأولى قضت بفرض الضريبة على الأجور والمرتبات ومافى حكمها التى يتقاضاها العاملون المصريون فى الخارج ممن يزاولون عملا لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية•
ثانيا: إنه عملا بفقرتها الثانية لايخضع لهذه الضريبة المهاجرون هجرة دائمة الذين تتوافر فيهم الشروط الواردة فى المادة (8) من قانون الهجرة ورعاية المصريين فى الخارج الصادر بالقانون رقم 111 لسنة 1983•
ثالثا: أن غير هؤلاء المهاجرين هجرة دائمة من المصريين العاملين فى الخارج ويحصلون على دخل من عملهم الذى لايتوافر فيه عنصر التبعية يظلون بمنأى عن هذه الضريبة
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن النصوص القانونية -وأيا كان مضمونها- تعتبر مجرد وسائل تدخل بها المشرع لتنظيم موضوع محدد• ومن خلال ربطها بأغراضها -وبافتراض مشروعيتها- واتصالها عقلا بها، تتحدد دستوريتها• وإذ كانت المقاصد الأصلية لهذه الضريبة -على نحو ماكشفت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون- تتمثل فى إنماء موارد الدولة إيفاءً لنفقاتها العامة، ولكى يؤدى المصريون العاملون فى الخارج جزءاً من الدين الواجب عليهم أداؤه مقابل تعليمهم وتنشئتهم وإعدادهم للعمل فى الخارج، وحتى يتحقق الانتماء الوطنى بتحميل العاملين فى الخارج جزءاً من عبء النفقات العامة للدولة، بما يحقق تكافل أبناء مصر داخلها وخارجها فى بناء وتنمية الوطن•
إذ كان ذلك، فإن مانصت عليه المادة الأولى من هذا القانون من قصر فرض الضريبة على الأجور والمرتبات -ومافى حكمها- التى يتقاضاها العاملون المصريون فى الخارج ممن يزاولون عملا لدى الغير يتوافر فيه عنصر التبعية، مخرجا بذلك من نطاقها مايجنيه مصريون آخرون من حصيلة عملهم فى الخارج لا لشئ إلا لكون عملهم لاينطوى على تلك التبعية؛ يكون متصادما مع المقاصد الأصلية للقانون المطعون فيه، ذلك أن صفة المواطنة ليست حكرا على الطائفة الأولى وحدها دون الثانية، كما أن التكافل فى بناء وتنمية الوطن عن طريق التحمل بعبء الضرائب والتكاليف العامة يشمل المصريين جميعا -كل بحسب مقدرته التكليفية- التزاماً بما نص عليه الدستور فى المادة الرابعة من كفالة عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة، وفى المادة السابعة من إقامة المجتمع على التضامن الاجتماعى؛ ومن ثم يكون اتخاذ عنصر التبعية فى العمل لدى الغير بالخارج معيارا مُحِّددا للخاضعين للضريبة التى فرضها القانون المطعون فيه، مفتقدا للرابطة المنطقية التى تصل الضريبة بأهدافها المبتغاة
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون -وبقدر تعلقه بالحدود التى تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها- مؤداه أنه لايجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية فى مباشرتهما لاختصاصاتهما التى نص عليها الدستور، بالحماية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور أو التى ضمنها المشرع ومن ثم كان هذا المبدأ عاصما من النصوص القانونية التى يقيم بها المشرع تمييزا غير مُبَرَّر تتنافر به المراكز القانونية التى تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلا لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التى تحكمها، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز، أوقاصرة بمداها عن استيعابها •
لما كان ذلك، وكان القانون المطعون فيه قد استبعد من دائرة تطبيقه فئة من العاملين المصريين فى الخارج، هم الذين لا يتوافر فى عملهم عنصر التبعية بينما أخضع لأحكامه أولئك الذين يتوافر فى عملهم ذلك العنصر، فإن هذا التمييز وقد قام على غير أسس موضوعية تبرره، يصم المبدأ الذى اعتنقه ذلك القانون بالإخلال بالمساواة التى كفلتها المادة 40 من الدستور
وحيث إن الضريبة التى يكون أداؤها واجبا وفقاً للقانون -وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و 119 من الدستور- هى التى تتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية•
وتقوم على العدالة الاجتماعية التى فرضتها المادة 38 من الدستور كأساس للنظام الضريبى، والتى ينافيها أن يقتصر فرض الضريبة على فئات دون أخرى رغم توافرمناط استحقاقها فيهم جميعاً، مما يعد إخلالا بحقوق الفئات التى أخضعها القانون للضريبة -بتحميلهم وحدهم أعباءها كاملة- وإعفاء الآخرين منها دون مقتضٍ
وحيث إن الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة -وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة- تمتد إلى كل حق ذى قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الفنية أو الأدبية أو الصناعية؛ وهو ما يعنى اتساعها للأموال بوجه عام؛ وكان القانون المطعون فيه قد انعكس أثره سلبا على عناصر الذمة المالية الإيجابية للممول منتقصا منها دون مقتضٍ، فإنه يكون قد تضمن -بذلك- عدوانا على الملكية الخاصة بالمخالفة للمادتين 32 و 34 من الدستور
وحيث إن العوار الدستورى الذى يصم الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون الطعين -طبقا للتفصيل متقدم الذكر- يهدم بنيان هذه الضريبة من أساسه؛ ذلك أن تصحيح نطاقها ليشمل كل من يتوافر فيه مناط استحقاقها، ينعكس تأثيره حتما على سائر نصوصه، وعلى الأخص تلك المتضمنة تعيين وعائها وتحديد سعرها وشرائحها وحدود وأحوال الإعفاء منها وبيان طرائق وإجراءات تحصيلها
وحيث إن القضاء بعدم دستورية الفقرة الأولى المشار إليها، يؤدى -بحكم اللزوم العقلى- إلى سقوط باقى نصوص القانون رقم 208 لسنة 1994 برمتها، ودون حاجة إلى بيان المثالب الدستورية الأخرى التى اعتورتها -وذلك لارتباط هذه النصوص بالفقرة الأولى ارتباطاً لايقبل التجزئة بحيث تكوِّن معها كُلاً واحداً لايتجزأ، مما لايتصوّر معه أن تقوم لهذه النصوص قائمة بغير تلك الفقرة، أو إمكان إعمال أحكامها فى غيبتها
وحيث إنه عن طلب المدعين التصدى لدستورية القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا -استناداً إلى المادة 27 من قانونها- فإنه بعد أن انتهى قضاء هذه المحكمة إلى عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون الطعين وسقوط باقى مواده تبعا لذلك، بما مؤداه انعدام أى أساس قانونى لمطالبتهم بالضريبة، فإنه يتعين الالتفات عن هذا الطلب
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 208 لسنة 1994 بفرض ضريبة على أجور ومرتبات العاملين المصريين فى الخارج وبسقوط باقى نصوصه الأخرى، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة
اترك تعليقاً