قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 والانحياز إلى المعالجة على حساب العقوبة
القاضي ناصر عمران
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
لم يضع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 كسابقه (قانون المخدرات رقم 68 لسنة 1965) تعريفا جامعا مانعا للمواد المخدرة او المخدرات واكتفى بقوله أن المقصود في المادة 1 / اولا : المخدرات او المواد المخدرة هي : كل مادة طبيعية او تركيبية من المواد المدرجة بالجداول (الاول والثاني والثالث والرابع) الملحقة في هذا القانون ( وهي قوائم المواد المخدرة التي اعتمدتها الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 وتعديلاتها)، ولم يضع تعريفاً شاملاً جامعاً للمادة المخدرة.
ويفهم من ذلك أن ما عدا ما ورد بتلك الجداول لا تعتبر مواد مخدرة مع أنه قد توجد مواد أخرى تعتبر مخدرات إذا كان شأنها التأثير على الإنسان عضوياً أو عقليا أو نفسياً وكذلك جاء في الفقرة ثانيا من ذات المادة :المؤثرات العقلية كل مادة طبيعية او تركيبية من المواد المدرجة في الجداول (الخامس والسادس والسابع والثامن ) الملحقة في هذا القانون (وهي قوائم المؤثرات العقلية التي اعتمدتها اتفاقية الامم المتحدة للمؤثرات العقلية لسنة 1971 وتعديلاتها).
كما ان القانون لم يورد في عباراته علة التجريم التي اعتمدتها بعض القوانين العربية والغربية والتي تؤكد أن المخدرات نوع من أنواع السموم، إن كان قليلها يشفي فإن كثيرها يؤدي إلى الإدمان عليها وإذا وصل الانسان إلى حالة الإدمان فيجب إيداعه بالمصحة للعلاج ولا يخرج منها إلا إذا شفى والإدمان كما عرّفه العالم الكيماوي وكلر (Wikler ) هو التعاطي القهري للمواد المخدرة والذي يدفع صاحبه إلى الزيادة في الجريمة مما يجعله يصاب بالانتكاس والقلق والاضطراب ويجعله يضطر للتعاطي للخلاص من هذه الحالة. يترتب عليه ضررا ليس فقط لمتعاطيها وإنما لأسرته وللمجتمع ككل.
والإدمان يسبب عدة ظواهر، منها ضعف الجسم ظاهريا، وضعف القوة العقلية داخليا، وقد يتسبب عنه الجنون، كما يؤثر في المستوى الخلقي مما يجعله يرتكب أبشع الجرائم دون وعي منه إن ضعف قوة المدمن العقلية يصاحبها هبوط مستواه الخلقي، وهذا الضعف الجسماني يؤدي إلى فقد مورد رزقه، وليس هذا فحسب بل يتعدى هذه الظواهر بارتكاب الجرائم الخاصة، وخاصة جرائم الأموال للحصول على المخدر بأية طريقة، كما يمكن أن يستغل المدمن من قبل الغير بتحريضه على ارتكاب بعض الجرائم مقابل مبالغ مالية هو في حاجة إليها، ان تعاطي المخدرات هي المساحة الفعلية للصراع بين تجار المخدرات الساعين لتحقيق الارباح واجهزة مكافحة المخدرات الساعية لإلقاء القبض عليهم ومحاربة هذه التجارة يسير على خطاها وبخط متواز الاجهزة الوقائية الساندة الساعية لمعالجة المتعاطين والمدمنين على تعاطي المواد المخدرة.
وقد جرّم القانون كل صور حيازة المخدرات بقصد التعاطي فقد نص القانون السابق للمخدرات في المادة /14ثانيا – يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة ولا تقل عن الحبس لمدة ثلاث سنين وبغرامة لا تزيد على الف دينار ولا تقل عن خمسمائة دينار، من حاز او احرز المخدرات المذكورة في المادة الثالثة من هذا القانون، او زرع نبات القنب وخشخاش الافيون والقات وجنبة الكوكة، وكان ذلك بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي، واذا كان المتهم من افراد القوات المسلحة العراقية او مستخدما فيها او كان يعمل معها او لمصلحتها، فتكون العقوبة السجن المؤبد او السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات والغرامة التي لا تتجاوز الفي دينار، ويجوز الحكم بالإعدام، اذا وقعت الجريمة اثناء مجابهة العدو.
وقد اعتبر القانون جريمة تعاطي المخدرات الجريمة المذكورة جناية عقوبتها السجن مساوية لعقوبة الاتجار وصناعة واستيراد وحيازة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية وعقوبة التعاطي شديدة لمن يرتكبها لأول مرة فقد يتعاطى شاب المخدر في حالة نزوة أو بتأثير من رفاقه أو رغبة منه في محاكاتهم ويفضل أن تكون عقوبة هذه الجريمة الحبس أو الغرامة أو العقوبتان معاً وهذا منهج الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الغربية وحسناً فعل القانون الجديد قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 الذي نص في المادة (32) منه على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (1) سنة واحدة ولا تزيد على (3) ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن (5000000) خمسة ملايين دينار ولا تزيد على( 1000000)عشرة ملايين دينار كل من استورد أو أنتج أو صنع أو حاز أو أحرز أو اشترى مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية أو زرع نباتا من النباتات التي ينتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو اشتراها بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي.) وبذلك اعتبر القانون التعاطي الشخصي جنحة لا تزيد عن ثلاث سنوات.
وتضمن القانون في الفصل التاسع تدابير لمعالجة المدمنين فقد منحت المحكمة صلاحية ايداع المدمن على المخدرات والمؤثرات العقلية في إحدى المؤسسات الصحية التي تنشأ لهذا الغرض ليعالج فيها الى ان ترفع اللجنة المختصة ببحث حالة المودع تقريرا عن حالته الى المحكمة لتقرر الإفراج عنه أو الاستمرار بإيداعه لمدة أو مدد أخرى على ان يلتزم بمراجعة عيادة (نفسية واجتماعية ) مرة اومرتين في الاسبوع كما ان المادة (40 ) منعت المحاكم من اقامة الدعوى الجزائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من تلقاء نفسه للعلاج في المستشفى المختصة بعلاج المدمنين، مع مراعاة السرية حيال الأشخاص الذين يعالجون من حالة الإدمان على المخدرات أو المؤثرات العقلية.
لقد اختط القانون طريقا جديدا في معالجة الظاهرة مخدرات فقد انحاز الى الجانب الوقائي العلاجي اكثر من الجانب الردعي العقابي وهو اتجاه صائب بحاجة الى تفعيل اجتماعي ومنظومة عمل ساندة لتحقيق اهداف القانون والحد من جرائم المخدرات.
اترك تعليقاً