قراءة في التكييف القانوني لعقد السمسرة
لما كانت مسألة تكييف العقد (أي تحديد طبيعته وإعطائه الوصف القانوني الصحيح)، مسألة قانونية محضة، يختص بها قاضي الموضوع، تحت رقابة محكمة النقض (أو التمييز).
حيث أنه من المسلم به في فقه القانون المدني أنه متى كشف القاضي عن إرادة المتعاقدين، كيفها بعد ذلك التكييف القانوني الصحيح غير متقيد بتكييف المتعاقدين، ثم رتب على هذا التكييف آثاره القانونية. وهو خاضع في التكييف وما رتبه من آثار لرقابة محكمة النقض (أو التمييز)، لأنه يطبق القانوني على الواقع، وتطبيق القانون يعد من المسائل القانونية التي تختص محكمة النقض بمراقبتها.
(لطفاً، المرجع: “الوسيط في شرح القانون المدني” – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الأول: “مصادر الالتزام” – المجلد الأول: “العقد” – الطبعة الثالثة 1981 القاهرة – بند 388 – صـ 804 وهامشها).
ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: “العبرة في تكييف العقود هي بحقيقة ما عناه العاقدون منها، وتعرف هذا القصد من سلطة محكمة الموضوع، ومتى تبينت تلك المحكمة إرادة العاقدين على حقيقتها، فإن عليها أن تكيفها بعد ذلك التكييف القانوني الصحيح غير متقيدة في ذلك بتكييف العاقدين”.
(نقض مدني في الطعن رقم 107 لسنة 37 قضائية – جلسة 28/12/1971 مجموعة المكتب الفني – السنة 22 – صـ 1115 – فقرة 5).
لما كان ذلك، وكان من المُقرر قانوناً – وعلى ما تواتر عليه قضاء محكمة النقض المصرية – أن: “مهمة الخبير تقتصر على تحقيق الواقع في الدعوى وإبداء الرأي في المسائل الفنية التي يصعب على القاضي استقصاء كنهها بنفسه، دون المسائل القانونية التي يتعين على الحكم أن يقول كلمته فيها”.
(نقض مدني في الطعن رقم 59 لسنة 41 قضائية – جلسة 23/12/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – صـ 1653).
لما كان ما تقدم، وكان من المُقرر قانوناً فقهً وقضاءاً أن: “وصف الرابطة بين الخصوم، وإسباغ التكييف القانوني عليها هي مسألة قانونية بحتة فلا يجوز للخبير أن يتطرق إليها ولا للمحكمة أن تنزل عنها لأنها في ولايتها وحدها ولا يجوز لها أن تستند إلى ما أورده الخبير في هذا الصدد ولا غِناء عن أن تقول هي كلمتها في شأنها فإن استندت إلى تقرير الخبير في هذا الشأن كان حكمها مشوباً بالقصور في التسبيب”.
(لطفاً، المرجع: “التعليق على قانون الإثبات” – للمُستشار/ عز الدين الدناصوري والأستاذ/ حامد عكاز – الطبعة العاشرة 2002 – المادة 135 – صـ 1229).
كما أنه من المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: “وصف الرابطة بين الخصوم وإسباغ التكييف القانوني عليها هو مسألة قانونية بحتة، فلا يجوز للخبير أن يتطرق إليها، ولا للمحكمة أن تنزل عنها، لأنها في ولايتها وحدها، ولا يجوز أن تستند إلى ما أورده الخبير في هذا الصدد، ولا غناء عن أن تقول هي كلمتها في شأنها، فإن استندت إلى تقرير الخبير في هذا الشأن كان حكمها مشوباً بالقصور في التسبيب”.
(نقض مدني في الطعن رقم 362 لسنة 62 قضائية – جلسة 21/4/1998).
لما كان ذلك، وكان تقرير الخبرة المودعة تقاريره بملف الطعن الماثل قد تجاوز حدود اختصاصاته بخوضه في مسائل قانونية محضة، يستقل بها القضاء وحده دون غيره، حيث أورد التقرير أن: “طبيعة العلاقة بين الطرفين أن المدعي (الشركة الطاعنة) قد عرض على المدعي عليها (الشركة المطعون ضدها) بأن هناك شركة أمريكية تريد التعاقد مع شركة كويتية لتوفير موظفين لتنفيذ عقودها في العراق، ولم يتبين للخبرة وجود أي اتفاق أو عقود سمسرة (مكتوبة) بين الطرفين، وخلا ملف الدعوى مما يؤكد وجود تلك السمسرة باستثناء مراسلات إلكترونية لا تعد دليلاً على وجود اتفاق سمسرة بين الطرفين”؟!!
وعليه، فما كان للخبرة الفنية أن تطرق لمسألة وصف الرابطة بين الخصوم، ولا تحديد العلاقة القانونية بينهما، ولا تكييف العقد المدعي به (على أنه مجرد “عرض”)، ولا الخضوع الأدلة القانونية وما يجوز الاحتجاج به وما لا يجوز الاحتجاج به في خصوص إثبات وجود عقد السمسرة بين الطرفين. فكل تلك مسائل قانونية القول الفصل فيها للقضاء وليس للخبراء الفنيين المحاسبين.
والخبرة الفنية حتى لم تبحث هذه المسألة “القانونية” التي تطرقت إليها بدون داع، وإنما فقط رددت أقوال الشركة المطعون ضدها، حيث أن الشركة المطعون ضدها قد سبق لها أن دفعت بأنها: “لم تكلف الشركة المدعية (الطاعنة) أو أياً من موظفيها بالبحث لها عن متعاقد لإبرام العقد المدعى به، وإنما عُرِضَ عليها ذلك من قِبل المدعو/ ………….. وتمت المفاوضات على هذا الأساس”.
(لطفاً، يُراجع مذكرة دفاع الشركة المطعون ضدها المقدمة لمحكمة أول درجة أثناء حجزها للحكم لجلسة 19/11/2006).
وحتى إن صدق هذا الزعم، فسيان – من الناحية القانونية – في إبرام العقد أن يصدر الإيجاب من أي طرف من طرفيه، أي سواء صدر الإيجاب من الشركة الطاعنة وصادفه قبول من الشركة المطعون ضدها، أو صدر إيجاب من الشركة المطعون ضدها وصادفه قبول من الشركة الطاعنة، فالنتيجة واحدة، وهي اقتران الإيجاب بالقبول، ومن ثم ينعقد العقد.
وبالتالي فلا أثر قانوني لما تقول به الشركة المطعون ضدها من أنها لم تكلف ولم تفوض وإنما عرض عليها الأمر، طالما أنها قبلت هذا العرض، بدليل أنها أرسلت أيميل للشركة الطاعنة تفيد موافقتها على دفع العمولة لها (حيث أقرت الشركة المطعون ضدها في الرسالة الإلكترونية المعنونة بـ: “موافقة على العمولة” المرسلة للشركة الطاعنة في تاريخ 6/3/2005)؛
وهذا يقطع باقتران إيجاب (عرض) رجل الشركة الطاعنة بقبول ممثل الشركة المطعون ضدها، ومن ثم فقد تم انعقاد العقد وترتبت آثاره والتزاماته على طرفيه.
وفي هذا الشأن تنص المادة 31 من القانون المدني الكويتي رقم 67 لسنة 1980 على أن: “العقد هو ارتباط الإيجاب بالقبول على إحداث اثر يرتبه القانون”.
كما تنص المادة 32 من ذات القانون على أن: “ينعقد العقد بمجرد ارتباط الإيجاب بالقبول، إذا ورد على محل واستند إلى سبب معتبرين قانوناً …”.
كما تنص المادة 39 من ذات القانون على أن: “يعتبر إيجابا العرض الذي يتضمن عزم صاحبه على إبرام العقد بمجرد أن يقبله الموجب له …”.
كما تنص المادة 47 من ذات القانون على أنه: “إذا ارتبط الإيجاب بالقبول، لزم العقد طرفيه، ولا يكون لأي منهما عنه نكوص …”.
كما تنص المادة 196 من ذات القانون على أن: “العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز لأحدهما أن يستقل بنقضه أو تعديل أحكامه …”.
كما تنص المادة 197 من ذات القانون على أنه: “يجب تنفيذ العقد طبقا لما يتضمنه من أحكام، وبطريقة تتفق مع ما يقتضيه حسن النية وشرف التعامل”.
ومن ثم، فهذا “العرض” الذي تقول به الشركة المطعون ضدها، وسايرها في ذلك تقرير الخبرة الفنية، لم يظل “عرضاً”، إي إيجاب معلق، لم يصادف قبول، بل اقترن بالقبول (الصريح، أو الضمني على أقل تقدير) من الطرف الثاني، ومن ثم فقد انعقد العقد ونشأ ونتج عنه التزاماته على عاتق طرفيه، ولا يجوز لأي منهما النكوص عنه ولا أن يستقل بتعديله أحكامه أو نقضه بل يوجب القانون عليه تنفيذه بطريقة تتفق مع ما يقتضيه حسن النية وشرف التعامل.
مع ملاحظة أن كتابة العقد هنا ليست شرطاً لانعقاده وإنما هي للإثبات فقط، لكونه من العقود الرضائية (أي ينعقد بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول)، ومن ثم فيجوز إثباته بكافة طرق الإثبات.
وعليه، فما كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ ذلك التقرير محمولاً على أسبابه – في هذه الجزئية المتقدم ذكرها – لأنه لا يجوز لها أن تنزل عن ولايتها للخبراء للفصل في الشق القانوني في موضوع الدعوى المطروح عليها، ولا غِناء عن أن تقول محكمة الموضوع كلمتها هي في هذا الشأن، وإن هي لم تفعل، مكتفية بالاستناد إلى تقرير الخبرة الفنية، فإن حكمها يكون مشوباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي تأويله، وكذا بالقصور في التسبيب بما يبطل الحكم المطعون فيه، بما يستوجب تمييزه.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً