هذه هي ثغرات قانون مكافحة العنف ضد المرأة في المغرب برأي المختصين
“كل عنف مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”، هكذا جاء تعريف العنف وفق بنود قانون محاربة العنف ضد النساء بالمغرب.
من بين العقوبات التي نص عليها القانون، السجن من شهر إلى 5 سنوات لكل من تحرش جنسياً عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” أو “واتساب”، وبغرامة مالية من 200 إلى 1000 دولار.
كما أنّ سب المرأة بسبب جنسها يقود مرتكبه لدفع غرامة مالية من 1200 دولار إلى 6 آلاف دولار، و يعاقب على القذف ضد المرأة بسبب جنسها بغرامة من 1200 دولار إلى 12 ألف دولار.
القانون صدر في يوم عيد الحب 14 فبراير بعد سنوات طويلة من النقاش والشد والجذب بين الأحزاب السياسية والفعاليات الحقوقية، ولن يصبح القانون نافذاً إلا بعد 6 أشهر من نشره في الجريدة الرسمية.
اعتبره البعض تغيراً شكلياً، والبعض الآخر اعتبره زجرياً أكثر من ما هو وقائي، وآخرون يرون أنه خطوة جيدة لتنظيم المجتمع والحد من التحرش والعنف ضد النساء.
تناقش المقالة الموضوع في ضوء تقرير هويمان رايتس ووتش الذي صدر اليوم (26 فبراير 2018)، ومن منظور المحامي والناشط الحقوقي محمد ألمو، الذي عرف بدفاعه عن معتقلي حراك الريف، وبدعمه للتوجهات الإصلاحية الحقوقية والقانونية في قضايا المرأة.
ما الجديد في القانون؟ وهل يساعد في تنظيم المجتمع؟
يثني تقرير هويمان رايتس ووتش على تقديم تعريف للعنف في القانون الجديد، ولكنه يسارع لانتقاد غياب تعريف العنف المنزلي والتجريم الصريح للاغتصاب الزوجي.
في حديثه مع رصيف22، يقول المحامي والحقوقي محمد ألمو إنّ القانون وضع من أجل تنظيم الحريات، ولكنه لم بجديد، إذ يعتبر “بمثابة تعديل لبعضٍ من فصول القانون الجنائي، وترقيع له، ومحاولة تزيينه ببعض الألفاظ وإدخال بعض الكلمات، لتبدو أن هناك حماية للمرأة”.
ومع أن القانون لن يحد بالضرورة من ظاهرة التحرش أو العنف، بحسب الناشطة الحقوقية مريم حنين، إلا أنها تعتبر إقراره إنصافاً للمرأة في المغرب، وحفاظاً على كرامتها وعدم تعرضها للإيذاء”، خاصة أن ظاهرة التحرش أصبحت منتشرة بشكل كبير كما أشارت.
“القانون جاء لينتقص من قيمة الرجل” هكذا عبر مراد (موظف في شركة خاصة) بامتعاض شديد عن بنود القانون الجديد، وأردف المتحدث لرصيف22: “القانون تمييزي ضد الرجل، وجاء ليقيد كل تصرفاتنا”.
رأي مراد لا يمثل بالضرورة وجهة نظر المجتمع للقانون، بقدر ما يعكس تمسكاً بما يمنحه المجتمع من صلاحيات دون عقاب أو محاسبة.
أما “كمال” (وهو مدرّس)، فعبّر عن تأييده الشديد لما جاء به قانون محاربة العنف ضد النساء، إذ يرى بأنه سيحد من التحرش، مردفاً في حديثه مع رصيف22: “كم من فتاة وسيدة وزوجة وأمّ يجدن أنفسهن ضحية عنف وتحرش يومي في الحافلات كما في المنزل والعمل؟ لا لشيء سوى غياب سلطة الحسيب والرقيب”.
هناك من يكرس لفكرة التحرش كونها “متبادلة”، ويربط بين لباس النساء وتعرضهن للتعنيف والتحرش، وبذلك يقترح المؤمنون بهذه الفكرة بأن اللباس غير المقبول اجتماعياً، يبرر التحرش، وأن اللوم يقع على النساء، وليس على المتحرشين.
ويبدو أن مثل هذا التبرير تسبب في تزايد معدلات التحرش بسبب اللباس، إذ تؤكد الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مندوبية التخطيط المغربية في عام 2009، أن النساء اللواتي يرتدين ملابس “عصرية قصيرة” خارج منازلهن هن أكثر عرضة للعنف من غيرهن.
ويصل معدل انتشار العنف بالفضاءات العمومية بالمدن لدى هذه الفئة 75.5٪، مقابل 61٪ لدى اللواتي ترتدين غالباً “ملابس طويلة” دون غطاء الرأس وما يقرب من 34٪ لدى من ترتدين الجلباب أو ما يعادله من اللباس المحلي.
كما تشير إحصائيات مندوبية التخطيط بالمغرب للعام الماضي إلى أن عدد ضحايا العنف البدني ضد المرأة وصل لـ808 ألف ضحية أي ما يعادل 14.2٪ من النساء في المدن.
وبينت الأرقام أن “النساء ضحايا العنف بالفضاءات العامة بالمدن تنتمي إلى جميع الفئات العمرية وجميع الفئات المجتمعية”.
إلا أن معدل انتشار العنف ضد النساء بالفضاءات العامة تعضاعف بحسب العمر، من 25٪ تقريباً في صفوف نساء المدن اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 50 و64 و58.3٪ بين من هن أصغر سناً (النساء من الفئة العمرية 18 و24).
وتقول الإحصائيات الرسمية أن وضع النساء الاجتماعي كـ”متزوجات”، خفف من حالات العنف في الفضاءات العامة، ولكنه لم يمنعها، فوصل معدل انتشار العنف إلى 33.4٪ لدى المتزوجات مقابل 46.3٪ لدى المطلقات، و66.3٪ لدى العازبات، في حين يبلغ هذا المعدل 27% في صفوف الأرامل.
وزارة الصحة المغربية، من جهتها أفادت أنه تم تسجيل 12 ألف و218 حالة تعنيف عام 2014، فيما بلغ عدد الحالات المسجلة لدى مختلف المصالح الأمنية 15 ألفاً و865 حالة خلال نفس السنة.
من مظاهرة يوم المرأة العالمي عام 2015
هل يكمن الحل في العقاب؟
تتحدث أسماء-وهي موظفة- عن بنود القانون بنوع من التحفظ الشديد قائلة: “أنا أتحفظ على القانون، كان الأجدر أن يتم حل المشكل بشكل جذري عوضاً عن الحلول الزجرية والعقابية”.
الزجر ليس حلاً بحد ذاته لكنه يبقى ضرورياً للحد من ظاهرة تتزايد بشكل متنامي في أوساط النساء، هذا ما أقره الحقوقي محمد ألمو، موضحاً أنّ “الزجر وحده لا يكفي، إذ من اللازم اعتماد مقاربة موازية تشمل التوعية والتحسيس، إضافة إلى تعزيز الجانب التربوي”.
وأضاف ذات المتحدث: “أمام استفحال الظاهرة و وجود وعاء ثقافي لا يساعد على تغيير العقليات، وأمام انتشار التعنيف ضد المرأة أفقياً وعمودياً على جميع المستويات والطبقات الاجتماعية، صار لزاماً الاعتماد على المقاربة القانونية والزجرية لردع مرتكبي مثل هذه الأفعال”.
من جهته انتقد مصطفى الشناوي، النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار القانون الجديد بسبب اعتماده “في كثير من النصوص على القانون الجنائي”، وهو ما يفسر بحسبه اعتماد معدي القانون “المقاربة الزجرية عوض المقاربة الوقائية والحمائية”.
وترى الحقوقية ماريا الشرقاوي أن القانون هو “بمثابة تدبير وقائي نسبي لما يمكن أن يحدث لها من عنف وتحرش، لكنه لن يحميها بصفة نهائية من تلك الممارسات”.
وتعتقد الشرقاوي أن الحل لا يكمن في الزجر والعقاب، بقدر ما يكمن في التربية والتنشئة.
وأردفت الشرقاوي في حديث إذاعي: “مازال أمامنا زمن طويل لنتعامل مع المرأة كإنسان لا لجنسها”، والسبب حسبها هو “أن مجتمعاتنا العربية على العموم يسيطر عليها فكر ذكوري، يحول دون تمكين المرأة من حقوقها الاجتماعية والثقافية والسياسية”.
عملياً، هل سيطبق القانون؟
يقول ألمو أن “تعنيف امرأة أو كسر أسنانها هي جريمة لا تنحصر فيما لحق بها من ضرر، بل تمس المجتمع بأكمله وتُحْدِث فيه اضطراباً، ويعتبر الفاعل (مرتكب التعنيف) شخصاً خطيراً يستوجب ردع أفعاله”.
ولكن في الوقت الذي تنتظر فيه النساء المعنفات تنزيل العقوبات والغرامات على أرض الواقع من أجل نيل حقوقهن، يبدو أن الأمر صعب من الناحية الإجرائية، فلماذا؟
برأي ألمو “القانون عملياً غير مُجْدٍ، ويستحيل تنزيل بعضٍ من بنوده”، والسبب بحسب رأيه، يكمن في غياب بنيات اجتماعية واقتصادية ومواكبة مالية لتنفيذ هذا القانون.
وذكر الحقوقي مثالاً على ذلك إجْرائَيْ “منع الاقتراب من الضحية”، و”الأمر بالإيداع بمؤسسات الإيواء أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية للمرأة المعنفة”، موضحاً أنه يصعب عملياً حماية الضحية من الرجل المعنف ومنعه من الاقتراب منها، أو حتى توفير مركز للإيواء.
وزاد ألمو في حديثه أن “الإجراءات المسطرية الموجودة في القانون الجنائي لا تسعف ولا تساعد في إثبات الجرائم المدانة في قانون مكافحة العنف ضد النساء، الأمر الذي ينتج عنه افلات الشخص المُعَنِف من العقاب “مؤكداً أن “القانون الجديد لم يأت بإجراءات عملية على مستوى إثبات فعل التعنيف”.
وكمثال على ذلك يقول ألمو: “عندما تتعرض المرأة للتعنيف من قبل زوجها يحكم عليه بالبراءة حتى ولو قدمت شهادة طبية” ويكمن السبب حسبه في “غياب القرائن والشهود، وهذا توجه كلاسيكي تجاوزه الزمن”.
جاء انتقاد هويمان رايتس ووتش موافقاً لرأي ألمو، حيث أشارت في تقريرها إلى أنّ القانون الجديد—رغم تجريمه لبعض أشكال العنف الأسري، وقدرته على إنشاء تدابير وقائية، وتوفير حماية جديدة للناجيات—”يُطالب الناجيات برفع دعوى قضائية للحصول على الحماية، ولا يستطيع سوى القليل منهن فعل ذلك”.
وأضاف بأن “معظم النساء يتنازلن عن الدعاوى القضائية القليلة التي رفعنها نتيجة ضغوط من أسرهن، أو أسر المعتدي عليهن، أو لأنهن يعتمدن مالياً على من يسيؤون معاملتهن”، فيضطر الناجيات من العنف الأسري “إلى العودة إلى شركائهن المُسيئين لأنهن لا يملكن أي وسيلة أخرى للدعم أو الإيواء”.
مراكز إيواء من يتعرضن للعنف الأسري قليلة في المغرب، لا يتجاوز عددها العشرة، وهي محدودة القدرات، لأنها تحت إشراف منظمات غير حكومية، ولا تتلقى التمويل المادي الكافي من الحكومة
مراكز إيواء من يتعرضن للعنف الأسري قليلة في المغرب، لا يتجاوز عددها العشرة، وهي محدودة القدرات، لأنها تحت إشراف منظمات غير حكومية، ولا تتلقى التمويل المادي الكافي من الحكومة، كما يشرح التقرير.
وبخصوص تفعيل القانون على أرض الواقع، أضاف ذات التقرير تحفظاً على القانون لأنه “لا يُحدد واجبات الشرطة والنيابة العامة وقضاة التحقيق في حالات العنف الأسري، أو تمويل مراكز إيواء النساء”.
يثني التقرير على ما أقره القانون الجديد من إلزام للسلطات العمومية بـ”اتخاذ تدابير وقائية، بما في ذلك برامج لرفع مستوى الوعي حول العنف ضد النساء”. وكذلك على ما نصّ عليه من ضرورة وجود “وحدات مُتخصصة لتلبية احتياجات النساء والأطفال في المحاكم، ووكالات حكومية، وقوات أمن، ولجان محلية وجهوية ووطنية لمعالجة قضايا المرأة والطفل”.
وانتقد بالمقابل فشل القانون في وضع “آليات لمراقبة الوحدات أو اللجان، أو مساءلة السلطات إذا لم تقُم بواجباتها”، خاصة أن فريقاً من المنظمة وثّق بشكل مستقل ما وصفه بـ”المشاكل” في الوحدات القليلة القائمة.
فيما أصرّ ألمو على ضرورة تفعيل القانون من خلال توعيةٍ ودعم شعبي، أكدت هيومان راتيس ووتش على لسان باحثة حقوق المرأة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، روثنا بيغوم، أنّ حماية النساء والفتيات من العنف الأسري، لا تتطلب “تغييرات قانونية فقط، بل التمويل والدعم السياسي”.
ومع أنّ هناك اعترافاً من هيومان رايتس ووتش، بأن الحكومة المغربية قد قامت بخطوات إيجابية في هذا الصدد، هل ستمضي قدماً في دعمها المالي والسياسي لإنجاح هذا التغيير؟
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً