عدم دستورية نص المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير و بيع الأماكن
المحكمة الدستورية العليا المصرية
قضية رقم 47 لسنة 21 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم: تضامن اجتماعي – تنظيم الحقوق – سلطة المشروع التقديرية – حرية التعاقد – حرية شخصية – حق الملكية – تنظيمها – تضامن اجتماعي – دستور – مبدأ المساواة – دعوى دستورية – مصلحة مناطها – سلطة المشرع – مبدأ المساواة – ملكية – تجريدها لوازمها
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 4 أبريل سنة 2004 م، الموافق 14 صفر سنة 1425 هـ
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ حمدي محمد علي وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وسعيد مرعى عمرو
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 47 لسنة 21 قضائية “دستورية”.
المقامة من
الأستاذ/ … المحامي، عن نفسه
وبصفته وكيلا عن السيدة/ …
ضد
1- السيد/ رئيس الجمهورية
2- السيد/ رئيس مجلس الوزراء
3- السيد/ وزير العدل
4- السيدة/ …
5- السيدة/ …
6- السيد/ رئيس مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي
الإجراءات
بتاريخ التاسع من مارس سنة 1999، أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلبا للحكم بعدم دستورية نص المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعيين أقاما الدعوى رقم 8305 لسنة 1998 إيجارات كلي شمال القاهرة ضد المدعى عليهما الرابعة والخامسة، بطلب الحكم بانتداب مكتب خبراء وزارة العدل ليعهد إلى أحد خبرائه لتحديد القيمة الإيجارية للفيلا المؤجرة مفروشة إلى المدعى عليها الرابعة، وإلزامها بأداء الفروق المستحقة لهما، على سند من القول بأن المدعى عليها الرابعة استأجرت الفيلا الموضحة بعريضة الدعوى مفروشة بمنقولاتها الموضحة بالقائمة المرفقة بعقد الإيجار المؤرخ 10/6/1973، بقيمة إيجارية قدرها سبعون جنيها شهريا لاستعمالها دار حضانة، وقد تم التنبيه عليها بالرغبة في زيادة الأجرة، إلا أنها ظلت متمسكة بسداد القيمة الإيجارية المحددة في العقد، استنادا إلى نص المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981، التي أوجبت الاستمرار في العين المؤجرة مفروشة بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد، متى كانت مؤجرة لاستعمالها مدارس وأقسام داخلية لإيواء الدارسين بها. وقد دفع المدعيان في صحيفة الدعوى بعدم دستورية تلك المادة، وبعد أن قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، صرحت للمدعيين بإقامة الدعوى الماثلة فأقاماها.
وحيث إن المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه “يحق لمستأجري المدارس والأقسام الداخلية لإيواء الدارسين بها، والمستشفيات وملحقاتهما، في حالة تأجيرها لهم مفروشة، الاستمرار في العين، ولو انتهت المدة المتفق عليها، وذلك بالشروط والأجرة المنصوص عليها في العقد.”.
وحيث إن من المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة في الدعوى الدستورية وهي شرط لقبولها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان محور النزاع الموضوعي يدور حول أمرين متعارضين:
أولهما: حق المؤجر في زيادة أجرة عين النزاع، وهي مؤجرة مفروشة؛ لاستعمالها مدرسة “دار حضانة” في حالة الاستمرار في العين المقررة بقوة القانون.
ثانيا: حق المستأجر في ثبات الأجرة المنصوص عليها في العقد دون زيادة في تلك الحالة.
ومن ثم، فإن نطاق الدعوى الدستورية الماثلة وفي حدود ما ارتبط بها من طلبات مطروحة على محكمة الموضوع يتحدد في مدى أحقية مستأجري المدارس والأقسام الداخلية لإيواء الدارسين بها مفروشة في التمسك بالأجرة المنصوص عليها في العقد دون زيادة، وتتوافر للمدعيين مصلحة مباشرة في هذا النطاق وحده دون باقي ما تضمنه نص المادة (16) المشار إليه من أحكام تجاوز هذا النطاق حيث يظل مجال الطعن فيها مفتوحا لكل ذي مصلحة.
وحيث إن المدعيين ينعيان على النص المطعون عليه في النطاق المحدد سلفا مخالفته أحكام المواد 7، 32، 34، 40، 41 من الدستور، ذلك أنه أخل بمبدأ المساواة بأن مايز دون مبرر بين طائفتين من مؤجري الأماكن المفروشة: الأولى: مؤجرو المدارس والأقسام الداخلية لإيواء الدارسين بها، وهذه تم تثبيت أجرتها المنصوص عليها في العقد في حالة استمراره. والثانية: تلك التي يستعملها مستأجروها لغير ذلك من الأغراض حيث يتم تحديد أجرتها باتفاق الأطراف. فضلا عن إهداره حرية التعاقد وإخلاله بالحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة بأن حرم المؤجر في غير ضرورة من ثمرة ملكه، وذلك بأن فرض عليه ثبات الأجرة المنصوص عليها في العقد، مهدرا بذلك التضامن الاجتماعي بين المؤجرين والمستأجرين.
وحيث إن السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، حدها قواعد الدستور التي ينافيها أن ينقل المشرع حقوق الملكية أو بعض عناصرها من يد أصحابها إلى غيرهم دون سند صحيح، ويدينها من أهدافها قدر من التوازن بين القيود عليها، وضرورة ربطها بالأغراض التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، فلا يكون التدخل لتنظيمها افتئاتا عليها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية، يقتضيها الدستور صونا للحرية الشخصية، التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان ضد البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائنا يحمل على ما لا يرضاه، بل بشرا سويا.
وحيث إن حرية التعاقد هذه، فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فإنها كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود فيما بين أطرافها، أيا كان الدائن بها أو المدين بأدائها. بيد أن هذه الحرية التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها. ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محددا بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة حركتها، فلا يكون لسلطانها بعد هدمها من أثر.
وحيث إن الحقوق التي يستخلصها مستأجر من الإجارة التي دخل فيها، تقتضي تدخلا من مؤجرها لإمكان مباشرتها، ولا يجوز بالتالي مزجها بحق الانتفاع كأحد الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية، ذلك أن هذا الحق يعتبر واقعا مباشرة على الأشياء التي تعلق بها، مشتملا على سلطة استعمالها واستغلالها، متسلطا عليها من هذين الوجهين دون تدخل من أصحابها، الذين لا يملكون كذلك الاعتراض على حصولهم أو زيادة ثمرة ملكهم.
وحيث إن النص المطعون فيه في النطاق السابق قد خول مستأجري المدارس والأقسام الداخلية لإيواء الدارسين بها، في حالة تأجيرها مفروشة، الحق في ثبات أجرتها المنصوص عليها في العقد، والمحددة بإرادة طرفيه دون زيادة، ولو كان هذا العقد أو الأوضاع التي لابسته، تفيد شرطا صريحا أو ضمنيا مانعا من هذا الثبات، أو مجيزا التعديل. وكان هذا النص وباعتباره واقعا في إطار القيود الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية ما تقرر إلا لإسقاط حق المؤجر في زيادة الأجرة، إذ فرض عليه ثبات الأجرة في التأجير مفروش بقوة القانون في إطار علائق ايجارية شخصية بطبيعتها، مهدرا كل إرادة لمؤجره في مجال القبول أو الاعتراض على هذه الزيادة، في حين أن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها من خلال عقود ايجارها مفروشة إنما تعني حقهم في تحديد الأجرة، وتحريكها زيادة ونقصا، ليكون العقد وحده وباعتباره تصرفا قانونيا وعملا إراديا بديلا عن التدخل التشريعي في تحديد الأجرة، إذ أن هذا التحديد جزء لا يتجزأ من حق الاستغلال الذى يباشرونه أصلا عليها. فإن هذا النص يكون متضمنا عدوانا على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها، والتي لا تستقيم الحرية الشخصية في صحيح بنيانها بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاء يناقض أسسها.
وحيث إن المقرر كذلك أن صون الدستور للملكية الخاصة مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض أجزائها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها عليها المشرع جوهر مقوماتها، ولا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير الانتفاع بها، وكان صون الملكية وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدمها أو تقويض أسسها من خلال قيود تنال منها، ينحل عصفا بها منافيا للحق فيها.
وحيث إن التنظيم التشريعي لحق الملكية وكلما كان متصلا بما ينبغي أن يعود على أصحابها من ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها لا يجوز أن يقيد مداها، ولا أن يعدل بعض جوانبها إلا بالقدر وفي الحدود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وبما لا ينال من جوهرها. وليس كذلك النص المطعون فيه، إذ جاوز الحدود التي رسمها الدستور لصون حق الملكية من خلال معاملة خلعها اعتسافا على الأماكن التي حددها، منتقصا بها من حقوق ملاكها، حيث نقل وبقاعدة آمرة استغلال الأعيان المؤجرة إلى المستأجرين بمقابل تأجير ثابت غير قابل للزيادة، وهو بعد مقابل يعين المؤجرين في الأعم من الأحوال على إيفاء متطلبات حياتهم في ظل ظروف اقتصادية متغيرة، ليستخلص المستأجرون لأنفسهم العين المؤجرة مفروشة انتهابا لها، فلا تظهر الملكية بوصفها شيئا مصونا، بل ركاما وعبثا عريضا، وما الملكية إلا المزايا التي تنتجها، فإذا انقض المشرع عليها، صار أمرها صريما، ومسها بذلك ضر عظيم.
وحيث إن ما نص عليه الدستور في المادة السابعة من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعنى وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم فيما بينهم فلا يكون بعضهم لبعض ظهيرا، ولا يتفرقون بالتالي بددا، أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغيا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، ولا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها. وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازا، ولا أن ينال قدرا من الحقوق يكون بها عدوانا أكثر علوا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن النص المطعون فيه بالصيغة التي أفرغ فيها ليس إلا حلقة في اتجاه تبناه المشرع أمدا طويلا في إطار من مفاهيم جائرة لا يمكن تبريرها منطقيا ولو أجهد الباحثون أنفسهم لبيان وجه الحق فيها، وكان ذلك بكل المقاييس ظلما فادحا لمؤجرين ما برح المستأجرون يرجحون عليهم مصالحهم، متدثرين في ذلك بعباءة قوانين استثنائية، جاوز واضعوها بها في كثير من جوانبها حدود الاعتدال، فلا يكون مجتمعهم معها إلا متهاويا عمدا، متحيفا حقوقا ما كان يجوز الإضرار بها، نائيا بالإجارة عن حدود متطلباتها، وعلى الأخص ما تعلق منها بتعاون طرفيها اقتصاديا واجتماعيا، حتى لا يكون صراعهما بعد الدخول في الإجارة إطارا لها.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها مؤداه أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مباشرتهما لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور، بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعا، سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور أو التي ضمنها المشرع. ومن ثم كان هذا المبدأ عاصما من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزا غير مبرر، تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلا لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها.
وحيث إن الأماكن المؤجرة مفروشة يجمعها أصل مشترك تتكافأ به تلك الأماكن، وتتماثل المراكز القانونية لمؤجريها ومستأجريها، مما يجب معه أن تعامل معاملة قانونية موحدة، وليس كذلك النص المطعون فيه، إذ فرض على ملاكها إجحافا ثبات أجرتها، دون ما ضرورة، مقيما بذلك تمييزا غير مبرر بين أوضاع متماثلة، حيث تظل الأماكن المؤجرة مفروشة غير المنصوص عليها في النص المطعون فيه خاضعة لاتفاق طرفيها في شأن الأجرة.
وحيث إنه لما تقدم، يكون النص المطعون فيه مخالفا للمواد 7، 32، 34، 40، 41 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة (16) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنه من تثبيت أجرة المدارس والأقسام الداخلية لإيواء الدارسين بها، في حالة استمرار عقودها المفروشة، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
اترك تعليقاً