رأي قانوني
عدم صحة العقد لا يمنع من المطالبة بالحق
هناك عقود لا يرتب لها القانون اي اثر وتكون باطلة، إما لسبب يرجع للعقد نفسه وإما لسبب في شكل العقد، حيث ان هناك كثيرا من العقود اشترط المشرع ان تكون في شكل معين، مثال ذلك، اشتراط ان يكون عقد بيع المحل التجاري في ورقة رسمية (المادة 365 تجارة) وتسجيل عقد الوكالات التجارية لدى وزارة التجارة، ومن العقود الباطلة لسبب يرجع للعقد نفسه، العقود التجارية التي يبرمها غير الكويتي لانه لا يجوز له الاشتغال بالتجارة، وكذلك العقود التي تمنحه حصصا تزيد على نسبة %49 من حصص الشركة، فإذا تم فسخ العقد او ابطاله لاي سبب من الاسباب فإنه لا يحول دون المطالبة بأصل الحق، وليس المقصود هنا بالحق الذي يرتبه العقد الباطل او المفسوخ. اذا كان صحيحا كالحق الذي يرتبه العقد الذي ابرمه غير الكويتي الذي لا يحق له الاشتغال بالتجارة، حيث ان العقود الباطلة ليست لها اي اثر قانوني، وانما حقه الاصيل المتمثل في ماله الخاص الذي دفعه في هذا العقد او في سبيل تنفيذه وذلك استنادا الى القاعدة الاصيلة في القانون وهي قاعدة العدالة، أليس من العدالة الا ينتقل مال شخص الى شخص آخر الا باتفاق الطرفين او اذا كان القانون يقضي بانتقال هذا المال؟ فلا يجوز ا ن يثري احد على حساب احد حتى لو كان التصرف باطلا، فيجب اعادة المتعاقدين الى الحالة التي كانا عليها قبل ابرام العقد، فإذا كان اي من الطرفين انتقص من ماله شيء ودخل في ذمة الطرف الاخر فإنه على الاخير اعادته اليه استنادا الى قاعدة الاثراء بلا سبب، وهذه القاعدة لها ثلاثة اركان، الاول ان يكون هناك اثراء او زيادة في جانب احد الطرفين والركن الثاني ان يقابل هذه الاثراء افتقار في الجانب الآخر بالقدر نفسه، والركن الثالث ان لا يكون لذلك الاثراء أوالافتقار سبب قانوني.
وقد يكون الاثراء ايجابيا باضافة المال الى ذمة المدين مباشرة او عن طريق منفعة يجنيها او عمل يستثمره، مثل الاستفادة من عمل المقاول غير الكويتي او الانتفاع من سكن منزل بدون عقد ايجار، وقد يكون الاثراء سلبيا كحال المستأجر الذي يقوم بالاصلاحات الواجبة على المالك، ولا يكفي ان يتحقق الاثراء والافتقار بل يجب ان يكون الاثراء هو المسبب للافتقار. ويقع عبء دعوى الاثراء بلا سبب على عبء المفتقر الذي نقص ماله نتيجة العقد الباطل، وبالمقابل زاد في مال الطرف الاخر الذي اثرى على حسابه، وكذلك يجب اثبات مقدار الاثراء وليس وجوده فقط، اي مقدار ما بذله من مال اوجهد واستفاد منه الطرف الآخر بسبب العقد الذي تم ابطاله، وبعد ذلك كله عليه ان يثبت ان ليس لهذا الاثراء سبب قانوني يبرره، ويصح اثبات ذلك بكل وسائل الاثبات بما في ذلك البينة والقرائن، والتعويض عن بطلان العقد يكون بأقل قيمتي الافتقار والاثراء، حيث لا يمكن ان يكون الا كذلك، فلا يجوز للمشتري ان يدفع اكثر مما اثرى حتى لو كان مقدار ما نقص من مال المفتقر اكثر من ذلك، وبالمقابل لا يجوز للمفتقر ان يطالب بأكثر مما اثرى به الدائن، وان كان مبلغ خسارته اكثر. ويراعى عند تقدير الاثراء ان يكون تقديره وقت وقوعه لا وقت رفع الدعوى ولا وقت صدور الحكم، مع مراعاة ان يخصم من قيمة الاثراء ما عسى ان يكون المثري قد تكلفه من مصروفات ليحقق لنفسه هذا الاثراء او المنفعة من خلال استغلال بطلان العقد او الواقعة التي تسببت في الاثراء، ولا يهم بعد ذلك عند تقدير القيمة ان يكون المثري او المستفيد حسن النية او سيئ النية، فالالتزام لا علاقة له بنية المثري، وانما يقوم على واقعة الاثراء ذاتها وتسقط دعوى الاثراء بلا سبب بمضي ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من لحقه الضرر بحقه في التعويض او بانقضاء خمس عشرة سنة منذ اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق، ومفاد ذلك ان العبرة في بدء سريان تقادم دعوى الاثراء بلا سبب هو بعلم من لحقه الضرر علما حقيقيا بحقه في التعويض وهو ما لا يتحقق بالفعل الا عند صدور حكم نهائي ببطلان العقد، واستخلاص علم صاحب الحق بحقه في التعويض وتحديد تاريخ هذا العلم هو من المسائل المتعلقة بالواقع والتي يستقل بها القاضي في تقديرها بغير رقابة من محكمة التمييز.
المحامي عبدالرزاق عبدالله
اترك تعليقاً