نظام ردعي متذبذب للجريمة الارهابية
أدّى عدم التوصل إلى تعريف قانوني عام وشامل للإرهاب من زاوية القانون الدولي، وعدم اتفاق الدول على مفهوم موحد لجريمة أو جرائم مميزة الأركان والعناصر تجسد هذا المعنى أو المفهوم الإجرامي لظاهرة الإرهاب، إلى غموض وضبابية في تحديد وسائل وأساليب ومناهج الردع، وهي نتيجة اعتبرها بعض الفقهاء طبيعية ومنطقية بالنظر إلى غموض الظاهرة وعدم الوضوح والاتفاق على طبيعتها القانونية( [163]).
فبالرغم من أنّ جميع الدول اتفقت من خلال القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والإعلانات الصادرة عن بعض المنظمات الإقليمية، والصادرة كذلك عن الدول في إطار تصرفاتها المنفردة، على إدانة الإرهاب وضرورة مكافحته والقضاء عليه، فإنّ مضمون هذه الإدانة وموضوعها يمثل وجه اختلاف بين هذه الدول وليس وجه اتفاق،
لان كل دولة أو مجموعة متكتلة من الدول، عندما تدين الإرهاب، فإنّها قد تقصد بإدانتها نوعا أو وجها معينا من ممارسات العنف الإرهابي، قد لا تقصدها دولة أو مجموعة أو منظمة أخرى من الدول في إدانتها له، فالإدانة الصادرة عن هذه الدول، باستثناء قرارات الأمم المتحدة في عهدها الأوّل مع معالجة معضلة الإرهاب( [164])، تعبر عن موقف سياسي تجاه حادثة عنف ما، وعن موقفها من القضية السياسية التي دفعت إلى هذا الفعل أو ذاك.
وبما أنّ هذه الدول اتفقت على مكافحة ظاهرة إجرامية ولم تتفق على تعريفها، فقد سعت إلى معالجتها وردعها بطريقة قانونية شكلية إجرائية بحتة( [165]).
حيث سعت منظمة الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى إلى تنظيم بعض المعاهدات والاتفاقيات التي تعالج بعض مظاهر العنف الخطير بقصد تجريمها وتقنينها لتسهل ردعها( [166])، وذلك عبر السعي لإقرار أو تطوير أو تفعيل بعض الآليات القانونية والإجرائية لردع بعض مظاهر وصور العنف، التي يمكن أن يكون لها امتدادا وتأثير دولي، وترمي هذه الجهود بدورها إلى إقحام الدول في مكافحة هذا النوع من الإجرام السياسي أو الأيديولوجي( [167]).
ورغم أنّ هذه الحلول في تجزئة الإرهاب وردعه كرست بعض الآليات القانونية والإجرائية، وطورت بعض قواعد القانون الجنائي الدولي( [168])، وخاصة من بينها آلية أو مؤسسة التسليم، والمحاكمة الدولية العالمية أو الشاملة، وسعت خصوصا إلى حرمان العنف الإرهابي من غطاءه السياسي وأسسه وخلفياته السياسية،
إلا أنها بقيت حلولا عقيمة وغير فعالة وغير واقعية، فهي لم تتعرض إلى عمق الأسباب التي تولد العنف الإرهابي، ولم تسع إلى إحداث وإقرار وتكريس آليات قانونية ذات طابع وقائي تعالج به هذه الأسباب، وتغافلت عن معالجة الظاهرة الإرهابية في عمومها وشمولها، بدوافعها ومسبباتها، وعمدت إلى التغاضي عن التناقضات التي تميز الظاهرة وتميز تقييمات الدول المختلفة لها، إنّ مكافحة الإرهاب بصفة عامة استمت بالتشتت والظرفية والتناقض والضعف، وهي لم تعبر عن استراتيجية واضحة في مكافحة ظاهرة إجرامية غير معرفة ومحددة ومحصورة( [169]).
وبالتالي لم يؤد التنظيم القانوني الدولي، الذي تجسّد خصوصا في جهود المنظمات الدولية والإقليمية عبر آلية المعاهدات والاتفاقيات الجماعية والثنائية الساعية لتطوير قواعد القانون الجنائي الدولي من أجل ضمان حد أدنى من التعاون والتنسيق بين الدول في مكافحة “جرائم إرهابية”، إلى نتائج إيجابية على مستوى الالتزام والفعل، حيث ظهر جليّا عجز التنظيم القانوني الدولي، خصوصا في الفترة الممتدة ما بين أواخر الستينات وأوائل التسعينات من القرن العشرين، عن تكريس نظام ردعي فعال ومتناغم في مكافحة “جرائم إرهابية” (الفصل الأوّل).
وهو ما أدى منذ بداية التسعينات، وعلى إثر تحولات دولية وسياسية كبيرة في الظروف الدولية وفي تشكل موازين القوى وفي هيكلة ومواقف منظمة الأمم المتحدة، إلى تحوّل كبير في النظام الإجرائي الردعي لمكافحة الإرهاب (الفصل الثاني) وهو نظام،
غابت عنه شيئا فشيئا مميزات وخصائص التنظيم، حيث تقلص الاعتماد على آلية المعاهدات، وتغيرت روح وصيغة ومضامين القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الإرهاب، وتدخلّ مجلس الأمن الدولي بقوة وفعالية في جهود مكافحة الإرهاب، عبر إصداره قرارات ملزمة يتخذها على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، دون أن يسعى، أو تسعى معه بقية هيآت منظمة الأمم المتحدة في إيجاد وإقرار تعريف قانونية شامل ومتفق عليه للإرهاب الدولي.
Mما تدخلت بعض الدول والقوى النافذة بصفة أحادية، في نطاق عمل منظمة الأمم المتحدة وسعت للتأثير على مواقفها وقراراتها، وحتى خارج هذا الإطار، لرسم الخطوط العريضة للسياسة الردعية الدولية في مكافحة الإرهاب، ولتكريس مبدأ الواقع.
وقد خلف هذا التدخل آثارا وتداعيا خطيرة على المنظومة القانونية الدولية وعلى عدة مبادئ وحقوق للدول وللشعوب والأفراد.**وفيما يلي يتبع الموضع وهو الجريمة الارهابية بشئ من التفصيل ***
اترك تعليقاً