لمحة عن تاريخ القضاء الدستوري في العراق
القاضي سالم روضان الموسوي
إن الأنظمة الدستورية في العراق منذ ظهور الحكم الوطني عام 1920 وتشكل الدولة بمفهومها المعاصر،لذلك لذلك فان الدساتير التي ظهرت في العراق منذ أول دستور كان يسمى القانون الأساسي لعام 1925 ولغاية أحداث عام 2003 قد أشارت في بعضها إلى فكرة الرقابة الدستورية على القوانين كما أشار بعضها إلى تشكيل محاكم دستورية أو مجالس دستورية، الا ان جميع هذه النصوص الدستورية المتعلقة بالقضاء الدستوري كانت مجرد نصوص لم تفعل باستثناء حالة واحدة تم فيها تفعيل الرقابة الدستورية على القوانين عند النظر في دستورية قانون منع الدعايات المضرة رقم (20) لسنة 1938م وصدر قرار بإلغاء مادتين من مواده وهم (الرابعة والخامسة) لمخالفته القانون الأساسي[1] ولبيان تاريخ القضاء الدستوري في العراق سأعرض للدساتير التي وردت فيها نصوص تتعلق بالقضاء الدستوري وعلى وفق الآتي :
1. القانون الأساسي العراقي لعام 1925
ورد في المادة (81) أشارة إلى وجود المحكمة الاتحادية العليا ، وذكر إن اختصاصها الأصلي هو محاكمة الوزراء وأعضاء مجلس الأمة وأعضاء محكمة التميز على وفق التفصيل الوارد في النص[2]، ثم منحها صلاحية تفسير النصوص الدستورية وبموجب آلية تعتمدها عند التصدي إلى هذا الموضوع على وفق نص المادة (83) من القانون الأساسي[3] وتتكون هذه المحكمة من ثمانية أشخاص ورئيس المحكمة هو رئيس مجلس الأعيانويشترط في أعضاء المحكمة الاتحادية أن يكون أربعة منهم من القضاة وأربعة من بين أعضاء مجلس الأعيان.
2. دستور الاتحاد العربي لعام 1958
في ظل فترة الحكم الملكي كان التوجه السائد نحو الاندماج تحت قيادة عربية موحدة تزعمها ملوك الدول العربية الحاكمة في العراق والأردن لان كلا الملكين من عائلة الشريف حسين، فصدر دستور الاتحاد العربي في 39/3/1958، إلا إن إحداث 14 تموز لعام 1958 لم تسعف القائمين على المشروع لإكماله، ووردت فيه إشارة إلى إيجاد محكمة اتحادية من واجباتها تفسير النصوص الدستورية والنظر في دستورية القوانين على وفق أحكام الفقرة (هـ) من المادة 59 من دستور الاتحاد العربي[4]
3. الدستور المؤقت لعام 1968
الدساتير حينما تصدر تعبر عن فلسفة واضعها لذلك فان دستور عام 1968 المؤقت كان يحتوي الشعارات الثورية البراقة وضمن مواده العديد من الأحكام التي يدل ظاهرها على تأسيس دولة القانون، ومن ذلك ما أشار إليه في نص المادة (87) على تشكيل محكمة دستورية مهمتها النظر في الرقابة الدستورية على القوانين[5]، ولم يذكر أي تفصيل حول آلية تشكيلها أو شروط العضوية، وإنما ترك الأمر إلى قانون يصدر لاحقا ينظم عملها ، ثم صدر بعد ذلك قانون المحكمة الدستورية رقم 159 لسنة 1968 لكنها لم تنعقد ولم تشكل إطلاقاً[6]
4. قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية الصادر عام 2004
وهذا القانون كان ينظم إعمال سلطات ومؤسسات الدولة الأساسية خلال الفترة الانتقالية التي تلت انتهاء سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة التي شكلتها قوات الاحتلال بعد دخولها الى العراق عام 2003 ولغاية صدور دستور عام 2005، وتضمن في المادة (44) إشارة واضحة إلى الرقابة الدستورية على القوانين حينما اقر تشكيل محكمة اتحادية عليا[7] ، وهي المحكمة القائمة الآن. وبناء على ذلك صدر قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 النافذ[8] ورسم آلية تشكيلها والشروط الواجب توفرها في رئيس المحكمة وأعضائه.
5. دستور العراق لعام 2005
إن ذلك الدستور يعد مرحلة متقدمة في تاريخ التشريع والديمقراطية في العراق على الرغم من المآخذ التي سجلت عليه لاحقا عند التطبيق، لأنه تمتع بالعديد من المزايا العصرية، من أهمها عرضه على الاستفتاء العام والمناقشة المطولة من قبل اللجنة الدستورية والجمعية الوطنية التي تمثل البرلمان في حينه ، وفيما يتعلق بالرقابة الدستورية فإنه أقر إنشاء محكمة عليا مهمتها النظر في دستورية القوانين، بالإضافة إلى المهام الأخرى، التي تمارسها المحاكم الاتحادية العليا أو الدستورية أو حتى المجالس والهيئات الدستورية في الدول المختلفة ، وفي صدر الفصل الثالث من الدستور، الذي خصص للسلطة القضائية، وجعل المحكمة الاتحادية العليا جزء من مؤسسات السلطة القضائية[9]، ثم فصل اختصاصها وآلية تشكيلها، على وفق ما جاء في أحكام المواد (92ـ 94) من الدستور.
6. الدساتير الأخرى
أما الدساتير الأخرى المتمثلة بدستور عام 1958 ودستور عام 1963 ودستور عام 1970 ومشروع دستور عام 1990، فإنها لم تتطرق إلى الرقابة الدستورية إطلاقاً.
ومن خلال ما تقدم عرضه فان الوجود الحقيقي للرقابة الدستورية في العراق كان منذ لحظة ظهور المحكمة الاتحادية العليا إلى الوجود بموجب الأمر رقم 30 لسنة 2005 الذي صدر بتاريخ 24/2/2005 وخلال هذه الحقبة الزمنية أصدرت المحكمة قرارات كثيرة منها ما يتعلق بالقضاء الإداري عندما كانت تنظر تمييزا بقرارات محكمة القضاء الإداري ومنها ما يتعلق بالطعن في عدم دستورية القوانين النافذة وأخرى في تفسير المواد الدستورية التي كانت محل لبس لدى من طلب التفسير أو كانت محل خلاف بين الجهات ذات العلاقة وأرست المحكمة الاتحادية العليا ثوابت دستورية أسهمت في تكوين شكل الدولة العراقية الحديثة بما يتلائم وروح الدستور النافذ، كما أسهمت كثيراً في تشكيل وصياغة النظام الدستوري في العراق وحافظت على مبدأ سيادة القانون من خلال تعطيل النصوص القانونية التي تتعارض مع المبادئ الدستورية الواردة في دستور عام 2005 النافذ، والمتابع للقرارات والأحكام التي أصدرتها سيجد إنها عطلت نصوص قانونية لأسباب تتعلق بالشكل الدستوري لصدورها أو لتعلقها بموضوع الأحكام الواردة فيها، فضلا عن دورها في سد النقص التشريعي في بعض القوانين التي طالها الإغفال التشريعي.
[1] الدكتور محمد علي آل ياسين ـ القانون الدستوري والنظم السياسية ـ مطبعة المعارف الطبعة الأولى عام 1964 ـ ص125
[2]نص المادة (81) من القانون الأساسي لعام 1925 (تؤلف محكمة عليا لمحاكمة الوزراء، وأعضاء مجلس الأمة، المتهمين بجرائم سياسية، أو بجرائم تتعلق بوظائفهم العامة، ولمحاكمة حكام محكمة التمييز عن الجرائم الناشئة من وظائفهم، وللبت بالأمور المتعلقة بتفسير هذا القانون، وموافقة القوانين الأخرى لأحكامه)
[3]نص المادة (83) من القانون الأساسي لعام 1925 (إذا وجب البت في أمر يتعلق بتفسير أحكام هذا القانون، أو فيما إذا كان أحد القوانين المرعية يخالف أحكام هذا القانون تجتمع المحكمة العليا بإرادة ملكية تصدر بموافقة مجلس الوزراء، بعد أن تؤلف وفق الفقرة الثالثة من المادة السابقة. أما إذا لم يكن مجلس الأمة مجتمعاً يكون نصب الأعضاء المذكورين في المادة السابقة بقرار من مجلس الوزراء وإرادة ملكية)
[4]نص المادة (59) من دستور الاتحاد العربي (المادة 59: تكون من اختصاصات المحكمة العليا وحدها الأمور التالية: أ ـ محاكمة أعضاء مجلس الاتحاد ووزراء الاتحاد. ب ـ الفصل في الخلافات التي قد تقع بين حكومة الاتحاد وواحد أو أكثر من أعضائه أو التي قد تقع بين الأعضاء أنفسهم. ج ـ إعطاء المشورة القانونية في المسائل التي يحيلها عليها رئيس مجلس وزراء الاتحاد. د ـ تفسير دستور الاتحاد والقوانين الاتحادية بناءً على طلب من رئيس مجلس وزراء الاتحاد وتكون لقراراتها الصادرة في هذا الشأن قوة النص المفسر. هـ ـ دستورية القوانين والمراسيم الاتحادية بناءً على طلب من رئيس مجلس وزراء الاتحاد أو رئيس مجلس وزراء إحدى الدول الأعضاء ويعتبر القرار الصادر بعدم دستورية القانون أو المرسوم ملغياً له من تاريخ صدور القرار. و ـ استئناف الأحكام القطعية الصادرة من محاكم الدول الأعضاء إذا تضمنت هذه الأحكام الفصل في نزاع ذي مساس بأحكام هذا الدستور أو أي قانون اتحادي. ز ـ استئناف الأحكام الصادرة من المحاكم الاتحادية وفقاً للقوانين(
[5]نص المادة (87) من الدستور المؤقت لعام 1968 (تشكل بقانون محكمة دستورية عليا تقوم بتفسير أحكام هذا الدستور والبت في دستورية القوانين وتفسير القوانين الإدارية والمالية والبت بمخالفة الأنظمة للقوانين الصادرة بمقتضاها ويكون قرارها ملزماً(
[6]نشر القانون الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) العدد 1659 في 12/2/1968وجاء في نص المادة (1) من قانون المحكمة الدستورية رقم 159 لسنة 1968 (تشكل محكمة دستورية عليا برئاسة رئيس محكمة تمييز العراق او من ناب منابه عند غيابه وعضوية رئيس مجلس الرقابة المالية ورئيس ديوان التدوين القانوني وثلاثة من حكام محكمة التمييز الدائمين وثلاثة أعضاء من كبار موظفي الدولة ممن لا تقل درجتهم عن درجة مدير عام وأربعة أعضاء احتياط اثنان منهم من حكام محكمة تمييز العراق واثنان من كبار موظفي الدولة ممن لا تقل درجتهما عن درجة مدير عام يعينهم مجلس الوزراء باقتراح من وزير العدل ويصدر بتعيينهم مرسوم جمهوري وفي حالة تعلق الموضوع بتفسير نص قانوني يعين الوزير المختص عضوا إضافيا مؤقتا يمثل الجهة التي تقدمت بالاستيضاح 2 – يكون تعيين أعضاء المحكمة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد عدا رئيس مجلس الرقابة المالية ورئيس ديوان التدوين القانوني والعضو الإضافي المؤقت 3 – يكون مقر المحكمة الدستورية العليا في مقر محكمة تمييز العراق ويكون قلم هذه المحكمة مسؤولا عن إدارة أعمالها)
[7]نص الفقرة (آ) من المادة (44) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 (يجري تشكيل محكمة في العراق بقانون وتسمّى المحكمة الاتحادية العليا)
[8] تم نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية العدد 3996 في 17/3/2005
[9]نص المادة (89) من دستور عام 2005 (تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقا للقانون)
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً