فن التحقيق الجنآئي في الجرآئم الإلكترونية
أن التعرض إلي موضوع فن وأصول التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية يقتضي التعرض إلي المبادئ الأساسية للتحقيق في الجرائم المعلوماتية وهو ما يتطلب أن نعرض إلي العناصر الأساسية للتحقيق وذلك علي النحو التالي :
العناصر الأساسية للتحقيق في الجرائم المعلوماتية :
يجب علي المحقق أن يستظهر الركن المادي ، والركن المعنوي للجريمة محل التحقيق ، وتحديد وقت ومكان ارتكاب الجريمة المعلوماتية بالإضافة إلي علانية التحقيق وهو ما سنعرض له علي النحو التالي .
العنصرالأول : أظهار الركن المادي للجرائم المعلوماتية :
أن النشاط أو السلوك المادي في جرائم الانترنت يتطلب وجود بيئة رقمية وأتصال بالأنترنت ، ويتطلب أيضا معرفة بداية هذا النشاط والشروع فيه ونتيجته ، فمثلاً يقوم مرتكب الجريمة بتجهيز الكمبيوتر لكي يحقق له حدوث الجريمة ، فيقوم بتحميل الكمبيوتر ببرامج أختراق ، أو أن يقوم بإعداد هذه البرامج بنفسه ، وكذلك قد يحتاج إلي تهيئة صفحات تحمل في طياتها مواد داعرة أو مخلة بالآداب العامة وتحميلها علي الجهاز المضيف Hosting Server ، كما يمكن أن يقوم بجريمة إعداد برامج فيروسات تمهيداً لبثها .
لكن ليس كل جريمة تستلزم وجود أعمال تحضيرية ، وفي الحقيقة يصعب الفصل بين العمل التحضيري والبدء في النشاط الإجرامي في نطاق الجرائم الإلكترونية حتى ولو كان القانون لا يعاقب علي الأعمال التحضيرية ، إلا أنه في مجال تكنولوجيا المعلومات الأمر يختلف بعض الشئ ، فشراء برامج اختراق ، وبرامج فيروسات ، ومعدات لفك الشفرات وكلمات المرور ، وحيازة صور دعارة للاطفال فمثل هذه الأشياء تمثل جريمة في حد ذاتها .
العنصرالثاني : أظهار الركن المعنوي للجرائم المعلوماتية :
الركن المعنوي هو الحالة النفسية للجاني ، والعلاقة التي تربط بين ماديات الجريمة وشخصية الجاني ، وقد تنقل المشرع الأمريكي في تحديد الركن المعنوي للجريمة بين مبدأ الإرادة ومبدأ العلم ، فهو تارة يستخدم الإرادة كما هو الشأن في قانون العلامات التجارية في القانون الفيدرالي الأمريكي ، وأحيانا أخري أخذ بالعلم كما في قانون مكافحة الاستنساخ الأمريكي .
العنصر الثالث : تحديد وقت ومكان ارتكاب الجريمة المعلوماتية :
تثير مسألة النتيجة الإجرامية في جرائم الانترنت مشاكل عدة ، فعلي سبيل المثال مكان وزمان تحقق النتيجة الإجرامية ، فلو قام أحد المجرمين في أمريكا اللاتينية باختراق جهاز خادم Server احد البنوك في الأمارات ، وهذا الخادم موجود في الصين فكيف يمكن معرفة وقت حدوث الجريمة هل هو توقيت بلد المجرم أم توقيت بلد البنك المسروق أم توقيت الجهاز الخادم في الصين ، وهذا بالتالي يثير مشكلة أخري وهي مكان ارتكاب الجريمة المعلوماتية ، ويثور أيضا إشكاليات القانون الواجب التطبيق في هذا الشأن . حيث أن هناك بعد دولي في هذا المجال ذلك أن الجريمة المعلوماتية جريمة عابرة للحدود .
العنصر الرابع : علانية التحقيق :
إن علانية التحقيق من الضمانات اللازمة لتوافر العدالة ، ولهذا قيل إن العلانية في مرحلة المحاكمة لا يقصر فيها الأمر علي وضع الاطمئنان في قلب المتهم ، بل أن فيها بذاتها حماية لأحكام القاضي من أن تكون محلا للشك أو الخضوع تحت التأثير ، كما أن فيها أطمئناناً للجمهور علي أن الإجراءات تسير في طريق طبيعية .
والعلانية المقررة للتحقيق في الإجراءات الجنائية هي من بين الضمانات الخاصة به ، وهي تختلف في التحقيق الابتدائي عنها في مرحلة المحاكمة . ففي الابتدائي تعتبر العلانية نسبية أي قاصرة علي الخصوم في الدعوى الجنائية ، والعلانية في التحقيق النهائي – أو مرحلة المحاكمة – هي علانية مطلقة ، بمعني أنه يجوز لأي فرد من أفراد الجمهور الدخول إلى قاعة الجلسة وحضور المحاكمة .
علي أن المشرع يجيز في المرحلتين – التحقيق الابتدائي والتحقيق النهائي – مباشرة الإجراءات في غير علانية ، فيصدر القرار بجعله سرياً ، ولما كان هذا إستثناء يأتي علي قاعدة عامة أصلية كان من المنطقي أن نري المشرع يحدد الأحوال التي يجوز فيها جعل التحقيق سرياً ، وهذه علي كل حال رخصة لا يحسن الالتجاء إليها إلا عند الضرورة .
وإذا كانت الأمور التي تجري سرا من شانها أن تولد الشك في القلب ، وتبعث في النفس عدم الاطمئنان ، فان هذا الأثر كما يتحقق لدي المتهم ، من الجائر أن يقوم في نفس الشاهد وأقواله من الأدلة الجنائية الهامة ، ولهذا كان القرار بجعل التحقيق سريا موحهاً للجمهور عامة وللشهود خاصة بأهمية وخطورة الواقعة التي يجري التحقيق فيها ، وينعكس هذا الأثر في صورة اضطراب وتردد ، بل قد يصل الأمر إلى إنكار المعلومات من جانب الشاهد .
ولذلك فان ظروف مثل هذا التحقيق ينبغي أن تكون محل تقدير دقيق حين الاستهداء بأقوال الشاهد . فرغم أن العلانية النسبية في التحقيق الابتدائي تجعل حضور إجراءاته قاصرا علي من له علاقة بالدعوى الجنائية ، إلا أن هؤلاء بذاتهم قد يكون لهم اعمق الأثر في نفسية الشاهد . وهناك بعض المسائل التي تتصل بعلانية التحقيق لها أهمية عملية خاصة ، هي اختيار مكان التحقيق ، وحضور الخصوم أثناء التحقيق ، والقواعد التي تنبغي مراعاتها في معاملة الحضور .
اترك تعليقاً