“أكْلَهْ وشرْدهْ”.. ما عقوبة من يتعمّد اقترافها في قانون الجزاء؟
المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
نسمع أحيانا في أوساط المجتمع مصطلح “أكله وشرده” للدلالة على الاستعجال في الخروج بعد تناول الطعام سواء في مناسبة خاصة أو عامة. لكن من جانب آخر يُمكن أن يُطلق هذا المصطلح على تصرف خاطئ يؤدي إلى إيذاء الآخرين ويتمثل ذلك في أخذ أموال الناس بدون حق وبشكل متعمد، كالأكل من مطعم دون دفع المال، أو استئجار غرفة في فندق دون دفع المبلغ وغيرها من الأشكال.
وقانونيًا لم يغفل قانون الجزاء هذا الجانب بل وضع نصوصًا رادعة لمرتكبيه أوردها تحت عنوان “الاحتيال” فقد نص المرسوم السلطاني رقم (7/2018) بإصدار قانون الجزاء في الباب الحادي عشر (الجرائم الواقعة على الأموال) المادة (352) على أنه: “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (10) أيام و لا تزيد عن ست أشهر و بغرامة لا تقل عن (100ر.ع) مائة ريال عماني و لاتزيد على على (500ر.ع) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تناول طعاما أو شرابا في محل معد لذلك وكذلك كل من شغل غرفة أو أكثر في فندق أو نحوه أو استأجر وسيلة نقل معدة للإيجار أو حصل على وقود لوسيلة نقل مع عمله بأنه يستحيل عليه دفع الثمن أو الأجرة أو امتنع بغير مبرر عن دفع ما استحق عليه من ذلك أو فر دون الوفاء به”.
إن المشرع العُماني أورد هذه المادة لفرض حماية أموال الأفراد من التعدي عليها بالاحتيال، والهروب دون الوفاء بالحق المترتب على استهلاك أو استعمال تلك الخدمات أو المنقولات؛ حفاظًا على حقوق مقدمي تلك الخدمات أو ملاك المنقولات، فحدد لمن يرتكب هذا الفعل عقوبة حبسية لا تقل عن عشرة أيام ولا تزيد على ستة أشهر، وغرامة تتراوح بين (100 ر.ع) مائة ريال و(500 ر.ع) خمسمائة ريال، أو بأحدهما، والقاضي الجزائي هو الذي يحدد العقوبة المناسبة لكل حالة على حدة والغرامة المفروضة لها على حسب الحالة التي يقدرها في الدعوى المنظورة أمامه، فهو يشدد العقوبة لمن يأتي مسلكًا إجراميًا شنيعًا أو كان له عدة سوابق جرمية في ذات الفعل، أو أن يقوم بتخفيف العقوبة إلى حد أن يوقف تنفيذها نظرًا للوضع المعروض عليه في الدعوى ونوع الفعل.
والمطلع على النص سالف البيان يجد أنه عدد عدة أفعال للجريمة، إلا إنه يجب التوضيح بأن هذه الصور التي حددها المشرع في النص سالف البيان هي الصور الأكثر انتشارًا، وذكرها في النص سالف البيان جاء على سبيل المثال لا الحصر، فتعاملات الناس والخدمات المقدمة منهم تختلف في الزمان والمكان وتتعدد صورها بتطور الحياة اليومية وحاجاتها، وبالتالي لمواكبة هذا التطور لم يقم المشرع بحصر الحالات التي تشكل هذا النوع من الجرائم في صورة جامدة وإنما أوردها بصورة مرنة تشمل كل الحالات التي قد تطرأ.
وفي كافة الأحوال التي أوردتها المادة آنفة الذكر يشترط توفر الركن المادي للجريمة وهو ارتكاب الفعل المكون للجريمة بإتيان فعل تناول الطعام أو الشراب في المكان المعد لذلك، أو شغل غرفة في فندق أو استئجار وسيلة نقل معدة للإيجار أو الحصول على وقود لوسيلة نقل، فالركن المادي للجريمة كما هو معلوم لدى أهل القانون هو الأفعال أو الحركات التي يقوم بها المجرم لارتكاب جرمه، فقد عرف قانون الجزاء الركن المادي للجريمة بأنه (يتكون الركن المادي للجريمة من نشاط المجرم قانونا بارتكاب فعل أو امتناع عن فعل) فمتى ما تحقق هذا الركن وأصبح مثبتاً فينتقل لبحث الركن الثاني للجريمة، فالجريمة الماثلة يحتاج أن تستجمع ركنيها لكي ينطبق عليها النص سالف البيان، فيشترط بجوار توفر الركن المادي أن يتحقق أيضاً الركن المعنوي للجريمة وهو القصد الجنائي (سوء النية) والذي يعرف بأنه (هو العمد في الجرائم المقصودة والخطأ في الجرائم غير المقصودة)، وبذلك فهو في الجريمة الماثلة يتشكل عن طريق ارتكاب الفعل بقصد عدم الدفع نظير الخدمة وبسوء نية وبالعلم المسبق بنية القرار والامتناع عن الدفع غير المبرر قانونا، أي أن يكون في نفس المجرم علم مسبق بأنه لا ينوي الدفع ويرغب بالفرار أو أنه يعلم مسبقاً بأنه لا يمتلك المال لدفع مقابل الخدمة التي يتلقاها من مقدم الخدمة، وعليه يتحقق سوء نيته، والنية إن لم تكن ظاهرة فهي تبرز من تصرفات المتهم وما قد يأتيه من أفعال، فمن ظاهر مسلكه تبين مكنونات نيته.
وبالتالي بتوفر هذين الركنين تتوفر أركان الجريمة فيعاقب القانون المتهم على ارتكاب الفعل المجرم حتى لا يسود الاحتيال والفوضى وتنعدم الثقة بين الناس، وإما إذا لم يتوفر ركنا الجريمة فلا يتصور أن يتم العقاب عليها، إذ الجريمة في النص سالف البيان هي من الجرائم العمدية التي يجب أن يتوفر ركناها لمعاقبة مرتكبها، وقد هدف المشروع بعقاب الجاني في هذه الجرائم إلى الحد من هذه الظواهر المخالفة للقانون والدالة على عدم الأمانة والاحتيال نسبة لوجود مثل هذه الظواهر في المجتمع، وأيضًا حتى لا يتجرأ أي من كان على ارتكاب هذه الأفعال خوفا من العقاب.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً