المنتجات الفاسدة بين تعديل التأريخ وعدم الصلاحية
لم تفاجئنا صحيفة تواصل الإلكترونية حين نشرت مساء تاريخ 16/7/1437هـ خبراً عنوانه:(إغلاق مطعم في نجران بعد 56 حالة تسمم)!! كما أنها لم تفاجئنا ذات الصحيفة حين نشرت مساء تاريخ 6/7/1437هـ خبراً موسوماً بـ: (تعليم الشرقية يحقق في تسمم طلاب ابتدائية الجبيل)!! ذلك أن حالات التسمم وفساد الأغذية والمشروبات لا يمكن حصرها عدداً، بل وصل الاستهتار بأن قام بعض التجار بتعديل تأريخ صلاحية الأغذية والمشروبات ليضرب تحدّياً للجهات الحكومية الرقابية والتحقيقية والقضائية في هذا البلد.
يقول نظام البيانات التجارية في مادته الأولى: (يعد بياناً تجارياً – فيما يختص بتطبيق أحكام هذا النظام – كل إيضاح يتعلق بصفة مباشرة أو غير مباشرة بما يأتي:
أ – عدد البضائع، أو مقدارها، أو مقاسها، أو كيلها، أو طاقتها، أو وزنها، أو تأريخ الإنتاج، أو تأريخ انتهاء الصلاحية).
وفي المادة الثانية من ذات النظام قالت: (يجب أن يكون البيان التجاري مكتوباً باللغة العربية على الأقل، ومطابقاً للحقيقة من جميع الوجوه)، وإذا لم يكن تأريخ انتهاء الصلاحية مطابقاً للحقيقة فما العقوبة؟
قالت المادة السابعة من النظام نفسه: (مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يعاقب من يخالف أحكام هذا النظام بغرامة مالية لا تزيد على مائة ألف ريال، وفي حالة العود تضاعف العقوبة مع غلق المحل لمدة لا تزيد على سنة).
ولكن ما هي الجهة المخولة بسماع البلاغات المتعلقة بتلاعب المحلات والتجار بتأريخ انتهاء الصلاحية مثلاً؟ وما هي الجهة المخولة بضبط هذا المنتج ومباشرة المخالفة؟
أجابت المادة الثامنة من النظام المذكور بقولها: (يتولى موظفو وزارة التجارة المختصون ضبط ما يقع من مخالفات لأحكام هذا النظام).
وبعد أن تقوم وزارة التجارة بالضبط فإنها ترفع القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لاستكمال إجراءاتها بالتحقيق وإجراء عملية الدعوى العامة؛ طبقاً للمادة التاسعة من النظام حيث جاء فيها: (تختص هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق فيما يقع من مخالفات لأحكام هذا النظام والادعاء فيها أمام الجهة المختصة).
والمحكمة المختصة بنظر هذه القضية التي تتعلق بالمنتجات التي تم التلاعب بتأريخ صلاحيتها والمنتجات الأخرى المخالفة لنظام البيانات التجارية: هي المحاكم الجزائية التابعة للقضاء العام بعد أن يتم النقل التام للاختصاص الجزائي من ديوان المظالم إلى القضاء العام، وعليه فيجب تعديل المادة العاشرة من نظام البيانات الذي ينص على أنه: (يختص ديوان المظالم بالفصل في المخالفات والمنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام هذا النظام).
هذا ما يتعلق بالمنتجات التي تم التلاعب بتأريخ انتهاء صلاحيتها حتى وإن بقيت صالحة للاستعمال، أما المنتجات التي تباع فاسدة بحيث لم تعد صالحة للاستغلال أو الاستعمال أو الاستهلاك، فإن نظام مكافحة الغش التجاري في مادته الخامسة أمر موظفي وزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة العامة للغذاء والدواء، مجتمعين أو منفردين بضبط المخالفات التي تتعلق بوجود فساد في الأطعمة والمشروبات وما نحتاجه.
وأوجب نظام مكافحة الغش التجاري منح المواطن أو المقيم الذي يساعد في الكشف عن حالات الغش التجاري والتي تؤدي إلى ضبط المخالفين وإدانتهم مثل التبليغ عن وجود مأكولات أو مشروبات فاسدة مكافأة تشجيعية بنسبة تصل إلى 25% من مقدار الغرامة المستحصلة، كما هو واضح من نص المادة الحادية عشرة من نظام مكافحة الغش التجاري، وتصل الغرامات التي تفرض على المخالف إلى مليون ريال طبقاً للنظام.
وتقوم هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق ورفع الدعوى العامة، وتقوم المحاكم الجزائية التابعة للقضاء العام – بعد انتقال الدوائر الجزائية من ديوان المظالم إلى القضاء العام – بالنظر القضائي في هذه القضايا، على أنه يجب تعديل المادة الثالثة عشرة من نظام مكافحة الغش التجاري الذي نص على أنه: (يختص ديوان المظالم بالفصل في جميع المخالفات والمنازعات ودعاوى المطالبة بالتعويض الناشئة عن تطبيق أحكام هذا النظام) إلى إسباغ الاختصاص للمحاكم الجزائية التابعة للقضاء العام تنفيذاً لنظام القضاء الجديد.
ولئن استطاعت الجهات الرقابية والتحقيقية والقضائية القبض والتحقيق والحكم القضائي على مطاعم ومؤسسات وشركات تجارية قامت بتسميم مأكولاتها أو تعديل تأريخ الصلاحية، فإنها تظل ضعيفة الأثر والنتيجة، ولم يكن بقاء الفساد كثيراً إلى هذا اليوم إلا دليلاً على الضعف المذكور.
وعوداً على ما استهللته من ذكر الأخبار المؤسفة، وحيث إن المواطن والمقيم ما زال يعاني من تفشي هذه المخالفات، فإنني أرى أن أبرز أسباب عدم القدرة على الحد من هذه المخالفات والتخفيف منها هو ما يلي:
1 – ضعف النظام في العقوبات التي أوردها على من يبيع منتجاً فاسداً.
2 – عدم تعاون بعض المواطنين والمقيمين في مكافحة المخالفات المذكورة.
3 – الأخطاء الفادحة التي تحصل من الجهات المخولة بمكافحة المخالفات المذكورة، فلك أن تشاهد هذه القصة وتحكم بنفسك، (ذات يوم قام مواطن بشراء إطارات سيارة من معرض… الذي يقع في شارع الغرابي بحي العمل بالرياض، وظهر للمواطن وجود عيب في الإطارات، ولما ذهب بها إلى الوكيل أخبره بانتهاء صلاحية الإطارات، ولما عاد المواطن إلى المعرض لتبديلها رفض المعرض تبديلها، ثم قام المواطن بتقديم شكوى إلى وزارة التجارة تتضمن المخالفة المذكورة، وعلى إثر ذلك باشرت هيئة الضبط بإدارة مكافحة الغش التجاري المخالفة، وضبطت الإطارات منتهية الصلاحية، وقامت هيئة ضبط الغش التجاري بالتحقيق في القضية، وبعد رفع القضية إلى ديوان المظالم لمعاقبة المعرض المذكور أعلاه، تبين للقاضي أن هيئة التحقيق والادعاء العام لم تحقق في القضية!!! وعلى إثر ذلك رفض القاضي الدعوى في هذه القضية المنشورة والمقيدة برقم 2321 / 1 / ق لعام 1431هـ، ولم يعاقب المعرض على مخالفته ببيع إطارات منتهية الصلاحية!! لمخالفة هيئة التحقيق والادعاء العام للمادة رقم 12 من نظام مكافحة الغش التجاري التي تنص على أنه: (تختص هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق والادعاء العام في المخالفات الواردة في هذا النظام)!!
ألا يدعو للعجب ارتكاب هيئة التحقيق والادعاء العام لهذا الخطأ الفادح؟! كيف ترفع هيئة التحقيق والادعاء العام قضية كهذه إلى المحكمة بلا تحقيق؟! ثم لننظر كيف استطاع المخطئ الإفلات من العقوبة؟!
وأختم حديثي بالقول: لنوحد الجهود ونتعاون مع الجهات المسؤولة في مكافحة فساد مأكولاتنا ومشروباتنا.
وصلوا على النبي المختار
د. تركي بن عبد الله الطيار
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً