حول : استحداث محكمة مختصة للنظر في قضايا الإعلام/ للكاتب موسى فرج
قرأت مؤخرا (حزمة ) من المقالات بشأن قرار مجلس القضاء الأعلى القاضي باستحداث محكمة مختصة بالنظر في قضايا الإعلام وأتيحت لي كما لغيري الفرصة للوقوف على دوافع القرار الخاص باستحداث المحكمة المشار أليها من خلال متابعتي لحلقة ( بالعراقي ) التي عرضتها فضائية الحرة مساء يوم الخميس 29 /7 /2010 واستضافت فيها السادة : القاضي عبد الستار البيرقدار المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى والدكتور هاشم حسن أستاذ فلسفة الإعلام في جامعة بغداد والإعلامي عبد المنعم الأعسم حيث عبر مقدم وضيوف الحلقة من تخوفهم من تشديد الخناق على حق التعبير وحرية الرأي في حين كان السيد ممثل مجلس القضاء الأعلى يحاول طمأنتهم بأن استحداث المحكمة يصب في مصلحة الإعلاميين.. ومن خلال التجربة الميدانية والتعامل المباشر مع القضاء العراقي في السنوات التي أعقبت عام 2003 ..أحاول أن ألفت النظر إلى أن الهواجس ينبغي أن تتجه إلى موضع آخر واعني به أسباب تدهور الثقة بالقضاء العراقي .. وليس إلى مجرد استحداث المحكمة المشار أليها..
1 . المحكمة الخاصة والمحكمة المختصة : حصلت مناقشة مماثلة عند أعداد قانون هيئة النزاهة في أواخر عام 2003 فقد اقترح البعض تشكيل محكمة خاصة للنظر في قضايا الفساد في حين عارض البعض الآخر الفكرة وكان سبب التخوف هو أن تجربة المحاكم الخاصة في العراق تجربة مريرة في خضوعها للسلطة التنفيذية وقطعية قراراتها حيث لا يوجد تمييز أو استئناف فتم التوضيح بأن المقصود محكمة مختصة وليست خاصة والفرق بينهما شاسع فالمختصة محكمة عادية مثل محكمة الأحوال الشخصية أو القاصرين لكن اختصاصها يكون النظر بقضايا الفساد فقط..وتبعا لذلك فأنه إلى جانب المحكمة المركزية في بغداد فإن المحاكم في المحافظات تنظر في قضايا الفساد ولكن من خلال قاض متفرغ لهذه الغاية واستحداث محكمة مختصة بقضايا الإعلام في الرصافة في ظني أنه لا يختلف عن هذا وقد يتبعه استحداث محاكم مماثلة في المحافظات ( تفرغ قاض مختص للنظر في القضايا الخاصة بالإعلام ) لمعالجة الاختصاص المكاني وهو أجراء قد يكون فعلا من صالح الإعلاميين من الناحية الإجرائية دون المساس بطبيعة الأحكام طالما أنه لم يحصل تغيير في النصوص القانونية ذات الصلة .. ولكن هل أن جهود القضاء ستكون فعالة في هذا المجال أم لا ؟..مثلما هو التساؤل قائم بشأن جهود القضاء في مواجهة الفساد ..؟ هذا موضوع آخر وله أسبابه وسأشير إليها وهي قطعا يتصل جانب أساسي منها بالقضاء في العراق …
2 . أسباب تدهور الثقة بالقضاء العراقي : هذه العبارة قد تخدش مسامع الكثير باعتبار أن الأغلب من الأطراف الحكومية والسياسية وحتى الشعبية عندما يتكلم البعض منهم أو يكتب فانه يشيد بالقضاء العراقي وهو أمر يتعارض مع القول بضعف الثقة فيه .. الأصوات أو الأقلام التي تشيد بالقضاء العراقي بعضها ينطلق من الرغبة لما يكون عليه القضاء العراقي وأزعم أني من ضمن هذه الفئة ، وبعضها يتزلف القضاء العراقي مسبقا خشية مواجهته في المستقبل فيتعرض لرد الفعل وهو أمر ناجم من شعور بالرعب مخزون في دواخل المواطن العراقي من القضاء بوصفه الذراع الضارب للاستبداد الصدامي الذي عرف عنه ممارسات قطع اللسان والأذن والخضوع الأعمى للسلطة التنفيذية ( طبعا أنا لا أعمم فالأمر أولا وأخيرا يتعلق بالقاضي والقاضي إنسان.. والناس منهم الخنوع ومنهم الحر ..) ، وبعضها يتزلف القضاء أملا في موقف ساند لوضعه السياسي فإن لم يحصل على ما يشتهي قلب له ظهر المجن ، وبعضها يطعن بالقضاء العراقي منطلقا من موقفه المناهض من النظام السياسي الجديد برمته ، ولكن هذا لم يمنع من وجود أصوات تنقد القضاء العراقي بهدف التقويم وهو أمر مشروع ومفيد وضروري وينطلق من الطموح لما نتمنى أن يكون عليه القضاء العراقي .. وقد يستطيع القضاء إن توفرت الإرادة الصلبة أن يقود عملية التغيير والإصلاح في العراق ..
3 .في عام 2006 وعندما هرب وزير الدفاع السابق حازم شعلان إلى كردستان بعد توجيه تهم له بالفساد من قبل هيئة النزاهة وأحالتها للقضاء وصدور أمر بالقبض ضده .. أطلق السيد مسعود البرزاني تصريحاته الشهيرة ضد القضاء العراقي متهما إياه بأنه غير مؤهل وغير عادل فرددت عليه بمؤتمر صحفي عقد في قصر المؤتمرات نقلته معظم وسائل الإعلام وكنت يومها نائبا لرئيس هيئة النزاهة مبينا أن طبيعة خدمات القضاء لا يمكن استيرادها من الخارج مثل الأدوات الاحتياطية .. وأيضا لا يمكن إرسال المحتاجين لخدمات القضاء للخارج كما هو الحال بالنسبة للخدمات العلاجية والصحية ( طبعا باستثناء الحالة التي قد تحصل مشابهة لموضوع البشير وهذه .. قد ..) ويوجد سبيل واحد لمعالجة مكامن الضعف في القضاء العراقي إن وجدت وينحصر في بيان نقاط الضعف بموضوعية وشجاعة لمعالجتها ..أما الاكتفاء بالطعن بأهلية وعدالة القضاء العراقي .. فأمر لا يحل المشكلة .. مهنة القضاء في العراق كما المهن الأخرى كالطب مثلا لها تاريخ مشرف لكنها تعرضت إلى تخريب وتدمير ماحق في عهد نظام صدام وقوضت تقريبا الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها ولم ينفرد القضاء بذلك..
ففي مجال الطب لم يحصل في تاريخ العراق قبل نظام صدام أن قام طبيب عراقي بقطع اللسان أو جدع الأذن أو الأنف أو وصم الجبهة لكن ذلك حصل من خلال أطباء مأمورين في العراق ..النبيل منهم غادر العراق هاربا من التورط في تلك الممارسة والضعيف منهم مارسها بخضوع والدنيء مارسها بروحية الملكي أكثر من الملك .. تلك الممارسات لم تكن آنية وانفعالية بل كانت مقننة ومشرعنة بنصوص قانونية .. الذي نبه أو شجع أو ساهم في سنّها يحتل مكانه الوضيع في وادي المقت العراقي وإن لم تتم الإشارة إلى اسمه صريحا … في القضاء حصل مثل ذلك أيضا عندما بات القاضي مأمورا لدى السلطة التنفيذية الغاشمة .. بعض القضاة غادروا ساحة القضاء بل والعراق وبعضهم عزف عن العمل في الميدان وبعضهم كالقابض على الجمر … وبعضهم يهمس لأحد المتخاصمين وربما لكلاهما : ( دير بالك علينا ..).. وبعضهم يجلبون له المتهم إلى المحكمة وثوبه منقوعا في دمه فيكتب على ملفه : (المحقق / للتعمق بالتحقيق !..) لانتزاع الاعتراف بأية صورة ..
وبعضهم بات غشوما أكثر من السلطة التنفيذية الغاشمة ، بل وأن بعضهم جزء منها .. بلغ الأمر بأن تصادف قاضيا يرتدي الزيتوني يقف بإمرة أحد أفراد الجيش الشعبي في السيطرات يفتش المارة .. كل هذا حصل للقضاء وفي القضاء.. ولا يمكن تجاوزه إلا إذا كان يمكن تجاوز حالات إصدار محكمة البندر أحكام إعدام لناس تم إعدامهم قبل ذلك بفترات طويلة…
في أجواء النظام الصدامي كان ثالوث غير مقدس قائم أسمه:( محامي قاضي ضابط ) وعندما يكتب للعراقي أن يكون بمواجهة مع القضاء فإن العراقي ليس أمامه البحث عن المحامي الكفء بل المحامي المعروف بـ (ينسق) وهي مفردة تعني وجود الصلة غير ألشريفه للمحامي مع القاضي وضابط الشرطة وكلما كانت صلة المحامي باركان أو أزلام النظام قوية كانت الثقة به مطلقه .. هل أن تلك الممارسات انتهت ..؟ قطعا لا .. لكني أعتقد أنها تحجمت ولكن دون أن تنتهي .. لأن وجودها مرهون بالقاضي الإنسان ومادام قد حصل تغيير واسع في القضاة إضافة أو استبدالا فقد حصل تغيير لكنه يبقى جزئي ولأن قبضة السلطة الحالية هي أضعف بكثير من قبضة سلطة الاستبداد الصدامي فأن القاضي الذي كانت تعتمل الرغبة في ضميره للتحرر من الفساد والباطل وجد نفسه أمام فضاء يتيح له ذلك ..
ولكن يوجد من بين القضاة والعاملين في أجهزة القضاء من هو مجبول على الفساد والباطل.. ولما كانت السلطة بثلاث شقوقها وليس بشقيها (التنفيذية والتشريعية والقضائية) أضعف مما كانت عليه … فإن الفضاء الذي ينسجم مع نوازعه بات أوسع .. في الجانب الآخر فان القاضي النزيه والعادل والمستقيم هو أصلا أعزل .. ذراعه السلطة التنفيذية التي تأتمر بأمره خضوعا للقانون فإذا كانت هي مشوبة بل غارقة بالفساد وقياداتها إما غير مؤمنة بمبدأ سيادة القانون أو غير راغبة في أن يسود القانون أو أنها غير قادرة على إلزام معيتها بالخضوع للقانون فإن القاضي النزيه يعمل وسط حقل ألغام لا يدري بأية لحظة يتفجر تحت أقدامه فيودي بحياته أو بسمعته .. ومنه يتبين (من وجهة نظري المتواضعة ) أن العوامل الجاذبة والعوامل المانعة التي يواجهها القاضي النزيه والعادل في عراق اليوم متعادلة وقد تميل لغير صالحه في سعيه للتمسك الصارم بمبادئه الأخلاقية والمهنية .. أما العوامل المشجعة للقاضي غير الآبه بتلك المعايير فإنها لصالحه في توجهه ..
4 . المشكلة الأزلية في القضاء هي موضوع الاستقلالية .. وعندما تتكلم الحكومة أو مجلس النواب أو القضاء نفسه يسمع منهم الناس بأن القضاء مستقل .. ما هو الدليل ؟.. يسارعون إلى الإشارة إلى نص في الدستور ينص على أن القضاء مستقل ولا سلطان عليه إلا للقانون ويعرضون عليك نص آخر ينص على مبدأ فصل السلطات .. ولكن هل يكفي وجود أي من النصين أو كلاهما لضمان استقلال القضاء ؟.. أبدا .. وهل أن استقلال القاضي كفيل وحده بأن يجعل منه قاض عادل ؟ .. أيضا ..لا .. الأصل في القاضي أن يكون عادلا ، ومن بين الشروط وليس كلها أن يكون مستقلا ..
فعندما يكون جائرا وإن كان مستقلا فلن تتحقق العدالة .. وإن كان غير ملم وبأفضل صورة لن يكون عادلا وإن توفرت له سبل الاستقلالية .. ( بالمناسبة : صادفت بعض القضاة يحتمي خلف حديث للرسول ( ص) يقول..( ما معناه) للمجتهد إن أصاب أجرين وإن أخطأ فله أجر واحد !.. قلت له هذا المجتهد وليس القاضي.. القاضي وصف بأنه يذبح ـ بضم الياء ـ بغير سكين.. لأنه إن قضى بغير علم ..ظلم ، وإن قضى متبعا هواه ..ظلم..وإن قضى ظلما خضوعا لمشيئة ظالم .. ظلم … والنتيجة واحدة.. الظلم واحد والوزر واحد فليس للقاضي أن يقضي دون علم وليس للقاضي أن يقضي متبعا هواه على حساب العدالة وأيضا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .. فإذن لكي يصل القاضي إلى غايته في تحقيق العدالة عليه أن يكون ملما أولا وان يكون مستقلا ثانيا .. والاستقلال مربط الفرس وهو نوعين :
1. استقلاله عن الهوى : وهو أمر لا يحققه النص على استقلال القضاء في الدستور ولا النص على مبدأ فصل السلطات في الدستور .. إنما تحققه استقامة القاضي ومبدأيته ونزاهته وشجاعته ..
2 . استقلاله عن الضغوط : وهو أمر تساعد عليه النصوص المشار أليها ولكن لن تصنعه وحدها بل إرادة واستقامة ومبدئية القاضي ( فبعضهم هو لبلاب ما يوكف إلا منتجي وما يعيش إلا متسلق ..فماذا تصنع له تلك النصوص ؟.. ) ..ففي عصر الرسالة أو العصر العباسي لم يكن دستورا بالمعنى الذي نعرفه عن الدستور الذي في زماننا قد وجد .. مع ذلك كان من بين القضاة من أفصح عن درجة عالية من الاستقلالية ومرد ذلك إلى أحد عاملين:
الأول: إن الحاكم التنفيذي يريد ذلك لأنه بالأساس مستقيم ، والثاني : لأن القاضي مستقيم بصرف النظر عن حال الحاكم أو رغبته ..
أما إن أجتمع العاملين معا : حاكم عادل وقاض عادل فتلك جنة على الأرض ..في الحقبة الديمقراطية في عراق اليوم كنت أتكلم مع مسئول قيادي في السلطة التنفيذية وكان الحديث يدور حول قاضي فقال : والله أكسر ظهره ..! صفنت في وجهه وضحكت .. الأخ هوايه يؤمن باستقلال القضاء ..! وفي مرة أخرى كنت في زيارة لأحد قياديي مجلس القضاء .. فقال : أمس دز عليّ نائب رئيس الجمهورية بشأن ناس موقوفين وبالشافعات خلصت روحي .. وأيضا صفنت في وجهه وضحكت .. قال : ما يضحكك ؟.. قلت له : قبل أسبوعين كنت أتابع برنامج (من داخل واشنطن ) من فضائية الحره عراق ويقدمه أمريكي بلغة عربية مكسرة وكان ضيف البرنامج قاضي من المحكمة الاتحادية في عهد بوش وسأله مقدم البرنامج : هل يتصل بك الرئيس بوش هاتفيا يمارس عليك ضغوط .. قال الرجل بإباء رائع : مضى علي في وظيفتي هذه 30 سنة ولم يرفع رئيس أمريكي سماعة الهاتف يطلبني ولو حصل.. لكان جوابي هو أن أضع ورقة استقالتي على الميز وأغادر مكتبي .. هذه هي الإستقلاليه.. ولكن من صنعها ؟ .. الرئيس الأمريكي ؟ ..لا .. نائب الرئيس العراقي ؟ .. لا .. إنما صنعها القاضي ( عدد هائل من قضاتنا تجدهم يتلبكون في مقرات الأحزاب .. والأحزاب متناطحة وهو أمر محرم قانونا ودستوريا !.. ويتلبكون في استعلامات التنفيذيين ..!).. والاستقلالية ..أي شخص يمكن أن يصنعها إن توفرت بين خافقيه الاستقامة والإرادة .. فإن أمرت أن أفعل خطأ أرفض تنفيذ الأمر .. يحاسبني..؟ أنا الأقوى .. لأن موقفي قوي .. يلوي ذراعي ؟ .. أبطّل.. إلا.. إذا كنت أرى أن قيمة كرامتي وكينونتي أقل من قيمة الوظيفة .. ومنهم من يرى هذا ومنهم من يرى ذاك تبعا للبناء القيمي والشخصي للأشخاص .. فإذن استقلال القضاء لا يصنعه النص الذي في الدستور ولكن يساعد عليه إما من يصنعه ؟.. فهو القاضي .. وهو القيادي في جهاز القضاء وفي أي جهاز عندما يقول للغير الذي يحاول أن يعتليه جسرا للباطل .. لا.. وعلى جثتي .. وعندما يقول للغير الذي يحاول ممارسة التعسف تجاه أحد من معيته : أبدؤوا بي.. ( فتحت مرة الموبايل وكان المتكلم مكتب رئيس الحكومة .. هاه ..؟ قال: عندك فلان موظف ؟..قلت : إيه .. هذا مدير عام .. أشبيه ؟ قال: تخلص منه بأية صوره .. قلت : ليش ؟ .. قال: فاسد .. قلت : هذا مو جان عندكم ونقلتموه للهيئة قبل التحاقي الأخير ؟ لعد أشلون تنقلون فاسديكم لهيئة النزاهة ؟ .. قال: بيها توجيه !.. قلت له: آنا العصمه مالتي بيدي ..! إذا عندك شئ يدينه فأرسلوه لي وسأخضعه للتحقيق خلال خمس دقائق وأحيل أوراقه للمحكمة اليوم ولكن دون ذلك فابدؤوا بي أولا.. ولا علاقة للأمر بأني على وفاق معه أم في قطيعه .. ألا تقولون : وكلكم مسئول عن رعيته.. ؟ تبين أن الرجل رفض التوقيع معهم على صفقة طائرات مخالفة للقانون ..( بعد مغادرتي الهيئة سووه فلم .. وما أدري هسا هو بيا دولة لاجئ !..) فإذن الاستقلال لا يصنعه النص الدستوري الذي ينص باستقلالي عن الحكومة إنما الذي يصنعه أنا …
في ذاكرتي طرفه حصلت أثناء عملي في دوائر الدولة لها صلة بموضوع الضغوط سأختتم فيها هذه الحلقة من هذا المقال لأن الحديث عن القضاء حديث ذو شجون لأهمية القضاء وللرغبة الصادقة في السعي لفلترته مما علق به ولأنه بصدق يشكل الأمل في إصلاح الأمور في العراق بعد إن تأكدت عمليا أن نتائج الساسة والأحزاب في أصلاح الأمور ( فالصو)..
قبل عام 1990 كنت موظف في أحدى الدوائر وكنت مخولا بالموافقة على بعض المقاولات وتوقيع بعض العقود وإبداء رأيي ببعضها تمهيدا لتوقيعها ، كان احد المقاولين في المحافظة في السابق معلم وترك الوظيفة لخلفيته السياسية وصار مقاول ولغرض تمشية أموره في دوائر الدولة منح عضو فرع في الحزب ( البعث) 25 ./. من أرباحه لقاء توظيف نفوذ عضو الفرع على موظفي دوائر المحافظة في حصوله على المقاولات .. وحصل إن حضرا كلاهما في مكتبي لهذا الغرض و لما وجد المقاول أن الموضوع لا يتطلب نفوذ عضو الفرع واني لا أقيم وزنا لنفوذه وإن كان عضو قومية وليس قطريه ( وبالفعل أحلت البعض إلى محكمة الثورة وتبعتهم للشهادة عليهم وحبسهم البندر وخرجت ليس من المحكمة فقط بل من الوظيفة الحكومية للتالي ..) ..عندما وجد عضو الفرع تململ المقاول بدأ يمارس ضغوطه عليه فقال له : بالله أحجيله ..أحجيله للأستاذ شلون من جنت شيوعي .. وطن حر وشعب سعيد ..إيه..! .. ضحكت بشكل ملفت .. قال : ما يضحكك ؟ قلت لهما : تعرفان فلان الأحدب ؟..وفلان الشاعر الشعبي ؟ قالا نعرفهما كلاهما .. ما أمرهما ؟ قلت لهما هما يوميا يلعبان الشطرنج عصرا في المقهى المعروفة في المدينة التي تقع على ضفة الشط ..
وعندما يكون اللعب لصالح الأحدب فليس هناك مشكلة .. لكن إن كان اللعب لغير صالحه همس للشاعر قائلا : البواسير أشلونها وياك هالأيام ؟ يتلخبط الشاعر فيكش الأحدب مليكه !.. إذا هذي مفادت يذكره بشغله مسويها بالمراهقة فيلخبطه ويغلبه .. وفي أحد الأيام وقد وصل السيل الزبى عند الشاعر الشعبي وجاء ليضع حدا لحالات الخسارة المتتالية .. وحقق نصرا باهرا فقد قتل وزير الأحدب ..! وشارف أن يقول له كش ملك .. فقال له الأحدب خوب ممأذيتك البواسير ؟ تجاهل الشاعر الأمر ، فقال له: أنت .. لازلت مستمر على ما أعتدت عليه يوم كنت مراهقا ؟ ..فما كان من الشاعر إلا وأمسك بعقيصة الأحدب ورفعه وقوفا وصاح بأعلى صوته يخاطب رواد المقهى : يا أهل ألمدينه .. يا رواد المقهى .. ترى آنا مصاب بالبواسير ومسوي فلان شغله وفلان شغله يوم كنت مراهقا ..! لكن اليوم لازم أقتل الملك !.. وقذف بملك الأحدب إلى النهر ولم يفكه إلا وقد استل عدد لا يحصى من ( عقيصته ).. فوجهت كلامي لعضو الفرع قائلا: يمعود أخاف يجي يوم يزهك الأخ المقاول ويرفع صورة لينين بصلعته بوجهك وبنص الناس ويرمي بملكك إلى الفرات .. وجاء اليوم ولكن مع الأسف المقاول توفى قبل ذلك وعضو الفرع في عمان الآن .. ونصيحتي لأبن المقاول أن يبعث كارت يحمل صورة السيد حميد مجيد موسى محاطا ليس بمنجل وجاكوج فقط وإنما بقزمه ومرواح( الذي يستخدمه الفلاح لفصل التبن عن الحبوب ) إلى عضو الفرع من اليوم لأنه أن عاد( وهو لاشك عائد ) دون ذلك فأن الـ 25 ./. لا تقنعه ويطلب 75 ./. … أبني صفاء أنتبه.. ترى الدنيا دواره …( يجي يوم الدمج.. تلكون رتبهم بسوك الغزل تنباع ويا الحمام والأرانب وهاي الخارشه العالم .. ) المسئولين في الحكومة والأحزاب حاليا .. ما إن يرفع قاضي أو غيره عينه في وجوههم إلا وسارعوا إلى سحب قرار اجتثاث البعث من مجراتهم .. وإن لم ينفع .. قالوا له : بالله حسب خبرتك القانونية .. صلاحيات هيئة العدالة والمسائلة مماثلة لصلاحيات هيئة اجتثاث البعث ..؟ وأضافوا .. يمكن شفت لك صورة بالزيتوني وأنت تهتف ..( واحدنا يعادل دبابه..! ) … وفي مثل هذه الحالة فأني انصح الشخص قاضي.. موظف .. أن يكون واحد من اثنين: إما أن لا يلعب شطرنج مع الأحدب.. والناس هوايه ..لو عنده استعداد أن يقف على طوله ويصيح .. يا أهل ألمدينه .. ترى عندي بواسير مزمنه .. وفي مراحلها ألمتقدمه .. وقد فعلت كذا وكذا في مراهقتي.. أقول هذا من باب الشفافية واستغفر الله لي ولكم .. ويكش ملك الأحدب ويكسر مدوره .. وياخذ جوازه ..
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً