تغيرات مجال الوساطة العقارية
م. إبراهيم الصحن
أقر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة يوم الثلاثاء 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2108 بفتح المجال للاستثمار الأجنبي في نشاط السمسرة العقارية، وهذا يعني رفع وتيرة المنافسة في مجال لطالما كان حكرا على السعوديين، مع وجود الضعف الرقابي سابقا، الذي جعل العمالة غير السعودية تغطي أغلب نشاط الوساطة العقارية، لكن السؤال المهم، هل السوق مستعدة لهذا التغيير؟ وهل لدى شركات ومكاتب الوساطة العقارية المحلية أي استعداد للمنافسة مع الجهات الأجنبية التي غالبا ستكون على مستوى عال من التأهيل وتوافر الأدوات المساندة لإنجاز أعمالها؟ ولست هنا بصدد انتقاد قرار السماح للأجنبي بممارسة نشاط السمسرة العقارية، لكن ما أطمح إليه هو توضيح الوضع الراهن وكيف يمكن للوسيط المحلي أن يحسن من نموذج عمله ليواكب التطورات ويستطيع المنافسة.
المتأمل لوضع مجال الوساطة العقارية يلاحظ بجلاء ضعف انضباط التعاملات بشكل احترافي، وكل منا بلا شك لديه قصة في هذا الشأن، وبالتأكيد أن بيئة التنظيم والتشريع الضعيفة لها دور مهم، لكن كذلك هناك تساهل من أصحاب المجال في مستوى التعامل، ولعل من أهم الشكاوى هي سيطرة العمالة غير المرخصة في هذا المجال على السوق، ولا سيما في السنوات الماضية التي شهدت انتعاشا كبيرا، وكذلك ضعف المصداقية وجودة المعلومات التي تقدم، وهنا لا أعمم، لكن لنعترف بأن الأغلب يعمل بهذا الأسلوب الهزيل،
ولا شك فهناك استثناءات ونماذج مشرفة تعمل في هذا المجال، لكنهم قلة ويحتاجون إلى نظام جيد يساندهم ويكثر سوادهم في السوق لمزاحمة غير الاحترافيين، لكن دعني أسلط الضوء على بعض ما أتوقع أن يضيفه الأجنبي في حال دخوله نشاط الوساطة العقارية، وهنا أتحدث عن شركات أجنبية في دول متقدمة، جربت بنفسي خدماتها مثل بريطانيا وكندا، ولذلك أعتقد أن أول أمر سيتحسن بشكل كبير هو مستوى التواصل والتعامل الذي مع العملاء، فغالبا لدى الوسيط جدول مواعيد لأخذ العملاء إلى العقارات ومعاينتها معهم، وأخذهم في جولة وشرح جميع التفاصيل بدقة، ولا يمكن أن يخبرك الوسيط بأن تتصل بالحارس لإدخالك الشقة أو الفيلا، أو يجعلك تبحث عن المفتاح فوق “عداد الكهرباء” أو تحت فرشة المدخل، لذلك سيحدث هذا فرقا واضحا في مستوى المعاملة، كما أن هناك عناية خاصة بخدمات ما بعد التأجير أو البيع لإغلاق الصفقة، وهنا لا أنسى ذلك الوسيط الذي بعد أن أنهيت إجراءات استئجار الشقة في لندن،
وذهبت لتسلمها، وجدت علبة من الشوكولاتة وباقة ورد صغيرة ورسالة ترحيبية مع كتيب يشرح تفاصيل الشقة وكيفية استخدام المرافق والأجهزة، وما أنظمة اتحاد الملاك في تلك العمارة، وبهذه اللمسات البسيطة لكن المؤثرة يظهر عمق الاهتمام بالعميل ومحاولة إرضائه وتقديم الخدمات كافة بيسر وسهولة.
الأمر الثاني والمهم جدا في عصر التقنية الذي نحن فيه، أن كثيرا من الشركات والمكاتب الأجنبية لديها مواقع إلكترونية ومكاتب افتراضية توفر فيها جميع عروضها إلكترونيا، كما أنها نشيطة جدا في منصات العروض العقارية، وتجدها دائما ترفع عروضها الحديثة وتحدث عروضها السابقة بالمعلومات كافة والصور بجودة ودقة عالية، وهذا بلا شك يوفر عناء البحث ومشقة المعاينات على العملاء الراغبين ويجعل الخيارات محصورة جدا فيما تم اختياره على المنصات، وهذا سيرفع من إنتاجية الوسيط لأنه لن يحتاج إلى تقديم كل العروض التي لديه على الهاتف أو عند زيارة العميل، وكما هو معلوم فإن تكلفة الوسيط الحقيقية هي الوقت الذي يقضيه في كل صفقة، لذلك تبني التقنية وجعل العروض التي لديه ميسرة إلكترونيا ومتكاملة من حيث المعلومات والصور سيجعل من عمله ومستوى خدمته أكثر كفاءة له وللعميل الراغب في التعامل معه،
ومع الأسف هناك معاناة في مواقع العروض العقارية في السعودية من ضعف المعلومات والمصداقية، كما أن عدم الاهتمام بصور العقار ومستوى جودتها ودقة موقع العقار، يعتبر إشكالية تنفر من أخذ أي معلومات من هذه المواقع، التي أصبح أغلبية من يتعامل معها يشكك في مصداقيتها، ولذلك إذا اتفقنا على أننا في عصر السرعة في إيصال المعلومة وأن صاحب الخدمة المميزة هم من تتوافر معلوماتهم كما يقال “بضغطة زر” سنتيقن أن تقديم الخدمات العقارية في قالب عصري باستخدام التقنيات الحديثة أصبح أمرا ملحا ومهما وليس خيارا يمكن تفاديه.
الخلاصة، هناك فوائد بلا شك من إثارة روح المنافسة في السوق وجعلها أكثر رغبة في خدمة المستفيدين والعملاء، لكن أعتقد أن لدى الوسيط السعودي فرصة أكبر للتفوق بسب معرفته بالبيئة المحلية وعلاقاته المميزة في المجال العقاري، التي تعتبر مهمة جدا في إنجاز الصفقات، لكن يجب على كل وسيط أن يعمل على تحسين نموذج العمل ليرتقي بطريقة تعامله وخدماته للمستوى الاحترافي خاصة في التواصل وتوضيح المعلومات للراغب في المنتج العقاري، كما أنه لا مناص اليوم من تبني التقنية وجعلها توجها رئيسا للوسيط وليس خدمة إضافية، لأن التقنية بدأت في الاكتساح رسميا من خلال منصة “إيجار” لتوثيق العقود وستستمر بشكل أكبر، ولا بد أن تستعد لذلك جميع القطاعات ومنها الخدمات العقارية، ولذا أقول للزملاء في الوسط العقاري قد حان وقت التحول والتغيير، وأنتم الأولى بتبنيه.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً