– طبيعة البيع الجبري :
يثور التساؤل الذي هو موضوع البحث ما هي طبيعة هذا البيع الجبري ؟ وهل يعد عقداً – مثل البيع الاختياري(1) أم قراراً قضائياً ؟ وللإجابة عن ذلك التساؤل ننطلق في البحث من خلال عدة نظريات حددت بدورها طبيعة ذلك النوع من أنواع البيوع الجبرية … وهذا ما سنحدده من خلال الفقرتين الآتيتين :
الفقرة الأولى النظرية العقدية
هنا يعد البيع الجبري – مثل البيع الاختياري – عقداً وبالتالي فالحكم برسو المزاد في العقار يعد حكماً في الشكل ولكنه من حيث المضمون والطبيعة هو عقداً يرتب حقوق والتزامات وآثار عقد البيع ما لم بنص القانون على غير ذلك(2)، ووفقاً للراي الراجح في هذا الاتجاه فان طرح المال للمزاد يعد دعوة للتعاقد وتقدم الراغب في الشراء بعطاء معين يعد إيجابا(3) أما إرساء المزاد .عليه فيعد قبولاً للعقد ، واذا كان العطاء يعبر عن ارادة المشتري ، فمن هو الذي يعبر عن ارادة البائع في البيع الجبري خاصة إذا ما علمنا إن المال هنا يباع جبراً عن المدين مالك المبيع دون ارادته ؟ وللإجابة عن هذا التساؤل فقد اتجه البعض الى فكرة النيابة حيث ان الدائن الذي يباشر اجراءات الموظف الذي يباشر اجراءات البيع الجبري هما اللذين يمثلان المالك في عقد البيع ، وبالتالي فهو عقد قانون خاص(4) واتجه البعض الآخر(5) الى ان الدولة تنتزع من المدين سلطة التصرف في المال المحجوز وتباشرها في البيع الجبري لصالح الدائن وبالتالي فهو عقد قانون خاص إلا أن هذه ، النظرية لم يكتب لها النجاح إذ تعرضت لعدة انتقادات من حيث تكوين العقد ومن حيث الآثار(6) ولهذا لم يكتب لهذه النظرية النجاح في بيان طبيعة البيع الجبري الأمر الذي أدى الى ظهور نظرية أخرى على أنقاضها .
الفقرة الثانية نظرية القرارالقضائي
البيع الجبري هو قرار يصدر من موظف عام )كأن يكون المنفذ العدل ( أو ) القاضي المختص ( في بعض الأحايين(7) وفقاً لاجراءات التنفيذ بالحجز ونزع الملكية الواردة في القوانين الاجرائية ، وبالتالي لا يعد العطاء إيجاباً أو قبولاً للتعاقد بل هو اجراء من اجراءات البيع – يخضع لأحكام قانون المرافعات ، فهو قرار بنزع ملكية المال المبيع ونقلها الى المشتري مقابل الثمن الذي دفعه وبالتالي فآثار البيع الجبري تختلف عن آثار عقد البيع(8) ، ووفقاً لراي البعض فان هذه النظرية جديرة بالتأييد لأنها تتفق مع طبيعة اجراءات التنفيذ كنشاط قضائي ، حيث أن البيع الجبري مرحلة من مراحل هذا النشاط وتتفادى بالتالي الانتقادات التي وجهت للنظرية الأولى وتفسر اختلاف آثار البيع الجبري عن عقد البيع(9) ونعتقد من جانبنا أن البيع الجبري هو قرار قضائي مختلط بمعنى أنقرار رسو المزاد في العقار هو حكم من حيث الشكل ولكنه يعد عملاً ولائياً من حيث المضمون، يقوم به القضاء عند وجود قصور فيارادة الافراد لرقابتها او لتكملتها(10) ، ومن هنا يلاحظ أن البيع الجبري له طبيعة خاصة مصدرها القانون باعتباره مرحلة هامة من مراحل التنفيذ .والحقيقة – وفي اعتقادنا – أن الحكم برسو الزايدة يخضع لقواعد خاصة وصفها المشرع .إذ نرى أنه قضاء غير موضوعي أو قضاء ولائي من حيث المضمون ، وان كان من حيث الشكل يعد حكماً ، وبالتالي ينبغي التمييز بين مضمونه وشكله ؛ ويترتب على هذا التكييف القانوني عدة نتائج أبرزها خضوع البيع الجبري من حيث تكوينه وآثاره لقانون المرافعات وليس لنظرية العقود في القانون المدني وبالتالي لقواعد البطلان الواردة في قانون الم ا رفعات دون القانون المدني(11) . كما أن الحكم برسو الم ا زد لا يخضع لقواعد الأحكام القضائية بالمعنى الفني الدقيق ولا يلزم تسبيبه ولا يرتب حجية الأمر المقضي ولا يخضع لقواعد الطعن في الأحكام بل يجوز رفع دعوى أصلية ببطلانه ، فضلاً عن البيع الجبري يرتب اثارا اجرائية بحتة لا يرتبها البيع الاختياري ، وهذه الآثار واردة في قانون المرافعات(12)
_________________________
1- وهو عقد البيع المتعارف عليه في القانون المدني ، ينظر المواد : 600-506 (
2 – القانون المدني العراقي النافذ ذو الرقم 40 لسنة 1951 المعدل ، والمواد- 418-481 من
القانون المدني المصري النافذ ذو الرقم 131 لسنة 1948 المعدل .
3- ينظر : د. عبد الباسط جميعي ، نظام التنفيذ ، ط 1 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، (
. 1968 ، ص 65
4- وهذا هو موقف القانون المدني العراقي النافذ والمقارن ، ينظر المادة89 من القانون (
المدني العراقي النافذ المعدل ؛ والمادة 99من القانون المدني المصري النافذ المعدل ؛
فالإيجاب لا يكون إلا بتقديم عطاء والقبول هو إرساء المزاد على شخص معين …
5- فالبائع هو الدائن ويقوم بذلك باعتباره وكيلاً أو ممثلاً قانونياً عن المدين … ينظر :
. سيد أحمد محمود أصول التنفيذ الجبري ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 2009 ، ص 573
6- ينظر: د. وجدي ال ا رغب ، النظرية العامة للتنفيذ القضائي في قانون المرافعات ، بدون (
. جهة نشر ، الإسكندرية ، 1974 ، ص 202
7-ينظر :د. فتحي والي، التنفيذ الجبري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1980 (ص 529 ، وكذلك ينظر :
CARLOS CEROA ، Lanature du proce’s ، the’se Paris ، 2 ، 1979، p : 64 .) ينظر نص المادة ) 91 ( من قانون التنفيذ الع ا رقي النافذ المعدل . (
8- ينظر لمزيد من الاستيضاح : د. وجدي الراغب ، مبادئ التنفيذ القضائي الكويتي ، دار (
. النهضة ، القاهرة ، 1980 ، ص 163
9- د. وجدي الراغب ، مصدر سابق ، مبادئ التنفيذ ، ص 164 (
10- ينظر : د. وجدي ال ا رغب ود. سيد أحمد محمود ، قانون الم ا رفعات المدنية والتجارية (
الكويتي وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية ، ط 1 ، مطابع جامعة الملك سعود ، المملكة
العربية السعودية ، 1414 ه – 1994 م ، ص 42 ،فوزي احمد عبد الرحمن ، التنفيذ الجبري ،
. المطبوعات الجامعية ، القاهرة ، 2006 ، ص 502
11-عالج المشرع العراقي نظرية البطلان في قانون الم ا رفعات المدنية بصورة هامشية ، إذ لم (
نجد فيه مكاناً لنظرية عامة في البطلان ، بل نجد أن كلمة البطلان ترددت في عدة نصوص
من هذا القانون دون تحديد لمضمون البطلان ولا لقواعده .
12- لمزيد من التفصيل ينظر : د. سيد أحمد محمود ، مصدر سابق ، أصول التنفيذ الجبري ، (
ص 575 وما بعدها .
– خصائص البيع الجبري :
يتسم البيع الجبري بجملة من الخصائص لنا إيضاحها عبر الفقرات الآتية :
الفقرة الأولى : تمام البيع الجبري بطلب وتحت اشراف ورقابة قضائية
لم يشر المشرع العراقي في قانونه النافذ الى تقديم طلب بذلك من قبل الدائن على غرار موقف القانون المصري(1) بل أجاز المشرع العراقي للمنفذ العدل أن يأذن للمدين ببيع عقاره المحجوز بنفسه دون تدخل من مديرية التنفيذ الحاجزة وذلك استثناءً من أحكام المادة (58) من القانون ذاته والتي منعت اطراف المعاملة التنفيذية من الاتفاق على إتباع اجراءات الحجز الأموال أو ببيعها بشكل يخالف الاجراءات التي رسمها قانون التنفيذ ، وذلك حرصاً منه على إتاحة الفرصة للمدين ببيعه عقاره المحجوز بثمن أعلى ودون علنية قد تؤثر على مركزه الاجتماع(2). وتكون اجراءات بيع المنقول جبرياً تحت إشراف مديرية التنفيذ الحاجزة وبأشراف المنفذ العدل المباشر على ذلك (3)
الفقرة الثانية : اجراء البيع الجبري يكون بالمزاد العلني
اجراء البيع الجبري بالمزاد العلني له أهمية بالغة في نطاق حسم الاجراءات التنفيذية ، إذ يتيح أكبر فرصة للجمهور في الاشراك في المزايدة . والمنافسة بينهم مما يؤدي الى رفع ثمن البيع الى أقصى حد ممكن مما تعمل على تحقيق مصلحة كلمن الحاجز والمحجوز عليه ، إذ أن اجراءات البيع الجبري دون مزاد دعلني يؤدي الى استغلال المشتري لموقف المحجوز عليه لكي يقوم بشراء المال المحجوز بأبخس الأثمان ، كما إن العلانية تتيح مراقبة الجمهور لعملية المزايدة مما يمنع التلاعب والمحاباة لبعض الأشخاص في الشراء(4) وتختلف القواعد التي تحكم اجراء المزايدة عنها في المنقول أو العقار ، كما ان هناك قواعد مشتركة لاجراءات البيع الجبري بالمزايدة العلنية بغض النظر عما إذا كان المحل منقولاً أو عقاراً .
الفقرة الثالثة : ضرورة دفع الثمن
لا تتم اجراءات البيع مع إحداث أثره في نقل الملكية إلا بعد دفع الثمن وايداع تأمينات نقدية لا تقل عن 10 % من القيمة المقدرة للمال المحجوز في المنقول ، علماً أن الفورية واجبة في تسديد الثمن بعد انتهاء المزايدة مباشرة وتسليم المبيع(5) ، وعلى الرغم من إغفال المشرع العراقي من عدم ذكر وقت تسليم المبيع وبالتالي وقت تسليم الثمن. إلا أن فورية تسديده جرى العرف عليها وتتضمنها غالبية الإعلانات التي تنشر حول بيع الأموال المنقولة ، ولا يوجد مانع في قانون التنفيذ العراقي النافذ المعدل يحول دون إمهال المشتري مدة وجيزة لدفع ثمن المبيع الذي رست به المزايدة على أن يدفع صفقة واحدة حيث لا يجوز تسديد جزء منه وتأجيل الباقي الى وقت آخر (6) وقد ألزم المشرع العراقي المشتري بدفع بدل المزايدة ورسوم التسجيل العقاري في مزايدة العقار خلال(15) يوماً من تاريخ الإحالة النهائية والا اعتبر ناكلا (7) ، فإذا كان المشتري الذي رست المزايدة له هو الدائن، فيجب أن يطرح من البدل مبلغ دينه ويكلف بتسديد الباقي إذا كان هو الدائن الوحيد ، أما إذا كان هناك دائنون متعددون ، وكان بدل المزايدة لا يغطي ديونهم جميعاً فيجب على الدائن المشتري أن يدفع بدل المزايدة كاملا (8).
_______________
1- المادة (392) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري النافذ المعدل .
2-المادة(91)من قانون التنفيذ العراقي النافذ المعدل .
3- مدحت المحمود ، شرح قانون التنفيذ ، ط 4، العاتك، القاهرة، 2009 ، ص 160
4- د . وجدي ال ا رغب ود. سيد أحمد محمود ، قانون الم ا رفعات المدنية والتجارية الكويتي وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية ، ط 1 ، مطابع جامعة الملك سعود ، المملكة العربية السعودية ، 1414 ه – 1994 م ،، ص 165 .
5- مدحت المحمود ، مصدر سابق ، ص 154 (
6- د. سعيد عبد الكريم مبارك ، مصدر سابق ، ص 155 (
7- المادة ) 102 /أولاً( من قانون التنفيذ الع ا رقي النافذ المعدل . (
8- نتيجة توزيع هذا البدل للدائنين ، أو تقوم مديرية التنفيذ بإجراءات عملية توزيع حصيلة التنفيذ صورياً بموجب قرار اشتراك بافتراض ان البدل الخاص بالمزايدة قد دفع فعلاً من قبل المشتري وذلك للوصول الى ما يصيب المشتري من هذا البدل تسديداً لدينه ، وبعد معرفة حصته من البدل كدائن يكلف بتسديد بدل المزايدة منقوصاً منه هذه الحصة .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً