علاقة الأغلبية والأقلية المنتخبة في ضوء التنظيم الجماعي :رسم مظاهر التوتر
د أحمد حضراني
يندرج المنتخبون ضمن المؤسسات التداولية المنتخبة لتدبير الشأن العام المحلي بشكل ديمقراطي تبعا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 101 من دستور 13 شتنبر 1996، والتي تنص على ما يلي :”تنتخب الجماعات المحلية مجالس تتكلف بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبق شروط يحددها القانون”.
ويعد المنتخبون هم أجدر وأقدر الأشخاص للتعبير عن طموحات وآمال المواطنين، لكونهم مصدر ومرجعية مشروعيتهم، ومنهم وإليهم ينتمي المنتخبون، إلا أن اللعبة الديمقراطية داخل المجالس التداولية-الجماعية- تقتضي وجود أغلبية وأقلية، وضمن الأغلبية هناك من المنتخبين من تناط به مهمة التسيير والمساندة، في حين قد تكون الأقلية معارضة، وتبعا لذلك، فالأغلبية والأقلية هما وجهان لعملة المؤسسة التداولية، ولازمتان لا مناص منهما للممارسة الديمقراطية الجماعية، إذ يتعذر الخوض عن الأسلوب الديمقراطي المنتهج محليا اعتمادا على الأغلبية العددية فقط، وفي تجاهل تام للطرف الآخر في اللعبة السياسية (أي الأقلية). فوجود هذه الأخيرة ضروري من أجل مراقبة عمل الأغلبية، واستنفار الرأي العام ضدها كلما انتهكا المصلحة العامة، وخرفت بالتالي القوانين المعمول بها ([1]). ولهذا فالعلاقة التي ينبغي رسمها بين طرفي المؤسسة التداولية:الأغلبية والأقلية يجب أن تقوم على التعاون المثمر والعمل الجاد والمسؤول ، لا على التناحر أو التنافر أو التوثر الناجم عن تهميش ولامبالاة الأغلبية للأقلية اعتمادا على النصوص التشريعية أو على الممارسة ذاتها.
فمثلا إذا كان القانون يخول الأقلية هامش المساهمة في تحريك مسطرة التسيير من خلال إجرائية الدعوة لعقد دورة استثنائية والمشاركة في إعداد جدول الأعمال وغيرها، فان تلك الصلاحية ليست مطلقة، بل تزيد من حدودها بنود القانون رقم 00-78.فكيف ذلك؟
أولا: إجرائية الدعوة لعقد دورة استثنائية والمشاركة في إعداد جدول الأعمال
تنص المادة 58 من القانون رقم 00-78 على الإمكانية المخولة للأقلية لأجل الدعوة إلى عقد دورة استثنائية إضافة إلى أطراف أخرى: يستدعي الرئيس، كلما دعت الظروف إلى ذلك، المجلس لعقد دورة استثنائية، إما بمبادرة منه أو عندما يتلقى طلبا مكتوبا في هذا الشأن من السلطة الإدارية المحلية المختصة أو من ثلث الأعضاء المزاولين مهامهم يكون مرفقا بالمسائل المزمع عرضها على المجلس. ، وهذه مناسبة قد ينتهزها الثلث المشكل للأقلية كفرصة لانتقاد تسيير الأغلبية، والكشف بالتالي عن عيوب ذلك، ولكن ليس هناك ما يلزم الرئيس. لاستجابة لطلب الأقلية، وفي ذلك تهميش للمستشارين المحسوبين عليها ([2])، خاصة وأن المادة الثامنة والخمسين – السالفة الذكر- قد اقترحت قيدا إضافيا على طلب الدعوة لعقد دورة استثنائية، والذي ينبغي أن يكون مرفقا بالمسائل المزمع عرضها على المجلس، وهذه العبارة فضفاضة وعامة مما لا شك فيه، وتخدم السلطة التقديرية للرئيس في رفض الاستجابة لعقد دورة استثنائية، من مبادرة الأقلية المعارضة.
وبالرغم من الإمكانية المتاحة لأعضاء المجلس في اقتراح بعض النقط، قصد إدراجها ضمن جدول أعمال الدورات فإنها، لم تخل من بعض الحدود ، كما أنها خضعت للتطور، فللتذكير فان الفصل السادس عشر من ظهير 30 شتنبر 1976 كان يتيح لكل مستشار أن يقترح على الرئيس أن يدرج كل مسألة تدخل في اختصاصات المجلس، ويحصر الرئيس حينئذ جدول الأعمال النهائي، ويوجهه إلى السلطة المحلية المختصة، وإذا كان بإمكان الرئيس أن يغض الطرف عن النقط المقترحة من طرف المستشارين المحسوبين على الأقلية المعارضة ،وغير المرغوب فيهم، والذين من شأن اعتماد اقتراحاتهم أن تكشف عن عيوب التسيير، وتجلب المتاعب للرئيس، فالملاحظ في هذا الصدد أن امتناع المنتخبين بشكل عام وبأغلبيتهم وبأقليتهم عن احترام آراء بعضهم البعض وعدم الإيمان بالاختلاف والتنوع وعدم التقيد بمقومات الديمقراطية من خلال عدم نفي الأغلبية للأقلية، أو تجاهل مواقفها وأفكارها في النقد، وبالتالي الكشف عن مواطن الضعف من شأنه أن يردي إلى افتقاد الأغلبية لمقوم أساسي وحقيقي للتسيير التداولي ([3]) ، وفي ذلك نفي للأغلبية ذاتها )[4](.
وإذا كانت أحكام المادة التاسعة والخمسين من القانون رقم 00-78 قد حاولت التلطيف من حدة تجاهل الأغلبية للأقلية من خلال تقنية إعداد جدول الأعمال بتنصيصها على “…تقديم المستشارين بصفة فردية أو جماعية لطلب كتابي قصد إدراج بعض النقط ضمن جدول الأعمال تدخل في اختصاصات المجلس، فإن رفض تلك النقط يجب أن يكون معللا، ويبلغ الرفض فورا إلى الأطراف المعنية، كما يتعين أن يتلى هذا الرفض أمام المجلس عند افتتاح الدورة ليحاط علما بذلك، ودونما مناقشة. مع التدوين الإلزامي لذلك بمحضر الجلسة “.
ورغم هذه الضمانة الإيجابية التي منحها المشرع للمستشارين المحسوبين على الأقلية، والتي قد تكون معارضة، وتطمع لانتهاز فرصة عقد الاجتماعات العامة لبسط وجهة نظرها، والتي قد تحرج الرئيس والأغلبية المساندة له. لكن هذه الجدولة-الضمانة المخولة للأقلية تظل عديمة الأثر ما دام الرئيس يحصر جدول الأعمال النهائي دائما، وما دام تعليل رفض اقتراحات نقط الأقلية سهلة المنال، ويمكن تبريره بأي سبب، يصرف النظر عن وجاهة وحجم قوة حجية الرفض ، وكان بالأحرى اقتراح جهاز محايد للفصل في هذه المسألة، وفي النقط المتنازع حولها ضمانا لحقوق تراعي التوازن بين طرفي العلاقة التداولية: الأغلبية والأقلية )[5] (، خاصة أن المشرع قد خول للرئيس أو السلطة الإدارية المحلية المختصة أو ممثلها الذي يحضر الجلسة صلاحية معارضة أي نقطة خارجة عن جدول الأعمال وتحت طائلة البطلان )المادة ( 59 ، وبذلك فإن المستشار المحسوب على الأقلية، والذي رفضت نقط جدول أعماله. فليس بإمكانه كذلك توجيه ملتمس إلى بعض الدوائر المعنية أو إثارة الانتباه إلى سلوك إداري مشين أو غيره. ولم يبق في هذا الصدد للمستشار إلا استغلال نقط نظام لتمرير بعض التدخلات، أو إيصال بعض الأفكار علما أن هناك فرق بين التدخل ونقطة النظام )[6]. (
ثانيا-سلطة الرئيس في ضبط الجلسات العامة:
يعتبر الرئيس سلطة ضبطية للحفاظ على النظام العام أثناء سير أعمال الجلسات العامة خلال دورات المجلس. وقد أكدت المادة الثالثة والستين من القانون رقم 00-78 ذلك، وبشكل عام، إزاء الحضور أو بشكل خاص إزاء الأعضاء، وهذا ما يستشف من أحكام المادة المذكورة :
“ويسهر الرئيس على النظام أثناء الجلسات. وله الحق في أن يطرد من بين الحضور كل شخص يخل بالنظام. ويمكنه أن يستدعي السلطة الإدارية المحلية للتدخل فيما إذا تعذر عليه العمل مباشرة على احترام النظام.لا يجوز للرئيس طرد أي عضو من أعضاء المجلس الجماعي من الجلسة. غير أنه يمكن للمجلس أن يقرر دون مناقشة بأغلبية الأعضاء الحاضرين، طرد كل عضو من أعضاء المجلس من الجلسة يخل بالنظام ويعرقل المداولات ولا يلتزم بمقتضيات القانون والنظام الداخلي، وذلك بعد إنذاره بدون جدوى من قبل الرئيس”.
.و اد يفترض مبدأ انضباط المستشار الذي يمثل السكان، ويحظى بثقتهم، ويتمتع بالتالي بمشروعية ديمقراطية ورصيد شعبي، فإن طرده مسألة غير مستساغة، وتساهم في تعقيد الأمور أكثر من حله، وخاصة أن إمكانية الطرد المتاحة للمجلس، تخدم الأغلبية المسيرة أو المساندة للرئيس، وقد تستهدف عضوا ينتمي إلى الأقلية المعارضة، بل كان من الأفضل والملائم اقتراح بديل آخر مبني على التحلي بنوع من التفهم والتحمل من لدن كل الأطراف بالتنصيص على إجراء توقيف الجلسة بواسطة الرئيس كأحسن أسلوب يمكن إتباعه في هذا الشأن، بل إن التنصيص على طرد المستشار من شأنه أن يؤزم، إن طبق، من وضعية أولئك المستشارين المحسوبين على الأقلية المعارضة ،ويعمق من هامشيتهم. علما أن المادة الثالثة والعشرين من القانون الجماعي قد منعت على كل عضو من المجلس الجماعي باستثناء الرئيس والنواب أن يزاول خارج دوره التداولي داخل المجلس أو اللجان التابعة له، المهام الإدارية للجماعة أو أن يوقع على الوثائق الإدارية أو يدير أو يتدخل في تدبير المرافق العمومية الجماعية، وذلك تحت طائلة العزل ودون الاخلال بالمتابعة القضائية .
فهذه المقتضيات تمنع على الأعضاء سواء كانوا محسوبين على الأقلية أو الأغلبية باستثناء أعضاء المكتب المساهمة في التسيير، واقتصار دورهم فقط في الكلام أثناء الاجتماعات العامة، والقابلة لطردهم منها كما سلف الذكر، مما سيضيف تعاسة ووضعية كئيبة على المستشار، وخاصة ذلك المحسوب على الأقلية-المعارضة، والذي انتخب بواسطة السكان من أجل تمثيلهم وقضاء مآربهم والنيابة عنهم في تدبير الشأن العام المحلي، ولم ينتخب من أجل أن يهمش قانونا وعملا.
ويقتصر وجوده على ضمان النصاب القانوني للأغلبية العددية- الحسابية .
وبناء على ما سبق يلاحظ أن علاقة الأغلبية بالأقلية داخل المجلس الجماعي كما صاغتها الأحكام التشريعية السالفة الذكر ،قد تساهم إن طبقت وفي جانبها أو مسحتها الأمنية في وأد الديمقراطية المحلية واللامركزية، فالجماعات المحلية بمثابة مدرسة، وهي تدير للحرية ما تدبره المدرسة للعلم، كما قال بذلك أليكس دوتوكفيل، وهذه الحرية المطوقة الأقلية التي تدعو لدورة استثنائية إلا بناء على طلب معلل واقتراحاتها المتعلقة بنقط جداول المؤطرة كذلك، وتخويلها فقط حق الكلام داخل الاجتماعات العامة والقابلة للحد منها من خلال إمكانية طرد المستشار والمحرم عليه التسيير تحت طائلة البطلان، وفي ذلك تضييق من الحرية التمثيلية للمستشارين وإخلال بمبدأ توسيع قاعدة الحكامة التشاركية في التسيير، وعدم دمقرطة هذا الأخير، وبالتالي خرق حتى للفصل 101 من الدستور، والذي ينص على التدبير الديمقراطي للمجالس التداولية، والنتيجة هو انعدام أو ضعف جسور التواصل بين طرفي المؤسسة التداولية الجماعية، و الانغلاق على الذات واستحكام العداء داخل صفوف المنتخبين، وسيادة سلوك الانفعال وعدم امتصاص الأزمات، وهذه العيوب والتناحرات والتوترات تنعكس سلبا على التنمية المحلية ،والتي لا أحد يرغب فيها سكانا ومستشارين وموظفين وعليه ينبغي بناء ومأسسة علاقة قائمة في البداية على نزاهة صناديق الاقتراع.
– طغيان ثقافة الصالح العام عوض روح الغنيمة والمكاسب الخاصة.
– تخليق الحياة العامة، وإقرار تسيير ديمقراطي وشفاف ومرن، وليس متحجرا أو منغلقا على أعضاء المكتب، وقد يكونوا عديمي الكفاءة وبالتالي المساهمة في خلق نخب محلية محدودة.
– وجود سلطة وصاية مدبرة ومشاركة في تدبير الشأن العام المحلي وليس معرقلة أو حيادية أو موجهة للانتخابات والأشخاص والسلوك.
* تحوير وتنقيح لمقال نشر بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد32 –مواضيع الساعة.2001 .
–1 – المصطفى دليل، “المجالس الجماعية وعلاقاتها العامة” منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 3، 1995.
[2] أحمد حضراني “المنتخب الجماعي وصعوبات التسيير” ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 29 أكتوبر دجنبر 1999، ص 60.
[3] المصطفى دليل،م.س.80، وحماد صابر، الجماعة المحلية والتعددية السياسية، حصاد التجربة”، مجلة القانون والاقتصاد: العمل الجماعي عدد 15،1998،ص32.
[4] أحمد حضراني، المنتخب الجماعي وصعوبات التسيير، م.س.ص16.
[5] – أحمد حضراني، قراءة-أولية- في مشروع تعديل التنظيم الجماعي رقم 78.00(مشروع الصيغة الأولى)ـ، جريدة الأحداث المغربية في 19 مارس 2001، ص19.
[6] – من ظهير 1976 على الإمكانية محولة لثىثة من أعضاء المجلس للدعوة لعقد اجتماع سري، وغالبا ما تستغل من طرف مستشاري ——لأنه ليست من مصلحة لأقلية معرفة عقد دورة سرية لا يحضرها الجمهور المؤجج أحيانا بانتقادات الأقلية والمتحمس لها.(وهذا ——- 63 من مشروع تغيير ظهير 1976)
اترك تعليقاً