أكد أهميته في حماية تعاملات التجار من جمود القواعد القانونية
السعدان : القضاء التجاري رسخ عدة مبادئ ترفع سقف المحافظة على القيم التجارية
تحدث الدكتور عبدالله بن حمد السعدان رئيس الدائرة التاسعة بالمحكمة الإدارية بالرياض والمتحدث الرسمي لوزارة العدل سابقاً حول ظهور مبدأ الفصل في التعاملات بين التجار وأنه خرج من صلب الثقة المتبادلة بينهم، وفي ميراثنا الفقهي ما يؤكد ان المنازعات التجارية لم تخرج عن نطاق الساحة التجارية بل كان المتولي للفصل في المنازعات أكثر التجار خبرة ودراية بالأعراف التجارية السائدة، وكانت تلك الأعراف منظومة متكاملة لحمتها وسداها الأخلاق الفاضلة ؛ حيث يتجلى الصدق في المعاملة والوفاء بالعقد وإتمام العهد والأخوة في العمل ، فتألق التجار في مجتمعاتهم رموزا للنخب وقدوة في حسن النية وصدق التعامل وجودة العمل.
وبين السعدان أن الوضع استمر على ذلك حتى بداية ظهور التقنين اللاتيني، فسحب رداء الأخلاق من القواعد القانونية الملزمة بمرور الزمن في غفلة من التجار وفي زحمة العمل وسرعة التعامل وظهور المدارس النفعية المعاصرة ، وانعدمت قوتها الملزمة في النفوس، فسلخ العرف التجاري من أساسه ونبعه ودوحته الوارفة ، وأصبح المعول على المبادئ المستقاة من تلك الأعراف ولا تزال بقاياها حتى يومنا هذا لكنها ليست بتلك الحلة القشيبة التي غلفت الجوهر وزادت من رونق المظهر، وتقهقر أساس الثقة والائتمان لحساب سرعة التعامل والكسب المادي ، ولا تزال السرعة تقاوم مد الثقة والقانون يدعم بمبادئ تخفف من طغيان تأثيرها على تضييق نطاق الثقة والائتمان .
واستطرد قائلا: حاول التجارالعودة بفصل المنازعات بينهم إلى الساحة التجارية، لكن الوقت تأخر والظروف زادت من تعقيدات التعامل، فامتطوا صهوة جواد التحكيم واقتربوا من تحقيق مرادهم لولا تفريطهم في حفظ أعرافهم التي كانت محفوظة في صدورهم مستحضرة في تعاملاتهم مدخرة عند ثقاتهم ، حتى قضى التقنين عليها بالتدوين وإسباغ صفة الإلزام على القواعد المقننة وتأطيرها بجمود القاعدة القانونية ، فكان هذا الاستيلاء نعمة عليهم وأصبحوا المنعم عليهم وكانوا قبل من المنعمين ، ولولا هذا الاستيلاء انعدمت تلك الثروة العرفية والذخيرة العلمية .
التقنين يستلزم رقابة قضائية على التطبيق لضمان فاعليته
وأوضح : أن التقنين يستلزم رقابة قضائية على التطبيق لضمان فاعليته وجودة تطبيقه، فقد قام القضاء التجاري بدور كبير لصالح ترسيخ الثقة والائتمان ، ورسخ العديد من المبادئ التي ترفع من سقف المحافظة على القيم التجارية وتحمي الساحة التجارية من شدة وجمود القواعد القانونية ؛ لأن التاجر الفرد أصبح لا يشكل أثرا كبيرا في الساحة التجارية إذا نظر إليه خارج المنظومة التجارية ، لكن إذا نظر إليه كعضو فاعل في مجتمع تجاري يشكل الحصن المنيع للاقتصاد الوطني والأساس المتين لقطاع خاص منتج وفاعل فان خروجه من نطاق هذا المجتمع يعني خسارة كبيرة، وقد تنبه القضاء التجاري إلى هذا البعد ورتب عليه من الأحكام التي تعلي مبدأ الثقة بين التجار وتعاونهم في حماية عناصر المجتمع التجاري ، فمع أخذه بمبدأ التضامن ومنع النظرة إلى ميسرة لم يقم بترتيب الآثار مباشرة ، بل استحدث مبدأ يخفف من قسوة هذه المبادئ ، وهو الصلح أو التسوية الواقية من الإفلاس، وتبعه التقنين في هذا الشأن إلى غير ذلك من المبادئ التي خرج بها القضاء من نطاقه التقليدي المتمثل في الفصل في الخصومات إلى نطاق رحب يعنى بالفصل في المنازعات وحماية الساحة التجارية ، وقد ظهرت فيه حكمة القضاة وبعد نظرهم ومراعاتهم للاعتبارات العملية في النشاط التجاري والاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى تكون بيئة خصبة للإبداع والتطوير .
واستفهم الدكتور السعدان : هل سنرى يوما للتجار في عالمنا المعاصر دورا في رصد وتدوين أعرافهم وأسس تعاملهم ؛ لتكون ينبوعا لتقنين فاعل ؟ وهل سنرى لهم دورا كبيرا في دعم البحث العلمي في هذا الاتجاه حتى لو كان ذلك من رصيد مسئوليتهم الاجتماعية ؟ . وأضاف ان هذا الاستفهام كما يتوجه في النطاق الوطني في كل دولة ، فامتداده إلى القانون التجاري الدولي ملح لوجود الخلاف الكبير بين شراح القانون في مدى إلزامية قواعد هذا القانون ؛ لانعدام السلطة الملزمة ، وموقفه من سيادة الدول على أقاليمها ، واتساع نطاق القانون واجب التطبيق ، وتعدد الأعراف التجارية بتعدد البلدان ، وصعوبة الموازنة بين الأعراف التجارية الوطنية ، والأعراف التجارية الدولية .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً