عرض لمشروع قانون الكسب غير المشروع
ما الجديد في مشروع قانون الكسب غير المشروع ؟
د. ليث كمال نصراوين
من ضمن الإنجازات التي تتغنى بها الحكومة الحالية إقرار مشروع قانون الكسب غير المشروع الذي سيعرض على مجلس النواب الجديد بعد إعادة تشكيله للسير في الإجراءات الدستورية لإصداره، حيث يلغي مشروع القانون المقدم قانون اشهار الذمة المالية رقم (54) لسنة 2006 على اعتبار أنه قد تضمن آلية جديدة للتعامل مع الكسب غير المشروع من حيث تعريفه، وتحديد الأشخاص الذين يسري عليهم أحكام ذلك القانون، وآلية تنفيذ أحكامه.
ولكن يبقى التساؤل الأهم حول الجديد الذي تضمنه مشروع قانون الكسب غير المشروع من أحكام ونصوص قانونية قادرة على تلافي فشل وقصور التشريعات القانونية السارية ذات الصلة، فتعريف الكسب غير المشروع في مشروع القانون هو التعريف ذاته الوارد في المادة (6) من قانون إشهار الذمة المالية بأنه: “كل مال منقول أو غير منقول يحصل عليه أي شخص تسري عليه أحكام هذا القانون لنفسه أو لغيره بسبب استغلال منصبه أو وظيفته أو المركز الذي يشغله أو بحكم صفة أي منها، وكل زيادة تطرأ على المال المنقول أو غير المنقول وفق إقرار الذمة المالية المقدم منه له أو لزوجه أو أولاده القصر وذلك أثناء اشغاله للمنصب أو الوظيفة أو المركز أو بسبب صفة أي منها اذا كانت هذه الزيادة لا تتناسب مع مواردهم المالية وعجز عن اثبات مصدر مشروع لتلك الزيادة”.
أما قائمة الأشخاص الخاضعين لأحكام مشروع قانون الكسب غير المشروع فهي الأسماء نفسها الواردة في المادة (2) من قانون إشهار الذمة المالية والتي تشمل على سبيل المثال رئيس الوزراء والوزراء، ورئيسي مجلسي الاعيان والنواب وأعضاء المجلسين، والقضاة، ورؤساء المؤسسات الرسمية العامة المدنية والعسكرية، وأمين عمان وأعضاء مجلس الأمانة ورؤساء المجالس البلدية، وغيرهم من الموظفين الحكوميين.
وفيما يتعلق بالجهة التي تراقب تنفيذ مشروع قانون الكسب غير المشروع، فقد أنشأ مشروع القانون دائرة جديدة في وزارة العدل تسمى دائرة منع الكسب غير المشروع التي ترتبط إداريا بوزير العدل ويرأسها قاضي تمييز يسميه المجلس القضائي، هذا إضافة إلى تشكيل هيئة قضائية برئاسة قاضي تمييز وعضوية قاضيين اثنين لا تقل درجتهما عن الدرجة الخاصة تتولى فحص الإقرارات المقدمة الى الدائرة وتدقيقها ودراسة أية شكوى ترد الى الدائرة بحق أي شخص تنطبق عليه أحكام القانون الجديد وتتعلق بكسب غير مشروع تحقق له.
إن مثل هذه الأحكام والإجراءات الخاصة بدائرة منع الكسب غير المشروع هي ذاتها التي تقررت لدائرة إشهار الذمة المالية التي أنشأها قانون إشهار الذمة المالية في وزارة العدل وللهيئة القضائية المكلفة بفحص إقرارات الذمة المالية المقدمة من المكلفين، مما يجعل “الحسنة” الوحيدة التي جاء بها مشروع قانون الكسب غير المشروع هو إلغاء دائرة إشهار الذمة المالية والاستبدال بها دائرة منع الكسب غير المشروع، التي تتشابه معها في المهام والمسؤوليات، ولكن تختلف معها في التسميات.
لقد كان الأجدر بالحكومة الحالية أن تتدارس الأسباب التي أدت إلى فشل قانون إشهار الذمة المالية والدائرة التي أنشأها، وأن تحاول حلها في مشروع القانون الجديد بدلا من الإبقاء على الأحكام نفسها وتغيير المسميات. فالمشكلة التي ستواجه دائرة منع الكسب غير المشروع هي ذاتها التي تواجهها الآن دائرة إشهار الذمة المالية والتي تتمثل في غياب أي دافع أو وازع داخلي لدى الأشخاص الخاضعين لأحكام القانون بأهمية إشهار أموالهم وممتلكاتهم الخاصة بهم لتحقيق الشفافية والحيادية في العمل العام. فأي قانون خاص بالكسب غير المشروع أو بإشهار الذمة المالية ذي طبيعة خاصة يختلف كل الاختلاف عن القوانين الأخرى من حيث أن الجزاء يجب أن لا يكون السبب الأساسي للالتزام بنصوصه وأحكامه، بل لا بد من وجود إرادة داخلية وتلقائية عند السادة المكلفين بالكشف عن ذممهم المالية قبل الالتزام بحرفية النصوص القانونية، وهو ما من شأنه أن يبلور ثقافة عامة لدى السادة المكلفين ليس فقط بضرورة الاسراع في الإشهار عن أموالهم ومصالحهم المالية الخاصة، بل بالإفصاح الدوري عن أية زيادة أو تغيير في طبيعة وحجم تلك الأموال والمنافع طيلة مدة خضوعهم لأحكام القانون.
إن معظم الأنظمة النيابية الديمقراطية الحديثة قد أفرغت واجب إشهار الذمة المالية من أي محتوى تشريعي ومن أية تبعات جزائية عقابية، وتركت تفعيله إلى الرقابة الذاتية الشخصية لكل نائب، على اعتبار أن نواب الأمة هم أولئك الأشخاص الأكثر أمانة ونزاهة وقدرة على تحمل مسؤولية القيام بالخدمة العامة. فالتزام النائب البريطاني بالإفصاح عن أمواله وممتلكاته الخاصة به قد تقرر فقط بموجب قرار صادر عن مجلس العموم بموافقة أغلبية أعضائه من دون الحاجة لأي نص تشريعي، وأن مراقبة مدى التزامه بإشهار ذمته المالية أمر متروك للرقابة الشعبية وذلك من خلال جعل الإشعارات والبيانات المقدمة منه علنية وفي متناول الجميع من دون الحاجة لأية عقوبات جزائية.
ومن السلبيات الأخرى في تطبيق قانون إشهار الذمة المالية التي كررها مشروع قانون الكسب غير المشروع أنه قد أخضع جميع فئات الموظفين العامين لآلية واحدة مشتركة فيما يتعلق بإشهار ذممهم المالية من دون مراعاة نصوص الدستور وطبيعة المهام والمسؤوليات التي تقع على عاتق كل فئة من تلك الفئات. فطبيعة الأعمال التي يقوم بها السادة النواب تتطلب اخضاعهم لإجراءات خاصة بإشهار ذممهم المالية تضمن تحقيق أقصى درجات الشفافية والعلنية وذلك من خلال إلزامهم بالإشهار وبصورة دورية منتظمة عن أموالهم وممتلكاتهم الخاصة، أو تلك المملوكة لأي من أفراد أسرهم وأولادهم القصر طيلة فترة خدمتهم في مجلس النواب.
كما أن تبعات تخلف السادة النواب عن إشهار ذممهم المالية يجب أن تخرج عن نطاق العقوبات الجزائية التقليدية والتي تقف لها الحصانة النيابية بالمرصاد. فالجزاءات التي يجب تطبيقها على السادة النواب المتخلفين عن إرسال نماذج إشهار ذممهم المالية يجب أن تندرج تحت بند العقوبات البرلمانية المتمثلة في حرمان النائب من حضور جلسات المجلس لفترة من الزمن، مع حرمانه من رواتبه ومخصصاته المالية لحين تصويب أوضاع اشهاراته المالية. كما قد تشمل تلك العقوبات إعلان اسم النواب المتخلفين عن إشهار ذممهم المالية في الصحف المحلية وذلك بهدف الإضرار بسمعتهم ومكانتهم بين دوائرهم الانتخابية، على أن تصل العقوبة حد الطرد من المجلس في حال تعمد تكرار مخالفة إجراءات إشهار الذمة المالية.
أما فيما يتعلق بالسادة الوزراء، فان الحاجة لإخضاعهم لإجراءات خاصة بإشهار ذممهم المالية تنبع من نصوص وأحكام الدستور، فقد حظرت المادة (44) من الدستور على الوزير أثناء وزارته أن يكون عضوا في مجلس إدارة شركة ما، أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي، أو أن يتقاضى راتبا من أية شركة. فإشهار ذمة الوزراء المالية يجب أن تنصب على قيامهم بتجريد أنفسهم من الوظائف والمناصب الإدارية جميعها في أية شركة خاصة أو مؤسسة عامة، وفي قيامهم بقطع صلاتهم الوظيفية جميعها عند مباشرة مهامهم الوزارية والتنازل عن أي أسهم أو حصص مالية لهم في أية شركة مساهمة عامة، هذا اضافة إلى الإفصاح عن أي من تلك المصالح والمنافع إذا كانت مملوكة لأحد زوجاتهم أو أبنائهم القصر.
كما يؤخذ على قانون إشهار الذمة المالية الحالي أنه يلزم المكلفين بتقديم إقرارات الذمة المالية بصورة دورية فقط خلال شهر كانون الثاني الذي يلي إنقضاء سنتين على تقديم الإقرار السابق عملا بأحكام المادة (5) من القانون وذلك طيلة مدة خضوعه لأحكام القانون وعند تركه الوظيفة أو زوال الصفة عنه. مثل هذه الدورية الناقصة في إشهار الذمة المالية لم يعالجها مشروع قانون الكسب غير المشروع الذي كان يجب أن يلزم المكلفين بتقديم إقراراتهم المالية التي تشمل زيادة في ذممهم المالية أو ذمم زوجاتهم أو أولادهم القصر عند حصولها من دون فرض أي قيد زمني، وذلك قد يكون شهريا، أسبوعيا أو حتى يوميا إذا ما اقتضت الحاجة لذلك. فالنظام الدستوري الأردني يسمح للنواب والأعيان أثناء فترة عضويتهم في مجلس الأمة أن يباشروا مهام وأعمال ومشروعات مالية خاصة بهم، وأن يكونوا أعضاء في مجالس إدارة شركات خاصة مؤسسات عامة يتقاضون منها رواتب ومكافآت شهرية. فهم بالتالي يكونون أكثر حاجة للإفصاح عن مثل هذه المنافع والمصالح المالية بشكل دوري وذلك لمنع تعارضها مع واجباتهم العامة في مجلس الأمة
أما فيما يتعلق بآلية التعامل مع اقرارات المكلفين بإشهار ذممهم المالية، فإنها تمتاز في ظل قانون إشهار الذمة المالية الحالي بإنعدام أية درجة من درجات الشفافية أو العلنية، حيث يشترط القانون أن تحفظ كشوفات الذمة المالية الخاصة بالمكلفين في ظرف مختوم وسري يوضع في خزانات خاصة في وزارة العدل، بحيث لا يتم فتحه أو الاطلاع على محتواه إلا بعد ورود شكوى خطية حول تنازع مصالح أحدهم المالية مع واجباته الحكومية. إن مثل هذا الإجراء يعد قصورا في مفهوم إشهار الذمة المالية ومن شأنه أن يلغي الغاية من الإفصاح عن أموال وممتلكات المكلفين التي لن تتحقق مع بقاء كشوفات الذمم المالية في ظروف مغلقة تحفظ في خزائن خاصة في دائرة إشهارالذمة المالية واعتبارها من الأسرار التي يحظر نشرها أو أفشاؤها.
لذا فقد كان الأجدر بمشروع قانون الكسب غير المشروع أن يتصدى لذلك العيب التشريعي من خلال التخلي عن مبدأ قدسية كشوفات إقرارات الذمة المالية واستبدال مبدأ السرية غير المبرر لتلك الإقرارات بمبدأي العلانية والشفافية، بحيث تكون الإقرارات متاحة للرقابة الشعبية، وأن يكون لكل فرد حق الحصول على المعلومات المتعلقة بالذمة المالية للمكلفين ومراقبة أي تغيير أو زيادة عليها أثناء توليه الوظيفة العامة.
إن فشل قانون إشهار الذمة المالية في ضمان الشفافية والعلنية في العمل العام ومنع تعارض المصالح المالية الخاصة للموظفين العامين مع واجبات الوظيفة العامة يجب أن لا يواجه بمجرد استبدال القانون بقانون جديد يتضمن الأحكام ذاتها التي ثبت قصورها، بل لا بد من الوقوف على أسباب فشل قانون إشهار الذمة المالية ومحاولة معالجتها إما من خلال تعديل القانون النافذ، أو إصدار مشروع قانون جديد بحلة تشريعية جديدة يعالج مكامن الخلل في القانون الحالي، ويحاول إيجاد حلول جذرية لها لمنع تكرارها في المستقبل.
اترك تعليقاً