قراءات في طرق نهاية الدساتير
رغم اختلاف الدساتير من حيث أساليب نشأتها أو الطريقة التي لاقت بها نهايتها، إلا أن التجارب الدستورية والفقه الدستوري يُرجعان نهاية الدساتير إلى أسلوبين، الأول قانوني (عادي) والثاني فعلي (غير عادي).
1. الأسلوب القانوني: ويعرف هذا الأسلوب أيضاً بأسلوب السلطة التأسيسية، حيث أن الأمة بصفتها صاحبة السلطة التأسيسية الأصلية تظل دائماً وأبداً صاحبة الحق في أن تلغي دستورها في أي وقت تشاء، وأن تضع أو تصدر دستوراً جديداً عن طريق جمعية تأسيسية أخرى تنتخبها لهذا الغرض أو عن طريق استفتاء تأسيسي، مع مراعاة أن يتوافق الدستور الجديد مع طموحات الشعب ويتلائم مع متطلباته، ويعمل على سد الثغرات وتلافي العيوب أو النقص بين الدستور القائم والدستور الجديد.
والجدير بالذكر هنا أن نهاية الدستور القديم، وإصدار السلطة التأسيسية لدستور جديد في دولة ما هو حق من حقوقها الأساسية ومظهر من مظاهر ممارسة سيادتها على شعبها وعلى إقليمها. فقيام نفس السلطة وبنفس الوسيلة بإلغاء الدستور ووضع نهاية له، هي الطريقة الشرعية لنهاية الدساتير.
2. الأسلوب الفعلي: بطريق الثورة أو الانقلاب: ويعتبر هذا الأسلوب لإسقاط الدساتير هو الأوسع انتشارا.ً والثورة هي حركة سياسية تهدف أصلا إلى تغيير رجال الحكم، فهي في جوهرها صراع على السلطة من أجل تحقيق الخير والرقي والتقدم للشعب الذي قامت من أجله وليس من أجل أحداث الخراب والدمار والتخلف ، كما أن الثورة وإن كان أحد أسسها اجتماعيا ، فهي سياسة في شكلها ونتائجها، تهدف أساساً إلى إجراء إصلاح أساسي في الدولة، وهذا الإصلاح أمر لا بد منه لتحقيق أهدافها التي أعلنت عنها عند قيامها. فالأداة الشرعية ” المعتادة ” لتحقيق الثورة يحدث بالاستيلاء على زمام السلطة في الدولة دون نية الاستئثار بها إلى الأبد أو إلى أجل طويل . والثورة في جوهرها ضغط تقوم به ” طبقة اجتماعية ” على تنظيم سياسي لا يعمل على إشباع حاجاتها التي أصبحت مشروعة بسبب تزايد أهميتها ونمو خطرها وحرمانها من المشاركة في الحكم. فما يهدف إليه الثوريون الحقيقيون بالفعل ليس التربع على السلطة لمجرد اللذة التي يستمدها المرء من مباشرة السلطة والتمتع بها وتحقيق المصالح والمطامح الشخصية، لأن الحكم يعتبر أداة لسن القوانين والتشريعات، والطبقة التي تملك مقاليد الحكم تعد ثورية إذا سعت واجتهدت في خلق قواعد قانونية هدفها إشباع رغبات وحاجات الشعب وتحقيق المصحة والرفاهية العامة ، لأن العلاقة القانونية كما يمثلها الشعور الجماعي في زمن معين، في مجتمع معين يعتبر القانون هو أداة تعبيرها. ولذا فإن ما تضعه وتؤسسه الطبقة التي وصلت إلى الحكم عن طريق الثورة من نظام دستوري وتشريعي، سيرتدي طابع هذه الروح الجديدة ويصبح أداة تعبير عن هذه العلاقات الاجتماعية الجديدة ووسيلة لنهوض المجتمع وتقدمه.
3. أثر الثورة على القواعد الدستورية والقواعد القانونية العامة: اختلف الفقهاء حول حياة الدستور القديم في ظل الأوضاع التي أفرزتها الثورة فانقسموا إلى اتجاهين:
*الاتجاه الأول: ينادي بالسقوط التلقائي للدستور، دون إصدار تشريع يؤكد ذلك السقوط، فهدف الثورة هو القضاء على النظام السياسي القائم.
*الاتجاه الثاني: يرى سقوط الدستور متوقف على إرادة القائمين بالثورة، لأنه ليس من الحتمي، أن ثورة ناجحة تعني إسقاط النظام القانوني السائد قبل قيامه، بل ممكن في بعض الأحيان الممارسة الغير السليمة والتلاعب بالدستور قد يولد ثورة للدفاع عنه قصد إنهاء العبث به، فلذلك يجب على قادة الثورة الإفصاح عن هدفها بالإعلان الرسمي عن بقائه أو تغييره ليتلائم مع الأوضاع الجديدة.
إن القواعد الأساسية تخضع لحكم الدستور من حيث الإسقاط نتيجة لأهميتها في تنظيم نظام الحكم، فإذا أراد القائمون على الثورة إبقائها فتظل قائمة وإن أرادوا إلغائها صراحة أو ضمنيا فتلغى، أما بالنسبة للقوانين العادية فيبقى سريانها، كونها لم تتعلق بالتنظيم السياسي للدولة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً