التشهير والتعرض للخصوصية.. وضرورة التعويض الأدبي
سعيد بن ناصر الحريسن
في الوقت الذي تتسابق فيه التقنية العالمية تسابقاً تنافسياً لخدمة الجوانب الحياتية المتعلقة بها، خاصة في المجال الرقمي وبالتحديد الاتصالات والتوثيق، نجد هناك وعلى الطرف المقابل تسابقاً من نوع آخر وهو تحوير هذه التقنية لخدمة أغراض سلبية ذات صبغة جريمة، والتي أصبحت هاجساً مخيفا للكثير، في ظل سهولة تداول تلك التقنيات، فأدت إلى ظهور جرائم اقتحام الخصوصية والتصوير خلسة بهدف التشهير واغتيال السمعة .
اتجاه إجرامي حديث في أسلوبه، تتعدد الأهواء والأهداف من ورائه، فمن باحث عن التهجم والتشهير وآخر يبحث عن التسلية، والنتيجة مقاطع رقمية يتم تداولها بين راغبيها، عبر الشبكة المعلوماتية، وعبر هواتفهم المحمولة، في تهافت وتنافسية بينهم عنوانها (من يقتني الأحدث) من تلك المواد الفلمية أو السمعية، التي تحوي في غالبها على كشف جوانب الحياة الخاصة للمجني عليه، واقتحام خصوصيته، أو التعرض له بالتجريح والإساءة عبر المقاطع الصوتية وغيرها.
إن قصور الوعي بالثقافة الحقوقية في المجتمع قد جعلت تلك الأفعال عند البعض بعيدة كل البعد عن ترجمتها (بوصف التجريم) التي قررت الشريعة الإسلامية تجريمها (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) فيغيب عن راغبي التشهير واغتيال السمعة، والخصوصية، أنوار هذا المبدأ الشرعي الحقوقي العظيم، وتنعدم أسسه في ثقافاتهم الضحلة.
ولقد جاءت النصوص القانونية بتجريم تلك الأفعال أيضاً، استمداداً من ذلك المبدأ العظيم، وإن افترقت النصوص في تصنيف تلك الأفعال بالجناية تارة أو بالجنحة أخرى، أخذاً بالعلانية وتطرق الاحتمالية لتلك الأدلة عند من يصنفها بالجنحة. إلا أنه في الجملة يبقى وصف الجريمة قائماً، فالمعول عليه وجود نص تجريم الفعل، وتوافر أركان الجريمة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص).
وتطرق الاحتمالية في الدليل قد تنتفي بالقرائن المحيطة، التي متى اجتمعت وتسلسلت تسلسلاً منطقيا، قد تشكل حتما قناعة عن القاضي ترتقي بمجموعها إلى مستوى الدليل ومن ثم الإدانة للجاني.
ولقد ذهب المقنن السعودي إلى تجريم هذا الفعل من خلال الالتفاتة له في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية حيث تناول في مادته (الثالثة) تجريم كل فعل يمس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو ما في حكمها، وتجريم التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنية المعلومات المختلفة. فرتب المقنن السعودي العقوبة على هذا الفعل الجرمي سواء للفاعل الأصلي والشريك والمحرض، وهي السجن والغرامة المالية، لكن تظل هذه العقوبة في جانب الحق العام، التي قد تحقق بعضا من ذهاب غيظ الصدر والحبور والارتياح لنفس المجني عليه، إلا أنه هناك جوانب ترتقب الإلتفات ولو بحكم قضائي يكون نموذجا في بابه (حالها في ذلك حال العقوبات التعزيرية البديلة) إن ذلك الجانب الذي أيمم القول إليه هو المقابل للحق العام وهو الحق الخاص، أو التعويض عن الضرر الأدبي، والذي أعتبره من عناصر النظر المهمة أثناء الحكم في مثل هذه القضايا.
إن تعرض الإنسان لمثل تلك الجرائم والجناية عليه بها، من المؤكد وبدرجة كبيرة أنه يورث لديه انعزالية ونفوراً من المجتمع، مما قد يؤدي إلى تفويت فرصته في الكسب والإقبال على العمل، وفي أحيان أخرى قد يلج من خلال ذلك إلى دوامات نفسية تحتاج إلى مزيد من الوقت للتخلص منها، ولاسيما إذا كان المجني عليه في تلك الجريمة أنثى، فإعادة التأهيل النفسي وامتصاص تأثيرات الاعتداء عليه، يحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت والتكلفة المادية والمعنوية.
إن الغرامة المالية المتعلقة بالجانب العام، تعتبر عقوبة تخييرية – أو بأحد هاتين العقوبتين – فقد يكتفى بالعقوبة المرافقة لها، بخلاف التعويض الأدبي – الحق الخاص – فهو مفوض إلى رأي المجني عليه، من حيث التمسك به أو النزول عنه، وبرأيي أجد أن التوجه لتأكيد وإعمال هذا الجانب في قضايا التشهير والسب واقتحام الخصوصية، سيعمل على الحد من جراءة كثير من مقتحمي الخصوصية ومغتالي الأعراض، وإيقافهم عن رعونتهم، خاصة ونحن نسمع عن ظهور قضايا التهجم والتجريح العلني في المجالس وعبر رسائل الجوال. وختاما رسالة تقدير للقائمين على (حملة أنا بشر) التي انطلقت بمباركة وإشادة كثير من العلماء والمفكرين، وتأتي هذه الحملة للوقوف ضد التشهير بالأعراض، في خطوة جديدة ليس في المجتمع السعودي بل العربي عامة، متمنين لهم التوفيق.
@ باحث قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً