بقلم ذ عبد القادر بنعدو
قاضي بالمحكمة التجارية بفاس
تقديم : لقد جاء قانون الكراء التجاري الجديد رقم 16 – 49 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 11 غشت 2016 والمنتظر دخوله حيز التنفيذ بتاريخ 11 فبراير 2017 ، بمقتضيات تشريعية مهمة حاول المشرع من خلالها تجاوز الإشكالات التي كانت تعترض تطبيق ظهير 24 ماي 1955 .
إن هذه المقتضيات الجديدة منحت لمؤسسة رئيس المحكمة التجارية اختصاصات واسعة إلى جانب قضاء الموضوع ، تظهر أهميتها من خلال عدد التدخلات التي منحت له في هذا القانون ، فما هي إذن أهم المستجدات التي أتى بها القانون الجديد في مجال القضاء الرئاسي ؟ .
هذا ما سنحاول إبرازه بتفصيل من خلال تقسيمنا للموضوع إلى نقطتين أساسيتين :
*طبيعة الإختصاص المخول لرئيس المحكمة التجارية في إطار ق 16 – 49 :
لقد أعطى المشرع المغربي بمقتضى المادة 21 من قانون إحداث المحاكم التجارية لرئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة وفي حدود اختصاص المحكمة أن يأمر بكل التدابير التي لا تمس أية منازعة جدية ….
ومن المعلوم أن الأوامر الإستعجالية هي ذات طبيعة وقتية بصريح المادة 152 من قانون المسطة المدنية ، وبالتالي فهي لا تلزم محكمة الموضوع عند النظر في الدعوى الأصلية ويجوز لها إما أن تحكم وفق ما جاء في الأمر الإستعجالي أو خلافه .
ومن خلال تفحصنا لجميع المقتضيات التي أتى بها ق 16 – 49 فيما يتعلق باختصاص رئيس المحكمة فقد نص بشكل صريح بأن الرئيس يبث بصفته قاضيا للأمور المستعجلة ، وبالتالي فالمسطرة سوف تكون حضورية أمام الرئيس وبحضور كاتب الضبط وفقا لما جاء في الفصل 149 من ق م م .
*أهم الإختصاصات المخولة لرئيس المحكمة من خلال القانون رقم 16 – 49 :
لقد منح قانون الكراء التجاري الجديد لرئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة اختصاصات واسعة بالمقارنة مع ما كان ممنوح له بمقتضى ظهير 24 ماي 1955 الملغى ،يمكن إبرازها كما يلي :
-اختصاصاته فيما يتعلق بالبث في طلب الإفراغ والتعويض :
+ طلب الإفراغ لكون المحل آيل للسقوط : من المعلوم أن طلب إفراغ المحل المكترى لكونه آيل للسقوط هي من ضمن الحالات التي لايستحق عنها المكتري أي تعويض ( البنذ 4 من المادة 8 من ق 16 -49 ) ما لم يثبت المكتري مسؤولية المكري في عدم القيام بأعمال الصيانة الملزم بها إما تفاقا أو قانونا رغم إنذاره بذلك ، بمعنى أن المكتري هو ملزم قانونا بإعلام المكري بكل الوقائع التي تستلزم تدخله لحماية العين المكتراة بما في ذلك أعمال صيانتها ، فإذا أثبت المكتري قيامه بهذا الإعلام ورغم ذلك تعمد المكري عدم القيام بهذه الصيانة أو الإذن له لذلك ففي هذه الحالة يستحق المكتري التعويض .
ولكي يحافظ المكتري على حقوقه يجب أن يبدي رغبته في الرجوع إلى المحل المراد إفراغه لكون المحل آيل للسقوط أثناء سريان دعوى الإفراغ ، كما أن المكري ملزم قانونا بمقتضى المادة 13 من ق 16-49 أن يخبر المكتري بتاريخ الشروع في البناء ومطالبته بالإعراب عن نيته داخل أجل 3 أشهر من تاريخ التوصل بالإخبار تحت طائلة سقوط حقه في التعويض الإحتياطي الكامل والذي يحدده رئيس المحكمة استنادا لمقتضيات المادة 7 من نفس القانون .
+طلب الإفراغ لتوسعة المحل أو تعليته : إن قيام المكتري بتغيير معالم المحل المكترى دون موافقة المكري هي من الحالات التي تستوجب الإفراغ دون تعويض ، أما إذا رغب المكري إفراغ المحل مؤقتا لتوسعته أو تعليته فله ذلك شريطة ألا تتجاوز مدة الإفراغ سنة واحدة من تاريخ الإفراغ ( المادة 16 من ق 16 -49 ) ويمكن طلب تمديد هذه المدة من طرف المكري ويختص رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة للبث في ذلك ،
كما يختص أيضا بتحديد التعويض المستحق للمكتري طيلة مدة الإفراغ ، وهذا التعويض يجب أن يساوي الضرر الحاصل للمكتري دون أن يتجاوز مبلغ الأرباح التي يحققها المكتري حسب التصريحات الضريبة للسنة المالية المنصرمة مع الأخد بعين الإعتبار أجور اليد العاملة والضرائب والرسوم المستحقة خلال مدة حرمانه من المحل ، وفي جميع الأحوال يجب ألا يقل عن التعويض الشهري عن قيمة السومة الكرائية .
وإذا تأخر المكري في تسليم المحل داخل الأجل المحدد له دون سبب مشروع حق للمكتري المطالبة بالتعويض الكامل لدى رئيس المحكمة التجارية الذي يحدده استنادا لمقتضيات المادة 7 من نفس القانون ( يشمل التعويض قيمة الأصل التجاري التي تحدد انطلاقا من التصريحات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة وكذا ما أنفقه المكتري من تحسينات وإصلاحات وما فقدة من عناصر الأصل التجاري كما يشمل مصاريف الإنتقال من المحل وفي جميع الأحوال يجب ألا يقل التعويض عن المبلغ الذي دفعه المكتري عند إبرام العقد لاكتساب الحق في الكراء ) .
-اختصاصاته في منح الإذن بتغيير النشاط : قد يتفق الطرفان في عقد الكراء على النشاط المراد مزاولته بالمحل المكترى ،وبعد ذلك يرغب المكتري إما في ممارسة أنشطة مماثلة أو مكملة أو تغيير النشاط بالمرة ، ففي هذه الحالة يجب أن يقدم طلبه للمكري من أجل الموافقة على ذلك داخل أجل شهرين ، وفي حالة الرفض يمكن له اللجوء لرئيس المحكمة من أجل تعديل الشرط المضمن بعقد الكراء والإذن له بممارسة النشاط المرغوب فيه .
-اختصاصاته في طلب استرجاع المحلات : لقد طرح موضوع استرجاع المحلات المهجورة أو المغلقة إشكالات عدة حتى قبل صدور هذه القانون ، وتباينت آراء محاكم المملكة بشأنها، واستجلاء لهذا الغموض جاء ق 16 – 49 وأعطى للمكري في حالة توقف المكري عن أداء أقساط الكراء وهجره للمحل المكترى لمدة ستة أشهر أن يطلب من رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة إصدار أمر بفتح المحل والإذن له باسترجاع حيازته ،
ويجب أن يكون طلبه معززا بعقد الكراء وبمحضر معاينة واقعة الإغلاق أو الهجر مع تحديد مدته وبإنذار موجه للمكتري بأداء الكراء ولم تعدر تبليغه ، وبعد ذلك يقوم الرئيس بإجراء بحث في الموضوع للتأكد من واقعة الإغلاق أو الهجر ، فإذا تأكد له ذلك يصدر أمرا بفتح المحل وينفد هذا الأمر على الأصل مع قيام المكلف بالتنفيذ بتحرير محضر وصفي لكل ما هو موجود بالمحل م منقولات وأشياء ،
فإذا استمرت غيبة المكتري لمدة تتجاوز ستة أشهر من تاريخ تنفيذ الأمر الإستعجالي تصبح آثاره نهائية ويفسخ عقد الكراء ويقوم عون التنفيذ ما ضمن بالمحر بالمزاد العلني على نفقة المكري وفق لمقتضيات قانون المسطرة المدينة ويودع الثمن لدى كتابة ضبط المحكمة .
أما إذا ضهر المكتري قبل مرور أجل 6 أشهر على تاريخ صدور الأمر بفتح المحل فإنه تتوقف إجراءات التنفيذ تلقائيا ويحدد الرئيس للمكتري أجل لا يتجاوز 15 يوما قصد أداء ما بذمته تحت طائلة مواصلة التنفيذ ، وإذا أثبت أنه كان يؤدي الكراء بانتظام يمكن له أن يطلب أمام محكمة الموضوع بالتعويض عن الضرر اللاحق به بسبب المسطرة التي باشرها المكري أعلاه.
أما في الحالة التي يتضمن فيها عقد الكراء شرطا فاسخا نتيجة عدم أداء الكراء ، ففي هذه الحالة يجب أن يوجه المكري إنذارا للمكتري يطالبه فيه بأداء الكراء الذي ينبغي أن يتجاوز مدة ثلاث أشهر ، فإذا بقي بدون جدوى يمكنه اللجوء لرئيس المحكة باعتباره قاضيا للأمور المستعجلة لمعاينة تحقق الشرط الفاسخ والمطالبة باسترجاع المحل المكترى .
خاتمة :
يمكن القول على أن القانون الجديد للكراء التجاري من خلال مقتضياته المشار إليها أعلاه خاصة فيما يتعلق بمؤسسة القضاء الإستعجالي، حاول إضفاء نوع من التميز في قضايا مهمة كانت موكولة فيما قبل لقضاة الموضوع ، ونتمنى أن تغطي هذه المقتضيات كل الإشكالات التي كانت تثار بمناسبة تطبيق ظهير 24 ماي 1955 الملغى الذي اتصف في غير ما مرة بالقانون الذي لا تنقضي عجائبه نظرا للإشكالات الكثيرة التي كانت تظهر بين الفينة والأخرى عند تطبيقه ، ونتمنى أن تنقضي هذه العجائب مع دخول القانون الجديد حيز التنفيذ بتاريخ 11 / 2 / 2017 .
اترك تعليقاً