لم تعرض المجلة لعقد القرض على الرغم من أنه من المعاملات الجائزة بالسنة والإجماع، وقد عرفه الحنفية بأنه ما تعطيه من مال مثلي لتتقاضى مثله كما عرفه المالكية بأنه إعطاء شيء متمول لنفع المعطى له، نظير عوض مماثل مؤجل في الذمة.
ويعرفه المشروع في المادة (543) بأنه عقد يلتزم به المقرض أن يؤدي إلى المقترض مبلغًا من النقود أو أي شيء مثلي آخر مقابل رد مثله نوعًا وصفةً وقدرًا، ومؤدى ذلك أن القرض عقد رضائي يتم بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، أما تسليم الشيء المقترض فهو التزام ينشئه عقد القرض في ذمة المقرض وليس ركنًا في العقد ذاته، على عكس بعض التقنينات التي تجعل القرض عقدًا عينيًا لا يتم إلا بالتسليم (قارن على سبيل المثال المادة 684 عراقي والمادة 754 لبناني والمادة 1892 فرنسي).
وأكثر ما يكون الشيء المقترض نقودًا، ولذا خُصصت بالذكر في التعريف، ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يكون هذا الشيء غير نقود ما دام من المثليات التي تُستهلك بالانتفاع بها. وغني عن البيان أنه يجب أن يتوافر في الشيء المقترض – إلى جانب ذلك – الشروط العامة التي يجب توافرها في المحل، فيجب أن يكون موجودًا معينًا أو قابلاً للتعين، غير مخالف للنظام العام ولا للآداب.
1 – التزامات المقرض:
وتعرض المادة (544) لالتزام المقرض بالتسليم ولتبعة الهلاك قبل حصوله، ففيما يتعلق بالتسليم، إذا كان الشيء المقترض نقودًا – وهو الغالب – وأصبح المقترض بمجرد تمام القرض دائنًا للمقرض بهذا المبلغ – لأن النقود لا تتعين بالتعيين – وكذلك إذا وقع القرض على أشياء مثلية أخرى وتعينت بالإفراز فانتقلت ملكيتها إلى المقرض، ففي الحالين يلتزم المقرض بتسليم الشيء المقترض وتتبع في ذلك القواعد العامة وبخاصة القواعد المقررة في التزام البائع بتسليم المبيع، فإذا أخل المقرض بالتزامه بالتسليم جاز للمقترض أن يطالب بالتنفيذ عينًا.
وفيما يتعلق بتبعة الهلاك، فإنه لا يتصور، إذا كان الشيء المقترض مبلغًا من النقود أو أي شيء مثلي آخر لم يتحدد بالإفراز أن يهلك الشيء قبل التسليم، أما إذا كان المقترض أشياء مثلية أخرى وتعينت بالإفراز فإنها إن هلكت قبل التسليم بسبب أجنبي كان هلاكها على المقرض وإن هلكت بعد التسليم كان هلاكها بداهة على المقترض، ولهذه الأحكام مثيل في القانون المصري (المادة 539 مدني) والقوانين العربية التي أخذت عنه.
ويلتزم المقرض أيضًا بضمان الاستحقاق، فإذا كان المقترض أشياء مثلية غير النقود، وتعينت بالإفراز وسلمت للمقترض ثم استحقت، اتُبعت أحكام الإعارة (المادة 545 من المشروع) وهي تقضي بألا ضمان إلا أن يكون المعير قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق. أما إذا كان المقترض نقودًا أو أي شيء مثلي آخر لم يتحدد بالإفراز فإن الاستحقاق لا يصدق عليه ولا يتصور أن يقع فيه.
أما الالتزام بضمان العيوب الخفية فقد عرض له المشروع في المادة (546) والأصل فيه أن المقرض لا يلتزم بضمان العيب لأنه متبرع. فإذا ظهر في الشيء عيب خفي واختار المقترض استبقاءه فلا يلزمه أن يرد إلا قيمة الشيء معيبًا، ومع ذلك إذا كان المقرض يعلم بالعيب وتعمد إخفاءه، فإنه يكون مسؤولاً عما يسببه العيب من ضرر. وهذه هي القاعدة العامة في ضمان العيب التي التزمها المشروع في كل عقود التبرع كالهبة والقرض، ما لم يتفق المتعاقدان على خلافها.
2 – التزامات المقترض:
أباح الإسلام القرض على أساس التعاون والإخاء الإنساني، وتفريج الكروب والنوازل، وشدد النكير على المرابين وهددهم بأشد أنواع التهديد والوعيد. ولذلك حُرم في الفقه الإسلامي أن يُشترط في القرض أي شرط يجر منفعة للمقرض، وإلا فسد العقد بمثل هذا الشرط. وقد حرص المشروع على التزام هذا الأصل، فنص في المادة (547) على أن يكون الإقراض بغير فائدة وعلى بطلان كل شرط يقضي بخلاف ذلك دون مساس بعقد القرض ذاته ويُعتبر في حكم الفائدة كل منفعة يشترطها المقرض، في أية صورة تكون.
ويعرض المشروع بعد ذلك لالتزامات المقترض وهي رد المثل، وتحصيل نفقات القرض: فطبقًا للمادة (548) يجب على المقترض أن يرد المثل بحلول الأجل المتفق عليه أو عند سقوط هذا الأجل طبقًا للقواعد العامة. فإذا لم يتفق المتعاقدان على أجل للرد. عين القاضي الأجل وفقًا للظروف، أي وفقًا للإرادة المفترضة للمتعاقدين وهي تتحدد بالعرف وبالغرض من القرض وليس بحالة المقترض المالية، فالتحديد هنا لا علاقة له بنظرة الميسرة التي يوليها القاضي للمدين العاثر الجد. وفي ذلك يقول المالكية: إنه إن لم يكن للقرض أجل مضروب فلا يخلو إما أن تكون العادة أن يرد مثل هذا القرض في وقت مخصوص، كما إذا اقترض قمحًا والعادة أن يرد مثله بعد حصاد القمح. فإن كانت في ذلك عادة فإنه يُعمل بها.
كما يُعمل بانقضاء الأجل فيلزم بالرد في الوقت الذي جرت به العادة، وإن لم تكن فيه عادة فإنه لا يلزم برده إلا إذا انتفع به الانتفاع الذي جرت به عادة أمثاله، وكذلك يحدد القاضي الأجل إذا اتفق على أن يكون الرد عند المقدرة أو الميسرة وطبقًا للقواعد العامة، فإنه يراعي في ذلك موارد المدين الحالية والمستقبلة، ويقتضي منه عناية الشخص الحريص على الوفاء بالتزاماته.
وطبقًا للمادة (549) من المشروع يجب على المقترض أن يرد المثل في المكان المتفق عليه، فإذا لم يتفق على مكان، كان الرد واجبًا – على خلاف القواعد العامة – في موطن المقرض لأن القرض بدون أجر فلا يلزم الدائن تحمل مصروفات سعيه إلى موطن المقترض. ويرد المقترض مثل ما اقترضه، نوعًا وصفةً وقدرًا، فالتزامه هو التزام بتحقيق غاية، فإذا كان الشيء المقترض نقودًا – كما هو الغالب – فلا يلتزم المقترض أن يرد للمقرض إلا مقدارًا من النقود يعادل في عدده المقدار الذي اقترض دون أن يكون لارتفاع قيمة النقود، أو لانخفاضها أثر طبقًا للقواعد العامة.
أما إذا كان الشيء المقترض من المثليات الأخرى، فإنه يجب على المقترض أن يرد مثله نوعًا وصفةً وقدرًا، ولا عبرة بتغير قيمة المثل وقت الرد (المادة 550/ 1) فالقرض – كما يقول الحنفية – مضمون بمثله بقطع النظر عن غلائه ورخصه. وإذا انقطع مثل الشيء المقترض عن السوق كان المقرض بالخيار: إما أن ينتظر حتى يعود الشيء إلى السوق فيرد له المقترض مثله، وإما أن يطالب المقترض بقيمة الشيء المقترض في الزمان والمكان اللذين يجب فيهما الرد (المادة 550/ 2).
أما نفقات القرض، كنفقات تحرير عقده ونفقات الرهن الذي يضمنه ومصروفات تسلم القرض ورده وغير ذلك، فإن المقترض هو الذي يتحملها، ما لم يُتفق على غيره (المادة 551).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً