قراءة في الالتزام بعدم المنافسة غير المشروعة بموجب العقود والاتفاقيات – القانون المصري
حالات الالتزام بعدم المنافسة غير المشروعة، بموجب العقود والاتفاقات:
1- التزام البائع للمحل التجاري بعدم منافسة المشتري:
يرتب عقد البيع – طبقاً للقواعد العامة – التزاماً في ذمة البائع بعدم التعرض للمشتري، حتى يتمكن من الانتفاع بالمحل المبيع انتفاعاً كاملاً. والتعرض في عقد بيع المحل التجاري يتمثل في امتناع البائع عن فتح محل مماثل لنشاط المحل المبيع في ذات المنطقة طالما سيترتب على ذلك منافسة المشتري بتحويل العملاء عن المحل المبيع، ونقصان قيمته التي كانت الأساس في تقدير الثمن، فيلحق بمشتري المحل التجاري ضرراً أكيداً ويحرمه من تحقيق الغاية المنشودة من شراء المحل التجاري، ألا وهي الاستمرار في تردد العملاء على محله.
والحكمة من التزام بائع المحل التجاري بعدم التعرض هي عدم الإضرار بالمشتري وفقده لعملائه إذا ما أنشأ البائع محلاً تجارياً جديداً يباشر فيه ذات النشاط التجاري في ذات منطقة المتجر أو المصنع المباع.
وقد قررت محكمة النقض الفرنسية بدوائرها المجتمعة إدانة بائع المحل التجاري لأنه ينافس المشتري في ذات العقار الذي تنازل فيه عن جزء من حق الانتفاع للمحل. (29/5/1970 الـ J.C.P. 1970 – 4 – 189).
ويعتبر القضاء الفرنسي مستقراً على إنه رغم خلو العقد من شرط “عدم التعرض” فإن البائع للمحل التجاري – تحت التزامه بالضمان – يمتنع عليه منافسة المشتري سواء شخصياً أو بالتأجير لمنافسيه. (نقض تجاري في 30/4/1965 الـ J.C.P 1967 – 11 – 14950).
وقد يعتبر تعرضاً من بائع المحل التجاري تعاقده كشريك متضامن في شركة تمارس ذات النشاط التجاري الذي يزاوله مشتري المتجر، ذلك لأنه يعتبر مسئولاً عن تعهدات الشركة. إذ قد يكون لشخص البائع أثر كبير في تأسيس هذه الشركة أو إدارتها أو قد يتضمن عنوانها التجاري اسمه مما يكون له شأن في جذب العملاء وبالتالي يؤثر على علاقة مشتري المحل التجاري بعملائه القدامى.
وكذلك يعتبر عملاً منافساً من البائع اشتغاله مأجوراً طرف محل منافس عند اشتراط عدم المنافسة. (نقض تجاري فرنسي جلسة 22/4/1985 – دالوز – سيري 1985 – 1 – 479. ريبير رقم 487).
كما حكم بأن شرط عدم التعرض الوارد بعقد بيع المحل التجاري لتجارة التجزئة يمنع البائع من مزاولة تجارة الجملة لذات نوع البضائع. (المجلة الفصلية 1965 – 821 مع تعليق جوفريه).
إلا أنه يجوز لبائع المحل التجاري أن ينشئ محلاً جديداً يزاول فيه ذات النشاط، إذا كان ذلك في منطقة بعيدة عن نطاق نشاط المحل الأول الذي قام ببيعه للغير. كما يجوز لبائع المحل التجاري أن ينشئ محل تجارة في ذات المنطقة ولكن ليزاول فيه نشاطاً مختلفاً عن النشاط الذي يزاوله المحل الأول المبيع.
قد نصت المادة 42/1 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 على أنه: “لا يجوز لمن تصرف في المتجر بنقل ملكيته إلى الغير أو بتأجير استغلاله أن يزاول نشاطاً مماثلاً لنشاط المتجر بكيفية يترتب عليها ضرر لمن آلت إليه الملكية أو الاستغلال، إلا إذا اتفق علي خلاف ذلك”.
وفي خصوص مدة الحظر، وضع قانون التجارة – بذات المادة، في فقرتها الثانية – مدة عشر سنوات تحسب من تاريخ شهر التصرف ما لم يتفق على خلاف ذلك.
وغالباً لا يكتفي مشتري المحل التجاري بمجرد ضمان عدم التعرض تطبيقاً للقواعد العامة، وإنما عادة يضمن عقد البيع ذاته شرطاً يحظر فيه على البائع فتح محل مماثل للمحل المبيع.
وقد أقر القضاء هذا الشرط طالما كان يقتصر على حرمان البائع من مزاولة نوع معين من التجارة وخلال فترة زمنية محددة أو في نطاق منطقة معينة. ومن ثم فلا يجوز أن يكون هذا الشرط مطلقاً شاملاً لكل أنواع التجارة وفي كل مكان وزمان، إذ أن ذلك يتضمن خروجاً على مبدأ حرية التجارة وحرية العمل وهما من النظام العام.
وقد أيدت محكمة النقض المصرية هذا الاتجاه بحكمها الصادر بجلسة 7/6/1963 بقولها: “إن ضمان البائع المترتب على بيع المتجر يلزم البائع بعدم التعرض للمشتري في انتفاعه بمتجره وبالامتناع عن كل عمل يكون من شأنه الانتقاص من هذا الانتفاع مما يتفرع عنه أن الالتزام بعدم المنافسة في شتى صوره ومنها حظر التعامل مع العملاء لا يكون باطلاً إلا إذا تضمن تحريم الاتجار كليةً عن البائع لأنه يكون في هذه الحالة مخالفاً لمبدأ حرية التجارة وحرية العمل وهما من النظام العام”. (نقض مدني في الطعن رقم 378 لسنة 36 قضائية – جلسة 7/6/1963 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 764).
مع ملاحظة أنه حتى إذا تضمن العقد حظراً على البائع بفتح محل يزاوله فيه نشاطاً مماثلاً خلال مدة محددة، فإنه يجوز للبائع حتى قبل ـ انقضاء تلك المدة المنصوص عليه أن يفتح محلاً يزاول فيه ذات النشاط وذلك إذا ما زالت أسباب الحظر: كما إذا أغلق المحل المبيع نهائياً أو اعتزل صاحبه “المشتري” التجارة كلية أو بسبب وفاته وعدم استمرار ورثته في التجارة، وذلك كله تطبيقاً لقاعدة: “زوال الأثر عند زوال العلة”.
جزاء الإخلال بشرط الالتزام بعدم التعرض:
إذا أخل البائع بالتزامه بعدم التعرض، أو خالف الشرط المتفق عليه في عقد البيع، فإن ذلك يوجب مسئوليته العقدية دون حاجة إلى إثبات المشتري للضرر الذي أصابه. وقد قضت محكمة النقض المصرية في قضية تتعلق بشخص باع لآخر محلاً تجارياً مع تعهده بعدم الاتجار في ذات البضائع، وخالف هذا الشرط، فأقام عليه المشتري دعوى طالباً التعويض، فأحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن ضرراً أصاب المشتري، ثم قضت في الموضوع برفض الدعوى، فطعن المشتري في هذا الحكم التمهيدي بإحالة الدعوى إلى التحقيق، وقضت محكمة النقض بأن: “البائع أخل بواجب الضمان الذي يلزمه بوصفه بائعاً، كما أخل بالشرط المتفق عليه في عقد البيع، وأن هذا الإخلال ما هو إلا تعرض للمشتري في بعض المبيع من شأنه أن ينقص من قيمته التي كانت الأساس الذي قدر عليه الطرفان الثمن عند التعاقد، ونقص قيمة المبيع على هذه الصورة هو بداية الضرر الذي أصاب المشتري من تعرض البائع، وهو ضرر مفترض بحكم واجب الضمان الملتزم به البائع بمجرد الإخلال بهذا الشرط، إذ يمثل الثمن الجزء من المبيع الذي حصل التعرض فيه من جانب البائع”. (نقض مدني مصري في الطعن رقم 273 لسنة 22 قضائية – جلسة 8/3/1952 مجموعة المكتب الفني – صـ 291).
ويجوز للمشتري – طبقاً للقواعد العامة – أن يطالب قضائياً البائع بالتنفيذ العيني، كأن يطلب الحكم بإغلاق المحل الذي افتتحه البائع، ويكون للقاضي في سبيل ذلك أن يفرض على البائع غرامة تهديدية عن كل يوم يتأخر فيه عن تنفيذ الحكم حتى يلزم بغلق المحل.
وللقاضي أن يكتفى بالحكم النقدي عن الضرر الذي أصاب المشتري من جراء ذلك، ويقدر التعويض حسب الرأي الراجح بالقيمة الإجمالية للعمليات التي قام بها البائع في مكان محله الجديد. وأخيراً يكون للمشتري أن يطلب فسخ البيع الصادر له من البائع.
(لطفاً، المرجع: “الوسيط في شرح القانون التجاري المصري” – للدكتورة/ سميحة القليوبي – الجزء الأول – طبعة 2005 القاهرة – بند 228 – صـ 362 وما بعدها وهوامشها).
2- التزام مؤجر المحل التجاري بعدم منافسة المستأجر في استغلاله للمحل التجاري:
يلتزم مؤجر المتجر بعدم منافسة المستأجر، وهو التزام ينشأ تلقائياً عن عقد تأجير استغلال المحل التجاري. فإقامة المؤجر تجارة مماثلة وسحب العملاء بعد إبرام عقد تأجير استغلال المحل التجاري يعد تعرضاً يلحق ضرراً كبيراً بالمستأجر ويحرمه من تحقيق الغاية المنشودة من استئجار المتجر ألا وهي استمرار تردد العملاء. ويشبه الفقه والقضاء التزام المؤجر في هذا الخصوص بالتزام بائع المتجر بعدم منافسة المشتري.
(لطفاً، المرجع: “الوسيط في شرح القانون التجاري المصري” – للدكتورة/ سميحة القليوبي – الجزء الأول – طبعة 2005 القاهرة – بند 330 – صـ 515).
3- التزام الشريك بعدم منافسة الشركة:
يلتزم جميع الشركاء في شركة التضامن بعدم القيام بأعمال يترتب عليها منافسة الشركة أو الإضرار بها. ومقتضى ذلك أنه يحظر على الشريك أن يمارس لحسابه الخاص أو لحساب الغير نشاطاً من ذات نوع نشاط الشركة أو مشابهاً له.
كما يحظر على الشريك المتضامن أن يكون شريكاً متضامناً في شركة تضامن أخرى أو توصية بسيطة تمارس ذات نشاط شركته.
وهذا الحظر يسري ولو كانت الشركة الأخرى شركة ذات مسئولية محدودة أو كان شريكاً موصياً في شركة توصية بسيطة طالما إن هذه الشركة تمارس نشاطاً منافساً لنشاط شركة التضامن الذي هو شريك متضامن فيها.
والحكمة من ذلك أن شركات التضامن تؤسس على الاعتبار الشخصي والثقة المتبادلة بين الشركاء وعلى التعاون الإيجابي في العمل على نجاح نشاط الشركة، وقد يترتب على كون الشريك المتضامن شريكاً في أي نوع من هذه الشركات التزامه بإبداء النصح والمشورة لشركته التضحية بمصالح شركة التضامن.
كما يترتب على قيام الشريك بعمل منافس لعمل الشركة في أي صورة من الصورة منافسة الشركة وسحب عملائها، الأمر الذي يهدم كلية الاعتبار الشخصي ومصلحة جميع الشركاء المتضامنين في شركة التضامن.
على أنه يجوز للشريك القيام بمثل هذه الأعمال أو الدخول كشريك في إحدى صور الشركات المشار إليها إذا وافق باقي الشركاء على ذلك بتقدير عدم إصابتهم بأي أضرار من ذلك.
وطبقاً لحكم المادة 512 من القانون المدني، فإنه يمتنع على الشريك القيام بـأي نشاط يلحق الضرر بالشركة أو يكون مخالفاً للغرض الذي أنشئت لتحقيقه. كما إنه على الشريك أن يبذل من العناية في تدبير مصالح الشركة ما يبذله في تدبير مصالحه الخاصة، إلا إذا كان منتدباً للإدارة بأجر فلا يجوز أن ينزل في ذلك عن عناية الرجل المعتاد.
(لطفاً، المرجع: “الشركات التجارية” – للدكتورة/ سميحة القليوبي – الطبعة الثالثة 1992 القاهرة – صـ 267).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً