ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:
دعوى تحصيلها وتقادم هذه الدعوى.
علالي محمد
إطار محاسب
كنت قد توصلت في مقال سابق[1] يحمل عنوان “ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومسطرة التحصيل الجبري” إلى استنتاج مفاده أن ص.و.ض.ج لا يعتبر مخاطبا بمقتضيات القانون رقم 15.97 في عملية استخلاص ديونه التي بذمة منخرطيه. وقد تم تأسيس هذه الاستنتاج على الاعتبارين التاليين:
ديون ص.و.ض.ج ليست ديونا عمومية بمفهوم القانون رقم 15.97. وعلة ذلك أن عملية تحصيل ديون المؤسسة العمومية المذكورة تقع خارج نطاق مهام العون المحاسب لتبقى اختصاصا تمارسه الإدارة العامة بشكل حصري، وهو ما يعني بالنتيجة عدم استجابة تلكم الديون لمقتضيات المادتين الثانية والثالثة من القانون رقم 15.97.
السياق الموجب للعمل بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 28 منالظهير رقم 1-72-184 المؤرخ في 27/07/1972 لم يعد متوفرا باعتبار أن هذه المقتضيات تستند إلى أحكام أصبحت منسوخة ضمنيا طبقا للمادة 162 من القانون 15.97 لمخالفتها لأحكام هذا الأخير، وأعني بذلكم تخويل الاختصاصات موضوعَ الفصل 71 من الظهير الصادر في 21 غشت 1935 بسن نظام للمتابعات في ميدان الضرائب المباشرة والآداءات المماثلة لها حسبما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى الظهير رقم 1.60.103 الصادر بتاريخ 25 يونيو 1962[2].
ويستدعي هذا الاستنتاج المتوصل إليه القيام بإعادة النظر في الجواب الذي قدمه بعض من العمل القضائي بشأن التقادم والسقوط المنصوص عليهما في الفصل 76 من ظهير 27/07/1972، مع ما يستلزم ذلك من استجلاءٍ للمقصود بعبارة “دعوى التحصيل” الواردة في الفصل المذكور. فبمطالعة بعض القرارات القضائية يتبين أن إثارة الدفع المتعلق بواقعة التقادم أو بواقعة السقوط يتم الاستناد فيها إلى مقتضيات الفصل 76 من ظهير 27/07/1972 التي تنص على ما يلي:
” تتقادم دعوى التحصيل المقامة منفصلة عن الدعوى العمومية بمضي أربع سنوات تبتدئ من اليوم الأول من الشهر الذي يلي صدور البيان الحسابي السنوي الذي يوجهه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى المدين وفقا للشروط المحددة في النظام الداخلي.
ومن أجل تطبيق أحكام الفقرة السابقة يجب على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن يوجه إلى المدين قبل يوم 31 ديسمبر من كل سنة، وإلا سقط حقه، بيانا حسابيا يتضمن العمليات المتعلقة بما له وما عليه فيما يخص السنة المالية السابقة”.
وقد أعاد المشرع التأكيد على تطبيق أحكام الفصل 76 من الظهير المذكور، وذلك في الفقرة الثانية من المادة 50 من القانون 99.15 [3] التي تنص على ما يلي:
“كما تطبق فيما يخص تقادم دعوى تحصيل الديون المذكورة (=الديون المستحقة لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) أحكام الفصل 76 من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون 1.72.184”.
وترى محكمة النقض أن إثارة الدفع بالتقادم أو بسقوط الحق بالاعتماد على أحكام الفصل 76 من ظهير 27/07/1972 تقتضي أن يكون ص.و.ض.ج طرفا مدعيا لا مدعى عليه. وقد تجسد ذلك من خلال القرار رقم 786 الصادر بتاريخ 30/4/2015 في الملف الإداري رقم 1897/4/1/2012[4] الذي قضى بما يلي:
“حيث صح ما عاب به الطاعن القرار المطعون فيه، ذلك أن مقتضيات الفصل 76 من ظهير 27/07/1927 المنظم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المحتج به في القرار لسقوط حق الصندوق في استخلاص الاشتراك عن السنوات 1989 إلى غاية 2004 تتصل بدعوى التحصيل التي يرفعها الصندوق لاستخلاص ديونه بحسب ما نص عليه في الفقرة الأولى وبسقوط حقه في استخلاص الدين بحسب ما نص عليه في الفقرة الثانية، وفي الحالة المعروضة على المحكمة فإن الصندوق ليس طرفا مدعيا في هذه الدعوى وإنما مدعى عليه، ولما قضت المحكمة مصدرة القرار في قرارها المطعون فيه بسقوط حق القابض في استخلاص الواجبات موضوع النزاع باعتماد مقتضيات الفصل 76 المذكور تكون قد عللت قرارها تعليلا فاسدا مستوجبا للنقض”.
وفي نفس السياق، صرحت محكمة النقض في قرارها رقم 348 الصادر بتاريخ 03/06/2009 في الملف الإداري عدد 285/4/2/2008[5] بما يلي:
“حيث تبين صحة ما عاب به الطالب القرار المطعون فيه، ذلك أن مقتضيات الفصل 76 من ظهير 27/07/1972 للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المحتج به على التقادم تتصل بدعوى التحصيل التي يرفعها الصندوق من أجل استخلاص ديونه حسب الفقرة الأولى وبتقادم حقه في الدين حسب الفقرة الثانية ولا تتعلق بالحالة التي أسست عليها المدعية إدعاءها التي تندرج ضمن مقتضيات الفصل 28 من نفس القانون التي تقضي بمباشرة الاستخلاص وتجري المتابعات عند الاقتضاء كما هو الشأن في الضرائب المباشرة خلال أربع سنوات يبتدئ من تاريخ تبليغ قائمة المداخيل إلى الملزم بالأداء، والمحكمة لما سايرت المطلوبة في مقالها وقضت بسقوط حق الصندوق في استخلاص الواجبات المذكورة بالعلة المشار إليها أعلاه، تكون قد خرقت القانون وعرضت قرارها بسبب ذلك للنقض “.
ويستفاد من القرارين المذكورين أن ص.و.ض.ج يتوفر على آليتين لتحصيل ديونه:
الآلية الأولى تتم وفق ما جاء في الفقرة الأولىمن الفصل 28 من الظهير رقم 1-72-184 المؤرخ في 27/07/1972 التي تنص على ما يلي:” يباشر الاستخلاص وتجري المتابعات عند الاقتضاء كما هو الشأن في الضرائب المباشرة خلال أجل أربع سنوات يبتدئ من تاريخ تبليغ قائمة المداخيل القابلة للتنفيذ إلى الملزم بالأداء“.
الآلية الثانية تتم بواسطة دعوى التحصيل المنصوص عليها في الفصل 76 من ظهير 27/07/1927.
ويَلْزَمُ ملاحظة أن التمييز الذي يقيمه القراران الصادران عن محكمة النقض المشار إليهما أعلاه للقول بوجود آليتين لتحصيل ديون ص.و.ض.ج مرده إلى التصور الذي تم من خلاله النظر إلى عبارة” دعوى التحصيل” الواردة في الفصل 76 من الظهير المذكور، وهو تصور لم ينتبه إلى أن كلمة “دعوى“ لم ترد في الفصل المذكور بالمعنى الإجرائي الوارد في قانون المسطرة المدنية بل وردت فيه من باب المشابهة من حيث الآثار التي تترتب عن مسطرة التحصيل المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية والمحال عليها بموجب الفصل 28 من ظهير 27/07/1972 والتي يعتبر الشروع فيها بمثابة افتتاح لدعوى التحصيل وتكون إجراءاتها متى استجمعت شروط الصحة والنفاذ منتجة لجميع الآثار التي تنتج عن الأحكام Jugements[6]. ولو تم إدراك ذلك لاتضحت الصورة وتبين وجه التكامل بين ما ورد في الفصل 76 وما جاءت به الفقرة الأولى من الفصل 28 من الظهير المذكور. ويكفي الرجوع إلى المادة 50 من القانون 99.15، التي جاءت ضمن الباب الحادي عشر الذي يحمل عنوان “الامتياز والتحصيل والتقادم“ لتوضيح ذلك؛ فبمقارنة هيكلة المادة المذكورة بعنوان الباب الذي تندرج في إطاره، نجد أن المشرع قد اتبع في ترتيب فقرتي تلكم المادة نفس ترتيب عنوان الباب، أي البدء في الفقرة الأولى بالتطرق لتحصيل ديون ص.و.ض.ج بالتنصيص على تطبيق أحكام الفصل 28 من ظهير 27/07/1972 وذلك وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 15.97؛ وهذا هو المقصود بدعوى التحصيل، ثُمَّ تناول في الفقرة الثانية مسألة تقادم هذه الدعوى بالإحالة على أحكام الفصل 76 من ظهير 27/07/1972.
وعليه، فإن كل مناقشة لمسألة التقادم أو السقوط خارج سياق أحكام الفصل 76 تعتبر اختيارا للسير في الاتجاه الخاطئ.
ومع ذلك فإن مباشرة دعوى تحصيل دين ص.و.ض.ج في ظل مقتضيات القانون رقم 15.97 يُعْوِزُها السند القانوني بالنظر إلى كون ديون هذه المؤسسة العمومية، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، تتميز بخصوصية من حيث تحصيلها تجعلها خارج الديون المعنية بالأحكام المنظمة لمسطرة تحصيل الديون العمومية. إضافة إلى ذلك، فإن الأساس القانوني الذي تستند إليه الفقرة الأولى من الفصل 28 من ظهير 27/07/1972، والمتمثل في الفصل 71 من ظهير 21/08/1935 حسبما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى الظهير رقم 1.60.103 الصادر بتاريخ 25 يونيو 1962، يعتبر من الأحكام المخالفة لتلكم الواردة في القانون رقم 15.97 وذلك بسبب غياب أي مقتضى مماثل له. وهو ما يعني أن الأساس القانوني المذكور قد طالٌهُ النسخ وفقا للمادة 162 من القانون الحالي المنظم لمسطرة تحصيل الديون العمومية.
ونخلص من ذلك إلى القول أن غياب التأسيس القانوني لدعوى التحصيل المنصوص عليها الفقرة الأولى من الفصل 28 من ظهير 27/07/1972 يستلزم سلوك المسطرة القضائية التي تبقى الإطار الوحيد الذي يمكن من خلاله للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مباشرة تلكم الدعوى.
منشور على موقع مجلة القانون والأعمال بتاريخ 29/01/2018[1]
2 الفصل 71: ”تنطبق مقتضيات ظهيرنا الشريف هذا على استيفاء ديون المؤسسات العمومية أو المصرح بأنها ذات مصلحة عمومية وكذا على المتابعات التي تتناول هذا الاستيفاء إذا كان هذا التطبيق منصوصا عليه بكيفية صريحة في الظهير الشريف الصادر بإحداث المؤسسات المذكورة ولو كانت مهام العون المحاسب أو أمين الصندوق لا يقوم بها قابض الضرائبles fonctions d’agent comptable ou de trésorier ne sont pas assurées par un percepteur وفي هذه الحالة فإن الاختصاصات المنوطة بالقابض بمقتضى ظهيرنا الشريف هذا تخول إلى العون المحاسب أو إلى أمين الصندوق وتناط اختصاصات رئيس مصلحة القباضات chef du service des perceptionsإلى رئيس المصلحة أو إدارة الوصاية التي ينتمي إليها العون المحاسب أو أمين الصندوقchef du service ou de l’administration de tutelle dont relève l’agent comptable ou le trésorier”
ظهير شريف رقم 1.17.109 صادر في 5/12/2017 بتنفيذ القانون رقم 99.15. الجريدة الرسمية عدد 6632 الصادر بتاريخ 21/12/2017[3]
قرار غير منشور[4]
قرار غير منشور[5]
[6] David RIGAUD. Droit et pratiques des procédures URSSAF. PP : 199-207. Editeur LIAISONS.
← Essai sur le régime juridique des appareils spatiaux et aériens : Entre la philosophie de droit international, l’infatuation du droit extra-atmosphérique et la discrétion du droit aérien.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً