قراءات في قانون 103.03 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
موضوع ندوة جهوية لفدرالية رابطة حقوق النساء
مساء السابع من ديسمبر 2018 لم يكن عاديا بمدينة ورزازات الهادئة، حيث توافد على القصر البلدي بالمدينة العشرات من الفتيات والفتيان والنساء والرجال من مختلف الأعمار، وفعاليات من المجتمع المدني والاعلام لحضور نشاط علمي تنظمه واحدة من أهم الجمعيات النسائية المغربية في الجهة وهي فدرالية رابطة حقوق النساء، عبر فرعها الجهوي بورزازات.
أهمية اللقاء عكسه الموضوع الذي اختير من طرف المنظمين وهو قانون العنف ضد النساء والذي أثار نقاشا واسعا داخل المجتمع المدني، كما أن سياق تنظيمه تزامن مع تخليد الأيام الأممية لمناهضة كل أشكال العنف ضد النساء.
استهل اللقاء بكلمة رئيسة الفرع الجهوي لفدرالية رابطة حقوق النساء سعيدة بلحديد أكدت من خلالها على أن ظاهرة العنف بالمغرب من أهم مظاهر التمييز الصارخ الممارس ضد المرأة، بما يشكله من مس بحرمتها الجسدية وسلامتها البدنية، وانتهاكا صارخا لحقوقها الإنسانية. فالعنف جريمة لا مجرد “ضسارة” كما تشير اليه الحملة التحسيسية الأخيرة التي تنظمها وزارة الأسرة والتضامن.
وقد سجلت الإحصاءات الوطنية والدولية عموما ارتفاعا مهولا ومتزايدا في وتيرة العنف، وهو ما حتم ضرورة التفكير في آليات لمواجهته، كان من بينها اصدار قانون لمحاربة العنف ضد المرأة شكل أحد أهم مطالب الحركة النسائية مند سنوات.
وأضافت أن القانون الجديد ورغم أنه لم يلبي مطالبة الحركة النسائية التي ما فتئت تناضل من أجل قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء، يستجيب للمعايير الدولية الأربعة من وقاية وحماية وتكفل وعدم افلات من العقاب، اذ يقتصر على تعديلات مجتزئة ومتفرقة للقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، فإنه يبقى مع ذلك مستجدا تشريعيا ينبغي تنزيله على أرض الواقع واستثمار المستجدات التي جاء بها من أجل تكريس الحماية القانونية للنساء والفتيات من العنف الذي يستهدفهن.
من جهتها، استعرضت المنسقة الاجتماعية والقانونية لمركز الإنصات والإرشاد القانوني للنساء ضحايا العنف بورزازات سعاد بنمسعود خلال عرض مستفيض أهم الإحصائيات والأرقام حول حصيلة عمل الجمعية لسنة 2017، بحيث تشير لغة الأرقام أن مركز الاستماع التابع للفدرالية استقبل حوالي 2091 امرأة معنفة من مختلف أقاليم الجهة، ويحتل العنف النفسي المرتبة الأولى ب 638 حالة بنسبة 58 بالمئة، ثم العنف الاجتماعي والاقتصادي الذي يطال النساء والأبناء أيضا تم العنف الجنسي والجسدي .
وأكدت الاحصائيات أن غالبية النساء المعنفات هن متزوجات وأن المعنف يكون أحد أفراد الأسرة، كما أن غالبية المعنفات تنتمي لفئة الشباب.
في نفس السياق أظهرت الاحصائيات التي يسجلها مركز الاستماع التابع للفدرالية تزايدا في نسب التبليغ عن جرائم العنف ضد النساء مما يؤكد بداية كسر حاجز الصمت الذي لطالما ظل مفروضا على هذا الموضوع، وان كانت معدلات التبليغ عن حالات العنف الجنسي ما تزال منخفضة.
ومن لغة الأرقام الى لغة النصوص حيث قدم الدكتور أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب عرضا مفصلا حول أهم مستجدات قانون 103.13 انطلق فيه من الاشارة الى أن “الاحصائيات الوطنية والجهوية التي أعلنتها فدرالية رابطة حقوق النساء والعديد من المنظمات النسائية والحقوقية الوطنية والدولية، تؤكد أن العنف ضد النساء واقع لا يمكن تجاهله، وأنه ينبغي التعاون جميعا من أجل تغيير هذا الواقع بشتى الوسائل المتاحة، من خلال الاشتغال على التوعية والتحسيس والاعلام والتربية والتكوين”، معتبرا أن القوانين بدورها تعتبر من بين أهم الآليات التي تستعمل للتغيير.
وأضاف أن قانون 103.13 وان كان مجرد تعديل جزئي للقانون الجنائي والموضوعي أضحى واقعا يتعين التعامل معه واستثمار المكتسبات الواردة فيه من أجل محاربة كل أشكال العنف ضد النساء في انتظار اصلاح تشريعي أشمل.
واستعرض المتدخل مجموعة من المقتضيات الجديدة الواردة في قانون 103.13 وأهمها وضعه لاطار مفاهيمي جديد لتعريف مختلف أشكال العنف ضد النساء الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي، وتجريمه مجموعة من الأفعال التي لم تكن مجرمة وعلى رأسها الاكراه على الزواج، والامتناع عن ارجاع الزوج المطرود الى بيت الزوجية وتبديد ممتلكات الزوجية بسوء نية، مضيفا بأن المقتضيات المتعلقة بتجريم التحرش الجنسي تعد اضافة نوعية في مجال محاربة هذه الظاهرة التي باتت تشكل اعتداء على كرامة النساء وحقهن في الولوج الى الفضاء العام. فالقانون الجديد جرم “الامعان في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها بأفعال أو أقوال أو اشارات أو بواسطة رسائل أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية” ، وشدد العقوبة اذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو مكلفا بحفظ النظام العام أو الأمن العام، أو كان من الأصول أو المحارم أو مكلفا برعاية الضحية أو كافلا له أو عندما يكون الضحية قاصرا.
من جهة ثانية ركز عضو ناي قضاة المغرب على أهمية تدابير الحماية التي جاء بها قانون العنف الجديد والتي ينبغي أن تعمل مراكز الاستماع والمنظمات النسائية وكل الجهات المتدخلة على تحسيس النساء بها، وعلى المطالبة بتفعيلها، ومن أهمها تدبير المنع من الاتصال بالضحية أو الاقتراب منها، معتبرا أن هذا التدبير قد يكون لمدة محددة لا تتجاوز خمس سنوات أو بشكل نهائي، كما يمكن أن تحكم به المحكمة، أو تأمر به النيابة العامة أو مؤسسة قضاء التحقيق وذلك بطلب من الضحية. ويتم اعماله أساسا في جرائم التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة أو العنف ضد المرأة أو القاصر، أيا كان مرتكب الفعل. وقد عاقب المشرع على خرق هذا التدبير بالحبس من 6 أشهر الى سنتين وغرامة من 2000 درهم الى 20 ألف درهم.
في نفس السياق استعرض المتدخل عددا من تدابير الحماية الأخرى التي أتى بها القانون الجديد وأهمها:
– إرجاع المحضون مع حاضنته إلى السكن المعين له من قبل المحكمة؛
-إنذار المعتدي بعدم الاعتداء، في حال التهديد بارتكاب العنف، مع تعهده بعدم الاعتداء؛
-إشعار المعتدي بأنه يمنع عليه التصرف في الأموال المشتركة بين الزوجين؛
-إحالة الضحية على مراكز الاستشفاء قصد العلاج؛
-الأمر بالإيداع بمؤسسات الإيواء أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمرأة المعنفة التي تحتاج أو ترغب في ذلك.
واختتم الدكتور أنس سعدون مداخلته بمجموعة من التوصيات أهمها :
-ضرورة نشر الأحكام القضائية المتعلقة بتطبيقات قانون العنف ضد النساء كوسيلة للتعريف به وللتحسيس بالتغيير المنشوذ، فتجريم الاكراه على الزواج والتحرش الجنسي وتبديد ممتلكات الأسرة بسوء نية وغيرها من مستجدات ينبغي ألا تبقى حبسية النصوص أو رفوف المحاكم، وانما ينبغي أن تنشر لاعطاء انطباع داخل المجتمع بأن هذه المقتضيات أصبحت مجرمة ومفعلة.
-ضرورة المطالبة بإعمال تدابير الحماية، والتي تعتبر من أهم مكتسبات قانون العنف ضد النساء الذي لا يعد مجرد قانون للزجر وانما هو قانون للحماية أيضا، كما أن الناجيات من العنف لا يحتجن فقط لزجر المعتدين وانما هن في حاجة ماسة لحمايتهن.
-ضرورة نشر التقارير المتعلقة بعمل آليات التكفل بضحايا العنف اعمالا للحق في الحصول على المعلومة.
-الاسراع باخراج مراكز ايواء الضحايا ومراكز التأهيل النفسي للمعنفين وإعداد دليل يوضع رهن اشارة الجهات المكلفة بانفاذ القانون ومنظمات المجتمع المدني.
أما مداخلة الأستاذ سعد القاسمي نائب الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بورزازات فتمحورت أساسا حول قراءة نقدية قي قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، استحضر فيها السياق العام لصدور هذا القانون بعد انتظار طويل، ومساهمة المجتمع المدني والجمعيات النسائية كقوة اقتراحية في المطالبة بالتعجيل باصداره، مؤكدا أن القانون الجديد لم يلبي مطلب التشريع المستقل واقتصر على اصلاحات جزئية للقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، مستعرضا بعض الثغرات الواردة فيه، من بينها، أنه لم يعالج معضلة الاثبات التي تبقى الهاجس الحقيقي الذي يواجه النساء المعنفات، فرغم أن المشرع شدد العقوبات في جرائم معينة، وجرم أفعالا جديدة لم تكن مجرمة من قبل، لكنه لم يتطرق لاشكالية الاثبات، واعتبر أنه “كان حريا بالمشرع أن يعتمد بعض القرائن التي طورها الاجتهاد القضائي”، من بينها القرائن التي تطبق في قضايا النفقة، حيث يعتبر القضاء أن وجود الزوجة خارج بيت الزوجية قرينة على عدم انفاق الزوج عليها، تعززها بيمينها، واقترح أن يتم اعتبار تواجد الزوجة ببيت زوجها قرينة على تعرضها للعنف، يمكن تعزيزها بالادلاء بشهادة طبية، وبالاستماع الى الأبناء المميزين في حالة تواجدهم ولو على سبيل الاستئناس..
من جهة أخرى اعتبر نائب الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بورزازات أنه “ورغم تجريم المشرع الاكراه على الزواج، واعتباره الاكراه على الزواج المرتكب في حق قاصر ظرف تشديد فإن يد النيابة العامة مغلولة لكون القانون اشترط ضرورة تقديم شكاية من المتضرر وهو ما يطرح عدة اشكاليات عملية في الحالة التي تكون فيها الضحية قاصر أو مصابة بمرض عقلي، فضلا عن الاشكاليات المتعلقة باحتساب مدة التقادم”.
وأوضح أيضا أن تجريم التحرش الجنسي ورغم أهميته لم يتم بشكل واضح لأن المشرع قيده بشرط الامعان في مضايقة الغير لأغراض جنسية، وهو ما سيؤدي الى تفاوت الاجتهاد القضائي في تفسير شرط الامعان ما بين من سيعتبره يعني “التكرار”، أو “الاصرار” رغم الفرق الشاسع بين المصطلحين.
وتطرق نائب الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بورزازات الى الباب الرابع من قانون 103.13 المخصص لآليات التكفل بالنساء ضحايا العنف، فلأول مرة أحدث المشرع إطارا قانونيا ينظم عمل خلايا التكفل بالنساء الموجودة على صعيد جميع محاكم الموضوع (المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف)، كما وضع لجانا مشتركة بين القطاعات المتدخلة في المجال، مهمتها الاستقبال والاستماع والدعم والتوجيه والمرافقة للنساء المعنفات تحت إشراف النيابة العامة. معتبرا أن حضور الجمعيات النسائية الجادة ومكونات المجتمع المدني يمكن أن تغني التجرية من خلال التقارير ترسلها ومن خلال التبليغ عن الحالات التي تسجلها، مؤكدا على أهمية التنسيق بين كافة المتدخلين.
ودعا نائب الوكيل العام في نهاية مداخلته الى ضرورة اشراك القضاة في وضع النصوص القانونية ومراجعتها وفي التعديلات التشريعية باعتبارهم الجهاز المكلف بتطبيق النصوص.
أشغال الندوة تواصلت بفتح باب المناقشة بين الحضور حيث تناولت الكلمة القاضية حياة بوسكري نائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بورزازات والتي كشفت النقاب حول استمرار ظاهرة التمييز التي تعاني منها الأمهات العازبات اللواتي يحرمن من حق الحصول على مساعدات صندوق التكافل العائلي، والصعوبات التي يواجهها أطفالهن الذين يعانون من اهمال تشريعي ووصم مجتمعي وتمييز يشكل في حد ذاته عنفا قانونيا داعية الى فتح نقاش عمومي حول هذا الموضوع في اطار ما ينص عليه دستور 2011 من حظر كل أشكال التمييز، واستحضارا لعدد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق الطفل والمرأة.
في نفس السياق قدم الباحث في صف الدكتوراه سعيد موقوش عددا من المؤاخذات حول القانون الجديد الذي اعتبر التحرش الجنسي فعلا مباحا لكون المشرع اشترط الامعان في التحرش، كما أنه همش من دور الجمعيات النسائية التي تشتغل في الميدان حيث وضع شروطا كثيرة لانتصابها كمطالب بالحق المدني في قضايا العنف ضد النساء كشرط المنفعة العامة أو ضرورة الحصول على اذن كتابي من الضحية.
وأكدت مداخلات أخرى على ضرورة مراجعة الذهنيات التي تطبع مع العنف باعتباره جريمة لا يمكن أن نبحث فيها للجاني على أي مبرر.
اترك تعليقاً