عقوبة جريمة التحريض الطائفي طبقاً للقانون العراقي .
لا يخفى ما للتحريض المبني على اسس طائفية او عرقية او عنصرية أو فكرية من آثار مدمرة على الشعوب ، ولنا في ذلك شواهد كثيرة منها الحرب الأهلية اللبنانية او الحرب الأهلية في روسيا أو الحرب الأهلية في الولايات المتحدة و ايرلندا و نيجيريا و افغانستان والحروب التي شهدتها القارة الأفريقية على أسس عرقية و الحروب الاهلية التي شهدتها القارة الاوربية على اسس دينية وطائفية وغيرها الكثير وكان أغلب محركي هذهِ الحروب الأهلية ممن لديهم مصلحة في الصراع من أجل الوصول الى السلطة، وأخيراً ما شهدناه في العراق خلال السنين العجاف 2006 ، 2007 ، 2008 من اقتتال طائفي أودى بحياة الآلاف من أبناء الشعب وكان اكثر ضحايا هذا الاقتتال من الابرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذهِ الصراعات .
جرثومة الطائفية : وبعد أن استطعنا وبحمد الله واستبشرنا خيراً أننا طوينا هذهِ الصفحة السوداء من تأريخ البلاد نرى اليوم ولشديد الاسف ان بعض الأصوات التي تحاول أن تعيد أمجادها على حساب المواطن البسيط من خلال التحشيد الطائفي أو العرقي ، وللأسف حقاً أننا نرى أن بعض ابناء الشعب ينجر الى مثل هذه الصراعات منطلقاً من موقف انفعالي او عواطف دينية او طائفية رغم أنه قد شرب من مرارة كأس هذهِ الصراعات وكيف انها كانت كالسم الذي اراد السريان في جسدهِ لو لا ان قدر الله لنا ان نجد الترياق الشافي في ذلك الوقت ، رأينا كيف ان هذهِ الجرثومة التي تسمى بالطائفية قد صنعت ما صنعت من ويلاتٍ وآهاتِ لهذا الوطن فلا بيت لعراقي قد سلم منها فكم امرأة قد ترملت او قتلت وكم من عائلة فقدت السند والمعيل وكم من اطفال قد تيتمت او ذبحت وكم من بيوت قد تهدمت وخربت وتهجرت وتشردت بسبب هذهِ الآفة التي نريد اليوم ان نتخلص من بقاياها فيأتي البعض مريداً وقاصداً اعادتها من جديد لدوافع اقل ما يقال عنها بأنها دنيئة ..
وبعد أن رأينا ما للتحريض والاحتقان الطائفي من عواقب وخيمة واضرارٍ جسيمة قد تفتك بالشعب وتهدم الوطن أو تقسمه فيصبح البلد كذكرى من ذكريات من الماضي ، لذلك نجد ان التشريعات وفي البلدان المختلفة تحرص على تضمين تشريعاتها ما يحرم ويجرم مثل هذهِ الافعال ويؤكد على ضرورة الوحدة وعدم السماح لكل ناعق بان ينعق للتفرقة ..
وفي العراق نجد ان التشريعات العراقية النافذة تؤكد على هذا المعنى ابتداءً من المشرع الدستوري وانتهاءً بالأنظمة والتعليمات المختلفة، حيث نجد ان دستور جمهورية العراق الدائم لسنة 2005 قد تضمن هذا المعنى من خلال ما يأتي :
1-التأكيد على ضرورة الوحدة الوطنية من أجل اعادة بناء الوطن حيث جاء في ديباجة الدستور :
(( … لم يثنينا التكفير والارهاب ، ولم توقفنا الطائفية والعنصرية من أن نسير معاً لتعزيز الوحدة الوطنية ، وانتهاج سبل التداول السلمي للسلطة ، وتبني اسلوب التوزيع العادل للثروة ومنح تكافؤ الفرص للجميع … ))
2-التأكيد على حضر من شأنهِ أن يحرض على العنصرية أو الطائفية حيث جاء في المادة السابعة :
((أولاً- يحضر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي ، أو يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج او يبرر له ، وبخاصةً البعث الصدامي في العراق ورموزه ، وتحت أي مسمى كان ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق ، وينظم ذلك بقانون ))
3- التأكيد على المساواة بين العراقيين دون تمييز بينهم بسبب اي اعتبار حيث نصت المادة الرابعة عشر على :
((العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.))
4- التأكيد على تكافؤ الفرص بين العراقيين حيث نصت المادة السادسة عشر على :
((تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك. )) نجد ان الدستور العراقي يبين الخطوط العامة التي تحرم وتحضر الممارسات والتحريض الطائفي أو العرقي او التمييز بين مكونات الشعب ..
أما قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل فقد نص على تجريم كل ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية والتحريض الطائفي صراحةً واعتبرها جرائم يعاقب عليها القانون كما سنرى في نصوص المواد الآتية:
1- حيث نص في المادة 195 على : ((بعاقب بالسجن المؤبد من استهدف إثارة حرب أهلية أو اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين أو يحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الآخر أو بالحث على الاقتتال .
وتكون العقوبة الإعدام إذا تحقق ما استهدفه الجاني .)) هذه المادة وردت في باب الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي حيث نصت صراحة على تجريم استهداف إثارة الحرب الأهلية أو الطائفية من خلال تسليح المواطنين او حثهم على التسلح ضد بعضهم او حثهم على الاقتتال ، ونجد أن المشرع العراقي قد نص على عقوبة السجن المؤبد ، وقد شددت العقوبة فيما اذا تحقق أيا من الأهداف التي استهدفها الجاني أي اذا حدثت الحرب الأهلية أو الطائفية أو تم التسلح والاقتتال بين المواطنين ، وجعلها الإعدام وهي اقصى درجات العقوبة المقررة قانوناً لما تنطوي عليهِ هذا الافعال من هدم أسس الدولة ومجتمعها وجعله مجتمعاً مفككاً يقاتل أفرادهُ بعضهم البعض الآخر وقد بينا ما لهذهِ الحروب الاهلية والطائفية من آثارٍ مدمرة .
2- أما المادة 198 من قانون العقوبات فقد نصت على : (( أ . يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين :
1.من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد من 190 الى 197 ولم يترتب على هذا التحريض أُثر.
2.من شجع على ارتكاب جريمة مما ذكر بمعاونة مادية أو مالية دون أن يكون لديه نية الاشتراك في ارتكابها .
ب.إذا وجه التحريض أو التشجيع إلى أحد أفراد القوات المسلحة تكون العقوبة السجن المؤبد . ))
من نص هذا المادة فإن كل من حرض على ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المادة 195 الآنفة الذكر وإن لم تنتج آثارها فجعلت عقوبته السجن مدة لا تزيد على عشر سنين وجعلت هذا التحريض من ضمن الجنايات لخطورتهِ ، وكذلك فيما لو عاون على ارتكاب تلك الافعال مادياً أو معنوياً وإن لم تكن له نية الاشتراك فيها ، لأن مجرد المحاولة والتحريض على ارتكابها أو تقديم المعاونة المادية أو المعنوية ينبئ عن خطورة الفاعل على المجتمع .
أما البند (ب) من هذهِ المادة فقد شددت عقوبة التحريض على ارتكاب هذه الافعال (المنصوص عليها في المادة 195 التي ذكرناها) وجعلت عقوبتها السجن المؤبد اذا كان التحريض أو التشجيع موجهاً لأحد افراد القوات المسلحة لحمله على ارتكابها، وعلة التشديد هنا هو لما يفترض بأفراد القوات المسلحة من حيادٍ تجاه جميع مكونات الشعب ، ولما موكل اليهم من مهام حفظ الأمن والاستقرار في البلاد .
3- ثم نصت المادة 200 الفقرة الثانية من هذا القانون تنص على :
((2 – يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس كل من حبذ او روج ايا من المذاهب التي ترمي الى تغيير مبادئ الدستور الاساسية او النظم الاساسية للهيئة الاجتماعية او لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات او للقضاء على طبقة اجتماعية لقلب نظم الدولة الاساسية الاجتماعية او الاقتصادية او لهدم اي نظم من النظم الاساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة او الارهاب او اية وسيلة اخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها: كل من حرض على قلب نظام الحكم المقرر في العراق او على كراهيته او الازدراء به او حبذ او روج ما يثير النعرات المذهبية او الطائفية او حرض على النزاع بين الطوائف والاجناس او اثار شعور الكراهية والبغضاء بين سكان العراق.))
تضمنت هذهِ المادة تجريم ما تحبيذ او ترويج كمايثير النعرات المذهبية أو الطائفية وكذلك التحريض على النزاع بين الطوائف والاجناس ، وهذهِ المادة تنطبق على مجرد اثارة النعرات الطائفية او المذهبية والتحريض على النزاع بين الطوائف والاجناس واثارة شعور الكراهية والبغضاء بين المواطنين دون التحريض على النزاع الذي يتضمن معنى الاقتتال المسلح الذي عالجته المادة 195 … وجعلت عقوبة ذلك السجن لمدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس .
أما الجرائم المتعلقة بالمساس بالشعور الديني لأحد الأديان أو أحد الطوائف فقد عالجتها أحكام المادة 372 حيث نصت على :
((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلثمائة دينار:
1- من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو حقر من شعائرها
2- من تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفة دينية أو على حفل أو اجتماع ديني او تعمد منع او تعطيل اقامة شيء من ذلك
3- من خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معد لاقامة شعائر طائفة دينية أو رمز أو شيئا آخر له حرمة دينية
4- من طبع أو نشر كتابا مقدسا عند طائفة دينية أذا حرف نصه عمدا تحريفا بغير معناه أو إذا استخف بحكم من إحكامه أو شيء من تعاليمه
5- من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية
6- من قلد علنا نسكا أو حفلا دينيا بقصد السخرية منه .)) إن الأفعال أو التصرفات التي يقصد منها السخرية أو الاستخفاف أو انتهاك حرمة المقدسات لدى الطوائف والأديان ، من شأنهِ أن يثير العداوة والبغضاء في المجتمع وتهدم سبل التعايش السلمي بين أبنائه ذلك أن الشخص الذي يقوم بمثلِ هذهِ التصرفات سينظر اليهِ من الطرف الآخر على أنه يمثل جهة أو طائفة معينة أخرى ولا يمثل شخصهِ بسبب عوامل الانفعال والعواطف الدينية التي غالباً ما تتصف بالهيجان العاطفي ، مما يؤدي بالنتيجة الى فقدان عوامل الترابط والتلاحم بين أبناء الطوائف والأديان المختلفة داخل المجتمع الواحد وخصوصاً في الدول ذات التركيبة السكانية المتنوعة كما في العراق .
والعلانية المذكورة في هذهِ الافعال قد عرفتها المادة 19 / 3 حيث نصت :
(( 3-العلانية : تعد وسائل للعلانية :
أ– الاعمال او الاشارات او الحركات اذا حصلت في طريق عام او في محفل عام او مكان مباح او مطروق او معرض لانظار الجمهور او اذا حصلت بحيث يستطيع رؤيتها من كان في مثل ذلك المكان او اذا نقلت اليه بطريقة من الطرق الالية.
ب – القول او الصياح اذا حصل الجهر به او ترديده في مكان مما ذكر او اذا حصل الجهر به او اذا اذيع بطريقة من الطرق الالية وغيرها بحيث يسمعه من لا دخل له في استخدامه.
جـ – الصحافة والمطبوعات الاخرى وغيرها من وسائل الدعاية والنشر.
د – الكتابة والرسوم والصور والشارات والافلام ونحوها عرضت في مكان مما ذكر او اذا وزعت او بيعت الى اكثر شخص او عرضت للبيع في اي مكان.)) وهذا التعريف مهم جداً وخصوصاً في الفقرة ج حيث يمكننا القياس عليها وشمول كافة وسائل الاتصال الحديثة التي تستعمل للدعاية والنشر مثل مواقع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حيث نجد في هذهِ الفترة انتشار مثل هذهِ الافعال والتصرفات بشكل فضيع حيث تستخدم هذهِ الوسائل لارتكاب الافعال التي جرمها القانون..
بل يجب أن يشملون أيضاً بنصوص المواد التي ذكرناه (195،198،200) لكونها جاءت مطلقة ولم تحدد الوسيلة المستخدمة للجريمة حيث يمكن ان تشمل هذهِ الوسائل اذا أدت الى الأفعال المذكورة في نصوص تلك المواد، وكذلك المادة 372 التي اشترطت في بعض فقراتها العلانية ..
وأخيراً فإن نصوص المواد الدستورية والقانونية هي ما يجب ان يطبق اليوم ، اي لا بد من استعمال النصوص القانونية ووسائلها لحل النزاعات والصراعات التي تنشأ ، والابتعاد عن أية وسيلة أخرى قد تكون من شأنها ان تزيد من الصراع أو النزاع القائم، فنحن بأمس الحاجة الى مجتمعٍ تسودهُ ثقافة القانون ويلجأ الوسائل القانونية والقضائية لحل النزاعات والصراعات التي تنشأ في داخله مهما كان مركز أحد طرفي النزاع قوياً حيث يجب أن يتساوى الجميع أمام القانون كما نصت المادة الرابعة عشر من الدستور كما رأينا، ويجب على القضاء العراقي اليوم أن يثبت شجاعته واستقلالهُ وابتعادهُ عن الصراعات والمؤثرات السياسية والاجتماعية والاعلامية ليوفر جواً من الثقة والطمأنينة للجميع بأن يلجؤوا اليهِ وفي أحلك الظروف وأصعبها وهم على يقين بعدالة القضاء ونزاهتهِ وهذا الحال هو ما يفترض ان يكون عليهِ دائماً …
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً