الإصلاح التشريعي واستقلال القضاء
القاضية أريج خليل
صدر دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥ ليغيّر العديد من المفاهيم القانونية التي استمرت لعقود طويلة وكذلك استمرت حتى بعد أحداث ٢٠٠٣، كون ان النظام القانوني في ظل سلطة الائتلاف المؤقتة شهد اصدار العديد من القوانين التي لم تراعِ خصوصية البلد والتي صدرت بصورة مستعجلة بسبب الظروف الاستثنائية التي شهدها العراق حينها وقد أوضحنا في الجزء الأول من هذا الموضوع ان من اهم المبادئ التي تناولها الدستور وكان لها الدور في بناء دولة القانون والمؤسسات هو مبدأ استقلال القضاء وتطرقنا إلى أهمية الإصلاح التشريعي في ترسيخ هذا المبدأ للسيطرة على النصوص القانونية المتقاطعة معه.
في هذا الجزء سنتناول قانون البنك المركزي العراقي قدر تعلق الأمر بالنصوص القانونية المؤثرة في استقلال القضاء وقد وردت في المواد من (٦٣ – ٧٢) من قانون البنك المركزي العراقي رقم ٥٦ لسنة ٢٠٠٤ والتي تتعلق بتاسيس واختصاصات محكمة الخدمات المالية، حيث كانت الصياغة القانونية لهذه المواد بعيدة كل البعد عن الصياغة التشريعية المعتمدة في القوانين العراقية، كما و يعد نص الفقرة ٢ من المادة (٦٤) من القانون نصاً غير دستورياً لتأثيره على مبدأ استقلال القضاء كون ان هذه الفقرة اجازت تشكيل المحكمة من غير القضاة واعطت لفظ القاضي الى أعضاء وزارة المالية بالقول (أما القاضيان الآخران فيعينهما وزير المالية.. )، فضلاً الى ان المادة (٦٨) من قانون البنك المركزي العراقي نصت على ان قرارات محكمة الخدمات المالية تصدر بالأغلبية، وهذا يؤدي كتحصيل حاصل الى تحكم الأعضاء من غير القضاة بالقرارات القضائية مما يستوجب تعديل النص للحيلولة دون التأثير على عمل القضاء.
إن تأسيس محكمة مهمة كمحكمة الخدمات المالية بموجب قانون يتعلق بجهة غير قضائية كالبنك المركزي العراقي لا ينسجم مع ما تسعى اليه المؤسسة القضائية في تدعيم مبدأ استقلال القضاء لذا يكون من الأجدر تأسيس هذه المحكمة بموجب قانون خاص ومستقل وصادر عن مجلس القضاء الأعلى يحدد طريقة تأسيسها وطريقة تعيين قضاتها والأجراءات القضائية المتبعة أمامها والتأكيد على اختيار كافة قضاتها من قبل مجلس القضاء الاعلى وعدم تمثيل الجهات التنفيذية ضمن تشكيلتها منعا لأي تأثير على عمل هذه المحكمة.
كما ان المادة (٦٣) من قانون البنك المركزي العراقي حددت القرارات والأوامر التي يصدرها البنك المركزي والتي يجوز الطعن فيها امام محكمة الخدمات المالية وقد وردت هذه القرارات على سبيل الحصر مما جعل اختصاص المحكمة اختصاص ضيق ينحصر في بعض القرارات التي تصدر عن البنك المركزي العراقي وهذا يتعارض مع مبدأ تخصص القضاء كون ان البنك المركزي يصدر العديد من القرارات ازاء المؤسسات المالية فيجب ان يكون اختصاص المحكمة اختصاص شامل كي لا يكون هناك قرارات تصدر عن البنك المركزي العراقي محصنة من الطعن لان ذلك يتعارض من نص المادة ( ١٠٠ ) من الدستور التي منعت تحصين اي قرار إداري من الطعن.
عليه ولكل ما تقدم نجد ان النصوص التي وردت في قانون البنك المركزي العراقي والمتعلقة بمحكمة الخدمات المالية يجب اسعافها بالإصلاح التشريعي لانها تعتبر خرقاً لاستقلال القضاء وان الحل الأمثل لتلافي ذلك هو تشكيل المحكمة بموجب قانون خاص وان تكون من قاض منفرد او هيئة قضائية محددة من مجلس القضاء الاعلى دعما وترسيخا لمبدأ استقلال القضاء مع تعطيل كافة النصوص الواردة في قانون البنك المركزي العراقي المؤثرة في تعزيز هذا المبدأ.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً