قضت المحكمة الادارية العليا مؤخرا بأنه لا يجوز للقاضى التأديبى أن يفصل فى الجريمة الجنائية ليقيم مخالفة تأديبية على أساسها، وإنما يجب أن يقيم تكييف الجريمة التأديبية المعاقب عليها على جانب إدارى صرف بدون التعرض للجريمة الجنائية وتوافر أركانها القانونية , ذلك أن اختصاص القاضى التأديبى ينحصر فى تكييف الوقائع المادية المقدمة إليه سواء من النيابة الإدارية أو جهات التحقيق المختصة تكييفا إدارياً مجرداً ومقصوراً على التحقق من قيام المخالفة التأديبية قانوناً، تلك المخالفة التى لا تخرج عن الإطار الخارجى للجرائم التأديبية والتى تقوم بصفة عامة على مخالفة الواجب الوظيفى أو الخروج على مقتضاه أو سلوك مسلك يتنافى مع قدسية الوظيفة العامة
( الطعن رقم 39372 لسنة 57 القضائية عليا – جلسة 7/6/2014 )
و قد قرأت فى الايام القليلة الماضية , العديد من التعليقات التى تناولت هذا الحكم بالتفسير و الشرح و التحليل , و ذهبت بعض الاراء الى ان هذا الحكم يعنى قطع كافة روابط ووشائج الصلة بين الجريمة التأديبية و الجريمة الجنائية , و هو ما اراه مجافيا للصواب , و بعيدا عن الحقيقة .. علينا قبل ان نبين مقصد المحكمة العليا من حكمها ان نؤكد عددا من الحقائق الاتية ..
اولا .. الاصل ان الفعل الواحد اذا تولدت عنه فى ذات الوقت جريمة جنائية الى جانب المخالفة التأديبية فان كلا منهما تستقل عن الاخرى , الا ان هذا الاستقلال ليس من شانة ان تلتفت النيابة الادارية او المحكمة التأديبية مطلقا عن الوصف الجنائى للواقعات المكونة للمخالفة , اذ ان للمحكمة التأديبية ان تاخذ فى الاعتبار هذا الوصف و العقوبة الجنائية المقررة فى مجال تقدير جسامة الفعل عند تقدير الجزاء التاديبى الذى توقعة كما ان لها ان تتصدى لتكيف الواقعات المعروضة عليها و تحدد الوصف الجنائى لها بيان اثرة فى استطالة سقوط الدعوى
( المحكمة الادارية العليا الطعن 889 سنة 38 ق عليا جلسة 27 / 11 /1993 )
اذن من المستقر عليه ان الجريمة التاديبية تستقل فى نظامها القانونى عن الجريمة الجنائية , الا ان هذا الاستقلال ليس من شأنة ان تلتفت المحكمة التاديبية مطلقا عن الوصف الجنائى للوقائع المكونة للمخالفة الادارية و انما يتعين عليها ان تتصدى لذلك لتكيف الوقائع المعروضة عليها و تحدد الوصف الجنائى لبيان اثرة فى استطالة مدة سقوط الدعوى التاديبية
( المحكمة الادارية العليا الطعن 3676سنة 41ق عليا جلسة 31/10/1998 )
فاذا كون الفعل محل المخالفة التأديبية جريمة جنائية فلا تسقط الدعوى التأديبية الا بسقوط الدعوى الجنائية , سواء قامت النيابة العامة بالتحقيق فى هذه الجرائم من عدمه , اذ ان النيابة الادارية والمحاكم التأديبية تتولى تكييف الوقائع محل المخالفات التأديبية للوقوف على ما اذا كانت تشكل جرائم جنائية من عدمه للنظر فى مدى سقوطها بمضى المدة
( المحكمة الادارية العليا , الطعون ارقام 23544 , 24457 , 24458 , 24459 , 24460, 24461 , 24462 , 24463 , 24464 , 24465 , 24466 , 24830 , 20887 , 25206 , 25207 , 25638 , 25639 , 26043 , 27337 ,27076 , 27087 , 27935 , 27944 , 28046 , 28047, 28048 ,28049 , 28500 , 28773 لسنة 56 ق , جلسة 24 /9/2012 )
ثانيا .. تتمتع المحكمة التأديبيه فى تكييف الوقائع موضوع الدعوى التأديبيه من الناحية الجنائية لاستظهار مدة سقوطها , بسلطة تقديريه مطلقه , لا يحد منها الا ما اذا كان هناك حكم جنائى نهائى قد صدر , ففى هذه الحالة تتقيد المحكمة التأديبيه بتكييف المحكمة الجنائيه للوقائع , اذ قضى بأن من المسلم به في قضاء المحكمة الاداريه العليا أن للمحكمة التأديبية أن تكيف الوقائع المنسوبة إلى العامل بحسب ما تستظهره منها وتخلع عليه الوصف الجنائي السليم بغية النظر في تحديد مدة سقوط الدعوى التأديبية طالما أن ما تنتهي إليه من وصف جنائي لهذه الوقائع لا يتعارض مع حكم جنائي حائز لقوة الأمر المقضي
( المحكمة الادارية العليا الدائرة الخامسه موضوع , الطعن رقم 17425 لسنة 50 قضائية عليا , جلسة 26/9/2009 )
اذن لا يصح القول بأنه وفقا لذلك الحكم الحديث هناك انفصال تام بين الجريمة التأديبية و الجنائية , فالقاضى التأديبى ملتزم بتكييف الوقائع من الناحية الجنائية , و استظهار ما اذا كانت تشكل جريمة جنائية من عدمه , و ذلك ليتمكن من البت فى الدفع بسقوط الدعوى التاديبية بمضى المدة , و هو دفع من النظام العام , يجب عليه البت فيه من تلقاء نفسه , و إلا كان حكمه معيبا , قابل للابطال عند الطعن عليه امام المحكمة الادارية العليا
المقصود اذن بالحكم الجديد للمحكمة الادارية العليا .. هو انه لا يجوز تكييف اركان المخالفة التأديبية من الناحية القانونية على ضوء مدى توافر اركان الجريمة الجنائية التى بينها المشرع فى نصوص قانون العقوبات , فذلك يعد خلط بين الجريمة التأديبية و الجريمة الجنائية , و يؤدى الى اهدار الاستقلال بينهما , و هو ما لا يجوز , فمثلا يجب للقول بتوافر جريمة الاعتياد على ممارسة الدعارة , توافر شروط محددة فى قانون العقوبات للقول بتوافر اركان الجريمة الجنائية , مثل الاعتياد و و المقابل المادى , فاذا انتفت هذه الاركان انتفت الجريمة الجنائية , دون ان ينال ذلك من اكتمال اركان الجريمة التأديبية عن ذات الفعل , فاذا قضى القاضى التأديبى بالبراءة تأسيسا على عدم توافر اركان المسئولية التأديبية لعدم ثبوت الاعتياد , فان حكمه يكون معيبا اذ ان الاعتياد ركن لقيام الجريمة الجنائية عن هذا الفعل و ليس الجريمة التأديبية , فلا يجوز نفى الجريمة التأديبية على اساس عدم توافر اركان التأثيم الجنائى حسبما وردت فى قانون العقوبات , انما يجب ان يكون ذلك لاسباب تأديبية بأن لا يترتب على الفعل اخلال بواجبات الوظيفة العامة , او يتوافر سبب الاعفاء القانونى من العقاب التأديبى بالاعتراض الكتابى للمرؤس على امر الرئيس الادارى المخالف للقانون .
بقلم المستشار/ إسلام احسان الوكيل العام بالنيابة الادارية
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً