قطاع التطوير العقاري .. مخاطر وحلول نظاميَّة
عبدالله بن ثامر القديمي
مستشار قانوني
لا شكَّ أن قطاع التطوير العقاري يمُرُّ بمخاضٍ عسيرٍ في هذه المرحلة الزمنيّةَ، حيثُ أوضحَت مؤشرات الهيئة العامَّة للإحصاء تسارُع الانخفاض في أسعار العقار حيثُ تجاوزت نسبة الانخفاض خلال ثلاثة أعوام الخمسة والعشرين بالمئة، ولا شكَّ أن المتغيِّرات الاقتصاديَّة والماليَّة التي حدثت وتحدثُ وستحدثُ في قابلِ الأيَّام لها تأثيرُها الواضح والجليّ على انخفاض الأسعار في قطاع الأنشطة والخدمات العقاريّة، ولعلّ من أبرزِ الأسباب الظاهرة لذلك مُغادرةُ الوافدين التي يُتوقَّعُ أن تتجاوز مئة وستين ألف سنوياً مما قد يتسبب بخلوِّ أجزاء من الأحياء السكنية من سُكّانِها وخاصَّة في المدن الحضريَّة، بالإضافةِ إلى ارتفاع كُلفة السلع الأساسيَّة ويلزمُ من ذلك تأجيلُ فكرة شراء العقار إذ لم يَعُدْ شراءُ العقارِ إحدى أولويّاتُ بعض الأفراد مقابل الأولويات الأخرى التي تتسعُ يوماً بعد يوم الأمر الذي قد يتسبب بضعف السيولة لدى الكافَّة .
ومن أبرزِ الأسباب لانخفاض الأسعار –كذلك- فرضُ وزارة الإسكان لرسوم الأراضي البيضاء على الأراضي التي لم يتم استكمال تنفيذ تطويرها واعتماد تخطيطها اعتماداً نهائياً من الجهاز الإداري المُختصّ، مما يجعلُ الأرض البيضاء كالجمرةِ بين يدي مالكها الذي يسعى لتطويرها لتتم بعد ذلك عمليات البيع والإفراغ .
إلا أن المستثمر العقاري الذي يعتزمُ تطويرهُ لأرضهِ يواجه العديد من المخاطر التي قد تجعلهُ يفكِّرُ ملياً قبل الإقدامِ على خطوةٍ كهذه، من أبرزِهَا مخاطر سوق العقارات التجاريَّة وما قد يواجهه من قلة في التدفُّق المالي مما يؤثر بشكلٍ سلبي وجوهري على مستوى العوائد المالية، بالإضافةِ إلى ما يرتبطُ بالقطاع العقاري السكني أو السكني التجاري الذي يعتمدُ بشكلٍ كبير على التغيرات في مستويات العرض والطلب، حيثُ أنَّ “المناخ العام” غير متحمس للشراء أو الاستثمار في القطاع العقاريّ في هذه الفترة الزمنية .
ولعلَّ من أبرزِ المخاطر (النظاميَّة) ما يواجهُ المطورين من عوائق في أجهزة الإدارة الحكومية المختصَة بالتطوير العقاريّ إذ أنَّ مشاريع التطوير العقاريّ تنطوي –أحياناً- على بطءٍ شديدٍ في استكمال إجراءات أجهزة الإدارة الحكوميَّة للتراخيص والموافقات اللازمة للتطوير للعديد من الأسباب أهمها عدمُ الربطِ الإلكتروني بين الجهاز الإداري المختصّ والأجهزة الإداريَّة والعدلية ذات العلاقة.
كما أنَّ بعض الأجهزة الإدارية تتعسف مع المُطوِّر من خلال وضعِ اشتراطاتٍ صعبة التحقيق ومن ذلك إلزامُ المُطوِّر بزيادة النسبة التخطيطية بما يتجاوز النسبة اللازمةِ نظاماً، مع عدم قُدرة المكلف على التظلُّمِ أمام القضاء الإداري خشية تعنِّت الجهاز الإداري في استكمال إجراءات التطوير لبقيَّةِ أراضيه، بالإضافةِ إلى عدم الموثوقية المطلقة لبعض وثائق المُلكيَّة للأراضي التي استكملت –في الأصل- كافّة إجراءاتها الشرعية والنظامية مما جعلها موثَّقة لدى الجهاز العدلي المُختصّ بما يَسْتَتْبِعُ ذلكَ من قوَّةٍ في الإثبات وعدم جوازِ الطعنِ عليها إلا تأسيساً على مُخالفتها لمقتضى الأصول الشرعية أو النظاميّة، إذ من الممُكنِ أن يتعرَّضَ المُطوّر في أي وقت أثناء تطويره لأرضه لمنازعة في أصل وثيقة المُلكية التي يستكمل بناءً عليها تطويره لأرضه، الأمر الذي قد يجعلُ الجهاز الإداري المختص يمتنعُ عن استكمال إجراءات التطوير لحين التحقق من موثوقية وثيقة الملكية وقد يطول ذلكَ لعدّةِ سنين بسبب قد لا يكونُ لهُ يدٌ فيه، خاصَّة وأن بعض أجهزة الإدارة الحكومية توقفُ إجراءات تطوير الأرض دون أمر صادر من الأجهزة العدلية المختصة بذلك.
كما قد يواجهُ المُطوِّر أثناء تطويره إجراءات نظامية تُعيقُ عملية التطوير حتى يكونَ غير قابلٍ للتنفيذ أحياناً، ومن ذلك تغييرُ استخدامات الأراضي بحيث يبدأ المالك بعملية التطوير مُعتبراً أن الأرض تجارية بما يستتبع ذلك من تصميم ورفع مساحي وكروكي تنظيمي ونحوه، ومن ثمَّ يُفاجأُ بتغيير الجهاز الإداري المختص لاستخدام الأرض لأي سبب من الأسباب مما يجعلهُ مُضطراً –نظاماً- إلى إعادة كافة إجراءات التطوير بعد البدء به .
ولعلَّ من أبرزِ ما قد يُساهم في درء المخاطر النظامية التي قد تقعُ للمُطورين العقاريين ما يلي :
1. دراسة الأجهزة العدلية للإشكالات المُتعلقة بموثوقية وثائق المُلكية، والخروج بإجراءات واضحة بحيث يَثْبُتُ لمن اتخذها مُلكية أرضه ملكيةً مطلقة، ويكونُ لمن ادعى مُلكيَّتها ومن ثمَّ ثبتت ملكيتها له -بعد تطوير الأرض أو البناء عليها- الرجوع من خلال القضاء الإداري على الجهاز الإداري أو العدلي الذي أخلَّ باستيفاء الإجراءات اللازِمَة للاستيثاق من وثيقة الملكية أو حدودها وأطوالها، بحيث يستطيع المتضرر -الذي ثبتت ملكيته بعد تطوير الأرض- أن يطلبُ التعويض عما لحقهُ من ضرر أو ما فاتهُ من كسبٍ ثابت .
2. عدمُ سريان الإجراءات التي تصدُر بعد بدء المطور بعملية التطوير على الأراضي التي يتم تطويرها، إذ أنَّ المُطوِّرَ قد بدأ بتطويرها بناءً على الدراسات التي تمت وفق الإجراءات المنصوص عليها عند بدء عملية التطوير، وسريانُ ما استجدَّ من إجراءات على عملية التطوير قد يوقفُ التطوير أو يجعلُ المطور يرجعُ على الجهاز الإداري المُختص بالتعويض .
3. لا تسمح الأجهزة الإدارية المختصة بتطوير الأراضي إلا بتطوير المطور العقاري لكامل مشمول أرضه، ولا يستطيعُ –حتماً- تطويرها إلا بعد ثبوتِ ملكيتها بحدودها وأطوالها مما قد يُعرضه لعوائق تحول دون التطوير عند وجود التداخلات مع الأراضي المُجاورة التي لم تتم تسويتها وإن كانت نسبةُ المساحات المتداخلة ضئيلة جداً، لذا فمن المأمول أن تقوم الأجهزة الإدارية المختصة بتطوير الأراضي بالسماح للمطورين العقاريين بتطوير جميع المساحات المُثبتةِ المُلكية مع تأجيل السماح بتطوير المساحات المُتنازع على مُلكيتها كونها تشكل نسبة ضئيلة في كثير من الأحيان .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً