قراءة في مراحل الجريمة التي لا يعاقب عليها القانون
لا يتدخل القانون بالعقاب على مرحلتين من مراحل الجريمة: الأولى، هي التفكير فيها والتصميم عليها، والثانية، هي الأعمال التحضيرية لها.
التفكير في الجريمة والتصميم عليها:
هذه هي المرحلة النفسية للجريمة، إذ الجريمة فيها محض فكرة أو مجرد إرادة. ولا عقاب على هذه المرحلة ولو ثبت التفكير أو التصميم على نحو لا شك فيه، كما لو اعترف به صاحبه أو أبلغ غيره عنه، وقد صرح الشارع بذلك فقضت الفقرة الثانية من المادة 45 من قانون العقوبات (المصري) أنه: “لا يعد شروعاً في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها أو الأعمال التحضيرية لذلك”. والعلة في عقد العقاب واضحة: فكل صور الجريمة – ولو كانت مجرد شروع – تتطلب ركناً مادياً، ويقتضي هذا الركن “فعلاً”، وللفعل كيان مادي يقوم على حركة عضوية، ولا وجود لذلك حينما تكون الجريمة محض فكرة أو مجرد إرادة، ومن ثم لا يكون للتجريم محل. وبالإضافة إلى ذلك فإن عدم العقاب على هذه المرحلة تشجيع على العدول عن تنفيذ الجريمة، وبذلك يكون لخطة الشارع سند قوي من سياسة العقاب.
وقد يرد إلى الذهن أن لهذه القاعدة استثناءها حيث يعاقب القانون على التحريض في ذاته (المواد 95 و 97 و 172 من قانون العقوبات المصري)، أو الاتفاق الجنائي (المادتان 48 و 96 من قانون العقوبات المصري)، أو التهديد (المادة 327 من قانون العقوبات المصري)، ولكن الحقيقة أن هذه الحالات ليست استثناء وارداً على القاعدة: إذ تفترض جميعاً تعبير الجاني عن تصميمه الإجرامي بقول أو إيماء أو كتابة، ويعني ذلك أن ثمة فعلاً يقوم به الركن المادي للجريمة، فالجاني لم يقف عن مرحلة التفكير أو التصميم، بل جاوزها إلى مرحلة التنفيذ الكامل لجريمة تقوم بفعل التحريض أو الاتفاق أو التهديد. وبالإضافة إلى ذلك فإن الشارع لا يعاقب على هذه الأفعال باعتبارها شروعاً في الجريمة محل التحريض أو الاتفاق أو التهديد، ولكن يعاقب عليها كجرائم متميزة مستقلة بذاتها.
الأعمال التحضيرية:
تتخذ الجريمة في هذا المرحلة كياناً مادياً، إذ يعبر الجاني عن تصميمه بأفعال ملموسة. ويراد بالأعمال التحضيرية كل فعل يحوز به الجاني وسيلة ارتكاب الجريمة كشراء السلاح أو تجهيز المادة السامة أو استعارة أداة فتح الخزانة، وتشمل الأعمال التحضيرية كذلك كل فعل يضع به الجاني نفسه في الموضع الذي يمكنه من الإقدام بعد ذلك على تنفيذ الجريمة كاتخاذه مكاناً في عربة النقل العام لسرقة بعض مستقليها أو سيره في الطريق الموصل إلى مسكن المجني عليه حيث يريد ارتكاب القتل أو السرقة أو الإتلاف، وفي تعبير أعم يراد بالأعمال التحضيرية كل فعل يهدف به الجاني إلى خلق الوسط الملائم لتنفيذ الجريمة. والقاعدة ألا عقاب على هذه الأفعال، أي أنها لا تعد شروعاً في الجرائم محل التحضير، وقد صرح الشارع بذلك في الفقرة الثانية من المادة 45 من قانون العقوبات (المصري). وعلة هذه القاعدة أن العمل التحضيري متجرد من الأهمية القانونية، إذ لا ينطوي على خطر يهدد حقاً أو مصلحة، وهو بعد ذلك غامض إذ لا يكشف في صورة أكيدة عن نية إجرامية، فشراء السلاح قد يدل على اتجاه إلى جريمة ولكنه قد يدل على اتجاه استعماله في الدفاع عن النفس، وتركيب المادة سامة قد يدل على اتجاه إلى جريمة ولكنه قد يدل على اتجاه إلى استعمالها في إبادة الحشرات، ويعني ذلك أن صعوبات إثبات النية الإجرامية تقف عقبة ضد الإجراءات الجنائية إذا ما اعتبر العمل التحضيري للجريمة صورة للشروع فيها. وبالإضافة إلى ذلك فإن لهذه القاعدة سندها من سياسة العقاب: ذلك أن عدم العقاب على العمل التحضيري هو تشجيع على العدول عن البدء في تنفيذ الجريمة، وهذه المصلحة تتفوق على كل مصلحة للمجتمع يهدف إلى تحقيقها عن طريق توقيع العقاب. ولكن تجرد الأعمال التحضيرية من الأهمية القانونية إنما هو بالنسبة إلى الجرائم محل التحضير، ويعني ذلك أن العمل التحضيري قد تكون له من جهة أخرى أهمية قانونية.
العمل التحضيري كجريمة قائمة بذاتها:
على الرغم من أن العمل التحضيري لا يعد شروعاً في الجريمة محل التحضير، فقد يعتبره القانون جريمة تامة متميزة عن الجريمة التي يستهدف التحضير لها. ويقرر الشارع ذلك حينما يقدر أن العمل التحضيري ينطوي على خطر أو يكشف على نحو واضح عن خطورة مرتكبه: مثال ذلك تجريم حيازة السلاح بدون ترخيص وتقليد المفاتيح أو التغيير فيها أو وصنع آله ما مع توقع استعمالها في ارتكاب جريمة.
العمل التحضيري كظرف مشدد:
إذا وقف الجاني عند العمل التحضيري فلا عقاب عليه، ولكن إذا جاوزه فبدأ في تنفيذ الجريمة أو أتمها، فقد يعد تحضيرها على نحو معين سبباً لتشديد عقابها، ويعني ذلك أنه إذا لم تكن للعمل التحضيري أهمية في ذاته، فقد تكون له أهمية في تحديد مقدار العقاب الذي يوقع من أجل الجريمة محل التحضير: فحيازة السلاح عمل تحضيري للسرقة ولا عقاب عليه بهذا الوصف، ولكن إذا نفذت الجريمة وكان الجاني حاملاً سلاحاً غلظ عقابها.
العمل التحضيري كوسيلة اشتراك:
إذا اقتصر نشاط الجاني على مجرد إتيان العمل التحضيري فلا عقاب عليهن ولكنه إذا ربط بينه وبين نشاط فاعل الجريمة بحيث كان وسيلة لتعضيده، فإن العمل التحضيري يعد بذلك وسيلة مساهمة في الجريمة ويكون أساساً لمسئولية مرتكبه عنها باعتباره شريكاً فيها بالمساعدة: فإذا حاز الجاني سلاحاً بنية استعماله في القتل ووقف نشاطه عند ذلك فلا عقاب عليه من أجل القتل، ولكن إذا سلم السلاح إلى شخص استعمله في القتل كان مسئولاً عن هذه الجريمة باعتباره شريكاً فيها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً