ظاهرة النصب والاحتيال في المساهمات
يوسف الفراج
نعم وصل الأمر إلى أن يكون ظاهرة بالمعنى العلمي لها, حيث توغلت في الكثير من الأوساط وطالت العديد من أفراد المجتمع – للأسف الشديد، وللتأكد من ذلك تلفت إلى من حولك وابدأ بنفسك ثم الأصدقاء والجيران مرورا بالأقرباء وسوف تلحظ عدد من وقعوا ضحية نصب واحتيال ضعفاء الذمة والدين, الذين لم تسلم منهم حتى أموال الأيتام والأرامل والفقراء والمديونين, بل تعدى ذلك إلى أموال عامة خيرية غامر من هم تحت أيديهم بتسليمها لأصحاب هذه المساهمات, وضاعت هي وأرباحها.
تعددت الصور التي تتم من خلالها عملية النصب إلا أن من أشهرها: صيغة المساهمات, حيث يقوم مدير المساهمة بجمع الأموال مستعينا بعدد من الأشخاص يتميزون – أحيانا – بصفات خلقية وخُلقية جاذبة للأموال الراغبة في الأمان والثقة, وقد يكون هو كذلك ممن يتميزون بذلك, مع العلم – وكما يعبر القانونيون – أن قبول الأمر شكلا لا يعني بالضرورة قبوله موضوعا, وبعبارة أخرى لا تلازم بين الشكل الظاهري للشخص وحسن منطقه وبين صدق تعامله ووفائه بوعده هذا حسب الواقع, وإلا فالواجب أن يوجد هذا التلازم, بعض المبتلين بـ “نظرية خصوصية المجتمع السعودي في كل شيء” يظنون أن هذه الظاهرة من خصوصياته, ويكفي للجواب عن ذلك النظر في بعض الدول المجاورة لنا لنرى أن الأمر لا يتعلق بمجتمع دون آخر بقدر ما أنه مرتبط بعوامل ومسببات في حال توافرها في المجتمع تتنامى فيه هذه الظاهرة وتكثر.
في مجتمعنا وجدت هذه الظاهرة من سنوات عديدة ويبدو أنها تقل وتكثر بحسب توافر السيولة ولعل هذا يفسر كثرتها نسبيا في السنوات الأخيرة مقارنة بالسنوات السابقة لها, كما أنها تنوعت بحسب توافر الفرص التجارية فبدأت بالمساهمات العقارية في وقت طفرتها, ونعيش الآن المجموعات العاملة بالأسهم, مرورا بتجارة البيض وبطاقات سوا والمقاولات وغيرها, ومن نافلة القول أن أشير إلى أن المقصود بهذه المقالة شريحة معينة تقوم بالنصب والاحتيال على الناس, وأن هناك من هو صادق في تعاملاته وحقق الكثير من الأرباح وسلمها للمساهمين معه, مع التحفظ على مدى نظامية أعماله. وللمشاركة في بيان أسباب هذه الظاهرة أقول: إن أسباب الظاهرة متعددة, فالمساهم بعدم تحريه وتقصيره في توثيق العقد مع مدير المساهمة يتحمل جزءا من المسؤولية, وقد يكون للهاث خلف الأرباح الطائلة التي وعد بها ما غيب تفكيره وقتها, والجهات المختصة بعدم سنها الأنظمة المانعة لمثل هذه الأعمال وتقصيرها في المتابعة والمراقبة والمساءلة, وتأخرها في معالجة المشكلة حال وقوعها كل هذا يحملها جزءا كذلك من المسؤولية, أما المسؤولية الأكبر في حصول النصب والتحايل فلا شك يتحملها المباشر لذلك وهو المدير النصاب بكذبه وظلمه وتحايله على المساهمين معه, ولعلاج هذه الظاهرة لا بد من توافر عدد من العوامل, ومنها: ضبط عقود هذه المساهمات من خلال مكاتب المحاماة, والتحري في نظاميتها, ومنع الأفراد والمؤسسات الفردية من مزاولة مثل هذه الأنشطة وقصرها على الشركات ذات الشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة, ومسارعة الجهات المختصة بمعالجة المشكلة حال وقوعها بما فيها الجهات القضائية في حال وصلت المشكلة للقضاء, والعامل الأهم والأساس هو الوعي من قبل المستثمرين بحجم المشكلة وحيل المحتالين والاستفادة من التجارب السابقة.
وهناك صعوبة في التعرف على هذه الفئة الضالة ولكن قد يكون من المقبول اعتبار القواسم المشتركة بينهم معايير ومحددات للتعرف عليهم, ومن ذلك الوعد بأرباح كبيرة في فترة وجيزة, والسعي إلى توسيط عدد من الأشخاص وإعطائهم نسبا من المبالغ التي يجلبونها في مقابل ذلك, وتعدد مناشط بعضهم بحيث لا يمتنع من القيام بأي أعمال تجارية, وبمناسبة ذكر الوسطاء فالملاحظ أن من القواسم المشتركة بينهم ترقيهم من وسيط “نصاب مبتدئ”, وإن شئت “نصاب بالمجاورة”, إلى نصاب كامل.
أختم هنا بالتأكيد إلى أنني لا أقصد أشخاصا بأعيانهم حتى من تعثرت مساهماتهم, ولا شرائح معينة في المجتمع, بل أقصد من يصدق عليهم وصف النصب والاحتيال, ولا اعتذار منهم, ولا يظن ظان أنني اتشفى لإني – ولله الحمد – لم أتورط مع أحد منهم, ولكن ترجمت هنا آهات كثيرة سمعتها وقرأتها وعلمت عنها من خلال ما يصلني في الهاتف أو البريد أو العمل لأرامل وأولياء أيتام ومن باعوا كل ما يملكون ومن سجنوا بسبب الديون وتشتت أسرهم بسبب محتال أعماه جمع المال, والله المستعان.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً