لا تنتهي مشاكل المطلقة مع زوجها السابق بمجرد حصولها على ورقة الطلاق، خاصة اذا كانت حاضنة، بل ربما تبدأ رحلة معاناة أصعب من التي سبقتها، ومشاكل لا حصر لها تهدد استقرار أبنائها وسلامتهم النفسية.. ونعني بذلك المشاكل التي تعاني منها المطلقة أثناء رعايتها لأولادها، ابتداء من القيود المفروضة عليها عند تسجيل أولادها في المدارس أو نقلهم من مدرسة الى أخرى، مرورا بصعوبة سفرهم بصحبتها، واستخراج أوراق رسمية لهم أو جوازات سفر، وصولا إلى حق الرؤية والنفقة.
ان هذه القضايا، وغيرها، ما زالت محل نزاع بين الزوجين المطلقين، وفي اغلب الأحيان يدفع الأبناء ثمنها ويكونون الضحية الأولى لأحد الزوجين، أو كليهما، الذي يرغب في الانتقام من الطرف الآخر، حتى ان كان من سيدفع الثمن هم أبناؤه. في هذا التحقيق سنلقي الضوء من خلال عدة محامين على مشاكل المطلقة، والحاضنة على وجه الخصوص، مع طليقها، وكيف تحرم أحيانا من ممارسة حقها في الحضانة الذي منحه اياها الدستور وحرمتها منه بعض القرارات أو النظم أو الأعراف. فتابعوا معنا.
المحامي نواف ساري المطيري تحدث عن بعض القرارات التي تصدر بغرض تنظيم الحق العام فتنال منه وتكون سببا في ضياعه، وتجعل مسألة تطبيقه صعبة جدا:
من القرارات أو التعليمات المجحفة بحق الحاضنة أن يطلب منها أن تلجأ إلى المحكمة عندما تريد فتح حساب لمحضونها أو عندما تلجأ إلى المحكمة لنقله من مدرسة الى أخرى. وقد لوحظ في الفترة الأخيرة صدور قرارات تمنع الحاضنة من حقها بالحاق محضونها بالمدرسة الا بوجود ولي الأمر والد المحضون، مما يجعلها تلجأ إلى القضاء للحصول على هذا الحق. وعند الاستفسار عن مصدر هذا القرار علمنا أن ذلك جاء بتعليمات من وكيل وزارة التربية في 26/5/2004 حيث لا يسجل الأبناء في المدارس الا بوجود ولي الأمر (الأب)، وبالطبع فان هذا مخالف للدستور والقانون للأسباب التالية:
مخالف للدستور وفقا لنص المادة 13 حيث إن التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع وتكفله الدولة.
ومخالف للقانون لأن التعليم حق للكويتيين تكفله الدولة. والتعليم الزامي مجاني في مراحله الأولى.
اذا كان هذا مطلب الدستور والقانون تشجيعا للعلم، فكيف تكون هناك قرارات تنال من هذا الحق؟ حق التعليم مكفول وهو حق دستوري ولا يجوز أن تفرض عليه قرارات أو نشرات لا تصب في مصلحة الطفل وتجعله طرفا في النزاع، وذلك عندما يستغل الأب سلطته، ولا يراعي مصالح أبنائه الا بالاجبار، فقط من أجل تصفية الحسابات بينه وبين الحاضنة. مثل هذه القرارات تخالف القانون، حيث إن مفهوم الحضانة هو تربية الصغير ورعايته والقيام بشؤونه التي بها صلاح أمره، كما أن الحضانة حق للحاضن والمحضون وليست حقا لواحد منهما. وحق المحضون أقوى من حق الحاضنة، ويشترط في مستحق الحضانة القدرة على تربية المحضون وصيانته صحيا وخلقيا.
فوفقا لهذا القرار كيف تستطيع الحاضنة أن تصون طفلها وهي عاجزة بموجب نشرة وزارة التربية أن تضمه الى صفوف طالبي العلم. وكيف يكون صلاح أمر الطفل والقرار يسلب من الحاضنة حق تعليم طفلها ويجبرها على اللجوء إلى القضاء للحصول على هذا الحق؟ وكيف يكون لها الحق بالحصول على حكم بالمصروفات الدراسية من الأب، ويسلب حقها في قيد الطفل من الأصل. ويؤكد المطيري أن هذا القرار لا يصيب الا المطلقات الحاضنات، ومن المعروف أن أكثرهن لا يحصلن على حكم الطلاق والحضانة الا بنزاع قانوني قضائي من الأب. ويتساءل: ماذا ننتظر من الأخير عندما نضع زمام الأمور بين يديه؟ ومن هو المتضرر في النهاية؟ وأهاب المطيري في نهاية حديثه بالجهات المعنية أن تطلق يد الحاضنة في اطار موسع وشامل لمعنى الحضانة ذاتها، بما يمكنها من عمل كل ما فيه الخير والنفع للمحضون.
الامتناع عن النفقة
المحامية ندى الأثري ترى أن من أهم المشاكل التي تعترض الحاضنة مشكلة تدبير نفقة أولادها، وتقول:
يمتنع كثير من الأزواج بعد تطليق زوجاتهم عن الانفاق على الأبناء، مما يضطر الأم إلى اقامة دعوى مطالبة بنفقتهم، مثل توفير السيارة لتوصيلهم الى المدارس وأجرة الخادمة وخلافه، وهو ما يستغرق وقتا عند اللجوء الى القضاء بسبب اجراءات التقاضي. كما تعترض المطلقة كذلك مشكلة نقل أولادها من مدرستهم من المنطقة التي كان يسكنها الزوجان الى منطقة أخرى هي محل اقامة الأم الحاضنة. فاذا كانوا في مدارس حكومية فان ذلك يستلزم موافقة مطلقها كولي أمر وعليه ان يقوم بهذه الاجراءات بنفسه. وفي بعض الأحيان يمتنع الأب عن القيام بذلك بهدف الاضرار بمطلقته، على الرغم من أنه يضر في الوقت ذاته بالأبناء ويسبب معاناة لهم، خصوصا اذا كانت المسافة بعيدة بين المدرستين الأمر الذي يزيد من مشاكل المطلقة ويتطلب منها في حينه اقامة دعوى مستعجلة بطلب الزامه باتخاذ اجراءات النقل.
وتسترسل الأثري قائلة:
لقد أقمت عدة دعاوى لمطلقات تستند إلى الأسباب السابقة، وقضي فيها للمطلقة حيث تبين تعسف والد المحضونين في عدم اتخاذ اجراءات نقل الأبناء الى المدارس الجديدة. كما أن هناك حالات أخرى صادفت الأثري في مكتبها مثل حالة مطلقة رفض طليقها تسجيل الابن في الروضة، وأخرى رفض طليقها تسجيل ابنه في السنة الأولى الابتدائية، على رغم أن المسالة تتعلق بتعليم الطفل وهي مسالة جوهرية. وصدر الحكم بأحقيتهما في اتخاذ اجراءات التسجيل في المدارس وهو ما عليه تحرص الدولة.
ومن المشاكل التي تعترض المطلقة أيضا أنها لا تستطيع السفر برفقة الأبناء الذين هم في حضانتها خلال فترة الصيف، اذ إن بعض الأزواج يمتنع عن تسليم جوازات السفر الخاصة بالأبناء، مما يضطر الأم الى اللجوء الى القضاء لتسليمها جوازات سفرهم. وتتمنى الأثري أن لا يكون الطلاق سببا في تعكير صفو العلاقة بين الزوجين المنفصلين وأبنائهما، الذين كفل لهم القانون حقوقهم. وعلى كل من الزوجين الالتزام بمصلحة المحضون لأنها هي الأولى بالاعتبار، حتى ينشأ الأبناء في جو صحي سليم.
استخراج جوازات السفر
أما المحامية فريدة دشتي فاعتبرت أن أهم المشاكل التي تواجه المطلقة الحاضنة مع طليقها فيما يتعلق بالأبناء، هي مشكلة استخراج وتجديد جوازات السفر والأوراق الرسمية. تقول:
بعد انفصال الزوجين تدب بينهما خلافات على استخراج وتجديد جوازات سفر الأبناء، وكذلك الأوراق الرسمية التي يجب على الأب استخراجها، حيث يصر الأب على رفضه مما يجعل الأم الحاضنة ترفع دعوى تختصم فيها الأب ووكلاء تلك الوزارات المختصة باصدار تلك المستندات بصفتهم. وبناء على ذلك تصدر المحكمة حكما للأم كي تقوم هي باستخراج تلك المستندات والزام الأب باستخراجها وتسليمها لها.
الرؤية مرفوضة في المدرسة
أما المحامية عبير المطيري فاعتبرت أن أهم المشاكل المتفرعة عن الطلاق بما يتعلق بقضية الأبناء هي الخلاف بينهما أحيانا على المدرسة التي سيدرس فيها الأبناء، تقول:
ترفض بعض المدارس تسجيل الأبناء الا بموافقة الأب، وعندها قد يتعنت بعضهم ويرفض نقل الأبناء الى منطقة سكن مطلقته، مما يزيد المشكلة تعقيدا خصوصا اذا لم يخصص الأب سيارة لنقلهم. وهناك مشاكل تتعلق بحق الرؤية، وذلك عندما يتقدم احد الأبوين الى المدرسة طالبا عدم السماح للآخر بحق رؤية الأبناء في المدرسة، وأحيانا تحدث مشاكل بين الطليقين بسبب هذه القضية، ويحولان مشاكلهما الى المدرسة.
حبيسة جدران مكان اقامتها
أما المحامي حمود الظفيري فحدثنا عن الآثار الوخيمة المترتبة على سوء استخدام الزوج لحقوقه أحيانا:
بعض الأزواج يفرضون على زوجاتهم السابقات الكثير من القيود بحجة أنهن حاضنات لأولادهم، والهدف الحقيقي هو الانتقام منهن. فالبعض يرى أن المطلقة يجب أن تبقى حبيسة جدران المكان الذي تقيم فيه ولا تستطيع أن تبرحه. وتبدأ مأساة الأخيرة مرة أخرى في المحاكم، عندما يمتنع زوجها السابق عن منحها بعض الحقوق التي تكفل لها ممارسة حقها كحاضنة. ويكون الأبناء هم الضحية في النهاية، مما يؤثر سلبا في نفسياتهم وبعضهم تكون نهايته خلف قضبان السجون، ناهيك عن المشاكل المستمرة بسبب الطلاق، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان الى انهيار القيم والعادات الأصيلة التي اختص بها المجتمع الكويتي.
عدم رغبة حدوث الرؤية
أما المحامية نيفين معرفي فتحدثت عن بعض الخلافات التي تحدث بين المطلقين بسبب الأبناء وما يتعلق بحق الرؤية، حيث قالت:
من المعروف أن حق الرؤية مكفول للأبوين والأجداد في القانون. وعندما تحدث مشاكل في تنفيذ هذا الحق، يعين القاضي موعدا دوريا ومكانا مناسبين لرؤية الأبناء.. في حين أن البعض تنشأ بينهم خلافات تؤدي الى تخلي الآباء عن رؤية أبنائهم. ومن القضايا أن احد الآباء أنجبت طليقته طفلة أثناء وجودها في بيت ذويها، بعد طلاقها وتركها منزل الزوجية. ولم يحاول الأب رؤية ابنته منذ ميلادها وحتى الآن. ويبلغ عمر الابنة الآن 13 سنة. كذلك هناك قضية أم غضبت لدى أهلها وبقيت بناتها الأربع عند والدهن. ورفض الأب السماح لها برؤيتهن. ورفضت الأم الحصول على حق الرؤية بسبب غضبها من زوجها، ومضت سنتان الى أن أعادها الزوج الى منزل الزوجية. كما أن هناك مشاكل تنجم عن الاحتكاك أثناء الرؤية بين الطليقين، وأحيانا يصل الأمر الى حدوث اعتداءات تتحول الى قضايا في المخافر، وعندها يصبح حق الرؤية في المخفر مما يؤدي الى مشاكل تؤثر في نفسية الأبناء. وهناك من يغفل الذهاب لأخذ أبنائه ويعلق الحاضنة والأبناء مما يؤدي الى العودة مرة أخرى الى المحاكم بسبب حق الرؤية والعناد بين الطليقين..
عدم السماح بالسفر للأبناء
واعتبرت عائشة سلام أن كثيرا من المشاكل قد تحدث بين الحاضنة وطليقها بسبب السفر حيث يرفض الأب سفر أبنائه مع والدتهم لأسباب يرتئيها هو وعندها تنجم المشاكل.. وبعدها تعمد الحاضنة الى اقامة دعوى للحصول على جواز السفر عن طريق المحكمة. والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها أن زوجة عربية حصلت على الجنسية الكويتية، وبعد طلاقها أقامت دعوى طالبة الحصول على جوازات سفر لأبنائها من أبيهم الكويتي، لكن الدعوى رفضت. وعلى الرغم من أن الأم عاودت تجديد دعواها مدة أربع سنوات، الا أنها لم تحصل حتى الآن على حكم وما زال الوضع كما هو عليه، لأنه جاء في نص المادة 195 من قانون الأحوال الكويتي انه ليس للحاضنة أن تسافر بالمحضون الى دولة أخرى الا باذن وليه او وصيه. كما ليس للولي، أيا كان، أو غيره أن يسافر بالمحضون سفر اقامة مدة حضانته.
تحقيق: ثائرة محمد
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً