قراءات في نص مشروع قانون الحرس الوطني بالعراق
بعد مناقشات طويلة اقر مجلس الوزراء العراقي، مشروع قانون الحرس الوطني من خلال تشكيل قوات عسكرية نظامية محلية في كل محافظة من ابناء المحافظة نفسها فقط ويتم تطويع ابناء الاقضية والنواحي ومركز المحافظة بما يضمن التمثيل الحقيقي لأبناء جميع المكونات وبحسب نسبة تمثيلهم الحقيقي في مجتمع المحافظة نفسها، الذي جاء ضمن بنود ورقة الإصلاح السياسي التي اتفقت عليها بين الكتل السياسية الممثلة لمكونات المجتمع العراقي وبالأخص المكون السني بعد الانتخابات الاخيرة، وتم تحول القانون الى مجلس النواب لإقراره في اسرع وقت.
أسباب تشريع القانون:
لكل قانون يشرع اسباب من تشريعه، ومن هنا فقد طرح الداعين لهذا القانون عدد من الاسباب وراء تشريع قانون الحرس الوطني في العراق، ومنها:
1- ان بنود الاتفاق حول ورقة الإصلاح السياسي في المادة السادسة منها، والتي تشكلت الحكومة الحالية على اثرها، كان من ضمن شروطها تكوين قوات لكل محافظة تسمى “بالحرس الوطني”، اذ كانت هذه من ضمن المطالب الرئيسية للكتل السنية، التي لطالما طالبت بإخراج القوات الاتحادية من محافظاتهم واستبدالها بقوات من هذه المحافظات بتسميات مختلفة.
2- يهدف القانون الى تجنب مشاكل انية، ظهرت من خلال دخول المجموعات الارهابية الى عدة محافظات عراقية، ومحاولة التصدي لتنظيم داعش في المناطق التي سيطر عليها التنظيم في غرب وشمال العراق.
3- تنظيم علاقة المتطوعين الغير مرتبطين بمؤسسات الدولة وتحديد وضعهم القانوني مثل (الحشد الشعبي، العشائر، الصحوات)، من خلال دمجهم بالمؤسسة العسكرية من خلال تنظيم جديد، ليكونوا قوة الى جانب الجيش والشرطة في حفظ الامن والتصدي للإرهاب، كذلك ضمان حقوقهم القانونية.
4- معالجة المشاكل المستقبلية المتوقعة بعد الانتهاء من تحرير المدن والمناطق العراقية من تنظيم داعش، والتي تتعلق بالسلاح وحصره بيد الدولة، والنزاع حول المناطق المشتركة، او النزاع المسلح الذي قد يحدث بين المقاتلين، ومصير الافراد الذين شاركوا في القتال بعد نهاية الازمة.
على الرغم من ان هناك من يرى ان اقرار القانون فيه فائدة للعراق، على اعتبار ان السلاح منتشر في كل مكان من العراق تقريبا، فالسلاح واستخدامه هو جزء من ثقافة لازمت المجتمع العراقي منذ زمن بعيد، وجاءت الحروب والأزمات اللاحقة، والتي مرت بها البلاد لتعزز من مكانة هذه الثقافة وترسخها بين شرائح واسعة من المجتمع، ثم جاءت احداث العاشر من حزيران لتزيد من انتشار السلاح والتشكيلات المسلحة بعضها خاضع لسلطة الدولة وبعضها خارج عنها، لذلك يجب ان يعالج هذا الخلل في ظل وجود دولة تؤمن بالقيم الديمقراطية وتسعى لتأسيس مجتمع مدني يفترض ان يكون خالي من مظاهر السلاح هذا من جانب، ومن جانب اخر وحتى لا يغبن حق الجميع، وتحفظ حقوق من ساهموا في حماية البلاد والعباد من الوقوع تحت ظلم التنظيمات الارهابية (داعش ومثيلاتها)، ومن بينهم المتطوعين الشيعة (الحشد الشعبي)، والعشائر والصحوات، كان على الدولة العراقية عدم اهمال حقوقهم ودمجهم ضمن مؤسساتها واجهزتها الامنية، وان أفضل طريقة قد تتعامل بها الحكومة العراقية مع هؤلاء المتطوعين هو اقرار قانون “الحرس الوطني”، الذي ربما سيعالج مسالة احتواء المقاتلين بدلا من بقاء مصيرهم تحت رحمة المجهول.
الا انه بعد اقرار القانون في مجلس الوزراء وارساله الى مجلس النواب للتصويت عليه وتشريعه بصيغته النهائية، ظهرت الى الوجود عدد من الاشكاليات والاعتراضات من بعض الكتل السياسية، ومن بعض ذوي الاختصاص، وتم طرح عدد ممن المعوقات السياسية والدستورية لهذا القانون منها:
1- أن مشروع قانون الحرس الوطني يتضمن مخالفات واضحة للدستور، فعند العودة الى الدستور، فأننا سنجد ان نص المادة 9/ أولا تقول: (تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي كافة، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز او اقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية وتدافع عن العراق)، وهذا يعني ان على القوات المسلحة العراقية – والدستور يقصد بها الجيش الاتحادي – ان يكون مؤلفا من جميع اطياف الشعب العراقي، ويدافع عن جميع الاراضي العراقية، هذا النص الدستوري، تحدث عن الجيش العراقي الاتحادي فقط بوصفه القوات المسلحة العراقية، ولم يتحدث عن اية جهة اخرى، وحسب نص القانون، بأن يكون الحرس الوطني تابعا للمحافظ ومجلس المحافظة وليس للقائد العام للقوات المسلحة، فإن الجيش العراقي “الاتحادي” سيُحرم من حقه الدستوري في حماية البلاد، لأن حماية المحافظات اصبحت من واجب الحرس الوطني الخاص بها، وهنا يبدا التساؤل: اذا ان كل المحافظات العراقية انشأت حرسا وطنيا خاصا بها، فما هو وجود ودور الجيش الاتحادي هنا؟ .
2- جاء في المادة ثالثا/1 ” تتشكل قيادة للقوات العسكرية في كل محافظة على مستوى قيادة فرقة تكون لها استقلالية في اتخاذ القرارات لأدارة شؤونها وترتبط بالمحافظ وتحت اشراف مجلس امن المحافظة الذي يملك الغاء قرارات المحافظ العسكرية بأغلبية الثلثين”، هذه الفقرة حسب راي بعض القانونيين فيه مخالفة لنص المادة (78) من الدستور العراقي التي الزمت وجود قائد عام للقوات المسلحة ويجب ان ترتبط به كل القوات العسكرية ، وهنا فأن وجود قيادات متعددة للحرس الوطني لا يتماشى مع الدستور ، كما ان تعدد القيادات سوف يخلق مشاكل جديدة في المحافظات، خاصة وان مشاكل توزيع المناصب بعد كل انتخابات تتسبب في تعطيل العديد من القرارات، ثم تضاف اليها مسؤولية قيادة فرقة عسكرية، ووضع القوات تحت امرة المحافظات قد تشجع بعض المحافظات من استغلالها في حل الخلافات بينها وبين المحافظات الاخرى او ضد الحكومة المركزية، او قد يحدث تمرد داخل هذه القوات، خاصة في المحافظات المختلطة التي تشكل فيها القوات في الاقضية والنواحي حسب التركيبة السكانية مثل بغداد وكركوك ، مما قد يتسبب في خلق حرب أهلية جديدة بعيدة المديات، خاصة حول صلاحية قيادة القوات في الاقضية والنواحي ذات المكونات المختلفة، خاصة في كركوك والموصل وصلاح الدين، هل قيادتها تكون للمحافظ المختلف الذي يكون من مكون أخر غير مكونات المناطق الأخرى .
3- سيؤدي المشروع الى ظهور جيوش طائفية متنوعة كل حسب منطقة وجوده ، والى تعدد الولاءات والعقيدة التي سيحملها هذا “الحرس”، وتغلغل المحاصصة القومية والطائفية الى كل مفاصل الدول العراقية من خلال تمثيل ابناء المحافظات قوميا ودينيا ومذهبيا في الحرس الوطني، مثلا يعتمد تمثيل محافظة كركوك بنسبة 32 بالمئة والعرب 32 بالمئة وللكرد بضمنها عناصر البيشمركة و32 بالمئة للتركمان و4 بالمئة للمسيحيين، ويعتمد تمثيل ابناء محافظة بغداد 50 بالمئة لكل طائفة من العرب، علما ان نسبة العرب الشيعة في بغداد هي اكبر من العرب السنة، فالعقيدة او الهوية التي ستسير عليها هذه القوات (في حال اقرار القانون) مستقبلا، هي من ستحدد مديات نجاحه من فشله، كما ستحدد ما سيشكله من فارق في كونه جاء لمعالجة الازمات التي يمر بها العراق ام اضافة لازمات اخرى ستتحملها الحكومة في المستقبل.
4- في راي بعض السياسيين هو شرعنه لعودة البعثيين من جديد، وعملية اقصاء للعراقيين الذين دافعوا عن الارض والمقدسات، فقد ذكر في المادة الثانية / ثانيا من المشروع ( تكون الأولوية لمنتسبي الجيش العراقي السابق من الضباط والمراتب والاستثناء من أي قوانين وضوابط أمنية وسياسية كقانون المساءلة والعدالة ولغاية رتبة عقيد على أنْ يتّمَ أعادتهم برتبة أعلى من التي كانوا يحملونها أكراماً لهم !! ) ان اغلب هؤلاء الضباط من الجيش السابق والذين لم يعودوا للخدمة العسكرية في بداية تشكيل الجيش العراقي هم من اعضاء حزب البعث المنحل والاجهزة القمعية للنظام السابق، كذلك هناك عدد منهم قد انظموا الى المجموعات المسلحة التي تقف ضد النظام السياسي الحالي في العراق وتقاتل الجيش والشرطة، لذلك ان ضمهم الى قوات الحرس الوطني يوفر فرصة لهم للتغلغل الى مفاصل الدولة، والتعاون مع المجموعات الارهابية، ولا ننسى كيف انسحبت الشرطة المحلية في الموصل والانبار امام تنظيم داعش الارهابي، وتركت اسلحتها ومعداتها، وبهذا ضمهم الى الحرس الوطني سيوفر حواضن مهمة للإرهاب في محافظاتهم.
ثم نرى في الفقرة الثالثة من المادة الثانية تقول: ” يمنع دمج المليشيات والتشكيلات العسكرية من غير القوات الرسمية في قوات الحرس الوطني”، ان ذلك فيه غبن كبير وظلم وتضييع لحقوق المقاومة العراقية ولقوات العشائر والصحوات التي حاربت ولا زالت تحارب الارهاب، وقدمت الاف الشهداء، علما ان القانون شرع اصلا لحصر السلاح بيد الدولة وضمان حقوق ابناء العراق الذين انتفضوا ضد الارهاب، لذلك ان استثناءهم، وضم ضباط ومراتب الجيش السابق سوف يخلق مصاعب عديدة قد لا تستطيع الحكومة حلها.
5- تؤكد نص المادة رابعا/ 4 على: “تمنع قوات الحرس الوطني تنفيذ اوامر الاعتقال او الاحتجاز مطلقا مع امكانية ان تقدم العون والمساعدة للأجهزة الأمنية المختصة التي تكون لديها اوامر قضائية بالاعتقال فقط”، وهنا يثار التساؤل حول جدوى تشكيل قوات جديدة وصرف مبالغ عليها وتسليحها، وهي ليس لديها الحق لاعتقال متهم او مجرم؟، علما ان من صميم عملها حماية المحافظة من الارهاب، كيف يتم ذلك وهي غير قادرة على اعتقال مجرم، هذا سيجعل منها عبئا على الدولة بدلا من ان تكون عونا لها.
6- لقد جاء في المادة الخامسة من مشروع القانون: “لا يجوز لقوات الحرس الوطني ان تمارس عملها خارج حدود المحافظة (مطلقا) كما لا يجوز دخول قوات من خارج المحافظة سواء من الجيش العراقي او الحرس الوطني لمحافظات أخرى، او بقية الأجهزة الأمنية من خارج المحافظة الا بعد موافقة السلطات المحلية المسؤولة داخل المحافظة او بناءا على طلبها استثناء إعلان حالة الطوارئ والحرب بقرار من (مجلس النواب)، افرغت هذ الفقرة الهدف الذي انشات من اجله قوات الحرس الوطني وهو محاربة الارهاب، وحماية العراق، وان منع دخول اي قوات اخرى للمحافظة كالجيش او الحرس الوطني، وربط القوة بالعمل في المحافظة فقط سوف يؤدي الى زيادة الفرقة بين المجتمع، ويضعف الروح الوطنية، اضافة الى مخالفته لمبدا السيادة للدولة من خلال تحريك القوات العسكرية في جزء من البلاد، كذلك ماذا لو رفضت جميع المحافظات العراقية دخول الجيش الى حدودها، حتى لو كانت في حالة حرب مع دولة خارجية؟ خاصة ونحن نشهد تعدد الولاءات لدول الجوار ، وماذا لو دخلت القوات الاتحادية الى محافظة ما دون موافقة السلطات المحلية لها؟ هل ستتعرض لها قوات الحرس الوطني لتلك المحافظة؟، وفي مثل هذه الحالة قد يؤدي هذا الى حدوث مواجهات بين القوات الاتحادية والحرس الوطني للمحافظات، والى زيادة التدخل الخارجي في شؤون البلاد من خلال اضعاف الجهد الاستخباراتي، لان عدم وجود قوات اتحادية في المحافظات سيجعل من الصعوبة اكتشاف الخلايا النائمة والجهات الاجنبية وتعقبها.
7- تشكيل قوات الحرس الوطني قد تكون طريقة أخرى للفساد المالي والإداري في البلاد، من خلال تتغلغل في تحديد الولاءات (من خلال تحديد الرتب العليا والمناصب التي ستقود هذه القوات)، والتدريب وصفقات التسليح والتفاصيل الأخرى التي قد تنعكس سلبا على الهدف من تشكيلها. كما ان الازمة المالية للدولة العراقية، لا تسمح باستحداث تشكيلات عسكرية حكومية جديدة، تضيف عبئا اضافيا على كاهل الخزينة العامة للدولة التي تعاني من العجز اصلا.
8- هذا القانون قد يكون حسب راي الكثيرين هو بداية لتجزأه الدولة الى وحدات منفصلة، وبداية خطيرة على وحدة ترابهاِ حينها تبدو وكأنها ( دويلات مدن ) وتوجدْ مناطق جديدة خارجة عن سلطة وسيطرة الحكومة الاتحادية ، ولا ننسي أن هذه (الجيوش) تحتاج الى تمويل، والكل يعلم ان المحافظات الجنوبية تمول اكثر من 80% من الميزانية، علما ان هذه المناطق تعاني الحرمان من مواردها وتحتاج الى اعمار وخدمات كثيرة، وهناك اصوات فيها تطالب بتشكيل الاقليم وهذا قد يقود الى ظهور مشاكل جديدة بدلا من حل المشاكل الموجودة حاليا.
9- ان مشروع الحرس الوطني هو امتداد لمشروع ” جو بايدن” السيء الصيت حول تقسيم العراق، وبدعم من وكالة المخابرات الامريكية ال سي آي أي ، واللوبي الإسرائيلي ، والمدعوم من نخب سياسية عراقية مؤيدة للمشروع لأجندات خاصة بها، ودعتْ لتأسيسهِ قبل سقوط الموصل بسنتين أو أكثرهم الذين يدعون اليوم لتشكيله ، أنفسهم تعاونوا مع تنظيم داعش الارهابي والبعث الصدامي في أسقاط أغلب مدن الغربية وصلاح الدين ومناطق من كركوك ، وبعض عشائر هذه المحافظات جعلوا من أنفسهم حاضنة لوجستية وعسكرية وتموينية للتنظيمات الإرهابية ، كذلك إن أمريكا تهدف إلى إنشاء جيوش موالية لها توازي قوات الحشد الشعبي التي تعتقد أنها مولية لإيران، كذلك عقد صفقات سلاح مع هذه الجيوش بعيدا عن المركز، فعلى هذا الأساس سيكون تشكيل الحرس الوطني من بقايا النظام السابق واجهزتهِ القمعية المجرمة ومن وقف مع داعش وقاتل وألقى الخطب الطائفية تحت منصات الحقد الطائفي لأسقاط العملية الديمقراطية في العراق قبل سنتين ، وإيواء الإرهابيين وتجميع الأسلحة .
وأخيراً ، يجب العمل على الغاء هذا المشروع الذي صمم من قبل اجهزة الاستخبارات الامريكية ، وعلى اصحاب الفكر الحر ومنظمات المجتمع المدني والاحزاب كافة ان تدافع عن تشكيل جيش وطني واحد يجمع كل العراقيين لأجل وحدة أرض العراق المقدسة ، ونرى ان طلب المحافظات المغتصبة من قبل تنظيم داعش الارهابي بتشكيل الحرس الوطني، لا تحتاج اليه اصلا، بقدر ما تحتاج الى توحد السياسيين، وايمانهم بأن تحرير مدنهم من “داعش” هو القضيـة الاولى لـهم وللبلد، كما أن الآلية الدستور المناسبة لهذه القضية هي أن يتم استيعاب مضامين الحرس الوطني وتشكيلاته في الجيش والشرطة الاتحادية ويتم تكييف نظام عملها بشكل ينسجم مع الدستور والقوانين النافذة ووفقا لرؤية فنية واضحة، وإعادة نظام التجنيد الإجباري المعمول به سابقا من اجل جمع كل العراقيين تحت سقف الوطن.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً