الإفلاس من الوجهة القانونية طبقاً لأحكام المرسوم بقانون الإفلاس الإماراتى رقم (9 ) لسنة 2016
بداية نود أن نشير إلى أن السياسات التشريعية في المجال الاقتصادي بقطاعاته المختلفة يجب أن تنطوي على تحديد الأولويات التشريعية التي من شأنها تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة ومواجهة التحديات التي تقف أمام تطوير التنمية الاقتصادية، إذ أن السياسات التشريعية الاقتصادية ليست بمعزل عن المفاهيم الأخرى لسياسات الدولة المختلفة.
لذا فإن أي سياسة تشريعية للدولة في المجال الاقتصادي لابد أن تتضمن خطة تشريعية لتطوير واستحداث تشريعات اقتصادية على أسس ومعايير تواكب التغيرات الاقتصادية والاستثمارية الحديثة، وكذا أفضل الممارسات التجارية الدولية الحديثة التي تشمل التشريعات الاقتصادية في مجالاتها المختلفة للتجارة والشركات، وكذا التشريعات التي تنظم دور ومسئوليات المؤسسات التجارية أو ذات النشاط التجاري والاستثماري المختلفة، سواء المؤسسات العامة والخاصة والمجتمع المدني والتي تتولى دور الرقابة والإشراف على القطاعات الاقتصادية المختلفة.
إزاء ما تقدم ووصولاً إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية للدولة فإنه ومن خلال أجهزتها التشريعية والاقتصادية فإنها تعمل على إصدار التشريعات الاقتصادية المختلفة في مجال الاقتصاد والاستثمار وكذا القوانين المرتبطة بها لتكون تحت نظر القائمين والمشتغلين في الأنشطة الاقتصادية المختلفة من مؤسسات وأجهزة وجمعيات المجتمع المدني وأفراد وشركات، وذلك بهدف بث الطمأنينة في نفوس المواطنين والقائمين على إدارة تلك الأجهزة والمؤسسات وحماية حقوقهم ومصالحهم، إذ لا سبيل إلى تحقيق تلك الغاية إلا بالاحتكام إلى نصوص وأحكام القانون المنظمة لكافة الأنشطة الاقتصادية والقوانين المرتبطة بها وبما يكفل الضمانات الأساسية لحماية تلك الحقوق، وذلك وصولاً أيضاً إلى وضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها وبما يحول دون تدخل أي منها في أعمال الأجهزة الأخرى أو مزاحمتها في ممارسة اختصاصها أو حقوقها مع وجوب التزامها بواجباتها وصولاً إلى تحقيق التنمية الاقتصادية في الدولة، وبما يساعد على حماية مصالحها وأعمالها وبما يتفق مع حكم القواعد والنظم التي نظمتها وتحكمها التشريعات الاقتصادية المختلفة المعمول بها في الدولة والقوانين المرتبطة بها.
وهو ما يتطلب أن يكون لدي كل دولة سلسلة من التشريعات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية المترابطة والمتجانسة والتي تكون تحت نظر القائمين والمشتغلين بتلك الأنشطة حفاظاً على حماية حقوقهم ومصالحهم وحتى تكون أعمالها تتفق وصحيح حكم القانون وعدم مخالفتها لأحكامه بما يحقق خطة التنمية الاقتصادية وازدهارها في الدولة ومما يساعد على تنظيم العلاقات واستقرار المعاملات حتى يكون ذلك صمام أمان للمجتمع ومصالحه.
وقد حرصت الدولة الاتحادية الإماراتية وحكوماتها المحلية على توفير كافة احتياجات المستثمرين والشركات العالمية بشكل يحقق التنمية الاقتصادية والاستثمارية وذلك سواء من خلال المنظومة التشريعية الاقتصادية والقوانين المرتبطة بها، والتي تضمن سهولة إنجاز المعاملات التجارية والاقتصادية والاستثمارية وإجراءاتها بما يتفق وحكم القانون الذي ينظم أعمالها حماية لحقوق ومصالح القائمين على استغلالها وبما يضمن التزامهم بواجباتهم قبل الدولة، وهو ما انعكس على اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تمكنت من ترسيخ مكانتها الاقتصادية وأصبحت على قائمة أكبر الاقتصاديات الناشئة في العالم، حيث أسهمت أنشطتها الاقتصادية وتطورها في تعزيز جاذبية الدولة لاستقطاب الاستثمارات من كل بقاع العالم وذلك بفضل سياستها الاقتصادية التي اتبعتها ومن خلال قوانينها الاقتصادية والتشريعات المرتبطة بها والتي تتسم بالمرونة وسهولة التطبيق والوضوح في أحكامها وقواعد مقارنتها بغيرها من دول المنطقة، إضافة إلى توفير بيئة استثمارية جاذبه ومتطورة تعد الأفضل حالياً بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وجدير بالذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد حرصت على تطوير المنظومة التشريعية الاقتصادية للدولة حتى تكون محققه لدعم وتنمية الاقتصاد المحلي وتقرير أداء الأعمال، وبما يضمن النمو الاقتصادي المتوازن مع المتطلبات على المستوي المحلي والدولي والالتزام بالاتفاقيات والقوانين الدولية، ومنها منظمة التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة مع استحداث العديد من التشريعات الاستثمارية ومباشرة تلك الأعمال والمشاريع بما يحقق أعلي المستويات على الصعيدين الاقتصادي والتجاري.
وتجدر الإشارة إلى أهمية ما تحققه القوانين والتشريعات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية في أي دولة تهدف إلى تحقيق أهدافها الاستثمارية وتنميتها الاقتصادية والنهوض بمؤسساتها في هذا المجال وصولاً إلى تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، فالقوانين والتشريعات تساعد على صياغة وصناعة مستقبل الدولة واقتصادياتها وحماية مصالح أفرادها ومستثمريها – ولا شك أن تلك القوانين تمثل ركيزة أساسية في تحقيق التنمية الاقتصادية وتطورها. لذا يتعين وبصفة مستمرة مراجعة القوانين والتشريعات المنظمة للعمل الاقتصادي والمصرفي والمالي حتى تكون متلائمة مع التطور الاقتصادي في مختلف القطاعات الاقتصادية في الدولة داخلياً وعلى المستوى الاقتصادي العالمي خارجياً.
وحيث أن الائتمان هو أساس المعاملات التجارية وأن الثقة المتبادلة هي قوام تلك المعاملات، وأن هذا الائتمان وتلك الثقة تستوجب حماية قوية للحفاظ على حقوق الدائنين لكون أن الدائن في الوقت الذي يكون فيه دائناً للغير فإنه قد يكون في الوقت نفسه مديناً وعليه حقوق للآخرين يجب الوفاء بها في مواعيد استحقاقها، وبالتالي إذا ما أخل هذا المدين بالائتمان والثقة التي أولاها إياه دائنوه فإن ذلك يعنى خللاً واضطراباً مؤكداً في المعاملات التجارية الأمر الذي ينعكس سلباً على النشاط التجاري في المجتمع ككل ويؤثر على الاقتصاد القومي، مما يستوجب أن يكون هناك البعض من الوسائل والضمانات التي تحقق الحماية لهذا الائتمان والمحافظة على تلك الثقة في المعاملات، وهو الأمر الذي تبنته التشريعات القانونية المعاصرة في المجال التجاري، فالحماية القانونية للائتمان تقتضى سن قواعد قانونية خاصة تهدف إلى تقوية وضمان بقاء الائتمان والثقة بين التجار وذلك عن طريق إنشاء نظام الإفلاس الذي يطبق على المدين التاجر المتوقف عن دفع ديونه التجارية الحالة الأداء، وبموجب ذلك النظام يتحقق للقضاء أن عجز المدين التاجر هوعجز حقيقي عن دفع ديونه المستحقة الأداء والمتوقف عن سدادها ليصدر بعد ذلك الحكم بشهر إفلاسه، وأنه بمجرد صدور هذا الحكم يصير المدين في حالة إفلاس قانوني تترتب عليه جميع أثاره الشخصية والمالية على المدين سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً وكذلك أثاره التي تلحق الدائنين.
وانطلاقاً من الرؤية السديدة التي تنتهجها الدولة وقناعتها الراسخة بأن وجود إطار قانوني فعال يتماشى مع المعايير الدولية أمر لا جدال فيه لقيام اقتصاد تنافسي ومزدهر، حرصت دولة الإمارات بموجب أطر تشريعيةً داعمةً للمشروعات الاقتصادية منذ تأسيسها في عام 1971 على إصدار عدد من القوانين التي تعنى بالاقتصاد والتجارة والاستثمار، وكان من أهمها أخيراً المرسوم بقانون اتحادي رقم (9) لسنة 2016 بشأن الإفلاس الصادر بتاريخ 18 ذي الحجة هجرياً الموافق 20 سبتمبر 2016 ميلادياً وكان مبعثها في ذلك ما يلي :-
تفشى واستشراء ظاهرة الإفلاس في كثير من الدول وما يترتب عليها من أثار مالية خطيرة على التجار تمتد أثارها على النشاط الافتصادى والتجاري بصفة عامة.
تقرير نظام الإفلاس في إطار القانون الصادر بأحكامه بوضع نظام محكم لتصفية أموال المدين المفلس وتوزيعها بين دائنيه توزيعاً عادلاً ينال به كل منهم قسطاً من دينه دون تزاحم أو تشاحن بينهم، فضلاً عن تزويدهم بالوسائل القانونية الكفيلة بتمكينهم من المحافظة على أموال مدينهم وإبطال التصرفات التي تصدر بعد اضطراب مركزه المالي عن رغبة في تبديدها أو إقصائها عن متناولهم، وفي الوقت ذاته رعاية المدين بالأخذ بيده وإقالته من عثرته متى كان إفلاسه غير مشوب بتدليس أو تقصير، مع قصر التجريم على التفالس بالتدليس أو التقصير، وذلك كله بقصد تقوية الائتمان وتدعيم الثقة في المعاملات التجارية، وهو ما حرص المشرع على تنظيم المسائل المتعلقة بعمل وإجراءات التفليسة من أجل حسم المنازعات التي تثور خلال سير اجراءات التفليسة على وجه السرعة بما يحفظ للدائنين حقوقهم ويمكن المدينين من سداد ديونهم استقراراً للمعاملات وحماية للاقتصاد الوطني للدولة.
أن يكون لدى المدينين من التجار الثقافة القانونية اللازمة عند إجراء معاملاتهم التجارية حال تحقق حالة الإفلاس وأثارها المالية حتى يتجنبوا مخاطرها ويحسنوا ممارسة أعمالهم التجارية وإدارتها.
الآثار المالية التي يرتبها حكم شهر الإفلاس وأهمها غل يد المدين المفلس عن إدارة أمواله أو التصرف فيها.
أنه يخاطب شريحة هامة من أفراد المجتمع وهم التجار المدينين، ويعالج أصعب المواقف والصعوبات التي تواجههم في المعاملات التجارية وهى حالة الإفلاس ويبين أهم الآثار المترتبة على تلك الحالة حتي يتسنى لهم مراجعة معاملاتهم التجارية قبل أن تلحق هذه الآثار بهم وتنال من أموالهم وسمعتهم التجارية وحتى لا تصل تلك المعاملات إلى حالة الإفلاس وما يترتب عليها.
المستشار القانوني مدير عام الشئون القانونية ببنك مصر سابقاً عصام مهدي محمد عابدين
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً