بحث ودراسة عن عقوبة الإعدام بين القوانين العربية والأهداف الغربية
– العقوبة – لغة واصطلاحا:
العقوبة لغة هي من العقاب ، والمعاقبة أن تجزي المرء بما فعل سواء ، والإسم العقوبة ، وعاقبه بذنبه معاقبة وعقابا أخذه به، وتعقّبت الرجل إذ أخذته بذنبه (1)
العقوبة إصطلاحا : تعددت التعريفات الإصلاحية للعقوبة فمنهم من عرّفها بأنها الألم الذي يلحق الإنسان مستحقا على الجناية (2)، فالعقوبة تكون على فعل محرّم أو ترك واجب أو فعل مكروه (3) . وقد ورد في التعريف الإسلامي للعقوبة “أنها زواجر قبل الفعل جوابر بعده” ، فأما كونها زواجر فلأنها تزجر لقسوتها من يفكر بارتكاب المخالفة وتنذره بعاقبة فعله ، فهي زاجرة رادعة ، وأما كونها جوابر فلأن العقوبة المعجلة في الدنيا تجبر أي تلغي العقوبة في الآخرة أي تسقطها ،لأن مقتضى الرحمة الإلهية أن من عذّب في الدنيا فقد نال جزاءه، وذلك بشرط التوبة والإنابة والندم على ما اقترف .
وقد ورد في تعريف العلماء المعاصرين للعقوبة بأنها الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع (4) ، وأنها جزاء ينطوي على إيلام مقصود يقرره القانون ويوقعه القاضي باسم المجتمع على من تثبت مسؤوليته على الجريمة ويتناسب معها (5)
هناك تعريفات أخرى للعقوبة؛ منها:
• ” العقوبة: جزاء يوقع باسم المجتمع تنفيذا لحكم قضائي على من تثبت مسئوليته عن الجريمة”(6)
• ” العقوبة: جزاء تقويمي، تنطوي على إيلام مقصود، تنزل بمرتكب جريمة ذي أهلية لتحملها، بناء على حكم قضائي يستند إلى نص قانوني يحددها، ويترتب عليها إهدار حق لمرتكب الجريمة أو مصلحة له أو ينقصهما أو يعطل استعمالها (7)
• ” العقوبة: إيلام قسري مقصود، يحمل معنى اللوم الأخلاقي والاستهجان الاجتماعي، يستهدف أغراضا أخلاقيا ونفعية محددة سلفا، بناء على قانون، تنزله السلطة العامة في مواجهة الجميع بحكم قضائي على من ثبتت مسئوليته عن الجريمة بالقدر الذي يتناسب مع هذه الأخيرة”( 8 )
• ” العقوبة: هي الجزاء الذي يقرره القانون ويوقعه القاضي من أجل الجريمة ويتناسب معها “(9)
ومن هذه التعريفات يتضح أن مفهوم العقوبة التقليدي يقوم على أنه جزاء في مقابل الجريمة التي ينص عليها المشرع، بينما يقوم المفهوم الحديث فضلا عن الجزاء على تقويم المذنب وتأهيله ليعود فردا صالحا في المجتمع.
ولعل أدق التعريفات هو أن: ” العقوبة جزاء وعلاج يفرض باسم المجتمع على شخص مسئول جزائيا عن جريمة بناء على حكم قضائي صادر من محكمة جزائية مختصة.(10)
– عقوبة الإعدام :
التعريف اللغوي والإصطلاحي : تقدم فيما سبق التعريف اللغوي والإصطلاحي للعقوبة ، أما لفظة الإعدام فهي من العدم ، والعدم هو فقدان الشيء ، وتقول عدمت فلانا أفقده فقدانا ،أي غاب عنك بموت أو فقد(11) . والعدم يدل على ذهاب الشيء وأعدمه الله أي أماته والإعدام هو إزهاق روح المحكوم عليه، وهو من حيث خصائصه عقوبة جنائية فحسب، وهو من حيث دوره في السياسة الجنائية عقوبة استئصال إذ يؤدي إلى استبعاد من ينفذ فيه من عداد أفراد المجتمع وذلك على نحو نهائي لا رجعة فيه.
والإعدام : يقال قضى القاضي بإعدام المجرم بإزهاق روحه قصاصا (12) في مجال العقوبة تعني أن المحكوم عليه بعد التنفيذ يصبح عدما لا وجود له .
أما في الإصطلاح فالإعدام هو إزهاق روح المحكوم عليه واستئصاله من المجتمع ، وهو سلب المحكوم عليه حقه في الحياة (13).
وكلمة الإعدام من الألفاظ المعاصرة وهي تعني إزهاق الروح ، فهي في الحقيقة تعبّر عن معنى القصاص في النفس والقتل العمد ،واستعمال الفقهاء القدامى لفظ القصاص والقتل واستعمال المحدثين لفظ الإعدام جاء بنفس المعنى ولا مشاحة في الإصطلاح ، إلا أنه يوجد بعض الفروق بعمومها وخصوصها ، وفي النهاية تؤدي إلى معنى إزهاق الروح (14)
– تاريخ عقوبة الإعدام:
عرفت المجتمعات البشرية قديما وحديثا عقوبة الإعدام وتنوّعت الإجتهادات القانونية حول الجرائم الموجبة لهذه العقوبة ، ففي بعض الدول يعتبر القتل والتجسس والخيانة موجبا لهذه العقوبة ، كما تعتبر الجرائم الجنسية كالزنا والإغتصاب واللواط جرائم مستوجبة للإعدام ، وفي بعض الدول يعتبر الاتجار بالبشر أو تجارة المخدرات من الجرائم التي يعاقب عليها بإعدام مرتكبها . من هنا فإن عقوبة الإعدام كانت معروفة في الشرائع الأرضية كشريعة حمورابي وفي الشرائع السماوية كالشريعة اليهودية قبل الإسلام ، ونجد عقوبة الإعدام مدرجة في أغلب القوانين الوضعية للدول سواء منها من ألغت عقوبة الإعدام أو من أبقت عليها ، فالإعدام يطبق في كثير من الدول استنادا إلى قوانين مدنية وضعية لا علاقة لها بالاسلام تشريعا أوالتزاما ومن هذه الدول : أفغانستان وأنتيغا وبربودا وجزر البهاما وبنغلادش وبربادوس وبيلاروسيا وبليز وبتسوانا وبوروندي والكاميرون وتشاد والصين وجمهورية الكونغو (الديمقراطية) وكوبا ودومينيكا وغينيا الاستوائية وإثيوبيا وغواتيمالا وغينيا وغيانا والهند وإندونيسيا وجامايكا واليابان وكوريا (الشمالية) ولبنان وليسوتو وماليزيا ومنغوليا ونيجيريا وسانت كريستوفر ونفيس وسانت لوسيا وسانت فينسنت وغرانادين وسيراليون وسنغافورة والصومال والسودان وسورية وتايوان وتايلاند وترينيداد وتوباغو وأوغندا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وأوزباكستان وفيتنام واليمن وزيمبابوي (15)
عقوبة الإعدام في القوانين العربية وفي القانون المقارن:
أهمية عقوبة الاعدام في الدول العربية:
وفى المغرب:
بالمغرب يستحيل إلغاء عقوبة الإعدام لأن النظام الملكي بالمغرب إسلامي سني والدستور ينص على أن المغرب دولة إسلامية والإسلام هو دين الدولة.
يعاقب المشرع المغربى بالإعدام كجزاء لارتكاب العديد من الجرائم التى يعتبرها خطيرة بحد ذاتها، أو لاقترافها بظروف معينة، ونجد هذا فى العديد من الجرائم التى تناولها قانون العقوبات الصادر فى 26/11/1962، وفى قانون العقوبات العسكرى الصادر فى 10/11/1956. وفى قانون مكافحة الإرهاب المتمم للفصل 218 من قانون العقوبات المشار إليه، وكذا الظهير المتعلق بزجر الجرائم الماسة بصحة الأمة.
وجدير بالذكر أن قانون العقوبات المغربى يعاقب بالإعدام على الكثير من الجرائم، وفى مقدمتها جرائم الاعتداء على الملك والأسرة المالكة، وجرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجى أو الداخلى، وجرائم الاعتداء بالعنف الشديد على الأشخاص، وإضرام النار.
ولم تعرف المنظومة الجنائية المغربية أى تعديل من شأنه أن يقلل من نسبة الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، بل على العكس من ذلك حدثت عدة تعديلات فى الآونة الأخيرة أدت إلى زيادة نسبة الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، وذلك من خلال التعديلات المتعلقة بمحاربة الإرهاب عام 2002.
ولكن المثير للفزع –حقاً- أن عدد الحالات التى يمكن الحكم فيها بالإعدام وفقاً للقوانين الأربعة المشار إليها تزيد على 600 حالة، يتضمن قانون العقوبات وحده منها 283 حالة معاقباً عليها بالإعدام، موزعة على 28 فصلاً من فصول هذا القانون. وذلك على أساس أن كل مادة من مواد القوانين المشار إليها تنطوى على عدة حالات معاقب عليها بالإعدام، وصل بعضها إلى أكثر من 200 حالة.
وبالنسبة لمصر:
بداية، رفضت دار الإفتاء المصرية إلغاء عقوبة الإعدام وهو المطلب الذي تنادي به بعض المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، مؤكدة أن إلغاء عقوبة الإعدام يؤدي إلى “فساد النظام الاجتماعي، ويتعارض مع ما تنادي به الشريعة الإسلامية من إقامة حياة آمنة للبشر”، كما شرح أهمية هذه العقوبة وأبرز محاسنها ومفاسدها؛ كما ورد بالموقع الرسمي لدار الإفتاء.
يعاقب المشرع المصرى بالإعدام على نسبة كبيرة للغاية من الجرائم التى رأى فيها من الجسامة أو الخطورة ما يستأهل هذه العقوبة. وقد قرر المشرع المصرى عقوبة الإعدام فى كل من القوانين الأربعة الآتية:
1- قانون العقوبات.
2- قانون الأحكام العسكرية.
3- قانون مكافحة المخدرات.
4- قانون الأسلحة والذخائر.
وبعد دراسة متأنية للجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى التشريع المصرى نستطيع أن نقول- بضمير مستريح- إن المشرع المصرى يسرف كثيراً فى استخدام عقوبة الإعدام.
وبعض هذه الجرائم تنتمى إلى طائفة جرائم الحدث غير المؤذى؛ أى الجرائم الشكلية التى يعاقب فيها المشرع على مجرد إتيان السلوك الإجرامى دون النظر إلى تحقيق نتيجة معينة.
فضلاً على أن ثمة جرائم يعاقب عليها بالإعدام لم يحدد فيها المشرع السلوك الإجرامى تحديداً واضحاً ودقيقاً، وإنما اكتفى بوصفه بعبارات تتسم بالعمومية والاتساع، ومن أمثلة ذلك المادة 77 من قانون العقوبات التى تنص على أنه: “يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمداً فعلاً يؤدى إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها”. والمادة 12/ فقرة أخيرة من قانون الأسلحة والذخائر.
ولا جرم أن هذا المسلك من جانب المشرع يشكل إهداراً لمبدأ شرعية الجرائم، والعقوبات المنصوص عليها فى المادة 66 من الدستور المصرى.
ومن جهة أخرى خالف المشرع المصرى المبادئ الدستورية –أيضاً- فى تقريره لعقوبة الإعدام؛ فثمة نوع من عدم التناسب بين العقاب والجريمة يسود فى كثير من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام فى جميع القوانين التى تقضى بهذه العقوبة.
ومن الناحية الإجرائية فإن الضمانات التى أحاط بها المشرع الحكم بعقوبة الإعدام غير كافية، ولا تكفل سلامة الحكم بهذه العقوبة.
الأردن :
فقد عرفت المادة 17 من قانون العقوبات الأردنى عقوبة الإعدام بأنها: “شنق المحكوم عليه”.
وقد نص القانون الأردنى على 25 حالة يعاقب عليها بالإعدام، وردت فى قانون العقوبات الأردنى رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته، وقانون العقوبات العسكرى، وقانون حماية أسرار وثائق الدولة رقم 50 لسنة 1971.
وقد أحاط المشرع الإجرائى الأردنى عقوبة الإعدام بعدة ضمانات، منها ما يتعلق بمرحلة التحقيق، ومنها ما يتعلق بمرحلة المحاكمة بيد أن هذه الضمانات غير كافية.
لبنان:
يأخذ التشريع اللبناني بعقوبة الإعدام، ويعود ذلك إلى أنّ قانون العقوبات اللبناني لعام 1943 مأخوذ عن القانون الفرنسي القديم الذي أُدخلت عليه إصلاحات جديدة عدة لم يعرفها التشريع اللبناني. فتعتمد السياسة الجنائية في لبنان على العقاب والردع وحتى “الإنتقامالمقونن” لحماية المجتمع والنظام العام، إلى درجة تبلغ هذه السياسة العقابية حدّ “إلغاء القاتل” عوض سجنه وإصلاحه وتأهيله.
إلا أن الجرائم التي يُعاقَب عليها بالإعدام محدّدة على وجه الحصر في القانون تطبيقاً لقاعدة “لا عقوبة دون نص”. فتنص المواد 273، 274، 275، 276، 549، 640، 642، 643 من قانون العقوبات العام على تنفيذ عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذه المواد.
يقرر قانون العقوبات اللبنانى عقوبة الإعدام لعدد كبير من الجرائم، مثل جرائم الاعتداء على الحق فى الحياة. وجرائم الفتنة، والإرهاب، وجريمة الاستيلاء على طائرة أثناء طيرانها؛ إذا قام الجانى بأى وسيلة كانت بعمل تخريبى فى الطائرة يعرضها لخطر السقوط والتدمير، أو إذا نجم عن الفعل موت إنسان نتيجة الرعب…
كذلك فقد قرر المشرع اللبنانى عقوبة الإعدام فى قانون العقوبات العسكرى لعدد من الجرائم، مثل جريمة الفرار للعدو، والجرائم المخلة بالشرف والواجب العسكرى، وجرائم الخيانة والمؤامرة العسكرية، وجرائم السلب والإتلاف.
وقد قرر المشرع اللبنانى –أيضاً- عقوبة الإعدام فى بعض القوانين الجنائية الخاصة، مثل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف الصادر عام 1998؛ حيث فرض هذه العقوبة لعدد من الجرائم، مثل جريمة الاعتداء على أحد الموظفين العموميين المنوط بهم تنفيذ أحكام هذا القانون، إذا نجم عن هذا الاعتداء وفاة الموظف، وكذا قانون المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطيرة الصادر برقم 64 لسنة 1988، المعدل بالقانون رقم 266 لسنة 1993. فقد نصت المادتان 10، 11 من هذا القانون على تطبيق عقوبة الإعدام “على كل من… يستورد أو يدخل أو يحوز أو ينقل رواسب أو نفايات نووية أو ملوثة بإشعاعات نووية، أو يحتوى مواد كيماوية سامة، أو خطرة على السلامة العامة… وعلى كل من يرمى فى الأنهار والسواقى والبحر وسائر مجارى المياه… المواد الضارة.
وفى البحرين:
قرر المشرع البحرينى عقوبة الإعدام للعديد من الجرائم؛ سواء كان ذلك فى قانون العقوبات العام، أو فى بعض القوانين الجنائية الخاصة، مثل قانون المخدرات، وقانون الإرهاب.
ومنذ عام 1977 حتى عام 2007 أصدرت المحاكم البحرينية العادية منها والاستثنائية (أمن الدولة) ثمانية أحكام بالإعدام فقط، لم تنفذ جميعها.
وتجرد الإشارة إلى أن المحاكمة العسكرية فى البحرين لم تصدر أية أحكام بالإعدام منذ إنشائها حتى يومنا هذا.
وفى سوريا:
توسع المشرع السورى فى استخدام عقوبة الإعدام بموجب المراسيم الجزائية الخاصة؛ كقانون الانتساب إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وفرض هذه العقوبات فى حالات متعددة فى قوانين مناهضة أهداف الثورة، وحماية النظام الاشتراكى، وأمن حزب البعث العربى الاشتراكى.
فضلاً على تقرير قانون العقوبات السورى عقوبة الإعدام كجزاء لارتكاب بعض جرائم الاعتداء على أمن الدولة، من جهة الخارج (المواد 263، 265، 266)، وكذا جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الداخل (المواد 298- 305)، وغيرها من جرائم الاعتداء على آحاد الناس.
وقد أعطى القانون السورى للمحكوم عليه بالإعدام الحق فى التماس العفو أو إبدال العقوبة، كما أن رئيس الجمهورية يستطيع أن يحد من استخدام تلك العقوبة، وفقاً للدستور السورى الذى منحه الحق فى إصدار العفو الخاص ورد الاعتبار.
وفى العراق:
أسرف المشرع العراقى، ووسع كثيراً من نطاق تطبيق عقوبة الإعدام؛ فقانون العقوبات العراقى ينطوى على عدد كبير جداً من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.
وقد قرر المشرع العراقى عقوبة الإعدام كذلك كجزاء لارتكاب مجموعة من الجرائم ورد ذكرها فى قانون مكافحة الإرهاب وقانون المخدرات.
أما فيما يتعلق بالقضاء العراقى فالملاحظ أن المحاكم الجزائية الأولية لا تميل إلى تفعيل عقوبة الإعدام، فى حين أن محكمة التمييز فى العراق تميل بشكل واضح إلى تشديد العقوبة الصادرة على مرتكبى الجرائم، ولا سيما المعاقب عليها بالإعدام.
وفضلاً على ذلك فإن الضمانات بأشكالها المختلفة، والتى يمكن أن تعد ضمانات أولية وتمييزية غير كافية بالدرجة التى تجعل القانون العراقى مستجيباً للمواثيق والمعاهدات الدولية.
وفى فلسطين:
فلا يوجد قانون عقوبات موحد فى فلسطين، وإنما هناك عدة قوانين، ففى الضفة الغربية تطبق المحاكم قانون العقوبات الأردنى رقم 16 لسنة 1960، وفى غزة تطبق قانون العقوبات الانتدابى رقم 74 لسنة 1936 المعدل بأمر الحاكم العسكرى المصرى رقم 555 لسنة 1957، وتطبق المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة أحياناً، قانون العقوبات الثورى لمنظمة التحرير لسنة 1979؛ إضافة إلى ذلك يوجد مجموعة من القوانين الخاصة المكملة لقوانين العقوبات تطبق فى الضفة الغربية وقطاع غزة، كقوانين العقاقير الخطرة، وقانون المفرقعات، والقوانين المتعلقة بالأحداث.
وأدخلت سلطات الاحتلال الإسرائيلى بعض التعديلات على قوانين العقوبات؛ فأضافت جرائم جديدة، ووضعت شروطاً إضافية لتجريم أفعال معينة، كذلك أصدرت بعض الأوامر العسكرية المتعلقة بعقوبة الإعدام.
وفى السعودية:
تقرر المملكة العربية السعودية عقوبة الإعدام وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتطبق عقوبة الإعدام فى السعودية فى الحالات الآتية: (الحدود والقصاص، والتعزير، والردة عن الدين، والجاسوس، والزانى المحصن، والحرابة، واللواط، وتارك الصلاة باعتباره كافراً مرتد يقتل ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن فى مقابر المسلمين ولا يرثه أحد وأنه يقتل لترك صلاة واحدة.
أما فى اليمن:
لم يتصدى المشرع اليمنى لوضع تعريف لعقوبة الإعدام سواء فى قانون الجرائم والعقوبات أو فى قانون الإجراءات الجزائية، وبالرغم من ذلك، فقد نصت المادة 485 من قانون الإجراءات الجنائية على طريقة تنفيذ عقوبة الإعدام بقولها: “تنفذ عقوبة الإعدام بقطع رقبة المحكوم عليه بالسيف، أو رمياً بالرصاص حتى الموت دون تمثيل أو تعذيب، وفى حدود الحرابة يتم التنفيذ حسبما ينص عليه الحكم”.
والمشرع اليمنى متأثراً بشكل كبير بالشريعة الإسلامية عند تقريره لعقوبة الإعدام، وينطوى قانون الجرائم والعقوبات اليمنى على العديد من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، ومنها الجرائم المعاقب عليها بالإعدام قصاصاً المنصوص عليها فى المادة 234 منه، والتى تنص على أنه: “من قتل مسلم معصوماً يعاقب بالإعدام ما لم يعف ولى الدم عفواً مطلقاً أو شرط الدية أو مات الجانى قبل الحكم…”.
والمادة 141 التى تقرر عقوبة الإعدام فى أربع حالات وهى: الحريق، والتفجير، وتعريض وسائل النقل والمواصلات للخطر، وإحداث الغرق، والتلوث بالمواد السامة إذا نجم عنها موت إنسان.
ومن جهة أخرى ثمة جرائم معاقب عليها بالإعدام تعزيراً ويشتمل القانون اليمنى على فئتين من هذه الجرائم الأول:
الجرائم المرتكبة من الأشخاص العاديين (المواد 234، 249، 280)، والثانية: الجرائم المرتكبة من العسكريين (المواد 226، 227، 228).
ومن جهة ثالثة ثمة جرائم معاقب عليها بالإعدام حداً (المواد 263، 264) إذ قرر المشرع عقوبة الرجم حتى الموت فى الحالات الآتية زنا المحصن أو المحصنة، واللواط من اللائط المحصن، واللواط من الملوط به؛ كما عاقب المشرع اليمنى بالإعدام حداً على جريمة الردة، فالمادة 259 منه تقرر عقوبة الإعدام على الجهر بأقوال تنافى قواعد الإسلام وأركانه والجهر بأفعال تنافى قواعد الإسلام وأركان دون تحديد للأقوال والفعال المنافية لقواعد وأركان الإسلام، وكذا جريمة الحرابة (المادة 306 عقوبات) وجريمة البغى (المادة 124 عقوبات).
وقد قرر المشرع اليمنى كذلك عقوبة الإعدام كجزاء لارتكاب بعض الجرائم المنصوص عليها فى قانون العقوبات العسكرى، وقانون المخدرات، وقانون الاختطاف.
وقد أحاط المشرع اليمنى عقوبة الإعدام بالعديد من الضمانات ولكنها غير كافية، ولم تكن مانعاً من تنفيذ العديد من أحكام الإعدام على أبرياء أو أطفال لأن هذه المحاكمات تفتقر إلى وجود ابسط الإجراءات فى المحاكمات العادلة.
وفي تونس :
قال الغنوشي في ندوة فكرية بمناسبة الاحتفال بالذكرى 31 لتأسيس حركة النهضة، التي تم الاحتفال بها أول من أمس الأحد: «نحن لسنا مع المناداة بإلغاء عقوبة الإعدام» في تونس، واعتبر أن إلغاء تلك العقوبة يخالف تعاليم الشريعة الإسلامية.
عقوبة الإعدام في في القانون المقارن:
ظهرت الموجة التشريعية لإلغاء عقوبة الإعدام منذ بداية هذا القرن يشوبها نوع من التردد؛ ففي إيطاليا ألغيت هذه العقوبة في عام 1899م ثم أعيدت في عام 1930 ، ثم ألغيت مرة أخرى 1974، وفي نيوزيلندا ألغيت هذه العقوبة سنة 1911 ثم أعيدت سنة 1950 ثم ألغيت مرة أخرى 1961، وفي أسبانيا ألغيت هذه العقوبة سنة 1932 ثم أعيدت سنة 1934 ثم ألغيت مرة أخرى بتعديل دستوري سنة 1978م في غير حالات الجرائم العسكرية في زمن الحرب.
وفي بعض الدول ظهر اتجاه نحو الحد من عقوبة الإعدام مثل روسيا السوفيتية؛ فقد ألغت عقوبة الإعدام سنة 1947 ثم أعادتها في بعض الجرائم مثل الجاسوسية والرشوة والقتل المشدد والاغتصاب.
وفي بعض الدول الأخرى ظهر بادئ الأمر الاتجاه نحو الحد من عقوبة الإعدام عن طريق إلغائها في عدد كبير من الجرائم؛ ثم ساد الاتجاه نحو إلغائها كلية؛ مثال المملكة المتحدة ففي عام 1957 ظهر قانون القتل مبقيا على عقوبة الإعدام إذا اقترن القتل بأحد ثلاثة ظروف، ثم صدر قانون 1964 يلغي هذه العقوبة في تلك الظروف مع جواز توقيعها إذا كان القتل مع سبق الإصرار، وفي سنة 1964 صدر قانون قرر إلغاء عقوبة الإعدام كلية ونص على وجوب صدور قانون جديد بعد خمس سنوات ينظم هذا الموضوع، وفي سنة 1970 صدر قانون يؤكد إلغاء عقوبة الإعدام، وفي السويد ألغيت عقوبة الإعدام سنة 1921 عدا بعض الحالات الاستثنائية، ثم صدر قانون سنة 1972 بإلغاء هذه العقوبة كلية.
وقد اتجهت بعض الدول إلى إلغاء عقوبة الإعدام كلية دون عودة كما في سويسرا سنة 1937، وفي ألمانيا الاتحادية سنة 1949.
أهداف الغرب و أبواقه في العالم العربي لإلغاء عقوبة الإعدام في العالم العربي:
1- الاستعمار السياسي والاقتصادي:
المقصود بالاستعمار السياسي هو: تحكُّم الدول الغربية العظمى في النظم السياسية للبلاد الإسلامية بُغيَة السيطرة على القرارات السيادية والسياسية فيها في مجالات الأمن الداخلي والنظام القانوني والتشريعي والسياسة الخارجية.
أما الاستعمار الاقتصادي فيقصد به: تحكُّم الدول العظمى في مصادر ثروات البلاد الإسلامية ومواردها الطبيعية، واحتكار المواد الخام، والسيطرة على أسواق المال والذهب بها، على نحو يحرم هذه البلاد من استغلال مواردها الطبيعية والمواد الخام بها ويجعلها في عداد الدول الاستهلاكية التي تعتمد في اقتصادها على غيرها من الدول: إما لما تصدِّره لها من سلع ومنتجات، أو لما تمنحه لها من قروض وما تقدِّمه من مساعدات مالية أو عينية.
وهذا الاستعمار هو في حقيقته احتلالٌ غير مباشر للبلاد، لجأت إليه الدول الغربية بعد أن تكبدت خسائر فادحة في الأموال والأرواح في حروبها وأثناء استعمارها للبلاد الإسلامية والإفريقية؛ بحيث تُحكِم سيطرتها السياسية والاقتصادية على هذه البلاد وتحول بينها وبين تقرير مصيرها بإرادتها الحرة بطريقة لا تثير ثورات الشعوب أو استنكار الرأي العام العالمي.
وللدول الغربية عدة وسائل في تحقيق هذا الاستعمار، منها: دعم النظم السياسية التسلطية المتجبرة، وعقد الاتفاقيات غير المتكافئة، ومنح القروض والمساعدات المالية المشروطة، وتقديم المنح العينية كالآلات والمصنوعات والمركبات والمعدات الحربية دون قطع غيارها، وتقديم التسهيلات اللازمة لتصدير منتجاتها لغيرها من البلاد، ووضع العراقيل والعقبات لاستيراد منتجات هذه البلاد، وإعارة الخبراء والمتخصصين وتقديم المساعدات الفنية المشروطة، والمساهمة في تنفيذ المشروعات الاقتصادية طويلة المدى، والحصول على القواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية، وإنشاء البنوك الربوية، والسيطرة على أسواق المال (البورصات) وأسواق الذهب، وإثارة الاضطرابات الداخلية والانقسامات الطائفية والحزبية، وغير ذلك.
توجهات الحُكام وتسلطهم:
فأكثر الحُكام في البلاد العربية والإسلامية يرفضون فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية: إما لأنهم ينتهجون سياسة فصل الدين عن الدول، وإما لأنهم يخافون من أن يؤدي تطبيق الشريعة إلى تأخُّرهم وتخلُّفهم، أو يجُرَّ عليهم النزاعات الداخلية وغضب الدول الغربية، أو يثير الفتن الطائفية والرأي العام الغربي قِبَلهم؛ فهم بين علمانية محضة أو تخوفات متوهمة.
2- سيطرة العَلمانيين على الوسائل الإعلامية:
العَلمانية هي أشد الأخطار الداخلية التي تواجه المسلمين في الوقت الحالي، وخطورة العَلمانيين لا تتعلق بشبههم التـي يبثونها بقدر ما تتعلق بسيطرتهم على الأجهزة الإعلامية، وارتدائهم ثوب العلم والثقافة من خلال ما يتمتعون به من وظائف مرموقة مؤثِّرة في المجتمع، فمن خلال هاتين الوسيلتين استطاعوا محاربة الشريعة وبثَّ شُبههم التي هي من الضعف بمكان يمكن معه دحضها بسهولة وبلا تكلُّف، لكن الذي حال دون ذلك هو سيطرة العَلمانيين على الوسائل الإعلامية؛ بحيث لا يمكن لغيرهم الرد عليهم ودحض شبههم إلا بصعوبة بالغة، فهؤلاء لا يريدون تطبيق الشريعة الاسلامية ويحاربون استعمال اللغة العربية في التراسل الاداري والتعليم الجامعي وفي الصفقات العمومية… الخ
خاتمة:
كل ما أنزل من عند الله يجب تطبيقه على الأرض ومادام عقوبة الإعدام منصوص عليها في الكتاب والسنة فيجب تطبيقها على أرض الواقع وضرب المواثيق الدولية المخالفة لذلك بعرض الحائط، لأن المواثيق الدولية من صنع الإنسان والقرآن الكريم من صنع الله تعالى ومن باب أولى للاستجابة لله تعالى الذي خلق هذا الانسان.
المراجع :
1- ابن منظور / لسان العرب / ج 1 ص 619
2- الطحاوي / حاشية الطحاوي على الدر المختار / ج2 ص 388
3- الماوردي / الأحكام السلطانية والولاية الدينية / ص 221
4- عبد القادر عودة /التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي / ص609
5-عمر السعيد رمضان / شرح قانون العقوبات القسم العام / ص 547 ،383 القاهرة
6- شرح قانون العقوبات؛ القسم العام، لمحمود محمود مصطفى، ( دار النهضة العربية، القاهرة، ط 10، 1983م)، ص 555.
7- الأحكام العامة للنظام الجزائي، عبد الفتاح مصطفى الصيفي، ( مطبوعات جامعة الملك سعود، الرياض، ط 1415هـ- 1995م) ، ص 483.
8- النظرية العامة للجزاء الجنائي لبلال، ص13.
9- شرح قانون العقوبات؛ القسم العام؛ محمود نجيب حسني، ( دار النهضة العربية، القاهرة، ط5، 1982م) ، ص 667.
10-قانون العقوبات؛ القسم العام؛ عبود سرج، ( منشورات جامعة دمشق، ط 10، 1422- 1423هـ، 2001- 2002م) ، ص 371.
11- ابن منظور / لسان العرب / ج 12 ص 392
12- محمد بن زكريا معجم مقاييس اللغة / ج1 ص 331
13- محمود السقا / فلسفة عقوبة الإعدام بين النظرية والتطبيق / ص 17
14-عقوبة الإعدام وموقف التشريع الجنائي الإسلامي منها/ وائل لطفي صالح عبدالله عامر
15- المرصد العربي لمناهضة عقوبة الإعدام / دراسات واحصائيات
محسن الندوي
باحث في العلاقات الدولية
اترك تعليقاً