عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (181) من قانون الضرائب على الدخل
المحكمة الدستورية العليا المصرية
قضية رقم 332 لسنة 23 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم: تشريع – ضرائب – خضوع الدولة للقانون – دستور – عدل – مبدأ الخضوع للقانون – دعوى دستورية – مصلحة مناطها – ضريبة – جزاء – ضريبة – عدالة اجتماعية – عدالة – مبدأ خضوع الدولة للقانون – تناسب الجزاء مع الأفعال
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 8 مايو سنة 2005 م، الموافق 29 من ربيع الأول سنة 1426 هـ
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ ماهر البحيري وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح وإلهام نجيب نوار ومحمد عبدالعزيز الشناوي وماهر سامى يوسف
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 332 لسنة 23 قضائية “دستورية”، المحالة من محكمة جنايات كفر الشيخ في القضية رقم 2839 لسنة 2001 جنايات الحامول.
المقامة من
النيابة العامة
ضد
السيد/ …
الإجراءات
بتاريخ الخامس والعشرين من نوفمبر سنة 2001، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 2839 لسنة 2001 جنايات الحامول والمقيدة برقم 36 لسنة 2001 كلي كفر الشيخ، بعد أن قضت محكمة جنايات كفر الشيخ بوقفها وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة الأولى من المادة (181) والمادة (195) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أولا: بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص المادة (195) من القانون رقم 157 لسنة 1981، وثانيا: برفض الدعوى فيما يتعلق بنص الفقرة الأولى من المادة (181) من القانون المذكور.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن النيابة العامة أحالت السيد/ … إلى محكمة جنايات كفر الشيخ متهمة إياه بتهربه من أداء الضرائب عن أرباحه التجارية عن نشاطه من استغلال مزرعة سمكية عن السنوات من 1989 حتى 1999، وذلك باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية بأن أخفى نشاطه عن مصلحة الضرائب ولم يخطرها عند بدء مزاولته للنشاط، وعدم تقديمه للإقرارات الضريبية عن السنوات المذكورة، وعدم حصوله على البطاقة الضريبية خلال الميعاد المحدد قانونا. وطلبت النيابة العامة معاقبته بمواد الاتهام الواردة بأمر الإحالة ومنها نص الفقرة الأولى من المادة (181) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، وإذ تراءى للمحكمة عدم دستورية ذلك النص وكذا نص المادة (195) من القانون المشار إليه، فقد قررت بجلسة 6/9/2001 وقف السير في الدعوى وإحالة الأوراق للمحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية النصين المذكورين.
وحيث إن المادة (181) من قانون الضرائب على الدخل تنص في فقرتها الأولى على أنه “في حالة الحكم بالإدانة في الأحوال المنصوص عليها في المادتين (178)، (179) من هذا القانون يقضى بتعويض يعادل ثلاثة أمثال ما لم يؤد من الضرائب المستحقة”.
وتنص المادة (195) من القانون المذكور على أن “يخصص وزير المالية نسبة من حصيلة الغرامات والتعويضات التي يتم تحصيلها نتيجة الصلح مع الممولين مقابل التنازل عن رفع الدعوى العمومية أو المحكوم بها نهائيا طبقا لأحكام هذا القانون، وتؤول هذه الحصيلة إلى صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب وأسرهم ومن أحيل أو يحال منهم إلى التقاعد وأسرهم…”.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن مناط المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، وأن هذا الشرط يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية، ويحدد نطاقها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ينالهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه. فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
لما كان ما تقدم، وكان نص المادة (195) من قانون الضرائب على الدخل يتناول بالتنظيم كيفية التصرف في حصيلة الغرامات والتعويضات التي يتم تحصيلها من الممولين وفقا لأحكام القانون، ولا شأن له بموضوع المخالفات المنسوبة للمتهم في الدعوى الموضوعية، ولم يرد ذكره بأمر الإحالة الصادر من النيابة العامة، فإن قضاء هذه المحكمة بعدم دستورية النص المذكور – بفرض صحة المطاعن الموجهة إليه – لن يكون ذا أثر على النزاع الموضوعي، لتغدو المصلحة في الطعن عليه منتفية، وتكون الدعوى في هذا الشق منها غير مقبولة.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على نص المادة (181) من قانون الضرائب على الدخل السالف ذكرها أمورا ثلاثة،
أولها: أن ما قرره من تعويض – يوازي ثلاثة أمثال ما لم يؤد من ضرائب – جاء مبالغا فيه، ومناهضا لروح العدالة التي يقوم عليها النظام الضريبي ويؤكد عليها الدستور في عديد من المواد.
وثانيها: أنه ألزم الممول بسداد الضريبة التي تهرب منها بالإضافة إلى ثلاثة أمثالها كتعويض، الأمر الذي قد يترتب عليه مصادرة وعاء الضريبة بالكامل بل قد يتجاوزه إلى باقي أموال الممول بما يشكل اعتداء على حق الملكية.
وثالثها: أن المشرع ألزم الممول الخاضع للنص الطعين بأداء هذا التعويض دون منح القاضي أية سلطة تقديرية في تحديد التعويض المناسب لمقدار الضرر الذي أصاب الخزانة العامة، في حين خالف هذا الأسلوب في عديد من القوانين المنظمة للجرائم المالية أو القوانين الضريبية مثل قانون الضريبة العامة على المبيعات والذي قرر تعويضا لا يجاوز مثل الضريبة، بما يعد إخلالا من المشرع بمبدأ المساواة أمام القانون.
وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره ذلك أن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنا تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين بأدائها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من الطعون اعتراضا عليها، ونظم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة عدا الإعفاء منها إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون. وإلى هذه العناصر جميعها يمتد النظام الضريبي في جمهورية مصر العربية، ليحيط بها في إطار من قواعد القانون العام، متخذا من العدالة الاجتماعية – وعلى ما تنص عليه المادة (38) من الدستور – مضمونا وإطارا، وهو ما يعني بالضرورة، أن حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، ينبغي أن يقابل بحق الملتزمين بها وفق أسس موضوعية، يكون إنصافها نافيا لتحيفها، وحيدتها ضمانا لاعتدالها، بما مؤداه أن قانون الضريبة العامة، وإن توخى حماية المصلحة الضريبية للدولة باعتبار أن الحصول على إيرادها هدفا مقصودا منه ابتداء، إلا أن مصلحتها هذه ينبغي موازنتها بالعدالة الاجتماعية بوصفها مفهوما وإطارا مقيدا لنصوص هذا القانون، فلا يكون دين الضريبة – بالنسبة إلى من يلتزمون بها – متمخضا عقابا بما يخرجها عن بواعثها الأصلية والعرضية، ويفقدها مقوماتها بالتالي لتنحل عدما.
ولا يجوز أن تعمد الدولة كذلك – استيفاء لمصلحتها في اقتضاء دين الضريبة – إلى تقرير جزاء على الإخلال بها، يكون مجاوزا – بمداه أو تعدده – الحدود المنطقية التي يقتضيها صون مصلحتها الضريبية وإلا كان هذا الجزاء غلوا وإفراطا، منافيا بصورة ظاهرة لضوابط الاعتدال، واقعا عملا – وبالضرورة – وراء نطاق العدالة الاجتماعية، ليختل مضمونها بما ينافي القيود التي فرضها الدستور في مجال النظام الضريبي.
وحيث إن الدستور قرن العدل بكثير من النصوص التي تضمنها، ليكون قيدا على السلطة التشريعية في المسائل التي تناولتها هذه النصوص، وأنه وإن خلا من تحديد لمعنى العدالة في تلك النصوص إلا أن المقصود بها ينبغي أن يتمثل فيما يكون حقا وواجبا سواء في علائق الأفراد فيما بينهم، أو في نطاق صلاتهم بمجتمعهم، بحيث يتم دوما تحديدها من منظور اجتماعي، ذلك أن العدالة تتوخى – بمضمونها – التعبير عن القيم الاجتماعية السائدة في مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن العدالة – في غاياتها – لا تنفصل علاقتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفا إلا إذا كان كافلا لأهدافها، فإذا ما زاغ المشرع ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان منهيا للتوافق في مجال تنفيذه، ومسقطا كل قيمة لوجوده، ومستوجبا تغييره أو إلغاءه. ومن ثم فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن شرعية الجزاء – جنائيا كان أم تأديبيا أم مدنيا – لا يمكن ضمانها إلا إذا كان متناسبا مع الأفعال التي أثمها المشرع أو منعها في غير ما غلو أو إفراط.
وحيث إن الممولين الخاضعين للضريبة على إيرادات النشاط التجاري والصناعي يلتزمون عملا بالنص الطعين عند الحكم عليهم بالإدانة في الأحوال المنصوص عليها في المادة 178 من قانون الضرائب على الدخل – فضلا عن العقوبة الجنائية بالسجن – بأداء ثلاثة أمثال الضريبة التي نسب إليهم التهرب من أدائها.
وكان ما توخاه المشرع من تقرير هذا التعويض – منظورا في ذلك إلى مداه – هو الحمل على إيفائها في الموعد المحدد قانونا وبمقدارها الحقيقي إلى الخزانة العامة لضمان تحصيلها، والتقليل من تكلفة جبايتها، فلا يتخلى عن الوفاء بها الممولون الملتزمون بها وإلا كان ردعهم لازما، فإن معنى العقوبة يكون ماثلا في ذلك التعويض وإن لم يكن عقابا بحتا وهو ما ظهر بوضوح من خلال وحدة مقداره، ذلك أن المتهربين من أداء الضريبة يلتزمون بثلاثة أمثالها في كل الأحوال سواء أكان عدم الوفاء راجعا إلى التخلف عن تقديم إخطار مزاولة النشاط أو بسبب استعمال إحدى الطرق الاحتيالية الواردة بنص المادة (178) من القانون. وسواء أكان ذلك ناشئا عن عمد أو إهمال أو عن فعل غير مقترن بأيهما، متصلا بالغش والتحايل أو مجردا منهما، واقعا مرة واحدة أو متعددا، متصلا بنشاط واحد أو أكثر، إذ يتعين دوما أداء ثلاثة أمثال الضريبة بالكامل أيا كانت المخالفة المنسوبة إلى الممول وظروف ارتكابها. وكان ينبغي على المشرع أن يفرق في هذا الجزاء بين الحالات المختلفة الواردة بالنص.
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون محددا على ضوء مفهوم ديمقراطي يعني أن مضمون القاعدة القانونية التي تسمو في الدولة القانونية عليها، وتتقيد هي بها، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التي التزمتها الدول الديمقراطية باضطراد في مجتمعاتها، واستقر العمل باضطراد على انتهاجها في مظاهر سلوكها على تباينها، لضمان ألا تنزل الدولة القانونية بالحماية التي توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم، عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام في الدول الديمقراطية، ويندرج تحتها، ألا يكون الجزاء على أفعالهم جنائيا كان أم مدنيا، أم تأديبيا، أم ماليا إفراطا، بل متناسبا معها، ومتدرجا بقدر خطورتها ووطأتها على الصالح العام، فلا يكون هذا الجزاء إعناتا.
متى كان ما تقدم، وكان التعويض المقرر بالنص الطعين جزاء على المخالفات الواردة بالمادة (178) من القانون جاء مفرطا وغير مناسب للنوعيات المختلفة من هذه المخالفات على النحو السالف بيانه منافيا بالتالي لضوابط العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي في الدولة ومنتقصا من العناصر الإيجابية للذمة المالية للممولين الخاضعين لأحكامه، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفا لأحكام المواد 34، 38، 65 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (181) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 فيما تضمنه من إلزام من يحكم بإدانته في الأحوال المنصوص عليها في المادة (178) من القانون المذكور بتعويض يعادل ثلاثة أمثال ما لم يؤد من الضرائب المستحقة.
اترك تعليقاً