الواجبات الوظيفية
بين التشابه الشكلي والتعارض الموضوعي في نصوص المواد (42-46)
من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي
إعداد الرائد الحقوقي ستار مزعل فرحان .. ماجستير قانون عام
المقدمة
ابتداءً يجب التفريق بين الواجبات المفروضة بموجب التشريعات والقوانين التي تصدرها السلطة التشريعية في البلد واللوائح والأنظمة والتعليمات التي تصدرها السلطة التنفيذية لتنظيم عمل وزارات الدولة لبيان التشابه الشكلي والتعارض الموضوعي لبعض النصوص القانونية ، كما وإن المسؤولية الجزائية في مجال الوظيفة العامة في وزارة الداخلية تقوم على أساس إخلال الضابط أو المنتسب بواجبات وظيفته ، ولم يرتب المشرع المسئولية المدنية للضابط أو المنتسب إلا إذا اتسم الخطأ الذي وقع منه بوصف الخطأ الشخصي .
وإن أولى الواجبات التي يكلف بها الضابط أو المنتسب في أجهزة قوى الأمن الداخلي أن يؤدي مهام وظيفته بدقة وأمانة وان يؤدي العمل المنوط به بنفسه ويخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته، وينفذ ما يصدر إليه من أوامر بدقة وأمانة وذلك في حدود القوانين واللوائح والتعليمات المعمول بها ، وأن يحافظ على كرامة وظيفته ، وأن يسللك في تصرفاته مسلكا يتفق والاحترام الواجب لها، ويتعاون مع زملائه في أداء الواجبات العاجلة اللازمة لتأمين سير العمل وتنفيذ الخدمة العامة.
وأبرز ما يُميز الجرائم الانضباطية المعاقب عليها في قوانين أجهزة قوى الأمن الداخلي في العراق هو عدم تحديدها على سبيل الحصر على خلاف الأصل المقرر في القانون الجنائي العام وإنما محددها الإخلال بكرامة الوظيفة و الخروج على مقتضيات الواجب وتقرير قيام الجريمة من عدمه خاضع لتقرير جهة الإدارة ، في حين إن الجرائم في المجال الجنائي محددة على سبيل الحصر وأيضا محدد لها العقوبات المفروضة بحق مرتكبيها، إذ تخضع لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون ، ومع هذا فإنه من الضروري أن تُصنف الجرائم الانضباطية على الأقل في كل تشكيل من أجهزة قوى الأمن الداخلي على حدى بما يتناسب مع طبيعة عمله ، وبما يحقق مبدأ شرعية المخالفات من خلال ما تُصدره الجهة الإدارية من لوائح وتعليمات تحدد فيها الواجبات الوظيفية.
وإن الدقة والأمانة المطلوبة من الضابط والمنتسب تقتضي منه أن يبذل أقصى درجات الحرص على أن يكون أداؤه للعمل صادراً عن يقظة وتبصر بحيث يتحرى في كل إجراء يقوم باتخاذه ما يجب أن يكون عليه الرجل الحريص من حذر وتحرز.
أما موضوعة مخالفة واجبات الوظيفة فإنها تعد أخلالا بالواجبات الرئيسة والأصلية المكلف بها أجهزة قوى الأمن الداخلي استنادا إلى التشريعات والقوانين التي تنظم عمل وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها والمتمثلة بتطبيق القانون وحفظ الأمن والنظام داخل البلد.
ولابد لنا هنا من أيراد الوصف القانوني لنص المادة /42(ق.ا,ع) والمقصود منه هو الخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية وكذلك الوصف القانوني لنص المادة 46(ق.أ,ع) والمقصود منها مخالفة واجبات الوظيفية .
اولا : ماهية واجبات الوظيفة :
يجب توضيح ماهية واجبات الوظيفة في وزارة الداخلية وما هو المقصود منها والمتمثلة بالاتي :-
واجبات الوظيفة تعني كل الأفعال والإعمال المطلوب تأديتها بشكل قانوني سليم والأفعال والإعمال المطلوب الامتناع عن إتيانها استنادا للقوانين واللوائح والأنظمة والتعليمات التي تنظم عمل وزارة الداخلية وان لكل وظيفة واجبات توكل إلى الضباط والمنتسبين وعليهم تأديتها بالشكل القانوني السليم والواجبات الوظيفية لضباط ومنتسبي وموظفي قوى الأمن الداخلي التابعين إلى وزارة الداخلية هي مجموعة الأفعال والأعمال التي يؤدونها والمتمثلة بتطبيق القانون وحفظ النظام العام بعناصره الثلاثة الآمن العام والصحة العامة والسكينة العامة ومكافحة الجرائم والقبض على مرتكبيها .
أ : تعريف واجبات الوظيفة في الاصطلاح
إن واجبات الشرطة هي مجموعة الأنشطة والأعمال التي تقوم بها أجهزة الشرطة بمختلف صنوفها لتحقيق أهداف مرفق الأمن بأعلى درجة ممكنة من الكفاءة والمهنية والإخلاص في العمل ، وقد نصت على ذلك المادة الأولى من قانون واجبات رجل الشرطة في مكافحة الجريمة رقم (176) لسنة 1980 على ما يلي : ( تختص قوى الأمن الداخلي بالمحافظة على النظام والأمن الداخلي، ومنع ارتكاب الجرائم، وتعقيب مرتكبيها، والقبض عليهم، والقيام بالمراقبة المقتضات لها، وحماية الأنفس والأموال، وجمع المعلومات المتعلقة بأمن الدولة الداخلي وسياستها العامة، وضمان تنفيذ الواجبات التي تفرضها عليها القوانين والأنظمة(.
ب : تحديد واجبات الوظيفة
وقد حددت واجبات الوظيفة لأجهزة قوى الأمن الداخلي بموجب المادة(9/ أولا / أ) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 والمادة(4/ ثانيا ) من قانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي رقم 18 لسنة 2011 ونظمت مدونة السلوك الوظيفي لمنتسبي قوى الأمن الداخلي الصادرة عن وزارة الداخلية / المديرية العامة لإدارة الأفراد بموجب الأمر الوزاري المرقم 42340 في 2/11/2011 قواعد سلوك منتسبي قوى الأمن الداخلي بما يلي :-
الالتزام بالانضباط المسلكي والمهني والوظيفي والاجتماعي والأخلاقي .
المعاملة الحسنة بين الرؤساء والمرؤوسين والزملاء والقائمة على الاحترام والتعاون المتبادل وحسب الاقدمية وتسلسل الرتب العسكرية في السلم الوظيفي.
احترام الدستور والقانون وضمان سيادة واحكام التشريعات والقوانين ومنع المتجاوزين عليها.
احترام المواطنين وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان وتجسيد قيم الإنسانية النبيلة.
النزاهة والإخلاص في العمل.
أداء الواجب في كل الأوقات بأنفسهم وبانضباط ومهنية عالية وحيادية وأمانه وإخلاص .
عم استعمال القوة والامتناع عن التعذيب .
المحافظة على سرية المعلومات والوثائق والمستندات التي بحوزتهم .
عدم التدخل في السياسة أو الانتماء للأحزاب أو الترويج لها .
10-الالتزام بأوقات الدوام الرسمي .
جـ : السلطة المختصة بفرض العقاب في جرائم مخالفة واجبات الوظيفة :-
تم تحديد اختصاص محكمة أمر الضبط بالنظر في حالة مخالفة واجبات الوظيفة فإنها تعني الإخلال في العمل المكلف به ضباط ومنسبي قوى الأمن الداخلي استنادا للتشريعات والقوانين التي تنظم العمل الأصلي والرئيسي لأجهزة قوى الأمن الداخلي والمتمثلة بتطبيق القانون وحفظ الأمن والنظام.
وان النص الوارد في المادة/ 46(ق.ا.ع ) والمقصود منه مخالفة واجبات الوظيفة الأصلية الصادرة بموجب التشريعات والقوانين التي تنظم عمل أجهزة وزارة الداخلية وان فعل مخالفة واجبات الوظيفة على فرض صحة ثبوته يدخل في الاختصاص الجزائي لمحكمة آمر الضبط أيضا لكونه من الجرائم الانضباطية وليست من الجرائم الجنائية التي تدخل في الاختصاص الجزائي لمحاكم قوى الأمن الداخلي المختصة نوعياً في نظر الجرائم الجنائية التي يرتكبها ضباط ومنتسبي قوى الأمن الداخلي و المنصوص عليها في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي رقم 14/ لسنة 2008 المعدل .
ويحظر على ضباط ومنتسبي قوى الأمن الداخلي ما يلي:
إبداء الآراء السياسية والاشتغال بالسياسة أو الانتماء إلى الأحزاب أو الهيئات أو الجمعيات أو المنظمات ذات الأهداف السياسية والاشتراك في أية مظاهرة أو اضطرابات والاشتراك في تنظيم اجتماعات حزبية أو دعايات انتخابية.
الإفضاء بمعلومات أو إيضاحات عن المسائل التي ينبغي أن تظل سرية بطبيعتها، أو بمقتضى تعليمات خاصة، ويظل الالتزام بالكتمان قائما حتى بعد انتهاء الخدمة.
الاحتفاظ لنفسه بأي وثيقة أو ورقة من الوثائق أو الأوراق الرسمية أو صورة عنها، ولو كانت خاصة بعمل كلف به شخصيا.
إصدار تصريحات لوسائل الإعلام إلا بموجب تفويض رسمي من الوزير المختص.
يحظر على الضابط أو المنتسب الاشتراك في تأسيس الشركات أو في عضوية مجالس إداراتها، أو أي منصب آخر فيها.
يحظر على الضابط أو المنتسب تناول المسكرات أو المخدرات أو لعب القمار في الأندية أو القاعات المخصصة لهذا الغرض أو المحال العامة أو الملاهي الليلية .
ثانيا : ماهية الخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية
لابد لهذه الواجبات الوظيفية من مقتضيات ولوازم تمكن العاملين عليها من أتينها بصورة صحيحة ومن هذه المقتضيات مجموع اللوائح والأنظمة والتعليمات التي تصدرها وزارة الداخلية والدوائر الاختصاصية المرتبطة بها ، وأن كل ما يخالف الواجبات المنصوص عليها في القوانين الصادرة والتي تنظم عمل أجهزة قوى الأمن الداخلي أو في القرارات الصادرة من الوزير المختص أو من يخوله ، أو يخرج على مقتضيات الواجب في أعمال وظيفته، أو يسللك سلوكا، أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يعاقب بإحدى العقوبات الانضباطية المنصوص عليها في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي رقم 14 لسنة 2008 المعدل.
أ: التعريف الاصطلاحي لمقتضيات الواجبات الوظيفية
ويقصد بالخروج على واجبات الوظيفة أن يرتكب الضابط او المنتسب فعلاً أو أفعالاً تعد إخلالاً بواجبات وظيفته أو مقتضياتها ، أو أن يمتنع المنتسب عن أداء عمل أوجبه القانون وكان من مقتضيات وظيفته وعليه القيام به ، ويسبب الامتناع إخلالاً بواجبات الوظيفة أو مساساً بكرامتها ، ما لم يكن الفعل أو الامتناع عن الفعل استعمالاً لحق أو أداء لواجب طبقاً للقانون.
وان كل خروج على مقتضى الواجب الوظيفي يرتب المسؤولية الجزائية بحق الضابط أو المنتسب والتي توجب معاقبته بإحدى العقوبات المقررة بموجب القانون النافذ ، ويعد مرتكبا لإحدى الجرائم الانضباطية كل من يخرج على تلك اللوائح والأنظمة والتعليمات ومن أمثلتها تعليمات تحديد أزياء وأشكال رتب صنوف قوى الأمن الداخلي وقياساتها وشاراتها وعلاماتها رقم (7) لسنة 2014.
ومن عناصر تلك المسؤولية التأكد من أن العمل المكون للمخالفة المنسوبة للضابط او المنتسب يدخل في اختصاصه الوظيفي وان هذا الاختصاص الوظيفي تنظمه قرارات إدارية صادرة من الجهة الإدارية أو الجهات المختصة قانوناً.
ب: تحديد جرائم الخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية
وان وجود النصوص القانونية المشار إليها في أعلاه والواردة في قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي رقم 14 / سنه 2008 هو لتحديد سلطة المحكمة المختصة في محاكمة مرتكبي الجرائم الانضباطية الواردة في تلك النصوص وفرض العقاب المناسب بحقها استناداً إلى مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الوارد في قانون العقوبات العام رقم 111 لسنة 1969 ، إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون والمذكور في نص المادة / الأولى من نفس القانون أعلاه والتي استقام نصها بالاتي: (لا عقاب على فعل أو امتناع إلا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ولا يجوز توقيع عقوبات أو تدابير احترازية لم ينص عليها القانون .(
جـ: السلطة المختصة بفرض العقاب في جرائم الخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية :-
كذلك تم تحديد اختصاص محكمة أمر الضبط بالنظر في تلك الجرائم الانضباطية التي توجب فرض العقوبات الانضباطية في حالة ارتكاب ضباط ومنتسبي قوى الأمن الداخلي لتلك الجرائم والمتمثلة بالخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية وبمعنى أخر الخروج على اللوائح والأنظمة والتعليمات التي تصدرها وزارة الداخلية أو إحدى الدوائر الاختصاصية التابعة لها .
لذا فأن النص الوارد في المادة/42(ق.ا.ع ) المقصود منه الخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية المتمثلة باللوائح والأنظمة والتعليمات التي تصدرها وزارة الداخلية والدوائر الاختصاصية التابعة لها وان فعل الخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية على فرض صحة ثبوته يدخل في الاختصاص الجزائي لمحكمة أمر الضبط كونها تعد من الجرائم الانضباطية وليست من الجرائم الجنائية .
الخاتمة
ونحن نصل إلى خاتمة بحثنا المتواضع كان لزاما علينا تدوين بعض النتائج والتوصيات التي توصل إليها البحث عسى أن تجد طريقها نحو التطبيق خدمة لبلدنا ولتحقيق اكبر قدر ممكن من الفائدة في مجال التوعية القانونية لضباط ومنتسبي قوى الأمن الداخلي العاملين في وزارة الداخلية ونلخصها في الأتي ذكره :-
أولا : النتائج
لا يوجد تعريف واضح وصريح لمفهومي الخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية أو مخالفة واجبات الوظيفة المذكورة في نصوص المواد ( 42 و 46 ) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي.
لم يورد المشرع في نصوص المواد ( 42 و 46 ) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي الجرائم التي يعاقب عليها القانون بشكل حصري .
إن أبرز ما يُميز الجرائم الانضباطية المعاقب عليها في قوانين أجهزة قوى الأمن الداخلي في العراق هو عدم تحديدها على سبيل الحصر على خلاف الأصل المقرر في القانون الجنائي العام.
إن المعيار الأساسي لتقرير الجرائم الانضباطية هو الإخلال بكرامة الوظيفة و الخروج على مقتضيات الواجب وتقرير قيام الجريمة من عدمه خاضع لتقرير جهة الإدارة .
إن المسئولية الجزائية في مجال الوظيفة العامة في وزارة الداخلية تقوم على إخلال الضابط أو المنتسب بواجبات وظيفته.
إن الدقة والأمانة المطلوبة من الضابط والمنتسب تقتضي منه أن يبذل أقصى درجات الحرص على أن يكون أداؤه للعمل صادراً عن يقظة وتبصر.
ثانيا : التوصيات
نقترح تشكيل لجنة متخصصة بالجانب القانوني والإداري في وزارة الداخلية مهمتها وضع تعريفات واضحة وصريحة للجرائم الانضباطية المقصودة في نصوص المواد(42و46) من قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي
تحديد الجرائم الانضباطية على سبيل الحصر ووضع لائحة تعريفية بها وعرضها على المشرع الكريم لغرض تعديل القانون وجعلها ملحقة به حتى يكون الضابط والمنتسب على علم ودراية بما هو خارج على مقتضيات واجبات وظيفته أو مخالف لها ليتجنبها وعدم الوقوع بها .
التأكيد على أن تكون توليفة المجالس التحقيقية المشكلة في مثل هذه الجرائم تضم احد الضباط الحقوقيين المتمرسين في القانون الجنائي لتحديد المسؤولية الجزائية وضبط معيار الإخلال والخروج على مقتضيات الواجبات الوظيفية أو المخالفة لها.
المصادر
دستور جمهورية العراق لعام 2005
قانون العقوبات العام رقم( 111) لسنة 1969 المعدل
قانون واجبات رجل الشرطة في مكافحة الجريمة رقم (176) لسنة 1980
قانون عقوبات قوى الأمن الداخلي رقم (14)لسنة 2008 المعدل
قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (17) لسنة 2008
قانون الخدمة والتقاعد رقم (18) لسنة2011
تعليمات تحديد أزياء وأشكال رتب صنوف قوى الأمن الداخلي وقياساتها وشاراتها وعلاماتها رقم (7) لسنة 2014
مدونة السلوك الوظيفي الصادرة عن وزارة الداخلية / المديرية العامة لإدارة الأفراد بموجب الأمر الوزاري المرقم 42340 في 2/11/2011
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً