الحصانة القضائية لعضو مجلس النواب العراقي
د. ضياء عبدالله الجابر الاسدي
بينت المادة (63) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 الأحكام الخاصة بالحصانة القضائية التي يتمتع بها عضو مجلس النواب العراقي، فحظرت مقاضاته عما يبديه من أراء في أثناء دورة الانعقاد، كونه الممثل النيابي لجميع أفراد الشعب العراقي، ومن حقه أن يمارس دوره وفقاً لما تقتضيه هذه النيابة عن الشعب، فيعبر عن رأيه بكل صراحة وجرأة وموضوعية وحيادية، حتى وان كانت تلك الآراء تشكل جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل، أو غيره من القوانين التي حوت في طياتها نصوص جزائية كقانون الأسلحة وقانون مكافحة الإرهاب وغيرها من القوانين الأخرى، وإلا أصبح دوره كنائب ضعيفاً ولا يرقى إلى مستوى المهام الموكلة إليه في مناقشة مشاريع القوانين والتصويت عليها لا قرارها بما يحقق الفائدة للشعب والوطن، وفي الرقابة والإشراف على أجهزة السلطة التنفيذية وتشخيص مواطن الخلل والضعف ولفت الانتباه إليها من اجل اصلاحها وتقويمها.
فهذه الحصانة مقررة للنائب لما يتمتع به من وظيفة النيابة العامة عن الشعب كونه ممثله الشرعي الذي وصل إلى كرسي النيابة والبرلمان عن طريق الانتخاب، أي أنها مقررة للدور الوظيفي الذي من المفترض أن يؤديه النائب، وليس لشخصه، وبالتالي فهي تزول بزوال صفة النيابة أو تمثيل الشعب بالاستقالة أو الإقالة أو العزل، أو عند فقدان شرط من شروط العضوية.
أن هذه الحصانة ترد على الأقوال دون الأفعال، وأثناء دور الانعقاد التشريعي وفقاً لما حدده الدستور والنظام الداخلي للمجلس، فإذا ما حصل اعتداء بالضرب أو الجرح أو العنف من أحد النواب على نائب آخر أثناء دورة الانعقاد فلا يعفى من المسؤولية وبالتالي جواز مقاضاته عما صدر من أفعال تشكل جرائم تامة أو شروع فيها، كجرائم الإيذاء البسيط، أو الجسيم، وإحداث العاهة المستديمة والقتل أو الشروع فيه، وغيرها من الأفعال المجرمة قانوناً.
كما أنها تقتصر على عمل النائب داخل قبة البرلمان وأثناء دور الانعقاد التشريعي للمجلس أما خارجه فلا يتمتع بهذه الحصانة، لزوال الغاية أو المبرر من إسباغها عليه، ولكن يجب أن لا نفهم من قبة البرلمان المكان الذي تعقد فيه جلسات المجلس الاعتيادية أو الاستثنائية فقط، بل في أي مكان آخر يؤدي فيه النائب أعمال وواجبات النيابة البرلمانية، كاللجان البرلمانية المختصة داخل بناية المجلس أو حتى خارجه عندما تقوم بعملها البرلماني بالرقابة والإشراف على أعمال السلطة التنفيذية، كالوزارات والهيئات المستقلة، داخل العاصمة أو خارجها، داخل العراق أو خارجه، مادامت تقوم بعمل رسمي موكل إليها.
كما أن المادة الدستورية سالفة الذكر، منعت إلقاء القبض على عضو مجلس النواب (النائب)، خلال مدة الفصل التشريعي (دورة الانعقاد السنوية بفصليها التشريعيين- المادة57/دستور جمهورية العراق لعام 2005)، إلا في حالتين:-
الأولى:- إذا كان متهماً بجناية (وهي الجريمة المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد-عشرين سنة- أو السجن المؤقت-أكثر من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة- وفقاً لما عرفتها المادة (25) من قانون العقوبات العراقي النافذ، على أن يتم رفع الحصانة عن النائب من قبل المجلس وبالأغلبية المطلقة للأعضاء.
الثانية:- إذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود بجناية، والمقصود بالجرم المشهود هو انطباق احدى الحالات (الصور) التي ذكرتها الفقرة (ب) من المادة (1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971 المعدل، على الأفعال التي يرتكبها النائب والتي تشكل جناية فقط،.
الأمر الذي يعني خروج الجريمة من نوع الجنحة – وهي الجريمة المعاقب عليها بالحبس الشديد أو البسيط أكثر من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات، أو بالغرامة، وكذلك المخالفة- وهي الجريمة المعاقب عليها بالحبس البسيط لمدة أربع وعشرين ساعة إلى ثلاثة أشهر، أو بالغرامة التي لا تزيد عن الحد المقرر قانوناً لها، وان ضبط النائب متلبساً بها.
ونعتقد أن استثناء النائب من ذلك لقلة خطورتهما وجسامتهما قياساً بالجناية كما يقال، وأن كنا نرى خلاف ذلك ونفضل شمول الجنحة المشهودة بهذه الحالة، لاسيما وان هناك من الجنح المهمة والخطرة والتي لا نراها تقل خطورة وجسامة وأثرا عن الجناية.
أما خارج الفصل التشريعي مع وجود الحالة الأولى أعلاه، فلا نحتاج إلى تصويت مجلس النواب على رفع الحصانة بل الأمر متروك إلى رئيس المجلس ليقرر ذلك، كون المجلس في عطلة رسمية، أما الحالة الثانية فلا تختلف عما ذكرناه سلفاً.
ان تمتع النائب بالحصانة القضائية من المساءلة القانونية قضائياً، لا يبيح له ارتكاب الأفعال التي تشكل جرائم (فعلية) وليست قولية خلال مدة انعقاد الدور التشريعي للبرلمان لان واجبات النيابة البرلمانية تقتضي منحه الحرية في إبداء الرأي والتعبير، لا الاعتداء على الآخرين نواباً كانوا أم أفراد عاديين بالأفعال المجرمة قانوناً، فهنا يمكن أن تثار مسؤوليته الجزائية والمدنية بل حتى الانضباطية داخل المجلس، إما خارج الفصل التشريعي، فلا يجوز له التجاوز على الغير نواباً أم حكومة أو أفراداً عاديين بالقول أو الفعل، وبالتالي يمكن أن يساءل قانوناً.
ان الأقوال المجرمة قانوناً كونها تشكل سباً أو قذفاً أو تهديداً أو أهانه والتي يرتكبها عضو مجلس النواب أثناء دورة الانعقاد، لا تجوز مقاضاته عنها قانوناً وبالتالي وان حركت الدعوى الجزائية ضده، فأنها سترد ويصدر القاضي قراراً برفض الشكوى وغلق التحقيق نهائياً، ,لكن خارج نطاق دور الانعقاد يمكن تحريك الدعوى الجزائية بحقه، عن الجرائم الفعلية والقولية، يمكن أن تتخذ بحقه الإجراءات القانونية، بعد رفع الحصانة وفق أحكام الدستور أو بدونها لاسيما إذا كانت الجريمة من نوع الجنايات المشهودة.
كما أن النائب عليه أن يحترم السلطات الأخرى في الدولة (تنفيذية وقضائية) عند إبداء آرائه وتصريحاته والتي يراها تشكل خرقا أو انتهاكا للقانون لاسيما العلنية منها، وان تكون مدعومة ومعززة بالأدلة والبراهين القانونية، لا مجرد كيل الاتهامات غير الحقيقية والبعيدة عن الواقع، وان يبتعد عن تحقيرها وأهانتها، وإلا كان موضع المساءلة القانونية والتي قد لا تحتاج حتى إلى رفع الحصانة كون الجريمة من نوع الجنايات المشهودة والتي استثناها الدستور من الآليات الخاصة برفع الحصانة، لخطورتها وجسامتها ولآثارها السلبية على هيبة الدولة وسلطاتها التي من المفترض أن يكون النائب أول من يحافظ عليها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً