ملاحظات على اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية السعودية
د. إبراهيم بن عيسى العيسى،
إن منهج اللوائح التنفيذية في النظم وتطبيقه في لوائح نظام المرافعات الشرعية السعودي قد شجعني على الكتابة عن بعض الملحوظات التي وقفت أمامها حائراً ومتسائلاً لأنها لا تتفق مع النظام نفسه.
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعم كثيرة لا تحصى، وعلمنا ما لم نعلم ووهب لنا عقولاً بها نتدبر ونفكر ونتفهم، وبعد لقد كان لي ملحوظات أبديتها في مناسبات خاصة، ومناقشات عادية على اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية، ولم أكتب عنها مقالة أو أطرحها بشكل عام على القراء من ذوي الاختصاص وغيرهم، بيد أنه بعد قراءتي بحثاً من إعداد فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن سعد آل حنين في مجلة العدل (العدد 22) جمادى الآخرة 1425هـ عن منهج اللوائح التنفيذية في النظم وتطبيقه في لوائح نظام المرافعات الشرعية السعودي قد شجعني على الكتابة على بعض الملحوظات التي وقفت أمامها حائراً ومتسائلاً لأنها لا تتفق مع النظام نفسه، وبعد قراءتي البحث القيم والمفيد الذي أعده فضيلة الشيخ عبد الله بن حنين وتطرقه لثلاثة مناهج رجح منها الأول الذي يرى (أن اللائحة التنفيذية لا تقتصر على تفصيل المبادئ الواردة في صلب النظام، وإنما لها أن تضيف أحكاماً جديدة نواتها في صلب النظام… إلخ)، وأتذكر أن هذا الطرح منه سبق أن قاله في محاضرة ألقيت في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض عن (تطبيق نظام المرافعات الشرعية) وأعتقد أنه كان بتاريخ 6/ 11/ 1424هـ.
ولما كان فضيلة الشيخ عبد الله دقيقاً في بحثه وطرحه واستخلاصه ومناقشاته بموضوعية فيما كتبه، والذي أورد فيه حالة تطبيقية عندما قال: إن بعض الناس أطال وقوفهم عنده وهو نص الفقرة (هـ) من الفقرة العاشرة من اللائحة التنفيذية للمادة الرابعة والثلاثين ونصها (للزوجة في المسائل الزوجية الخيار في إقامة دعواها في بلدها أو بلد الزوج، وعلى القاضي إذا سمع الدعوى في بلد الزوجة استخلاف قاضي بلد الزوج للإجابة عن دعواها فإذا توجهت الدعوى ألزم الزوج بالحضور إلى محل إقامتها للسير فيها، فإذا امتنع سمعت غيابياً وإذا لم تتوجه الدعوى ردها القاضي دون إحضاره). ولا شك أن نقاشه واستخلاصه الذي طرحه في هذه المسألة مقنع إلى حد كبير على أساس ما ذكره من تسبيب ومن ذلك (أن النفقة مستثناة مراعاةً لحال أصحابها وأن القياس على المستثنى صحيح معتد به عند المحققين من أهل الأصول)، وهذا كما ذكرت آنفاً شجعني على الكتابة عن بعض الملحوظات عسى أن يقدم لنا هو أو غيره ما يقنع بالرجوع عن تلك الملحوظات، أو تأييدها ومن ثم اتخاذ الإجراءات النظامية لتعديل ما يقتنع به منها.
وقبل أن استعرض الملحوظات لا بد من إبداء وجهة نظري القانونية حول ما يجب أن تشتمل عليه اللوائح التنفيذية كقاعدة عامة وفق الرأي القائل إن (القواعد القانونية ليست في مرتبة واحدة من حيث القوة والقيمة القانونية فلا بد أن تتقيد القاعدة الدنيا بحكم القاعدة التي تعلوها في المرتبة، ولا شك أن ارتباط القواعد القانونية ببعضها وخضوع القاعدة الدنيا لما يعلوها من قواعد يؤدي إلى تحقيق نظام الدولة القانونية على أفضل صورة) (المرجع كتاب الرقابة على الإدارة، الرقابة القضائية – ط 1967/ 1968م. د. محمد كامل ليلة – صـ 66).
ولهذا فإن النظام في مرتبة أعلى من مرتبة اللائحة التنفيذية، ولذا يجب ألا يرد في اللائحة التنفيذية نصوص مقيدة أو مخالفة أو مخصصة للنصوص الواردة في النظام، بل تكون نصوصاً تنفيذية تتقيد بالنصوص التي تعلوها في الدرجة، فإن هي خالفت ذلك فإنها توصف بخروجها عن (مبدأ الشرعية) وتكون محلاً للطعن فيها أمام الجهة القضائية المختصة، وهي في الدول الأخرى تسمى (المحكمة الدستورية) ونتمنى أن يوجد لدينا (محكمة عليا) تختص بالنظر في الطعون على أساس عدم شرعية اللوائح والقرارات التي تخالف النظام الأساسي للحكم أو الأنظمة الأخرى، وأنا كباحث ودارس لا آخذ بالمنهج الأول الذي أخذ به فضيلة الشيخ عبد الله الذي يقول إن اللائحة يمكن أن تضيف أحكاماً جديدة نواتها في صلب النظام، إذ كيف تكون جديدة ونواتها في النظام ؟! فلا بد من رابطة بين هذا النص الجديد والنص في النظام حتى نقول بوجود نواة في النظام، فضلاً عن أن القول بأحكام جديدة يعني إضافة نصوص سكت عنها النظام، فلماذا مُعد اللائحة ومصدرها يقوم بإيرادها، كما أن القول إن هذه الأحكام الجديدة المضافة (ضعيفة مع نصوص النظام) فإن هذا يضعف الحجة والتبرير فإذا كان الأمر كذلك ماذا تفيد إضافتها إذن ؟ أم أنه لمجرد التبرير للأخذ بالمنهج الأول، وعلى كل فهذا اختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
ومع التسليم بأهمية اللوائح التنفيذية وضرورتها باعتبارها عملاً تشريعياً من حيث طبيعة القواعد التي تنشئها فإنها من الناحية الشكلية تعد قراراً إدارياً على أساس أنها صادرة من الجهة الإدارية، وبالتالي تكون مصدراً من مصادر مبدأ الشرعية، ولكنها في مرتبة أدنى من النظام، مما يجعل وضعها من حيث مضمونها يتقيد بالقواعد القانونية التي تعلوها وهي نصوص النظام، فإن خالف واضع اللائحة ذلك المبدأ يعد قد تجاوز الصلاحية المخولة له، وبالتالي يُعد عمله غير نظامي يخالف مبدأ الشرعية.
هذا باختصار ما تكون لدى من معلومات قانونية عن إصدار اللوائح، ما جعلني بعد قراءة نصوص اللائحة التنفيذية أقف على بعض الملحوظات التي سوف أورد بعضاً منها وليس كلها فيما يلي:
– المادة (35) من نظام المرافعات الشرعية جاءت بصيغة الإطلاق في إقامة الدعوى على الأجهزة الحكومية دون قيد أو شرط عندما قضت أنه (مع التقيد بأحكام الاختصاص المقررة لديوان المظالم تقام الدعوى على أجهزة الإدارة الحكومية في المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها المقر الرئيس لها، ويجوز رفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع في نطاق اختصاصها فرع الجهاز الحكومي في المسائل المتعلقة بذلك الفرع)
والملحوظة التي استرعت انتباهي هي ورود ثلاث فقرات 35/ 3، 2، 1 في اللائحة تقضي بعدم سماع الدعوى على الجهات الحكومية إلا بعد الحصول على إذن من المقام السامي بسماع الدعوى، وكذلك أسلوب الاستئذان بالكتابة من المحكمة لوزارة العدل لترفع طلب الاستئذان، وهذا قيد ولم يرد في النص النظامي ويعد قيداً وشرطاً بعدم سماع الدعوى إلا بعد الحصول على إذن من المقام السامي، وفي رأيي أن هذا فيه تجاوز لم يكن من اللازم وجوده في اللائحة لأن النص في النظام قضى برفع الدعوى دون اشتراط الاستئذان من المقام السامي
فجاءت اللائحة مقيدة ذلك بالاستئذان، ولا شك أن مُعدي اللائحة قد تأثروا بما كان متبعاً قبل صدور نظام المرافعات الشرعية على أساس ما قضى به الأمر السامي رقم (20941) وتاريخ 28/ 10/ 1387هـ الموجه إلى سماحة رئيس القضاة في ذلك الوقت، والقاضي بأن على جميع المحاكم عدم النظر في أي دعوى تقام على جهة حكومية قبل العرض على المقام السامي والاستئذان منه، وهذا الذي حصل هو اجتهاد من واضعي اللائحة ما كان من اللازم أن يحصل لأنه لا يجوز أن يرد في اللائحة ما يخالف النص في النظام بأي شكل من الأشكال سواء إضافة نص جديد أو قيد أو شرط لم يكن وارداً أصلاً بالنص النظامي، وسبق عندما كتبت عدداً من المقالات عن نظام المرافعات الشرعية قبل صدور اللائحة أن تطرقت في المقال الثامن المنشور في صحيفة (الرياض) بتاريخ 16/ 9/ 1421هـ إلى نص المادة (35)
واعتبرت أن هذا النص بإطلاقه يعد ملغياً ضمناً للأمر السامي رقم (20941) وتاريخ 28/ 10/ 1387هـ، وقلت إن نظام المرافعات الشرعية صدر بمرسوم ملكي ونص على اختصاص المحاكم بالنظر في الدعاوى التي تقام على أجهزة الإدارة الحكومية ولم يقرن ذلك بضرورة سبق ذلك بالاستئذان من المقام السامي، ما يعني صراحةً أن هذا النص في النظام الجديد قد ألغى ضمناً ذلك الأمر السامي الصادر عام 1387هـ، لأن النص اللاحق يلغي النص السابق طالما لم يقرن بقيد أو شرط وهو الاستئذان من المقام السامي، وهذا حسب القاعدة العامة، فضلاً عن أن المادة (265) من ذات النظام نصت في نهايتها على أن هذا النظام يلغي كل ما يتعارض معه من أحكام، هذا هو الأساس الذي أراه، ولا أعتقد أن مُعدي ودارسي ومراجعي النظام في كل المراحل التي مر بها قد فات عليهم ما قضى به الأمر السامي المنوه عنه حتى يأتي واضعو اللائحة بنص الفقرات كاستدراك بإيراد القيد والشرط باللائحة بما يخالف ما سبق قوله إن اللائحة يجب أن تتقيد بالقواعد النظامية التي تعلوها، أي لا تخالفها بأي شكل من الأشكال، وأكتفي بهذا الإيضاح عن هذه الملحوظة تلافياً للإطالة وسوف نتطرق إلى الملحوظات الأخرى في مقال ثانٍ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هذه أهم الملاحظات التي رأيت أهمية الكتابة عنها، عسى أن يكون فيما أكتب الفائدة والمصلحة العامة التي يتقبلها واضع النظام، والمهم هو ضرورة التقيد بالنظام واللائحة التنفيذية في العمل والإجراءات القضائية ليتحقق النفع العام، الذي يبتغيه ولاة الأمر، من خلال إصدارها كتنظيم مهم يُعد من بين الخطوات الإصلاحية التي تسعى الدولة لاستكمالها بشكل متتابع.
الحمد لله حمد الشاكرين، ونشكره عز وجل على التوفيق، وبعد.. ذكرت في المقال الأول المنشور في هذه الصحيفة يوم السبت بتاريخ 12/ 7/ 1425هـ، الموافق 28/ 8/ 2004، وجهة نظري القانونية بشأن إصدار اللوائح التنفيذية وضرورة عدم مخالفتها النظام بإضافة نصوص جديدة أو مقيدة أو مناقضة أو سكت عنها النظام، لأن اللائحة يجب أن تلتزم في نصوصها بما جاء في النظام نفسه، لأنها في مرتبة أدنى من النظام، ثم بدأت في عرض أولى ملحوظاتي على اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية، ووعدت باستكمال بعض الملحوظات في هذا المقال. وقبل البدء أنوه عن خطأ مطبعي في اسم العائلة للشيخ عبد الله الخنين وليس (الحنين).
ونأسف لذلك.. وبعد أقول وبالله التوفيق:
– المادة (45) نصت على أنه (إذا حضر المدعي والمدعى عليه أمام المحكمة من تلقاء نفسيهما.
ولو كانت الدعوى خارج اختصاصها المكاني.
وطلبا سماع خصومتهما، فتسمع المحكمة الدعوى في الحال، إن أمكن، وإلا حددت لها جلسة أخرى)، وهذا النص قصد منه التسهيل على المتخاصمين في سرعة فض الخصومة بينهما إذا حضرا إلى المحكمة من تلقاء نفسيهما، وهو نص جيد للتسهيل، لكن الملاحظ أن اللائحة قد جاءت بقيد غير وارد في صلب نص النظام عندما أوردت الفقرة (45/ 1) (بشرط أن تكون الدعوى داخله في الاختصاص النوعي للمحكمة)، فهذا قيد لم يرد في النص النظامي، وما دام أن المحكمة قد خولت بسماع الخصومة حتى ولو كانت الدعوى خارج اختصاصها المكاني لسرعة حسم الدعوى فإنه من باب أولى – عدم إيراد قيد الاختصاص النوعي، لأن الاختصاص النوعي ليس واسعاً، وإنما منصوص عليه في أضيق نطاق ما بين المحاكم العامة والمحاكم الجزائية، ولكن لو أن النص استثنى ما هو من اختصاص ديوان المظالم على أساس ما ورد في المادة (35) من نظام المرافعات الشرعية لكان ذلك مقبولاً، ويعد بمثابة التأكيد ليس أكثر، ثم إنه لا يمكن تبرير وجود الشرط الذي وضع في اللائحة على أساس ما دام أن النص في النظام أجاز النظر في الدعوى، ولو كانت خارج اختصاصها المكاني، فإنه أخذاً بمفهوم المخالفة لا يجوز النظر في الدعوى، إلا إذا كانت داخله في الاختصاص النوعي للمحكمة، فهذا التبرير غير موافق لقاعدة، (الأخذ بمفهوم المخالفة) فيما اتفق عليه في مفهوم الوصف أو الشرط أو العدد أو الغاية، وذلك في غير النصوص الشرعية، وكذلك النظامية، وإنما في عقود المتعاقدين وتصرفاتهم، ومصطلحات الفقهاء وعبارات المؤلفين وأقوال الناس، ولهذا ما كان من الجائز لواضعي اللائحة وضع هذا الشرط الذي لم يرد في نص النظام.
– موضوع الإدخال والتدخل نظم في نظام المرافعات الشرعية لدواعي المصلحة العامة في عدم تعدد القضايا والإطالة في نظر الدعاوى، ما يؤدي إلى عدم أخذ صاحب الحق حقه، وما يحصل في السابق من رفض الإدخال أو التدخل، إذا ما أبداه أحد الخصوم، إذ يرفض طلبه ويقال له ننظر في هذه الدعوى، وبعد ذلك أرفع دعوى أخرى على من تريد إدخاله أو تدخله، والتنظيم الذي تم يحول دون حصول ذلك وهو جيد لوجود الإدخال والتدخل في (الفصل الثاني) من النظام، فإن المادة (76) نصت على أن (للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بإدخال من ترى إدخاله في الحالات الآتية:….)، ثم عددت الحالات، ويلاحظ أن النص جاء بصيغة الإطلاق بكلمة (للمحكمة).
ولم يقل العامة أو الجزئية، والمطلق يؤخذ بإطلاقه، لكن يلاحظ أن اللائحة التنفيذية قد أتت بقيد لم يرد في نص النظام عندما أوردت الفقرة (76/ 2) التي تقضي بأنه (ليس للمحكمة الجزئية إدخال من تكون الدعوى ضده خارج اختصاصها النوعي)، وهذا قيد لم يكن وارداً في نص النظام، فكيف يسوغ لواضعي اللائحة إيراده ؟ إذ – كما ذكرت آنفاً – أن نص المادة قضى بأن (للمحكمة)، ولم يفرق بين العامة والجزئية، وهذا يعد تجاوزاً غير سليم في إعداد اللائحة، وأعتقد أنه يمكن إدخال من ترى المحكمة إدخاله، سواء كانت محكمة عامة أو جزئية، حسب عموم وإطلاق النص النظامي، فإذا كانت جزئية ولم يكن لها الحكم في القضية إلا بإدخال الطرف الثالث، فتحيل الدعوى كلها بما فيها الطرف الثالث، المراد إدخاله إلى المحكمة العامة، كما نص على ذلك في الفقرة (76/4) من اللائحة.
– لقد نصت المادة (78) من نظام المرافعات الشرعية على أن (تقدم الطلبات العارضة من المدعي أو المدعى عليه بصحيفة تبلغ للخصوم قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاهة في الجلسة في حضور الخصوم ويثبت في محضرها، ولا تقبل الطلبات العارضة بعد إقفال باب المرافعة، هذا هو النص في النظام، والملاحظ أن الفقرة (78/ 1) من اللائحة التنفيذية جاءت بنص يخالف نص النظام عندما نص على أنه (إذا قدم الطلب العارض وفق الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى صار بذلك دعوى مستقلة يلزم الحكم فيها، ولا يرد بالحكم في الدعوى الأصلية بخلاف ما لو قدم مشافهة في الجلسة بحضور الخصوم فيكون تابعاً للدعوى ويبقى ببقائها ويزول بزوالها)، فالقيد الوارد في اللائحة يجعل الطلب العارض الذي يقدم وفق الإجراءات المعتادة بمثابة (دعوى مستقلة) بخلاف ما لو قدم مشافهة، وهذا – في تقديري – مخالف لنص النظام، لأنه قد نص في المادة السابقة بتقديم الطلبات العارضة بصحيفة تبلغ للخصوم، وهذا يعني أن تكون محررة وتعد وفق الإجراءات المعتادة، وبالتالي لا يصح أن تعد دعوى مستقلة كما ذكر، إذ نعرف أن الدعوى الأصلية ترفع بموجب صحيفة ادعاء، كما هو منصوص عليه في المادة (39) من نظام المرافعات الشرعية، ولهذا فإنه يتضح مدى التعارض الحاصل بين نص النظام ونص اللائحة والذي ما كان من الواجب أن يحصل.
من الملحوظات – أيضاً – بشأن تنحي القاضي إذا كان قد أفتى في موضوع الدعوى، وهذا بموجب نص الفقرة (هـ) من المادة (90) من نظام المرافعات الشرعية، أي جاء النص بإطلاق سواء كانت الفتوى شفوية أو مكتوبة (محررة) غير أن اللائحة في الفقرة (90/ 9) قد خالفت ذلك الإطلاق وجعلت المقصود بالفتوى المحررة في القضية نفسها، وهذا تقيد غير جائز لأن نص اللائحة لا يقيد نص النظام.
موضوع تنفيذ الأحكام وأهميته، والذي يشتكى كثيراً من عدم تنفيذ الأحكام، فالمادة (218/ 1) من اللائحة حددت الجهات الإدارية المنوط بها التنفيذ بأنهم أمراء المناطق ومحافظو المحافظات ورؤساء المراكز، وهذا التحديد، في تقديري يخالف ما سبق أن نص عليه بشأن اختصاص (قسم الحجز والتنفيذ)، الذي يشرف عليه رئيس المحكمة أو قاضي التنفيذ، فضلاً عن أن هذا يؤدي إلى الازدواجية في التنفيذ وضياع أو فقدان المسؤولية، كما يكون سبباً في تعطيل عملية التنفيذ للأحكام بأكثر مما هو حاصل الآن، من أن تلك الجهات، ومن خلال الحقوق المدنية أو الشرطة، لا تقول بدور فاعل في تنفيذ الأحكام، بل إن إثارة أي إشكال بسيط من المحكوم ضده يعطل التنفيذ، ويدخل القضية في دورة روتينية مطولة، وهذا ملاحظ بسبب بعض الإشكالات التي تثار وهي متعددة، ناهيك عن أن الفقرة (218/ 1) تتعارض مع الفقرتين التاليتين لها وهما (217/ 3، 2)، ولذا كان من الأنسب أن يقال إن المقصود بالجهات الإدارية التنفيذية التي يشرف عليها رئيس المحكمة أو قاضي التنفيذ، ولهذه الجهات أن تستعين بمن تراه من الكوادر الإدارية والعسكرية التنفيذية إذا اقتضى الأمر من ذلك بما يتمشى مع نص المادة (ب) من المادة (7) من نظام المناطق التي تقضي بـ (تنفيذ الأحكام القضائية بعد اكتسابها صفتها النهائية) فهذا يقتضي الاستعانة بهذه الجهات مع الجهة الإدارية التنفيذية في المحاكم التي أطلق عليها (قسم الحجز والتنفيذ)، والتي من المفروض أن تكون إدارات ذات إمكانيات وتجهيزات تمكنها من سرعة تنفيذ الأحكام بسرعة وحزم وبدون تراخٍ، وإن من يحتج بأن صياغة نص الفقرة (218/ 1) من اللائحة كان بناءً على نص المادة (7/ ب) من نظام المناطق فإني أرد عليه بأن نظام المرافعات الشرعية قد صدر بعد نظام المناطق وجاء نظام المرافعات الشرعية بنصوص واضحة تنظيم إجراءات الحجز والتنفيذ في الباب الثاني عشر، ولا شك أن النص اللاحق يلغي كل ما يتعارض معه من نصوص سابقة، بل أقول إنه من الملائم التوفيق بين النصين وفق ما تقدم ذكره بالاستعانة بتلك الجهات.
هذه أهم الملاحظات التي رأيت أهمية الكتابة عنها، عسى أن يكون فيما أكتب الفائدة والمصلحة العامة التي يتقبلها واضع النظام، والمهم هو ضرورة التقيد بالنظام واللائحة التنفيذية في العمل والإجراءات القضائية ليتحقق النفع العام، الذي يبتغيه ولاة الأمر، من خلال إصدارها كتنظيم مهم يعد من بين الخطوات الإصلاحية التي تسعى الدولة لاستكمالها بشكل متتابع، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً