عــقــد الــعـمــل الـمــوحــد
نصت المادة الــ(52) من نظام العمل المُعدلة بموجب المرسوم الملكي رقم (م/46) وتاريخ 05/06/1436هـ على: “1-مع مراعاة ما ورد في المادة (السابعة والثلاثين) من هذا النظام، تضع الوزارة نموذجاً موحداً لعقد العمل، يحتوي بصورة أساسية على: اسم صاحب العمل ومكانه، واسم العامل وجنسيته، وما يلزم لإثبات شخصيته، وعنوان إقامته، والأجر المتفق عليه بما في ذلك المزايا والبدلات، ونوع العمل ومكانه، وتاريخ الالتحاق به، ومدته إن كان محدد المدة.
2- يجب أن يكون عقد العمل وفق النموذج المشار إليه في الفقرة (1) من هذه المادة، ولطرفي العقد أن يضيفا إليه بنوداً أخرى، بما لا يتعارض مع أحكام هذا النظام ولائحته والقرارات الصادرة تنفيذاً له.”
عُرف عقد العمل بالنظام بأنه: عقد مبرم بين صاحب العمل وعامل، ويتعهد الأخير بموجبه أن يعمل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه مقابل أجر، فعقد العمل ملزم لجانبين صاحب العمل والعامل، وتتحقق فيه المعاوضة فالأجر مقابل العمل، كما أنه عقد رضائي فلا يشترط فيه الشكلية ولا نماذج معينة، وكذلك يكيف بأنه عقد إذعان، إذ الشروط والأحكام يضعها صاحب العمل ولظروف وضعف مركز العامل ولحاجته للعمل سيقبل بشروط صاحب العمل، لذلك تقررت قواعد حمائية للطرف الأضعف وهو العامل وأي شرط يتعدى على مركزه أو حقوقه ما لم يكن أكثر فائدة للعامل يعد باطل ومؤكد على ذلك بالمادة الــ(08) من نظام العمل، لذلك يحرص دائماً المنظم في أنظمة العمل على حماية العامل وتقرير قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها من صاحب العمل، ومن إحدى الحلول التي انتهجها المنظم السعودي، ما تم بالتعديلات الأخيرة بأن قرر على وزارة العمل أن تضع نموذجاً موحداً لعقد العمل وكان ذلك، فأصدرت ووضحت فيه النصوص الإلزامية والغير الإلزامية أو الإختيارية مع إمكانية الإضافة لبنود أخرى، شريطة أن لا تخالف نصوص نظام العمل وإلا مصيرها العدم. جاءت الفقرة الأولى من المادة الــ(52) بعد التعديل أعلاه، مماثلة مع المادة قبل تعديلها، مع تعديل في الصياغة بترتيب المادة وبإضافة بعض الفقرات، وتعنى الفقرة الأولى عموماً بالبيانات التي أصولاً أن يتضمنها أي عقد أكان عقد عمل أو توريد أو غيره من العقود، بتعريف الأطراف وبياناتهم ومدة العقد والأجر… إلخ، إلا أنه يلاحظ أن المنظم (من صاغ النظام وأقره) زاد في بيان الأجر بأن نص ” والأجر المتفق عليه بما في ذلك المزايا والبدلات” ، وهو بذلك يقرر هنا بأن المزايا والبدلات على أنها خارجة عن الأجر.
فنوضح بأنه كان من الأولى أن يكتفي المنظم بأن ينص فقط على الأجر دون زيادة ألفاظ لها في الفقرة (01)، فكلمة الأجر أينما وردت بالنظام أو بالعلاقة العمالية يقصد بها تلقائياً الأجر الفعلي صراحة وفقاً لما نُص عليه في المادة الثانية من النظام والخاصة بالتعريفات، والأجر الفعلي جرى تعريفه بنفس المادة الثانية بأنه: ” الأجر الأساسي مضافاً إليه سائر الزيادات المستحقة الأخرى التي تتقرر للعامل مقابل جهد بذله في العمل، أو مخاطر يتعرض لها في أداء عمله، أو التي تتقرر للعامل لقاء العمل بموجب عقد العمل أو لائحة تنظيم العمل، ومن ذلك: … “،
فما قام به المنظم من إضافة لا لزوم لها وقد تسبب إشكاليات مستقبلاً لتخصيص اللفظ. أما الفقرة الــ(02) من هذه المادة الــ(52) المُعدلة فهي جديدة كلياً، فلم تكن موجودة بالنص السابق قبل تعديله، وجاءت بلفظ الوجوب إبتداءً وهو أمر على صاحب العمل، ويفهم ظاهراً من النص أنها قاعدة آمرة أي لا يجوز لصاحب العمل أن يتصرف بخلافها، وكأن المنظم قد اشترط الشكلية في عقد العمل، فأوجب أن يكون وفق قالب مُعيّن يعد من جهة الإختصاص (وزارة العمل)، وأجاز النص أن يضاف للقالب المحدد من قبل الأطراف شريطة أن لا يخالف أحكام النظام الحمائية، فبحكم النص سيفهم بأنه لا يعتبر بعقد العمل -خاصة إن كان مكتوباً -ما لم يكن بالصورة التي أقرتها وزارة العمل الجهة المختصة المخاطبة بالمادة. وهنا برأينا لم يوفق المنظم بالصياغة، فكان الأجدر أن يستخدم لفظ بأن تضع الوزارة نموذج إسترشادي لعقد العمل لا موحد، إذ لفظ الموحد تعني نسق واحد أو شكل موحد لجميع عقود العمل، وما يؤكد بأنه للإسترشاد ما جاء في ملحق رقم (06) للائحة التنفيذية المعنون بالعقد الموحد المعتمد من وزير العمل، إذ نُص فيه تحت بند تعليمات استخدام هذا النموذج: ” 8. ترقيم البنود بهذا النموذج غير إلزامي، ويجوز ترتيبها، وترقيمها بأي طريقة أخرى.”
فهذه تؤكد على أن الجهة المختصة والمعنية بإصدار النموذج الموحد اجتهدت وشرحت غاية المنظم في الصياغة وأن الغاية الإسترشاد لا الإلزام والتوحيد، وإصدار العقد الإسترشادي (الموحد) يهدف لتوعية العاملين بحقوقهم الإلزامية بحدها الأدنى النظامية للسيطرة على سلطة صاحب العامل برفع الوعي ومن ثم الحد من المنازعات العمالية إبتداءً قدر المستطاع، لتحقيق إستقرار إجتماعي. كما نشير بأن العامل يمكنه إثبات العلاقة العمالية وحقوقه عند إنعدام العقد أو كان العقد غير شاملاً لحقوقه الوظيفية، بناءً على المادة (51) من النظام والتي جاء فيها: “… ويعد العقد قائماً ولو كان غير مكتوب، وفي هذه الحالة يجوز للعامل وحده إثبات العقد وحقوقه التي نشأت عنه بجميع طرق الإثبات …”،
وما ذلك إلا تأكيداً وتفعيلاً للضمانات النظامية للعامل وأن عقد العمل رضائي بتلاقي الإيجاب والقبول من الأطراف. إن العقد الموحد الصادر من وزارة العمل عقدٌ إسترشادي، فلصاحب العمل أن يأخذ به بنصوصه وألفاظه الواردة فيه أو يعدلها ويصوغها بما يراه مناسباً لعمله، شريطة أن لا يخالف القواعد الواجبة المتقررة بنظام العمل ولوائحه التنفيذية والتنظيمية للعامل كحد أدنى، وبالتأكيد بعد الرجوع للمحامين والمستشارين ذوي الإختصاص، كما أنه من الأصول أن يقوم العامل بقراءة العقد وفهمه وإستشارة محامي قبل إبرام عقد العمل حتى يعرف ما يتضمنه العقد من حقوق وخفايا قد تكون في طيات نصوصه. إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله والحَمدُلِله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العليّ العظيم لوالديّ ولي ولزوجتي وذريتي وإخواني والمسلميّن ونتوب إليه ..
عبدالعزيز بن عبدالله الخريجي
محامي مستشار
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً