المرافعة علم وفن
القاضي عماد عبدالله شكور
يعتقد البعض ان العلم والفن نقيضان لا يلتقيان، ويستندون في ذلك الى فروق عدة، بين العلم الذي يقوم على البراهين العلمية والفن -الذي يعد إنتاجا جماليا- ويعزى هذا الفرق في أداة ألمعرفة، فأداة العلم هي العقل وهو واحد لدى الجميع بينما أداة الفن هي الوجدان وهو ليس واحدا لدى جميع البشر، لذا يؤدي العلم الى وضع النظريات وصياغة القوانين العلمية العامة بينما يؤدي الفن المعتمد على الوجدان الى وجود نتاجات فنية موضع اختلاف تبعا لذوق المتلقي.
ويرى بعض المفكرين وجود فرق في الغايات والاهداف، فغاية العلم وهدفه المنفعة والمعرفة والتوصل الى قوانين عامة وثابتة، بينما غاية الفن الخلق الفني للواقع والبحث عن الجمال، وهنا الفرق بينهما من خلال النظرة والمنهج فنظرة العلم تعتمد على الحواس اما الفن فيعتمد على الحدس، وكذلك ما يميزهما هو زمن الانجاز والجهد، حيث ان العلم عملية بطيئة جدا تحتاج الى جهد ومثابرة بينما الفن هو وليد الومضة الخاطفة لذا يتطلب العلم تركيز وقدرات عقلية بينما الفن لا يتطلب حضور للوعي كونه مرتبطا بالموهبة، فالفن رغم اهميته الا ان العلم يتفوق عليه كونه يعد ذروة الفاعلية الإنسانية وسبب ذلك اعتماده على التراكم الكمي للعلم، لذا نجد فنان الأمس ليس اقل فنا من فنان اليوم لكن عالم اليوم أكثر علما من عالم الأمس.
ومن اوجه علاقة العلم بالفن وحدة الهدف المتمثل الارتقاء بالإنسانية لذا اصبح الحديث اليوم عن دور الفن بالعلم و دور العلم بالفن، فللعلم فنياته وللفن علومه.
من المسلم به التفريق بين (قانون المرافعات) وبين (المرافعة) فقانون المرافعات هو القانون الإجرائي الأم الذي يستهدي به رجال القانون، اما المرافعة فهي الدور الذي انيط بالمحامي او ممثل الادعاء العام او اطراف الشــكوى كي يوصــلوا الفــــكرة التي يبتغونها للقاضي تمهيدا لتحقيق غاياتهم، فأحكام القانون ونصوصه واضحة لا شك فيها، لكن المرافعة بفنها وعلمها هي محل الخلاف والاجدر بمن يستطيع ان ينفذ من خلالها لتحقيق غايته وتحجيم قدرة خصمه وكشف اساليبه، سيما وان القانون لا يتضمن كل الحق فالعدالة الحقة هي التي تؤدي الى انتصار الحق بواسطة القانون (وهذا هو دور المترافع الجيد) الذي يقوم من خلال مكنته الفنية وقدراته الادبية والقانونية في اقناع القاضي الى الاخذ بخلاف الفكرة التي كان يؤمن بها ويوصل قناعته بكل جلاء ووضوح.
فالمترافع الجيد هو من يخاطب في القاضي جانب العدل الالهي وعليه ان لا ينسى بان القاضي بشر لذا عليه الابتعاد عن كل ما يثير او يغضب بشريته وان يتحسس مشاعره الخفية ويلتمس الطريق لمخاطبة عقله وقلبه فما أجمل طلب التأجيل من قبل المحامي ان آنس تعبا او إرهاقا من القاضي إبان مرافعته، وهذا منتهى فن المرافعة حيث استخدم المترافع وجدانه وأحاسيسه الى جانب نص القانون الذي اباح التأجيل، ومن خلال مزاوجة هذا الفن مع العلم كسب المترافع ود القاضي وأرسل فكرته في الوقت الذي كان القاضي مستعدا للإصغاء فيشرح وجهة نظره في النزاع القائم مستغلا الوقت الذي يثير في القاضي العوامل التي تأخذ الألباب وتستقر في الأعماق فهي همزة الوصل بين الحقيقة الماثلة والعدالة المنشودة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً