عقوبات رادعة ضد الاتجار بالبشر
حفظت الأديان السماوية كرامة الإنسان وأسست مبدأ المساواة بين الناس جميعا في قيمتهم الإنسانية، وفي ظل تلك الشرائع السماوية جاءت جميع القوانين والأعراف لتحث على العمل المشروع ومنعت أن يكون الإنسان في بدنه أو كرامته محلاً للكسب والاتجار، وإن ما يحدث من أفعال تجرمها القوانين من الاتجار بالبشر ظاهرة لا يمكن تجاوزها، فهناك إحصائيات تضمنتها التقارير الصادرة من منظمات دولية حول إجبار الأطفال على الأعمال القسرية وتجنيدهم في النزاعات المسلحة والمتاجرة بالعمال وأعمال السخرة وتجارة الجنس والدعارة وغيرها من الصور التي سادت في بعض مناطق العالم واعتبرت أنشطة تمارسها أطراف متعددة وذات مصالح متداخلة تسهم في استمرار هذه الظاهرة، التي قبل أن تكون تجارة محرمة فهي مسألة ماسة بالكرامة الإنسانية.
لقد كشفت تقارير حديثة أن عدد قضايا الاتجار بالبشر في السعودية بلغت 72 قضية خلال عام 1433هـ، حيث شكلت ما نسبته 0.11 في المائة من إجمالي القضايا الجنائية التي صدرت بها أحكام قضائية تمت معالجتها وفق نظام مكافحة جرائم الاتجار بالبشر الذي يحظر الاتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال بما في ذلك إكراهه أو تهديده أو الاحتيال عليه أو خداعه أو خطفه أو استغلال الوظيفة أو النفوذ أو إساءة استعمال سلطة ما عليه أو استغلال ضعفه أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا أو تلقيها لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر من أجل الاعتداء الجنسي أو العمل أو الخدمة قسراً أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء أو إجراء تجارب طبية عليه.
إن النظام يعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على 15 سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معاً وتشدد العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام في حالة إذا ارتكبت ضد امرأة أو أحد من ذوي الاحتياجات الخاصة أو إذا ارتكبت ضد طفل حتى لو لم يكن الجاني عالماً بكون المجني عليه طفلاً، أو إذا كان مرتكبها زوجاً للمجني عليه أو أحد أصوله أو فروعه أو وليه أو كانت له سلطة عليه، أو إذا كان مرتكبها موظفاً من موظفي إنفاذ الأنظمة.
إن القاسم المشترك لجرائم المتاجرة بالأشخاص هو عنصر الاستغلال من أجل الربح حيث تشير التقديرات التي استندت إلى إحصائيات قدمتها الحكومات والمنظمات المتخصصة إلى منظمة العمل الدولية ILO وهي المكلفة بمعالجة المسائل المتعلقة بمعايير العمل، والتوظيف، والحماية الاجتماعية أن هناك نحو 12.3 مليون إنسان يعملون بصورة قسرية أو في أعمال السخرة وأطفال يعملون قسرياً واسترقاق جنسي.
أما الأشخاص الذين تتم المتاجرة بهم عبر الحدود الوطنية فيما بين دول العالم فإنها تقدرهم بنحو 800 ألف شخص سنويا، تشكل النساء والفتيات 80 في المائة ونحو 50 في المائة هن من القاصرات. إن دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد في إدارة عجلة اقتصادها على الاستقدام من دول عدة لديها عمالة قادرة على القيام بالأعمال التي تتطلبها سوق العمل السعودية والخليجية عموما، هذا احتياج لا يمكن إنكاره وهو مطلب أساسي لعمل عديد من المنشآت في القطاع الخاص، وهو أيضا مصدر دخل لاقتصادات تلك الدول، وإذا كانت ظاهرة الاتجار بالأشخاص فرضت إصدار قوانين محلية فإنه لا يصح تناسي موقف الدين الإسلامي من تحريم الاستغلال للإنسان أو ممارسة الأعمال غير الأخلاقية، حيث لا يخفى موقف أحكام الشريعة الإسلامية الصارمة من تحريم كل عمل يتعارض مع الأخلاق والقيم، وهو منهج سارت عليه المجتمعات الإسلامية والتزمت به المملكة حكومة وشعباً.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً