ازدواج الجنسية.. يجوز للمواطن، ويمنع عن المسؤولين الكبار
عادل عبد المهدي
يعكس قبول البلدان بازدواج الجنسية تجاوز حالة الانكفاء والتعصب القومي الذي كان سائداً.. وينسجم مع تقارب البلدان والشعوب وسهولة التنقل والاقامة.. وهو دليل الهجرات الواسعة وازديادها لعوامل اقتصادية وديمغرافية ودينية وطائفية واثنية وقمعية والهرب من الحروب والتطلع لحياة افضل، وتأثيرات الفترات الاستعمارية، وما رافقها من حصول المهاجرين وابناءهم جنسية اخرى بالاقامة والولادة او وفق شروط.
والهجرة في منطقتنا تدور بين شمال وجنوب البحر المتوسط اساساً، ومنها لبقية البلدان. صحيح ان الهجرة من الجنوب الى الشمال قد تزايدت منذ نهايات القرن التاسع عشر والقرنين 20 و21.. لكنها لم تكن دائماً باتجاه واحد.. فمنذ نهايات القرن 15 هاجرت اعداد كبيرة من المسلمين واليهود وحتى النصارى من اسبانيا وجنوب اوروبا باتجاه الجنوب المتوسطي، واستمرت هذه الهجرة لاسباب اقتصادية وسياسية ولحياة افضل حتى بدايات القرن 20.. وبلغت الهجرة الايطالية للشرق الاوسط مثلاً في بدايات القرن الماضي 12770 مهاجر سنوياً.
1-تنظم اكثر الدول اوضاع مواطنيها في البلدان الاخرى، من المغتربين و”الشتات” ومن مزدوجي الجنسية. فهؤلاء ثروة بشرية وانسانية واقتصادية ومعرفية وسياسية.. فتنظم حقوقهم ومصالحهم وشؤون عملهم ووثائقهم والالتزامات السيادية والامنية والاجتماعية والثقافة والروح الوطنية، الخ. بل ان بعض الدول تغري الاخرين بجنسيتها لاسباب اقتصادية وحسابات مستقبلية.
2-شهد العراق الهجرة، وقيام “دياسبوراDiaspora “، او “الشتات العراقي”، منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.. وتزايدت في الخمسينات والستينات.. لتصل ذروتها في السبعينات مع الحروب الداخلية والقمع والحرب العراقية الايرانية، لتتزايد الاعداد في الستينات والسبعينات بسبب الهجرة الواسعة، والتهجير واسقاط الجنسية لما سمي بـ”التبعية” والفيليين، خصوصا قرار مجلس قيادة الثورة المنحل 666 في 5/8/1980 ونصه “1- تسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي من اصل اجنبي اذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والاهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة. 2- على وزير الداخلية ان يامر بابعاد كل من اسقطت عنه الجنسية العراقية.. الخ”.. وحصل اجتياح الكويت والانتفاضة، والحصار والعقوبات وانهيار الاوضاع الاقتصادية، واجتياح العراق في 2003، وانفلات الاوضاع الامنية والارهاب والعوامل المعيشية، مما جعل العراق من البلدان العشرة الاولى في مشكلة المهاجرين عالمياً.. بحيث يُقدر عدد العراقيين في الخارج، الذين غادروا بارادتهم او مرغمين، حسب الاحصاءات حوالي (3-4) مليون مواطن، نشأت لهم اجيال متعاقبة، والذين ينطبق على اعداد كبيرة منهم حالة ازدواج الجنسية.
3-اقر “قانون ادارة الدولة“ ازدواج الجنسية، وتنص المادة 11/ج/د “يحق للعراقي ان يحمل اكثر من جنسية واحدة، وان العراقي الذي اسقطت عنه جنسيته العراقية بسبب اكتساب جنسية اخرى يعد عراقياً”.. و “يحق للعراقي ممن اسقطت عنه الجنسية لاسباب دينية او عنصرية او طائفية ان يستعيدها..”. لكن “قانون ادارة الدولة” لم يمنعها عن كبار المسؤولين. ليأتي الدستور ويجيز التعدد للمواطنين ويمنعها عن المسؤولين الكبار. تقول المادة 18/رابعاً: “يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصباً سيادياً او امنياً رفيعاً، التخلي عن اية جنسية اخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون”. فاستهدفت المادة امرين.. أ) حماية المواطنين.. وهو ما كان يشكل مشكلة كبيرة في الوثائق والذرية والحقوق والواجبات هنا وهناك.. ب) حماية الدولة وسيادتها ومصالحها وولاء مسؤوليها التام لها، ومنع اي تضارب في المصالح، وذلك بحرمان المسؤولين الذين يتولون مناصب سيادية وأمنية رفيعة من اية جنسية عدا العراقية.
4-ومما يؤسف له انه رغم مرور 13 عاماً على اقرار الدستور فان القانون الذي ينظم هذا الشان الخطير لم يشرع ويطبق رغم تكرار المطالبات.. وقد شكل غياب القانون خسارة للمواطنين وللدولة على حد سواء. فبدل تسهيل امور المهاجرين والمغتربين والشتات ومن حملة الجنسية المزدوجة ما زالت الشكاوى والصعوبات والتعقيدات سيدة الموقف.. بالمقابل استمر التماهل مع المسؤولين حاملي الجنسية المزدوجة في المناصب السيادية والامنية الرفيعة المستوى، في خرق واضح مع الدستور.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً